الغموض يلف معتقلي لجنة أبو رغيف “المنحلة”.. ماذا بعد بتر ذراع الكاظمي؟

فجّر قرار المحكمة الاتحادية بشأن لجنة “أبو رغيف” جدلا سياسيا وقانونيا بين المختصين، ففيما رأى…

فجّر قرار المحكمة الاتحادية بإلغاء لجنة “أبو رغيف” جدلا سياسيا وقانونيا بين المختصين، ففيما رأى محللون سياسيون أن القرار “أسقط” الكاظمي بـ”القاضية”، اعتبره آخرون “معززا” له، في ظل غموض يكتنف مصير المعتقلين من قبلها، والإجراءات التي اتخذتها خلال فترة عملها “المخالفة” للدستور، لاسيما أن اتهامات عدة طالت اللجنة أبرزها انتهاك حقوق الإنسان و”الانتقائية” باختيار أهدافها.

ويقول المحلل السياسي أياد العنبر خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “القرار الذي صدر من المحكمة الاتحادية القاضي بعدم دستورية لجنة مكافحة الفساد التي شكلها رئيس مجلس الوزراء، جاء استنادا الى جهات سعت لإيقاف عمل اللجنة وفق السياقات القانونية، وهذه الجهات قد تكون متضررة من إجراءات اللجنة، خصوصا وأن دورها تراجع في الفترة الأخيرة، وبالتالي فقد انتهى دورها فعليا، الأمر الذي أعطى القضاء فرصة لتفعيل القوانين بشأنها”.

ويضيف العنبر، أن “القرار أيضا، هو ضربة قوية لرئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، لأنه اعتبرها أهم لجنة لمحاربة الفساد، رغم وجود الكثير من علامات الاستفهام بشأن الملفات التي فتحتها، فهي لم تتعامل مع العديد من ملفات الفساد، بل مع أشخاص محددين”، مبينا أن “ما حدث رسالة واضحة للكاظمي وحكومته، بأنك تجاوزت الدستور”.

ويتساءل “هناك إشكاليات يجب توضيحها وتفسيرها، تتعلق بالذين تمت إدانتهم أو حكموا، فنحن لا نعرف هل ستعاد محاكمتهم، أو تلغى الإجراءات السابقة بحقهم”.

وكانت المحكمة الاتحادية، قد أصرت قرارا يوم أمس يقضي بإلغاء اللجنة المختصة في قضايا الفساد والجرائم المهمة المعروفة باسم “لجنة أبو رغيف”، المشكلة وفقا للأمر الديواني رقم 29 لسنة 2020 المتضمن تشكيل لجنة دائمة للتحقيق في قضايا الفساد والجرائم المهمة، اعتباراً من تاريخ صدور الحكم لمخالفته أحكام المادة (37/ أولاً/1) من الدستور، التي تضمن حماية حرية الانسان وكرامته ولمبدأ الفصل بين السلطات المنصوص عليها في المادة 47 من الدستور ولمبدأ استقلال القضاء واختصاصه بتولي التحقيق والمحاكمة المنصوص عليها في المادتين 87 و88 من الدستور ولكون الامر المذكور يعد بمثابة تعديل لقانون هيئة النزاهة، كونها هيئة دستورية تختص في التحقيق في قضايا الفساد المالي والإداري.

ووفقا لما تم تسريبه عقب صدور القرار، اتضح رفع أكثر من جهة دعاوى ضد تشكيل اللجنة أمام المحكمة الاتحادية، ومنهم بعض الشخصيات التي جرى اعتقالها من قبل اللجنة، فضلا عن والد المعتقل بتهمة اغتيال الباحث الستراتيجي هشام الهاشمي. 

يشار الى أن تشكيل اللجنة، يعود الى آب أغسطس 2020، بأمر من رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، ووجه بمنحها صلاحيات استثنائية، وكلف الفريق الحقوقي أحمد أبو رغيف برئاسة لجنة التحقيقات الخاصة لمكافحة الفساد، ويسانده مسؤول كبير في جهاز المخابرات، على أن يتولى جهاز مكافحة الإرهاب مهمة تنفيذ أوامر الاعتقال القضائية ضد المطلوبين، حال صدورها.

