وثائق سويسرية: الليبيون المرتبطون بصندوق القذافي للتنمية المثقل بالكسب غير المشروع والمودع في بنك كريدي سويس

اُتهمت شبكة من المسؤولين في عهد معمر القذافي باختلاس ملايين الدولارات من أموال التنمية الحكومية…

اُتهمت شبكة من المسؤولين في عهد معمر القذافي باختلاس ملايين الدولارات من أموال التنمية الحكومية الليبية وتحويلها إلى الخارج. كان لدى العديد منهم في الوقت ذاته حسابات في بنك كريدي سويس بإبداعات تقدر بعشرات الملايين من الدولارات.

كان معمر القذافي يفكر بشكل كبير في أواخر القرن الحادي والعشرين:  بناء قاعة جديدة لمركز ثقافي في بنغازي، ترميم الآثار اليونانية القديمة ومشروع تنقية المياه في عمق الصحراء. 

مع تدفق الأموال من النفط الليبي، واستعداد الغرب للتعامل معه بعد عقود قضاها كشخصية “منبوذة” عالميا، ، خطط الديكتاتور الليبي لسلسلة من مشاريع التنمية في جميع أنحاء البلاد ليتم تمويلها بمليارات الدولارات من عائدات الدولة.

معظم هذه المشاريع العمومية كانت تديرها شركة تعرف باسم “جهاز تنمية وتطوير المراكز الإدارية” أو ODAC  وتتولي عقود البنية التحتية العامة. الهدف العلني الذي كتب وضع على الأقل على الورق: خلق الرخاء وفرص العمل في جميع أنحاء البلاد من خلال الإنفاق الحكومي السخي. 

ولكن على مر السنين، أصبح الجهاز سراً مكشوفا على أنه أيضا قناة للكسب غير المشروع والاختلاس من قبل كبار المسؤولين المرتبطين بالقذافي. بعد عزله عقب انتفاضة ليبيا عام 2011، أكدت التحقيقات التي خصت جهاز تنمية و تطوير المراكز الإدارية ما اشتبه فيه الكثيرون منذ فترة طويلة: يبدو أن مليارات الدولارات التي تم التبرع بها خلال العقود العامة قد تمت سرقتها.

غالباً ما كان المتورطون في هذه المخططات مرتبطين ببعضهم البعض عبر الروابط الأسرية والتجارية. وارتبط العديد منهم بمؤسسة مالية حيث كانت لها حسابات لسنوات في بنك كريدي سويس.

اكتشف تحقيق أجرته OCCRP وشركاؤها، بالاعتماد على بيانات مسربة من داخل بنك “كريدي سويس” وجود حسابات لم تكن معروفة من قبل، تخص الرئيس السابق لجهاز تنمية وتطوير المراكز الإدارية، علي إبراهيم الدبيبة، وأربعة مسؤولين ورجال أعمال مشاركين في نظام المقاولات العامة.

تحقيق أسرار سويسرية

أسرار سويسرية هو مشروع صحافي تشاركي قام على تسريبات خاصة ببيانات حسابات مصرفية من البنك السويسري العملاق “كريديه سويس”. 

قام مصدر غير معرف بمنح هذه المعلومات لصحيفة زود دويتشه تسايتونغ الألمانية التي شاركتها مع مشروع تغطية الجريمة المنظمة والفساد العابر للحدود OCCRP.ORG و46 مؤسسة إعلامية شريكة في المشروع. قام صحافيون يعملون في خمس قارات بتمشيط آلاف الحسابات البنكية، وقابلوا مصادر داخلية و ومنظمون للسوق المصرفية وأعضاء في سلك النيابة الجنائية وبحثوا داخل أوراق المحاكم وفي إشهارات الذمم المالية لمقاطعة ما سرب إليهم مع ما خلصوا إليه. تغطي البيانات أزيد من 18,000 حساب بنكي فتحت منذ أربعينيات القرن الماضي، لغاية العقد الأخير. حملت هذه الحسابات أموال بقيمة 100 مليار دولار على الأقل.

