التيار والعصائب.. ماذا بعد أن سقطت ورقة التوت؟

صراع أسقط الخطوط الحمراء، وأظهر ما كان خفيا الى العلن، ليكشف النقاب عن طبيعة التوتر…

صراع أسقط الخطوط الحمراء، وأظهر ما كان خفيا الى العلن، ليكشف النقاب عن طبيعة التوتر الذي يشوب العلاقة بين التيار الصدري وحركة عصائب أهل الحق، والذي وصل الى مديات خطيرة حيث تجري منازلة كبرى بينهما في محافظة ميسان الجنوبية، الأمر الذي استدعى محاولات لرأب الصدع بين وفدين من الجهتين، وأثار مخاوف من انتقال شرارتها الى العاصمة بغداد أو غيرها من الساحات المشتركة، مدفوعة بانسداد سياسي يشكل الطرفان أبرز أسبابه، وسط فقدان الحكومة لبوصلة اتجاهاتها وترك القرار بيد “جماعات مسلحة”.

ويقول المحلل السياسي رعد الكعبي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الصراع الدائر بين الطرفين، التيار الصدري وحركة عصائب أهل الحق في ميسان، لن ينتقل الى أي محافظة أخرى، لأن الموضوع ينطوي على ثلاثة مؤشرات مهمة، أولها أن الصراع في جذوره اقتصادي سياسي، وهذا قد لا يتحقق في محافظات أخرى”.

وظهرت شرارة الخلاف في ميسان، بين حركة عصائب أهل الحق والتيار الصدري، يوم 3 شباط فبراير الحالي، بعد اغتيال حسام العلياوي، وهو شقيق وسام وعصام العلياوي، الذين اغتيلا بأحداث تظاهرات تشرين الأول أكتوبر 2019، وهم جميعهم قياديون في حركة العصائب بمحافظة ميسان.

ويضيف الكعبي “ثانيها هو أن الطريقة التي تم فيها احتواء الصراع وإيقاف نزيف الدم، طريقة تشير الى أن الطرفين لا يرغبان بنقل الصراع الى مناطق أخرى، وثالثها أن هذا الصراع دق ناقوس الخطر لدى الشيعة، وحين يكون الصراع شيعيا شيعيا، فإنه قد يفتح الباب على صراع سياسي واجتماعي، وهذا قد يتسبب بمشكلة أكبر”، مؤكدا “لذلك سيتم احتواء الموضوع وإيقاف تدهوره أكثر”.

ويستبعد “انتقال الصراع الى بغداد، على الرغم من وجود العصائب والتيار فيها، لأن تركيبة ميسان تختلف عن العاصمة، بسبب طبيعة التركيبة السكانية المختلفة، لكن بشكل عام ما يحتاجه أهل ميسان هو إعادة النظر في مبررات هذا الصراع، وكيفية تصفية الأمور بطريقة تحفظ دماء الناس”.

وكان زعيم الحركة قيس الخزعلي، قد نشر تغريدة عقب الاغتيال، وتحدث فيها بشكل علني، قائلا إن “اليد التي اغتالت الشهيد حسام العلياوي، هي نفس اليد التي اغتالت أخاه الشهيد القائد وسام العلياوي، وأخاه عصام من قبل، وهذه اليد لا تريد إلا إثارة الفتنة وخصوصا في هذا التوقيت، كلنا حسن ظن بأخينا العزيز السيد مقتدى الصدر بإعلان البراءة من هؤلاء القتلة الذين صدرت بحقهم أوامر إلقاء قبض من قضائنا العادل، ولكن الأجهزة الأمنية تعجز عن تنفيذ هذه الأوامر، لأن هؤلاء المجرمين يدعون الانتساب إلى سرايا السلام المجاهدة”.

لكن الموقف شهد تصعيدا، حيث جرت نزاعات عشائرية حادة، بعد اغتيال حسام العلياوي، وذلك على خلفية اغتيال قياديين في التيار الصدري بالمحافظة.

على الصعيد الرسمي، شكل رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، لجنة تحقيقية مباشرة وأوفد وزير الداخلية عثمان الغانمي للمحافظة لاحتواء التصعيد، ومن ثم تم إرسال قطعات من “القوات الخاصة” للمحافظة، وتحديدا لقضاء الكحلاء، الذي شهد انفلاتا أمنيا كبيرا.

الكاظمي من جانبه، وفي 9 شباط فبراير الحالي، وصل الى المحافظة، والتقى بعائلة القاضي أحمد الساعدي، الذي اغتيل في 5 شباط فبراير، أي بعد يومين من اغتيال العلياوي.

خلال وجود الكاظمي في ميسان لم تتوقف العمليات المسلحة، حيث قتل أكثر من شخص وتجدد النزاع العشائري.

وفي محاولة لوقف نزيف الدم، توجه وفد مشترك من التيار الصدري وعصائب أهل الحق الى ميسان، وعقدا اجتماعا ونصت مخرجاته على إدانة واستنكار جميع جرائم القتل في المحافظة ودعم ومساندة القضاء والأجهزة الأمنية من أجل أخذ الدور الأكبر في فرض القانون والحد من الجريمة والوقوف على مسافة واحدة من الجميع إضافة إلى استمرار عمل اللجنة ومتابعة التحقيق وكشف الجناة من أجل أخذ جزائهم العادل قانونياً، كما ورد في البيان الصادر عقب الاجتماع.