وبموجب القرار فإن للجنة الحق بفتح أي ملف فساد مغلق ضد أي شخصية، والتحقيق مع متهمين سابقين تمت تبرئتهم أو أدينوا أو ما زالوا قيد المراجعة، بشرط صدور أوامر قضائية بذلك، لمنع تداخل التحقيقات، وذلك بحسب خبراء في القانون.

وكانت “العالم الجديد” قد كشفت في أيلول سبتمبر الماضي، أي قبل نحو شهر من تحول الحكومة الحالية الى حكومة تصريف اعمال، عن توجه الكاظمي لانهاء مهام لجنة مكافحة الفساد، وأنه لن يتركها تستمر للحكومة الجديدة، وبحسب التقرير، فإن الكاظمي يخطط لتغييرات أمنية كبيرة، تتيح له أن يكلف أعضاء لجنة مكافحة الفساد التي يقودها أبو رغيف، بمهام ومناصب عليا في وزارة الداخلية والأجهزة الاستخبارية الاخرى، ومنحهم مناصب جديدة، أسوة بأبو رغيف الذي تسنم قبل فترة منصب وكيل وزارة الداخلية لشؤون الاستخبارات.

الى ذلك، يوضح الخبير القانوني جمال الأسدي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “هناك اتجاهين في هذا القرار، الأول أن يكون البدء بتطبيق قرار المحكمة الاتحادية تبدأ من تاريخ صدور قرارها، وهذا يعني أن كل التحقيقات والإجراءات التي قامت بها اللجنة يجب أن تسلم الى الجهات المختصة كهيئة النزاهة ومحاكم التحقيق، وحتى الوثائق المتحصلة تسلم للجهات المعنية”.

ويوضح الأسدي “باستطاعة المتضرر من اللجنة، أن يطلب إعادة المحاكمة، وهذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن له سلوكها، باعتبار أن التحقيقات معه كانت مخالفة للدستور”.

ويضيف “أما الاتجاه الثاني، وهو قرار بطلان اللجنة يبدأ من تاريخ تشكيلها، وهنا سيكون طعن بكل الإجراءات التي اتخذتها، فاللجنة حققت مع شخصيات وأطلقت سراحهم، وهذا الشخص من حقه أن يقدم شكوى جزائية”، لافتا بالقول “بالنسبة للذين صدرت بحقهم أحكام، فإنهم يطلبون إعادة محاكمة، وعندما يتضح أن التحقيق غير صحيح فإنهم يقيمون شكوى جزائية ضد اللجنة أيضا”.

وحول انتداب مجلس القضاء الأعلى لقضاة يعملون لصالح اللجنة بأمر من رئيسه فائق زيدان، بوصف الأمر دليلا على قانونيتها، يوضح الأسدي، أن “الحكومة تصدر أمرا ديوانيا باتجاه معين، فتشكل لجنة للتحقيق فيه، لذا فإنه يتطلب من مجلس القضاء أن يسمي قضاة لصالحها، كون القضاء هنا يلبي الطلب حتى لا يعرقل الإجراءات الحكومية، وبالنتيجة فإن من أصدر الأمر هو من يتحمل المسؤولية، لكن القضاء ليس من اختصاصه الدستور ولا يستطيع منع الإجراءات الحكومية، بل كان يجب على الحكومة أن تدرس الموضوع قبل تنفيذه”.

وعقب صدور القرار، انتشرت وثائق، تفيد بموافقة رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، على تكليف 6 قضاة للجنة مكافحة الفساد، بينهم اثنان احتياط، وذلك استجابة للأمر الديواني الصادر من قبل رئيس مجلس الوزراء. 