وقال المصدر الذي سرب البيانات في بيان “اعتقد ان قوانين حماية السرية المصرفية في سويسرا غير أخلاقية”. وأضاف المصدر: “إستخدام  ذريعة حماية الخصوصية المالية هي مجرد ورقة توت تغطي الدور المخزي للبنوك السويسرية كمتعاون مع المتهربين من الضرائب. ويسمح هذا الوضع بالفساد ويحرم البلدان النامية من الإيرادات الضريبية التي تشتد الحاجة إليها”.,حيث أن بيانات كريديه سويس التي حصل عليها الصحفيون غير كاملة، هناك عدد من المحاذير المهمة التي يجب مراعاتها عند تفسيرها والتعامل معها. 

أنقر هنا لتقرأ المزيد عن المشروع، من أين أتت البيانات، وماذا تعني.

وردت أسماء عملاء المصرف هؤلاء ضمن تحقيقات حول الفساد وثبت تورطهم لاحقا في جميع مراحل ومستويات نظام المقاولات العام: من منح العقود إلى ملكية الشركات التي استفادت من الإنفاق الحكومي بما فيها مصرف تونسي ليبي تورط لاحقاً في مخطط للكسب غير المشروع يشمل خطابات اعتماد صادرة عن عقود جهاز تنمية وتطوير المراكز الإدارية. 

تظهر السجلات المصرفية المسربة ضمن مشروع “اسرار سويسرية” العالمي أن الحسابات هذه كانت تحتوي مجتمعةً على ودائع بقيمة عشرات الملايين من الدولارات عندما كانت مفتوحة. فتحت بعضها خلال السنوات نفسها التي كان أصحابها يعملون مع الدبيبة لنهب جهاز تنمية وتطوير المراكز الإدارية. وظلت جميعها مفتوحة بعد الانتفاضة الليبية عام 2011 التي وضعت نظام التنمية في البلاد تحت المجهر  مجددا – وبعد  وضع الدبيبة على قائمة العقوبات الوطنية.

قال بنك كريدي سويس في بيان انه يطبق إجراءات  صارمة لمحاربة التهرب الضريبي وغسيل الأموال. ورفض البنك التعليق على عملاء محددين لكنه قال إنه كان يلتزم دوما  بقوانين الزمن (العصر) وأنه استثمر خلال العقد الماضي بصورة كبيرة في محاربة الجرائم المالية.

وتابع البنك قائلا “نرفض بشدة المزاعم والاستنتاجات الخاصة بالممارسات التجارية للبنك. الأمور الحالية التي تم تضمينها في الغالب في وقت كانت فيه القوانين والممارسات والتوقعات الخاصة بالمؤسسات المالية مختلفة جدًا عما هي عليه اليوم

كان جهاز تنمية وتطوير المراكز الإدارية وعملية التعاقد العام جزءًا من نظام أوسع للفساد الذي تم استخدامه لسرقة الثروة النفطية الهائلة في ليبيا خلال العقود الأربعة التي حكم فيها القذافي. وجد تقرير صادر عن منظمة الشفافية الدولية لمكافحة الفساد في عام 2014 أن نظامه ربما سرق ما يصل إلى 61 مليار دولار أمريكي.

وقال جيمس شو، خبير أممي في مجال إسترجاع الاصول والتدفقات المالية غير المشروعة  أن نهب أصول ليبيا تركت الشعب بدون العديد من الاحتياجات الاساسية بما فيه نظام الصحة العام وموارد التعليم.

وقال “لا يمكن تعليق الاحتياجات الإنسانية الان في انتظار أن حلحلة  العملية السياسية نفسها (الانتخابات). المرضى بحاجة الآن  إلى أجهزة لغسيل الكلى والطلاب بحاجة الى كتب مدرسية “.

في العام الماضي، أصبح ابن عمه، عبد الحميد الدبيبة، رئيس الوزراء الليبي المؤقت. وسرعان ما تورط في نزاع مع البرلمان حول مطالبه المتعلقة  بالميزانية لبناء مشاريع جديدة للبنية التحتية بحسب تقارير صحافية محلية.

