الهيئات المستقلة.. ماذا بقي من “استقلالها”؟

أثارت قضية تغيير سعر صرف الدولار، الحديث مجددا عن شكل العلاقة القانونية التي تربط مجلس…

أثارت قضية تغيير سعر صرف الدولار، الحديث مجددا عن شكل العلاقة القانونية التي تربط مجلس النواب بالهيئات المستقلة، ومنها البنك المركزي العراقي، ففيما أكد خبراء في القانون أن الدستور الذي جعلها مستقلة عن الحكومة، منح مجلس النواب، حق الرقابة عليها وتعيين وإقالة رؤسائها، رأى محلل سياسي أن تلك الهيئات فقدت صفة “الاستقلال” نتيجة لهيمنة أحزاب السلطة والكتل السياسية عليها، ما يمكنها من التحكم بقراراتها.

ويقول الخبير القانوني عدنان الشريفي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الهيئات المستقلة هي هيئات أعطاها الدستور خصوصيات معينة تختلف نوعا ما عن الوزارت، وهذه الهيئات المستقلة تخضع لرقابة البرلمان، فمثلا استدعاء رئيس أي هيئة منها، بما فيها البنك المركزي، هو من اختصاص البرلمان، لكون تلك الهيئات تخضع لرقابته”.

ويضيف الشريفي، أن “البرلمان كهيئة رقابية له حق الإشراف على جميع الهيئات المستقلة ومن ضمنها الوزارات، حيث أنه يمارس الدور الرقابي على الجميع، سواء كانت وزارة أو هيئة مستقلة، لكن الفرق بين الهيئة المستقلة والوزارة، هو أن الوزارة يترأسها وزير يرتبط بمجلس الوزراء، وهذا الأخير هو الذي يتخذ القرارت، لكن الهيئة المستقلة يترأسها من هو بدرجة وزير وليس وزيرا، وهو ليس ضمن تشكيلة مجلس الوزراء الذي يرسم سياسة الحكومة”.

ويتابع “كما أنها سميت مستقلة، من أجل حماية=تها من التدخلات، بمعنى أن رئيس الوزراء ليس لديه سلطة على أية هيئة مستقلة، فالبنك المركزي مثلا في القضية المثارة حاليا، ليس لرئيس الحكومة أية صلاحية في الإشراف عليه من قبيل سحب أموال من الخزينة، فضلا عن أن هذه المؤسسات لها قانونها ونظامها الخاص”، مبينا أن “هناك حادثة شهيرة في عهد حكومة نوري المالكي، حيث حاول سحب 5 مليارات دولار من احتياطي البنك المركزي من أجل تعزيز الموازنة، ولكن تم رفض الطلب، انطلاقا من كون البنك المركزي هيئة مستقلة، لكن بالمقابل فإنه يخضع لرقابة البرلمان”.

ويوضح “بالأصل فإن جميع رؤساء الهيئات المستقلة يجب تعيينهم إما أصالةً أو وكالة، فالأصالة هي صلاحية البرلمان الحصرية لتعيينهم من خلال فتح باب الترشيح أو إرسال أسماء من قبل مجلس الوزراء، وهذا موضوع ليس فيه مشكلة، ولكن رئيس الوزراء يمتلك الحق فقط بتكليف شخصية لتمشية الأعمال بالوكالة، ولكن ليس له الحق بتعيين رؤساء الهيئات المستقلة، وهذا ينطبق على جميع رؤساء الهيئات المستقلة”.

ومنذ مطلع العام الماضي، أثير لغط كبير حول البنك المركزي العراقي، بسبب تغييره سعر صرف الدولار أمام الدينار، وقد توجهت بعض الكتل السياسية لمطالبة البرلمان بإصدار قرار بتغيير سعر الصرف أو تغييره في موازنة 2021 قبل تمريرها، لكن المحاولات باءت بالفشل نظرا لتعارضها مع الدستور الذي منح البنك المركزي بصفته هيئة مستقلة، صلاحية تحديد سياسة النقد العراقي.