وبحسب بيانات متعددة صدرت من لجان نيابية عدة، فإن عدد المحتجزين من قبل لجنة مكافحة الفساد تلك يبلغ نحو 30 مسؤولاً سابقاً، وحالياً قيد التحقيق بينهم أصحاب مناصب، كرئيس هيئة ووكيل وزير ومحافظ ومدير عام ورئيس قسم، فضلاً عن رؤساء بنوك وشركات مالية.

ومن أبرز الشخصيات التي جرى اعتقالها من قبل اللجنة التي يرأسها أحمد أبو رغيف، هو رئيس هيئة استثمار بغداد شاكر الزاملي، ومدير شركة كي كارد بهاء عبد الحسين، ومحافظ نينوى الأسبق نوفل العاكوب، ورئيس حزب الحل جمال الكربولي (اطلق سراحه)، ووكيل وزارة الكهرباء السابق رعد الحارس، بالإضافة الى رئيس هيئة التقاعد العامة أحمد الساعدي.

ومن وجهة نظر مغايرة، يرى المحلل السياسي عماد الشماع خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الفساد ما زال ينخر جسد الدولة، وأن تشكيل اللجنة تصرف مسؤول ومطلوب رغم كل الشكوك بشأنها، أي أن مكافحة الفساد تصبح أمرا واجبا بمعزل عن دستورية الخطوة من عدمها”.

ويلفت إلى أن “الدستور هو من أجل الشعب، ومكافحة الفساد هي لأجل الشعب، لذا لا بد أن يتماشى الدستور مع متطلبات الشعب، وقرار المحكمة الاتحادية اليوم لن يتسبب بسقوط رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، بل يأتي تعزيزا له”، مؤكدا أن “اللجنة لم يستخدمها الكاظمي لتسقيط خصومه، فهو رجل مخابرات ويعرف كيف يتصرف اذا كان يريد أن يسقطهم، وبختلف الطرق الأخرى”.

يذكر أن لغطا كبيرا أثير حول انتهاك اللجنة لحقوق الإنسان، من خلال انتهاكها مبادئ حقوق الإنسان، وبحسب ميزر العاكوب، شقيق محافظ نينوى نوفل العاكوب، فقد أكد في شباط فبراير 2021، تعرض شقيقه للتعذيب خلال اعتقاله، وتم ربط أذنيه بالتيار الكهربائي، فضلا عن آخرين واجهوا التعذيب من قبيل رئيس شركة كي كارد، بهاء عبد الحسين، أو رئيس هيئة استثمار بغددا شاكر الزاملي.

لكن المحلل السياسي علي البيدر، يرد على هذه المزاعم بالقول إن “قرار المحكمة الاتحادية مؤشر على أن السلطة التنفيذية خرقت الدستور كثيرا، ولم تحترم نصوصه”،

ويؤكد خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “القرار يشكل ضربة لحكومة الكاظمي وحجب الولاية الثانية عنه، خصوصا وأنه جاء بعد أيام من توصية الكاظمي بإصدار عفو عن تاجر مخدرات، وبالتالي فإن هذه جميعها تعتبر إخفاقات حكومية”، مشيرا الى أن “اللجنة أخذت حجما أكبر من حجمها الحقيقي، فما فعلته لم يقض على الفساد ولم تتراجع نسبته، فهو موجود لدى الطبقة الصغرى والوسطى من الموظفين”.

وبشأن إمكانية حصول الكاظمي على الولاية الثانية بعد هذا القرار، ينوه الى أن “القرار لا علاقة له بحرمانه منها أو منحها له”.

يشار الى أن واحدة من أبرز الأحداث التي شهدتها اللجنة، هو اعتقال قائد عمليات الأنبار في هيئة الحشد الشعبي قاسم مصلح خلال أيار مايو الماضي، بناء على مذكرة قبض وفق المادة 4 إرهاب، ما أدى في حينها الى تصعيد كبير وشبه مواجهة بين الفصائل المسلحة والأجهزة الأمنية، انتهت بإطلاق سراح مصلح.

إقرأ أيضا