بدءا من  عام 2006 كان عبد الحميد الدبيبة رئيس الشركة الليبية للتنمية والإستثمار القابضة – LIDCO المملوكة للدولة، الذي كان جزءا من نظام المقاولات الفاسد في جهاز تنمية و تطوير المراكز الإدارية – ODAC. بعد سقوط القذافي،  تم معاقبة علي وعبد الحميد الدبيبة بتهمة الفساد من قبل الحكومة الليبية الجديدة التي وضعتهم على لائحة العقوبات الوطنية.

وقال وولفرام لاتشر، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية أن “هناك مخاوف مشروعة من أن المقربين المرتبطين بـ[عبد الحميد] الدبيبة قد يستخدمون مشاريع استثمارية لسرقة الأرباح من خلال العمولات أو غيرها من الأساليب”. واضاف قائلا: “بعد كل شيء، يمثل الدبيبة شبكة تشتهر بالقيام بذلك تماما.”

بنك اليوباف

عملاء كريدي سويس المرتبطين بنظام التنمية الليبي المنهك بالكسب غير المشروع لم يشملوا الأفراد فحسب، بل المؤسسات المالية بأكملها. 

أحد العملاء كان الفرع التونسي لبنك اليوباف المملوك للبنك المركزي الليبي والذي لعب دورا رئيسياً في قطاع التنمية الليبي من خلال ضمان خطابات الاعتماد – وهي آلية تبين فيما بعد أنها قناة هامة للاختلاس. 

 كان لدى بنك اليوباف حساب في بنك كريدي سويس من عام 1995 حتى عام 2014 – وهي فترة تتداخل مع الوقت الذي كانت فيه الحكومة الليبية خاضعة لعقوبات الأمم المتحدة. وبلغ رصيد الحساب 35 مليون فرنك سويسري كحد أقصى في عام 2005. 

وبعد عامين على إقفال الحساب، ظهرت المزيد من التفاصيل من خلال تحقيق تونسي حول الدور الذي لعبه بنك اليوباف في تسهيل تحويل الأموال العامة الليبية.

قال المراقب العام للبنك المركزي التونسي جابر بوتيتي الذي قاد التحقيق التونسي أن الشركات العامة في عهد القذافي لجأت لاستخدام خطابات الاعتماد البنكية لتحويل الأموال المسروقة إلى الخارج. واستخدمت تكتيكات اخرى مثل تضخيم الفواتير أو اختراع خدمات وهمية.

لكن بوتيتي قال إنه ومنذ عام 2011  “اختلست الشركات الخاصة أموالا طائلة” باستخدام هذا النظام، لم يرد بنك اليوباف على طلب  occrp للحصول على تعليق.

تراث الدبيبة

امتدت احتجاجات الربيع العربي إلى ليبيا في فبراير/شباط 2011 وسرعان ما تحولت إلى أعمال عنف. وفر تدخل الناتو دعما جويا للمتمردين. وفي غضون ستة شهور  استولوا على العاصمة . و تم القبض على القذافي وقتله في أكتوبر/تشرين أول.

لم يمض وقت طويل قبل أن يحاسب جهاز تنمية وتطوير المراكز الادارية – ODAC. 

في أغسطس/آب 2011، ومع تقدم المتمردين نحو طرابلس، جمد الاتحاد الأوروبي أصول الجهاز، واصفا إياها بأنها “كيان يعمل نيابة عن نظام القذافي أو بتوجيه منه” و”مصدر محتمل لتمويل” حكومته. 

وظلت العقوبات سارية حتى أوائل عام 2013.

في العام 2012 وبعد رحيل القذافي، بدأت الحكومة الليبية الجديدة تحقيقا في شركة تنمية وتطوير المراكز الإدارية . اشتبهوا في أن علي إبراهيم الدبيبة، الذي أدار الشركة لأكثر من عقدين، ربما اختلس ما يصل إلى 9 مليارات دينار ليبي (حوالي 7 مليار دولار أمريكي بأسعار عام 2011) من عقود أصدرها الجهاز تحت امرته.

خلص تقييم للشركة الذي أجراه ديوان المحاسبة الليبي المنشأ حديثًا،إلى العديد من الانتهاكات. وقد مُنحت معظم عقود جهاز تنمية وتطوير المراكز الإدارية دون مناقصات عامة، وقدمت خطابات اعتماد إلى الشركات غير المشاركة في العقود التي تغطيها.