وقد جرت العام الماضي، محاولة لاستجواب محافظ البنك المركزي مصطفى غالب مخيف، لكنها فشلت نتيجة لضغوط سياسية في حينها، وقبل أيام تجددت مسألة الاستجواب بعد تغريدة لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، حيث استجاب لدعوة نائب رئيس البرلمان حاكم الزاملي، ليحضر الى البرلمان يوم أمس.

من جانبه، يرى المحلل السياسي عبد الله الكناني، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “جميع الهيئات المستقلة في العراق، فاقدة للاستقلالية، كون أغلبها تابع للأحزاب المشاركة في السلطة، ولو طبقت فيها الاستقلالية لشاهدنا نتائج إيجابية للصالح العام”.

ويردف “بالمعنى العام، يجب أن تكون هذه الهيئات مستقلة، إلا أن الحقيقة هو أن البرلمان مسيطر عليها كليا، إضافة الى الأحزاب السياسية التي تسيطر عليه، ولو انفردت هذه الهيئات بقرارها الخاص لكنا في أحسن حال، لكن للأسف لا يوجد رئيس هيئة الآن يفعل أي شيء دون أن يأخذ الأوامر من رئيس حزبه أو كتلته”.

وفي العراق العديد من الهيئات المستقلة، لكن أغلبها تدار بالوكالة، نظرا لعدم توافق البرلمان على انتخاب رؤساء لها بالأصالة، ومن أبرزها شبكة الإعلام العراقي وهيئة الاعلام والاتصالات وهيئة الاستثمار الوطنية والمفوضية العليا لحقوق الإنسان وغيرها، وبالمقابل فإن البرلمان نجح في وقت سابق، بإقالة بعض رؤساء هذه الهيئات بناء على ملفات فساد مالي وإداري، ومنها رئيس هيئة الاعلام والاتصالات علي الخويلدي في العام الماضي. 

الى ذلك، يبين الخبير القانوني ماجد مجباس خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الدستور ميز بين الهيئات الاتحادية والهيئات المستقلة، فالمستقلة وصفها الدستور بأنها عبارة عن كيانات مستقلة وأخرجها عن رقابة الحكومة الاتحادية، وأصبحت مستقلة وعاملها من حيث الهرم الإداري، معاملة الوزارة، ولكنها ليست تابعة للحكومة كونها مستقلة”.

ويردف مجباس “توجد في العراق هيئات مستقلة متعددة، بناء على الدستور الذي منحها استقلالا ماليا وإداريا، فبعضها سميت بأسمائها وبعضها ترك أمرها بيد مجلس النواب، فهو من استحدثها حسب الحاجة، ومن هذه الهيئات هيئة النزاهة ومؤسسة الشهداء والبنك المركزي وديوان الرقابة المالية وغيرها”.

ويضيف “بما أن الدستور منح مجلس النواب صلاحية استحداث هيئات مستقلة، فإن أولوية الرقابة على أعمالها تكون من صلاحياته، ولكن ليس بمعنى الرقابة التنفيذية مثل الرقابة على الوزارات من قبل مجلس الوزراء وماشابه ذلك”، مبينا أن “العمل الحساس لهذه الهيئات هو ما جعل الدستور يخرجها من عباءة السلطة التنفيذية”.

يذكر أن عدد الهيئات المستقلة في العراق بات أكثر من عدد الوزارات، وحتى عام 2018 كانت هناك 25 هيئة مستقلة، خضعت أغلبها للمحاصصة، وأدخلت ضمن ملف الدرجات الخاصة المثير للجدل، حيث غالبا ما تتقاسم الكتل السياسية هذه الهيئات، ويجري صراع على رئاستها أو أعضاء في مجلسها التنفيذي.

وتوجه اتهامات عديدة لبعض الهيئات بانحيازها لجهات معينة، أو قرب رئيسها من كتل محددة، وسط نفي تلك الجهات، لكن الترشيحات غالبا ما تكشف عن ارتباط شخصيات ببعض الكتل السياسية.

وتعد الدرجات الخاصة، من الملفات المهمة التي تناقش خلال تشكيل كل حكومة جديدة، لضمان الكتل السياسية الحصول على حصصها من المناصب العليا في الدولة، ومن بين هذه الدرجات هي الهيئات المستقلة ووكلاء الوزارات والسفراء.

إقرأ أيضا