الى ذلك، يبين المحلل السياسي علي البيدر خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “انتقال صراع التيار الصدري وحركة عصائب أهل الحق الى بغداد، يتوقف على نوعية وطبيعة الجهد الحكومي في فرض الأمن وتقويض نفوذ الجماعات المسلحة”.

ويلفت البيدر، إلى أن “الصراع الحالي بين الطرفين ينطوي على بصمة واضحة لعملية تصفية حسابات بينهما، وهذا يمكن أن ينتقل الى العاصمة أو مناطق أخرى أكثر هشاشة، لذا يجب التعامل مع الوضع بحكمة وبسط سلطة القانون وهيبة الدولة التي لا بديل عنها في أية خطوة أمنية تحدث”.

ويستطرد “لا يمكن ترك القرار الأمني بيد جهة مسلحة، فهذا يمكن أن يؤدي الى المزيد من الإخفاقات أو ردات فعل انتقامية تقوم بها جماعات مسلحة، ثأرا لعمليات سابقة ضدها أو حتى لبسط نفوذها”، مؤكدا “لغاية الآن الوضع في بغداد مستقر، ويفترض أن يكون هناك جهد استخباري كبير لمنع أي ردة فعل تقوم بها تلك الجماعات أو انتقال تلك العمليات للعاصمة، لكن وارد جدا أن نجد نسخة ميسان تتكرر في بغداد أو في أي بقعة هشة أمنيا في العراق”.

يذكر أن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، ردا على سؤال من انصاره حول أحداث ميسان، في 9 شباط فبراير الحالي، وأبدى فيه استغرابه من الصراع السياسي بين العصائب والتيار، قائلا “فوا عجبي.. أتفرقنا السياسة.. كلا وألف كلا… فأنتم إخوة وإن اختلفنا معهم سياسيا أو لم نرض بالتحالف معهم”، مكملا “حتى وإن كان استهدافهم محافظة ميسان الحبيبة والتصعيد فيها تصعيدا سياسيا من أجل تسقيط محافظها أو من أجل الضغط من أجل التحالف… فكل ذلك لا يحلل الدم العراقي فإياكم والتعدي على الدين والشرع والقانون”.

وجاءت تغريدة الصدر لتشير الى الخلاف بين التيار الصدري والإطار التنسيقي حول التحالف من أجل تشكيل الحكومة، حيث يرفض الصدر التحالف معهم واشترط إبعاد زعيم ائتلاف دولة القانون، لكي يدخل بتحالف معهم، وهو ما رفضوه.

وأدت الأزمة السياسية بين الطرفين الى تعطيل تمرير رئاسة الجمهورية، حيث لم تتوصل الأطراف الى حلول، وسط تمسك الصدر بأحقيته في تشكيل الحكومة وفق “الأغلبية الوطنية” وتمسك الإطار التنسيقي بمبدأ “التوافق” لتشكيلها.

من جانبه، يبين محمد البلداوي، النائب عن كتلة صادقون المرتبطة بحركة العصائب خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “خطوة الوفد المشترك الذي وصل الى ميسان، والتي قررها زعيم حركة عصائب أهل الحق قيس الخزعلي وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، صحيحة لا سيما وأنهما شربا من مشرب واحد ومن منبع واحد، وينتميان إلى  مصدر واحد من مصادر الولاء والعقيدة، وهذه الخطوة هي البوابة التي من خلالها سيكون الانفراج في كل مفاصل العملية السياسية، وكانت ضربة في الصميم لكل قوى الغدر والشر التي عبثت بأمن محافظاتنا العزيزة لإشعال حرب بين الإخوة والأحبة”.

ويردف البلداوي، أن “الخزعلي والصدر، لا يتبنيان المجرمين والقتلة، فالحكومة تقاعست عن أداء عملها تجاههم، واتجاه كل من ثبتت عليه أدلة ارتكابه الجريمة، بغض النظر عن من يحاول ارتداء لباس هذا الفصيل أو ذاك، واليوم المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الحكومة، كما لو تبنى أي تيار من التيارات هؤلاء المجرمين ودافع عنهم، فهو يتحمل المسؤولية الأخلاقية تجاه الدماء التي أريقت أو التي ستراق، ولكن في حالة لم تتبن أية جهة، فإن الحكومة هي المسؤول الأول عن الأمن والاستقرار”.

يشار إلى أن قيس الخزعلي كان قد انشق عن التيار الصدري بعد عام 2006، ليؤسس عصائب أهل الحق، بعد أن كان منتميا لجيش المهدي، الذي يتزعمه الصدر، وقد جمده في العام 2008.

وخاض عناصر الطرفين صراعا مسلحا في فترات لاحقة للانشقاق بينهما في أكثر من مدينة، بينها العاصمة بغداد، فيما استعر الخلاف بينهما بعد اغتيال القيادي في العصائب وسام العلياوي وشقيه، خلال تظاهرات تشرين، وتحديدا في 25 تشرين الأول أكتوبر 2019 حيث اتهم القتلة بارتباطهم بالتيار الصدري.

إقرأ أيضا