عمل الدبيبة، المولود في عام 1945، مدرساً للجغرافيا قبل أن يصبح رئيساً لبلدية مدينة مصراتة الساحلية ممثلا للحزب الحاكم بعد أن استولى الديكتاتور على السلطة في عام 1969. وأصبح رئيس مجلس جهاز تنمية وتطوير المراكز الإدارية في عام 1989 واحتفظ بهذا المنصب حتى عام 2011. وفي كلا المنصبين، كان يصنف كشخصية سياسية  بارزة مكشوفة للعامة ما يجعله خاضعا لمتطلبات إضافية من العناية الواجبة والتدقيق من جانب المصارف 

أضافت الحكومة الليبية المؤقتة في عام 2012 الدبيبة إلى قائمة المسؤولين الخاضعين للعقوبات الذين يجب تجميد أصولهم. ومع ذلك، فإن فوضى الحرب الأهلية في ليبيا لم تسمح لتنفيذ العقوبات على النحو الواجب، ولم تمس أصول الدبيبة.. وتحاول السلطات الآن إلغاء  هذه القائمة التي تضم أيضا رئيس الوزراء الليبي المؤقت الحالي عبد الحميد الدبيبة.

وضع علي ابراهيم الدبيبة على اللائحة الحمراء من قبل الإنتربول في عام 2014، بعد أن بدأ النائب العام الليبي تحقيقا جنائيا مع الرئيس السابق لجهاز تنمية وتطوير المراكز الإدارية – ODAC.  ولكن تمت إزالته اسمه في العام التالي. وقال تقرير إخباري إن الدبيبة سُجن في 2014 ، لكن صور ظهرت على فيسبوك في 2020 والعام الماضي تظهره وأبنائه أحرارًا في ليبيا. 

استخدم الدبيبة خلال معظم فترة توليه رئاسة جهاز تنمية وتطوير المراكز الإدارية شبكة واسعة من الحسابات المصرفية والشركات الخارجية، المسجلة في قبرص وأماكن أخرى، لتحويل الأموال إلى خارج البلاد،فقا لتحقيق أجرته OCCRP في عام 2018. وقالت السلطات الليبية وقتها إنه فرض “عمولات” مفرطة ومنح سرا مناقصات لشركات يملكها أو يسيطر عليها.

وأظهر التحقيق السابق الذي أجرته OCCRP أن الدبيبة كان يملك حسابين على الأقل في بنك كريدي سويس في عام 1998  سجلت صفقات بقيمة ملايين الدولارات.

تظهر البيانات المصرفية المسربة حديثا ضمن مشروع “اسرار سويسرية” أن الدبيبة فتح أيضا حساباً آخر لدى كريدي سوبس  في أغسطس/آب 2008 وظل مفتوحا حتى أغسطس/آب 2012، أي بعد عام على سقوط طرابلس. وفي حده الاقصى  في نوفمبر/تشرين ثاني، 2009 كان في الحساب 176,527 فرنكا سويسريا (175,769) دولار امريكي .

وأظهرت البيانات المصرفية المسربة في نوفمبر 2009 أن البنك كان يحتفظ بأقصى رصيد له بقيمة  176,527 فرنكًا سويسريًا. هذا المبلغ يقرب من تسعة أضعاف الراتب الرسمي للدبيبة البالغ 24,000 دينار ليبي سنوياً ، والذي كان أقل بقليل من 20,000 فرنك سويسري في ذلك الوقت.. 

ووجدت OCCRP أن أبن على إبراهيم الدبيبة، واسمه إبراهيم، علي إبراهيم الدبيبة،  كان يملك أيضا حساب  في مصرف كريدي سويس مع شركة كولد هاربور Cold Harbour SA الكوستاريكية. وفي الإيداعات الرسمية، تم إدراج مدير الشركة على أنه برنال زامورا آرسي – رجل واجهة معروف في كوستاريكا ومرتبط بشركات متعددة مسجلة هناك وفي قبرص.  في عام 2016، تورط آرسي أيضا في مخطط تهرب ضريبي في اسبانيا.

