مجرمون ومنتسبون.. خرق أمني هل يتحول الى ظاهرة؟

جرائم عديدة هزت الرأي العام في البلاد خلال السنوات الماضية، لكن أكثرها غرابة، أن يكون…

جرائم عديدة هزت الرأي العام في البلاد خلال السنوات الماضية، لكن أكثرها غرابة، أن يكون مرتكبوها من المنتسبين للأجهزة الأمنية المكلفة بمكافحتها أساسا، وفيما دعا خبير أمني، الى إعادة النظر في منظومة إعداد وتطوير الضباط، لتطوير قدراتهم المهنية والاحترافية، قلل باحث اجتماعي من “المشكلة”، نافيا تحولها الى “ظاهرة“.

ويقول الخبير الأمني عماد علو خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “جميع عمليات الاغتيال السياسي التي حدثت وحتى الجرائم المنظمة التي ارتكبت، فهي لا دخل لها بمسألة الضباط والمنتسبين في وزارة الداخلية، بل إن الوزارة مخترقة من قبل أجنحة مسلحة للأحزاب السياسية الفاعلة في العملية السياسية، لذلك نجد عناصر تلك الأجنحة يتمتعون بغطاء سياسي يتيح لهم التحرك وارتكاب انتهاكات والقيام بعمليات يكلفون بها“.

وشهدت الفترة الماضية، وقوع العديد من الجرائم، التي تبين انتساب مرتكبيها الى الأجهزة الأمنية الرسمية، إذ لا تزال جرائم كبيرة ماثلة في الأذهان، من قبيل جريمة اغتيال الباحث الاستراتيجي هشام الهاشمي، وجريمة مقتل عائلة كاملة في ناحية جبلة بمحافظة بابل، فضلا عن قتل الشابة شيلان في منطقة المنصور وسط بغداد، والمعلمة مريم في محافظة الديوانية، كلها جرائم قام بها منتسبون وضباط بحسب البيانات الرسمية.

ويضيف علو، أن “التحقيقات التي تجري في تلك الجرائم حددت الأدوات فقط، منبينهم منتسبون بوزارة الداخلية، دون الكشف عن الدوافع أو الجهات التي مولت ورعتها”، داعيا الى “مراجعتها والوقوف عندها، لأنها تحتاج إلى إعادة تقييم الضباط والمنتسبين بين فترة وأخرى، وهذا ما كان يتبع سابقا بالنسبة للوزارات والأجهزة الأمنية للتأكد من سلامة الموقف، والتأكد من أمور عديدة تتعلق بمهنية المنتسب“.

ويلفت الى أن “الجهات الأمنية لم تعد تتبع سياق التأكد من الخلفية الأمنية للمنتسبين، خاصة بالنسبة للضباط، فكان سابقا يتم التأكد من سلامة موقف أقاربه ومن الموافقة الزوجية، والتأكد من موقفه في الأمن الوطني والاستخبارات، ولذلك يكون الشخص المنتسب محصنا أو على درجة معينة ومقبولة من التحصين والآن يبدو أن ذلك لا يتبع”، مشيرا الى “ضرورة إعادة النظر في منظومة إعداد وتطوير الضباط سواء في وزارة الدفاع أو الداخلية، لتطوير قدراتهم المهنية والاحترافية فيما يتعلق بأداء واجباتهم، لذلك لاحظنا في الفترة الأخيرة زيادة الانتهاكات، ولا ننسى أنه مع بداية تأسيس وزارة الداخلية الجديدة كانت هناك دمج لـ9 فصائل مسلحة وطالبتها بالانضمام إلى الوزارات الأمنية، وفقا لقرار بول بريمر (الحاكم الأمريكي) رقم 91 لسنة 2004، وبهذا أصبحت الوزارات مخترقة“.

ويستطرد “مثلا نلاحظ الآن في ميسان، أن السبب الأساسي في انتشار الجريمة المنظمة والمافيات هو تواطؤ الأجهزة الأمنية مع المافيات، بسبب الروابط العائلية والعشائرية مع أفرادها، لذلك لابد من إعادة النظر في هذه المنظومة وتقييم أدائها وشخوصها بشكل علمي وموضوعي“.

وبين فترة وأخرى، تُثار قضايا فساد أو ارتكاب جرائم، بحق منتسبين في الأجهزة الأمنية، وغالبا ما تشكل لجان تحقيق بحقهم، وكانت آخر الحوادث هي اعتداء ضابط على كاتب عرائض أمام إحدى الدوائر الحكومية، لرفضه إعطاء مبلغ من المال، مقابل جلوسه على الرصيف لمزاولة عمله.

الى ذلك، يبين الباحث الاجتماعي والنفسي ريسان عزيز، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “البدلة العسكرية لا تؤثر على الشخص أو تدفعه لارتكاب أفعال منافية للأخلاق، فالعسكرية بصورة عامة هي واحدة من وسائل الضبط العالية، حتى أن تحول المجتمعات من الوحشية البربرية الى الحياة المدنية، لا يتم إلا عبر المرحلة العسكرية“.

ويردف عزيز، أن “المشكلة هي في سوء استخدام القانون، إذ يمكن لهذا الأمر أن يؤدي الى سلوكيات غير مقبولة، وإلا فالقوانين والمهنة العسكرية لا يمكن أن تسمح بهكذا أفعال، بل هي أحد أهم وسائل الضبط”، عازيا ظهورها الآن الى “المشاكل في تطبيق القانون وفهمه على المستويين المدني والعسكري“.

وينفي “تحول هذه المشكلة الى ظاهرة اجتماعية، كونها جزئية ظهرت في الفترة الأخيرة، مع أنها ليست بالجديدة، فحتى الدول المتقدمة لا تخلو من وجود هكذا مجرمين ولكن بنسب أقل“.

وكان استخدام العنف الأبرز، هو في فترة التظاهرات التي انطلقت عام 2019، حيث واجهت القوات الأمنية المتظاهرين بشتى أنواع العنف والأسلحة، وأدت في حينها الى مقتل نحو 600 متظاهر وإصابة نحو 25 ألفا آخرين، ولغاية الآن لم تكشف نتائج التحقيق بشكل تام أو تسمية المقصرين ومحاسبتهم.

إقرأ أيضا