تنامي حالات انتحار المنتسبين.. هل تتحول لظاهرة؟

تنامت حالات الانتحار بين المنتسبين الأمنيين خلال أدائهم الواجب، لتثير موجة من الأسئلة حول أسبابها،…

تنامت حالات الانتحار بين المنتسبين الأمنيين خلال أدائهم الواجب، لتثير موجة من الأسئلة حول أسبابها، وفيما عزا مختصون نفسيون وعسكريون الأمر الى “ظروف خاصة” لا علاقة لها بالمؤسسة الأمنية، داعين جميع الباحثين والمختصين الى التكاتف ودراسة تلك الحالات للحد من تحول الأمر الى ظاهرة.   

ويقول الخبير الأمني حسين الكناني خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “موضوع انتحار المنتسبين، هو اجتماعي يتعلق بالكثير من الأسباب التي تقف خلفه، وعادة ما يكون الشخص المنتحر في عمر المراهقة، أما أن يكون هناك رجل كبير يعمل في وزارت مثل وزارة الدفاع أو الداخلية، فلا يوجد له أي مبرر علمي، سوى أنه قد يكون نتيجة تأثير المخدرات أو شيء آخر”.

ويضيف الكناني، أن “هذه المسألة تحتاج الى مراجعة، فهناك الكثير من القيم هي دخيلة على المجتمع، ومنها ثقافة الانتحار”، مضيفا أن “بعض الأمور لاقت ترويجا من قبل وسائل الإعلام، ومنها الانتحار والمخدرات، وتجد من ينفذها على أرض الواقع، سواء كان من خلال المراهقين أو من خلال المدمنين، ولذلك لا نجد لها أي تفسير علمي أو منطقي أو حتى اجتماعي، على اعتبار أن مجتمعنا محافظ وملتزم ولا تروج لمثل هذه الثقافات جملة وتفصيلا”.

ويلفت إلى أن “المؤسسة العسكرية مبنية على أساس القسوة والقرارات الصعبة والأيام الطويلة وعدم منح الإجازات لمدة شهر، ولكن هذا لا يعطي المبرر للانتحار، خاصة وأنه يتم تدريبهم على مثل هذا الحالات، ومنذ الأيام الأولى للتدريب ينتظر المنتسب لمدة لا تقل عن شهر حتى يبدأ بالنزول، وفي الحالات الطارئة قد تصل إلى عدة أشهر”.

ويستطرد “من غير المقبول المسامحة في أي تصرف مهمل أو ما شابه ذلك من قبل العسكري، وهذه الأمور يتم التدرب عليها منذ دخول هذا السلك، ويعتاد عليها الكثير من المقاتلين، وحتى في العهد السابق كانت هنالك معارك وحروب واشتباكات، وكان التعامل بهذه الطريقة لمدة شهرين أو ثلاثة طبيعيا جدا، فالمقاتل يبقى في جبهات القتال إلى أن ينتهي الانذار أو حالة المواجهة وفي الحالات الطارئة من الطبيعي أن يبقى المقاتلون في وحداتهم العسكرية، وبالمجمل هذا ليس مبررا للانتحار”.

وأقدم شرطي مرور على الانتحار في التاسع من كانون الثاني يناير الحالي، خلال تأديته واجبه في محافظة ذي قار، لكن عمليات الانتحار لم تتوقف، ففي 15 من الشهر الحالي أقدم منتسب آخر في الشرطة الاتحادية على الانتحار أيضا خلال تأدية واجبه في غرب بغداد، وبعد يومين فقط، أي في 17 من الحالي، جرت عمليتي انتحار لمنتسبين في الشرطة الاتحادية ايضا وخلال تأديتهم لواجبهم في بغداد.

ووفقا لتفاصيل بعض حالات الانتحار أعلاه، فإن أحد المنتسبين برتبة “مفوض” وهي أدنى رتبة في وزارة الداخلية، وكان يعمل منظفا في مقر الفوج الذي انتحر فيه.

وتعد ظاهرة الانتحار، من الظاهر التي بدأت بالانتشار في العراق، الذي بات يسجل ارتفاعا بأعدادها سنة تلو أخرى، ووفقا للمتحدث باسم وزارة الداخلية خالد المحنا، فإن حالات الانتحار المسجلة في العام 2016 كانت 393 حالة، وفي العام 2017 بلغت 462 حالة وفي العام 2018 بلغت حالات الانتحار 530 حالة، أما في العام 2019 فقد بلغت 605 حالات، وفي عام 2020 بلغت 663، وفي العام الماضي بلغت 772.

الى ذلك، يبين الباحث الاجتماعي محمد المولى خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “حالات الانتحار بين المنتسبين، فيجب أولا أن نشدد على أن هناك حالات فردية، وهذه الحالات قد تصيب المنتسب أو المواطن الاعتيادي أو الشاب أو الصغير، لأن  الشخص عندما يقدم على خطوة كبيرة كالانتحار، فهذا يعني أنه قد وصل إلى حالة فكرية من الانسداد وعدم إيجاد الحلول لأية معضلة، ولم يجد مخرج للسعادة أو الحياة”.

ويلفت المولى، إلى أن “الظروف بمجملها من الضائقة الاقتصادية التي يمر بها البلد والظروف الاجتماعية المتراكمة، والأمور غير المستقرة، حيث يشعر المواطن أنه غير قادر على إيواء عائلته، إضافة إلى المشاكل والضغوطات التي يتعرض لها الفرد، كلها أسباب وأزمات لدى المواطن”، متابعا “إذا كنا نريد مجتمعا صحيا ينظر إلى الأمر بشكل دقيق وصحيح وغد أفضل، يجب أن يكون هناك ثمرة للإنتاجية، فعلينا أن نفصل هذه الحالات ونجد السجل التراكمي النفسي الصحي لها لنصل إلى ما قد أوصل الشخص لهذه الحالة، فقد تكون بتأثير عوامل ثانية مثل المخدرات أو العلاقات أو مشاكل أو انسداد”.

لذلك فإن هذه الحالات، بحسب المولى، قد تدرس من الظاهرة الاجتماعية العامة والخاصة لكل فرد نفسيا واجتماعيا صحيا، لنخرج بمحصلة ودراسة، لكن بمجمل ما يفرض على المواطن العراقي من ضغوطات أو ترؤس مرؤوسين غير جيدين، تضيف قائمة جديدة إضافة إلى الضغوطات التي يتعرض لها أثناء الحياة والمجتمع والضائقة المالية”.

ويدعو المختصين النفسيين والإجتماعيين الى “التكاتف لدراسة هذه الحالات بشكل فردي، والأخذ بتفسير الحالة، وما الذي حدث لها من تراكمات، بغية عدم تحولها إلى ظاهرة مجتمعية”.

يذكر أن مفوضية حقوق الإنسان، أكدت مطلع العام الحالي، أن التعامل مع ظاهرة الانتحار كمعالجة شاملة، يتطلب معالجة الأسباب الدافعة، التي تتضمن تداعيات نفسية أساسها الفقر والبطالة، وبيئة السكن وما يتعلق بحرية الرأي والتعبير وموضوع تعزيز الثقة بالدعم المجتمعي، وتعزيز وجود الأعراف المجتمعية والتثقيف والوعي في الأسرة وإطلاق سياسية وطنية عليا لهذه الأمور.

إقرأ أيضا