تم فتح الحساب بأسماء  إبراهيم علي الدبيبة و كولد هاربور في عام 2007، بعد عام على تأسيس الشركة، وبلغ الحد الأقصى للرصيد 19 مليون فرنك سويسري في ديسمبر كانون الأول. 

وورد اسم كل من علي إبراهيم الدبيبة وابنه في طلب مساعدة دولية أرسلته ليبيا إلى اسكتلندا في عام 2013 للمساعدة في تعقب أموال الدولة المنهوبة. وبحسب مسح ميداني لصحيفة الغارديان البريطانية الشريكة في مشروع “اسرار سويسرية”  تبلغ قيمة عقاراتهم الفارهة حوالي 25 مليون جنيه إسترليني. 

بحلول الوقت الذي حاول به المسؤولون  طلب مساعدة اسكتلندا تم اغلاق حسابات الأب والابن في كريدي سويس.

ولكن حسابات شركائهم التجاريين ظلت  مفتوحة لسنوات. 

تراث مربح

تقع أطلال البطلمايس، المستعمرة اليونانية القديمة التي تأسست حوالي القرن السابع قبل الميلاد، على شواطئ شمال ليبيا  على البحر الأبيض المتوسط. وفي عام 2020، تقدمت ليبيا بطلب لإدراجها ضمن مواقع التراث العالمي لليونسكو. 

في عام 2008، فازت شركة اسكتلندية تدعى ماركو بولو ستوريكا Marco Polo Storica بعقد مع جهاز تنمية وتطوير المراكز الإدارية – للعمل في الموقع، وعقد آخر لتجديد العديد من عجائب التاريخ الأخرى في ليبيا تتضمن ، الآثار الرومانية ليبتيس ماجنا Leptis Magna في غرب البلاد. وبلغت قيمة العقدين ما مجموعه 360 مليون دينار ليبي (278 مليون دولار).
 

في طلب المساعدة الذي تقدمت به الحكومة الليبية في العام 2013 لبريطانيا،  قالت إنها تشتبه في أن ماركو بولو ستوريكا كانت تحت سيطرة شقيق علي إبراهيم الدبيبة من خلال شركة خارجية مسجلة في جزر العذراء البريطانية.

وزعموا أن ماركو بولو ستوريكا جاءت لحيازة “أصول مملوكة لدولة ليبيا” التي اختلسها الدبيبة وشقيقه”. وبحلول أيلول سبتمبر 2011، أصبحت ماركو بولو ستوريكا مملوكة  لرجل أعمال بريطاني ليبي يُدعى رياض سليمان قرادة. 

وخلص التحقيق الليبي إلى أن قرادة، الذي عمل واجهة لإخفاء ملكية الدبيبة للشركات- وهو أمر غير قانوني بالنسبة لموظف حكومي بموجب القانون الليبي – لعب “دورا مهما في  مؤامرة الدبيبة للاحتيال على دولة ليبيا”.

من غير الواضح ما حدث للقضية، ولكن طوال الفترة التي امتلك فيها قرادة ظاهرياً لماركو بولو ستوريكا، كان يحتفظ بأربعة حسابات على الأقل في بنك كريدي سويس. وظل بعضها مفتوحا لسنوات بعد سقوط نظام القذافي. 

حساب واحد، افتتح في مايو/أيار 2007 واحتجز 1.6 مليون فرنك سويسري بعد شهر، بقي مفتوحا حتى مايو/أيار 2016. اثنان منهم فتح  في عام 2008 والآخر في العام التالي . الحساب الأكبر كان يحمل أكثر من 41 مليون فرنك سويسري. ومن غير الواضح ما إذا كانت هذه قد أغلقت.

تعامل قراده مع بنك كريدي سويس لما يقارب عقدا من الزمان بالرغم من صلات بالدبيبة وحقيقة أن عمه كان جنرالا في جيش القذافي.

ولم يكن قرادة الوحيد من بين شركاء “الدبيبة” التجاريين الذين يمتلكون حساباً في البنك السويسري حتى عام 2016. الليبي أحمد لملوم كان يمتلك حسابا هناك.

الشركة الليبية للاستثمار الأجنبي– LAFICO: البنك الحديدي

أشرفت الشركة الليبية للاستثمار الأجنبي – LAFICO المملوكة للدولة على استثمارات الحكومة داخل ليبيا وخارجها.

