“صفقة تسليم غامضة”.. هل تنازل العراق عن عشرات القطع الأثرية المهربة لمتحف لبناني؟

لم تكن الصورة التي ظهر عليها حفل استعادة الآثار العراقية في بيروت أمس الأحد مكتملة، بل…

لم تكن الصورة التي ظهر عليها حفل استعادة الآثار العراقية في بيروت أمس الأحد مكتملة، بل طغى عليها حالة من الغموض وانعدام الشفافية، لاسيما الشق الذي يتعلق بالعدد الحقيقي لتلك القطع، والفترة الزمنية التي احتفظ بها متحف “نابو” اللبناني، بالإضافة الى أسباب وطرق وصولها الى البلد الذي يحتفظ نظامه بصلات سياسية ومالية وثيقة مع العراق، في ظل أنباء عن احتفاظ المتحف المذكور بعشرات القطع الأخرى بموافقة من رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي.

وتقول مصادر مطلعة خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “قضية استعادة العراق 337 قطعة أثرية من متحف نابو في لبنان، الذي تعود ملكيته الى جواد عدرا، زوج وزيرة الدفاع اللبنانية زينة عكر، تشوبها الكثير من الأسرار”.

وجرى في لبنان يوم أمس الأحد، حفل تسلم العراق لـ337 قطعة أثرية من المتحف بشكل رسمي، وبحسب بيان وزارة الثقافة والسياحة العراقية، فإن استعادة هذه القطع جاءت بجهود وزارة الخارجية، ووزارة العدل، وجهاز الأمن الوطني.

ومن المفترض أن تصل القطع الأثرية المستعادة اليوم الاثنين، الى مطار بغداد الدولي، وفقا لوزارة الثقافة لتجري مراسم تسليمها رسميا في مطار بغداد الدولي.  

وتضيف المصادر، أن “عدد القطع الأثرية العراقية المهربة التي يملكها المتحف تتجاوز الـ500 قطعة، وأن ما تمت إعادته للعراق هي 337 قطعة فقط، فيما تم الاحتفاظ بالباقي، حيث جرى الإعلان الرسمي عن العدد المذكور دون بشكل يوحي بعدم وجود قطع أخرى، ودون الإشارة الى أن هناك وجبة أخرى”. 
متحف "نابو" اللبناني من الداخل (أرشيف)

وتتابع أن “متحف نابو، وهو متحف خاص وليس حكوميا، ومن خلال علاقات مديره وزوجته وزيرة الدفاع زينة عكار، وبتوسط جهات لبنانية ترتبط بعلاقة مع رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي، تم إقناع الأخير بترك المطالبة بقطع من تلك الآثار المهربة الموجودة داخل المتحف، والتي تقدر بـ163 قطعة أثرية، وهذا ما حصل فعلا من خلال موافقة الكاظمي على المطلب، مقابل تسليم العدد الأكبر منها للجانب العراقي”.

ولم يتسن لـ”العالم الجديد” الحصول على تعليق من قبل مكتب رئيس مجلس الوزراء أو وزير الثقافة والسياحة والآثار حسن ناظم الذي جمعه لقاء سابق في بغداد مع زوجة مالك المتحف وزيرة الدفاع اللبنانية زينة عكار في 17 تشرين الثاني نوفمبر 2020 دون الإعلان عن مفاوضات استعادة تلك القطع الأثرية.

يذكر أن ناظم أوضح لموقع “درج” اللبناني، بالقول إن “أصدقاء لبنانيين أبلغوا الوزارة بوجود آثار في متحف نابو، وأن مفاوضات الاستعادة بدأت منذ شهر حزيران يونيو من العام 2020، حيث وصل وفد حكومي عراقي إلى بيروت ضم خبراء من وزارات الثقافة والعدل والخارجية ومن جهاز المخابرات وتحقق من هوية القطع الأثرية”، نافيا “دفع أية أموال لاستعادة هذه القطع، وكل ما قدمناه هو تمديد فترة عرض القطع في المتحف لستة أشهر”.

الى ذلك، كشفت وثيقة صادرة من مكتب رئيس مجلس الوزراء وحصلت “العالم الجديد” على نسخة منها، عن أسماء الوفد المشكل من عدة جهات حكومية لاستلام القطع الأثرية، والتي شملت ممثلين عن جهاز المخابرات الوطني، وزارة الخارجية، وزارة الثقافة والسياحة والآثار، ووزارة العدل. 

على صعيد متصل، نفى مؤسس متحف “نابو” اللبناني، جواد عدرا، أن تكون القطع الأثرية التي تم الاتفاق على تسليمها إلى العراق مهربة، في تكذيب لما قاله وزير الثقافة اللبناني محمد مرتضى.

ولفت إلى أن “اتفاقا جرى بين المتحف (نابو) اللبناني الذي توجد فيه القطع الأثرية وبين الحكومة العراقية يتضمن تسليم هذه القطع إلى العراق، برعاية وزارة الثقافة وفق أسس محددة”.

وكانت وكالة الأنباء العراقية “واع”، قد نقلت عن وزير الثقافة محمد مرتضى تأكيده أن العراق سيتسلم 337 قطعة أثريّة عراقيّة “مهرّبة”.

جدير بالذكر أن المتحف المذكور يحمل اسم الإله “نابو” إله الحكمة والكتابة في العراق القديم (بلاد ما بين النهرين)، ويحتوي على مجموعة من القطع الأثرية المؤلّفة من أكثر من 2000 قطعة استثنائيّة معروضة بشكل دائم، كما أنه مملوك من قبل عائلة سياسية، ومالكه الأول هو جواد عدرا الذي ترشح لأكثر من حقيبة وزارية، فضلا عن منصب زوجته.

ويضمّ المتحف أيضاً مجموعة نادرة من الرقميات المسماريّة التي يرجع تاريخها إلى الفترة ما بين 2330 و540 قبل الميلاد، وهي عبارة عن أعمال أدبية، وسجّلات اجتماعية واقتصادية شاملة، تزوّد بمعلومات مفصّلة وواسعة عن تاريخ وثقافة الشعوب السومرية والبابلية التي كانت تسكن بلاد ما بين النهرين .

بالإضافة إلى هذه المجموعة المتنوّعة من المقتنيات الأثرية، يعرض المتحف مجموعة غنية من الأعمال الفنية الحديثة والمعاصرة، بينها مجموعة عائدة إلى أشهر الفنّانين العراقيين والعرب أمثال شاكر حسن السعيد، إسماعيل فتاح الترك، ضياء العزاوي، محمود العبيدي، أمين الباشا، هيلين الخال، عمر أنسي، آدم حنين، شفيق عبود، بول غيراغوسيان، ومصطفى فروخ.

وتعرض العراق بعد الاحتلال الأمريكي في العام 2003 الى أكبر عملية نهب ثقافي وفني شهده التاريخ من خلال استيلاء عصابات التهريب على كنوزه الأثرية والفنية الموزعة على المتاحف التاريخية أو المعنية باللوحات والأعمال الفنية، حيث لا زالت تخضع لعمليات بيع وشراء في مزادات أمريكية وأوروبية وعربية.

إقرأ أيضا