وعلى مر السنين، أفادت التقارير أنها استحوذت على حصص متعددة، بما في ذلك ما يصل إلى 7.5 في المائة من أسهم نادي جوفينتوس الإيطالي  لكرة القدم وحصة 2 في المائة في شركة صناعة السيارات العالمية فيات. 

تم وضع الصندوق تحت العقوبات الأمريكية في عام 1986، والتي تم رفعها في عام 2004. وخلال هذا الوقت، تظهر البيانات المصرفية، أن لدى لافيكو حساب في كريدي سويس. فتح هذا الحساب في شباط/فبراير 2000 وأغلق في حزيران/يونيه 2010، وبلغ رصيده الأقصى 422 مليون فرنك سويسري في عام 2007. 

ولكن وفقا لتقرير وزارة العدل الأميركية لعام 2009، فإن علاقات لافيكو مع بنك كريدي سويس ذهبت إلى أعمق من ذلك. وذكر التقرير أن المصرف حافظ على “علاقات لإدارة الأصول” مع شركة لافيكو في وقت كانت فيه العقوبات سارية المفعول. طوال الوقت، أعطيت لافيكو الاسم الرمزي “الحديد”. 

“الإجراءات صممت وقتها لاستخدام الأسماء الرمزية في جميع الأوقات، وتقييد معرفة هويات العملاء داخليا وخارجيا، وتقييد الاتصالات بين  العميل وفريق العميل  والدائرة القانونية ودائرة الامتثال في البنك، ومنع المواطنين الأمريكيين من العمل على  الحسابات، ومنع الصفقات التى تشمل هذه الحسابات والأطراف المقابلة في الولايات المتحدة ” .

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على الشركة الأم لـ “لافيكو” في عام 2011. لكنها أوضحت بعد عام أن ذلك لا ينطبق على “لافيكو” .ومن غير الواضح ما إذا كانت الوكالة لا تزال تعمل.

ولم ترد شركة لافيكو وشركة الأم على طلبات التعليق.

حسابات لملوم

كان أحمد لملوم وعلي إبراهيم الدبيبة شريكين تجاريين منذ فترة طويلة – الأمر الذي غالبا ما يعني بالنسبة لهما تحويل أموال التنمية العامة إلى مكاسب خاصة.

 ساعد لملوم الدبيبة في إنشاء واستمرار إمبراطورية الشركات الخارجية التي استخدمها في اختلاس أموال جهاز تنمية و تطوير المراكز الادارية – ODAC. وتشارك  الاثنان في وكالة عقارات في سويسرا، فضلاً عن روابط عائلية من خلال زواج ابنة الدبيبة من ابن شقيق لملوم. 

وكان لملوم ، الذي توفي في عام 2014، يملك ما لا يقل عن ثمانية  حسابات في بنك كريدي سويس باسمه الخاص، كان العديد منها بالاشتراك مع أفراد عائلته، كما وجدت OCCRP وشركائها أن أقدم هذه الحسابات فتح في عام 1989. وبلغ أكبر حساب أكثر من 12.4 مليون فرنك سويسري في آب/أغسطس 2003.

 وقال مصدر مطلع على بعض الصفقات الفاسدة، طلب عدم الكشف عن هويته  لحماية نفسه من التهديد:”كان لدى هذا  البنك (دريدي سويس) أموالا عامة ليبية في خزائنه”.

وظلت حسابات لملوم مفتوحة خلال فترة كان يساعد فيها في إدارة مجموعة من الشركات الخارجية المرتبطة بالدبيبة. وشملت هذه الشركات شركة مسجلة في قبرص تدعى فابولون للاستثمارات Fabulon Investments، والتي أدرجت الدبيبة تارة موظف وتارة مدير.  وكانت مملوكة في وقت لاحق للملوم.

لعبت فابولون دورا محوريا في تحويل الأموال المسروقة إلى خارج ليبيا. في أواخر التسعينيات فازت هذه الشركة بعقد من الوكاله لبناء محطة لمعالجة المياه في منطقة الجفرة الوسطى. يبين هذا العقد كيفية إدارة هذه العملية.

وتظهر رسائل البريد الإلكتروني المسربة أنه بين عامي 1997 و 1998، بينما  كان  الدبيبة مديرا لشركة فابولون  ورئيسا لجهاز تنمية و تطوير المراكز الادارية – ODAC، أصدرت الشركة فاتورة للوكالة بأكثر من نصف مليون جنيه إسترليني.

بعد ذلك، وفي وقت لاحق من عام 1998،  تلقى حساب كريدي سويس الأقدم للدبيبة دفعتين بقيمة 50,000 فرانك سويسري لكل منهما من شركة في نفس الهيكل المؤسسي لفابولون، والتي كانت تخضع أيضاً لسيطرة الدبيبة ولملوم. 

وأكد محام يمثل عائلة لملوم أن أحمد لملوم كان له دور في شركة فابولون للاستثمارات، لكنه نفى تورطه في أي تعاملات فاسدة، واصفا أسئلة الصحفيين بأنها “غير صحيحة ومضللة”. 

وقال المحامي إن “الأنشطة التجارية التي يقوم بها لملوم كانت دائما قانونية ومتوافقة مع الضرائب”. “يبدو من المرجح أن جميع البنوك التي عمل معها قد تأكدت من أنها تستطيع القيام بذلك دون انتهاك أي قوانين ولوائح سارية في الوقت الذي كانوا فيه في علاقات تعاقدية.”

لتنفيذ المشروع دخلت فابولون في شراكة مع شركة مقرها المملكة المتحدة تدعى ناستون Naston، والتي تخصصت في معالجة المياه.  ويبدو أن الشركة البريطانية عملت بشكل متكرر مع فابولون – يظهر بريد إلكتروني واحد من يونيو 2000 أنه كان لديهمها ثلاثة مشاريع جارية تبلغ قيمتها مجتمعة أكثر من 10.3 مليون جنيه إسترليني.  يقول موقع ناستون على الإنترنت إنه شيد ثلاث محطات لمعالجة مياه الصرف الصحي في الجفرة.

رسائل البريد الإلكتروني المسربة تظهر أيضا أن لملوم كثيرا ما ناقش كيف يمكن لـNaston الحصول على خطابات الاعتماد للمصنع من جهاز تنمية وتطوير المراكز الإدارية- ODAC. وكانت هذه الرسائل، التي تضمن دفع الفواتير في حال تعثرت الصفقة إحدى الطرق الرئيسية التي استخدمها المسؤولون لسرقة أموال الدولة الليبية.

وجد تدقيق الحكومة الليبية لجهاز تنمية وتطوير المراكز الادارية – ODAC في عام 2012  العديد من القضايا المتعلقة بالسيستم، بما في ذلك أن خطابات الاعتماد الغير قابلة للإلغاء التي كانت موجهة إلى أشخاص أو شركات لم تشارك حتى في العقود. 

خلال مشروع الجفرة،  تبادل لملوم رسائل البريد الإلكتروني المتكررة مع موظفي ناستون حول ترتيب خطاب اعتماد مشروع مصنع الجفرة من جهاز تنمية و تطوير المراكز الادارية – ODAC، بما في ذلك طرح السؤال على الدبيبة. في إحدى رسائل البريد الإلكتروني،  يناقش لملوم التقديم للخطاب باستخدام إحدى “الشركات المرتبطة بشركة ناستون في قبرص”، مضيفا: “لدينا شركة قائمة يمكننا استخدامها لهذا الغرض”.

وقال بول دونويتز، مدير وحدة إستراتيجيات إدارة الموارد الطبيعية  في غلوبال ويتنس، إن اختلاس خطابات الاعتماد هو افتراس مطلق”.

وقال: “يمكننا ان نجادل أن النظام المالي الدولي متواطئ من خلال ضعف العناية الواجبة وقوانين غسيل الأموال للتجارة عبر الحدود”. وهذا يترك النظام “مفتوح على مصراعيه للاحتيال وإساءة الاستخدام”.

شارك في التحقيق: (OCCRP) وليد الماجري (alqatiba.com) ورامي سليم (ليبيا)

إقرأ أيضا