التفاصيل الكاملة للساعات المشحونة بمحكمة الكرخ.. ما صلتها بلقاء زيدان والكاظمي وإسقاط أبو رغيف

جاءت زيارة رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي لرئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان يوم أمس…

جاءت زيارة رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي لرئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان يوم أمس الإثنين، كمحاولة لوضع حد للخلافات المتعاظمة بينهما مؤخرا، والتي بدأت تهدد كلا الطرفين، في ظل الكشف عن أسرار الساعات المشحونة والغامضة في محيط محكمة تحقيق الكرخ، والتي تبعتها بيانات وقرارات قضائية مفاجئة.

وتقول مصادر قضائية وسياسية عدة في أحاديث مختلفة مع “العالم الجديد”، إن “الأحداث بدأت من محكمة استئناف الكرخ ببغداد، في 24 شباط (فبراير) الماضي، وذلك عندما اصطحبت قوة من جهاز مكافحة الإرهاب، متهما لتصديق أقواله أمام القاضي”.

وتوضح المصادر، أن “المتهم كان قد ضبط وبحوزته عند اعتقاله في الأول من كانون الأول ديسمبر 2021، طائرات مسيرة وإحداثيات، في سيطرة النيل بمحافظة بابل، حيث تم تسريب معلومات تشير الى انتمائه لإحدى الفصائل المسلحة”.

وتضيف أن “قاضي محكمة الكرخ وبعد تصديقه أقوال المتهم المذكور، أمر بنقله للسجن المركزي والذي يقع في مطار المثنى (وسط بغداد) وفقا لسياقات المحكمة بإيداع جميع المتهمين بقضايا حساسة في ذلك السجن وعدم إعادتهم الى المكان السابق الذي أتوا منه”، مبينة “بما أن السجن المركزي يقع تحت إدارة مديرية الاستخبارات العسكرية المرتبطة بوزارة الدفاع، فإن قوة تابعة للمديرية وتدعى قوة الاستطلاع العميق، هي المكلفة حصرا بنقل المتهمين الى السجن المذكور، وبعد أن حاولت هذه القوة اقتياده وفقا للسياقات المتبعة، قوبلت برفض من قبل القوة التابعة لجهاز مكافحة الإرهاب كانت تقف عند باب المحكمة وتنتظر إكمال التحقيق لإعادته الى سجنه السابق من دون اكتراث لقرار القاضي”.

يشار إلى أن مجلس القضاء الأعلى، أعلن بعد ساعات من هذه الحادثة، أن محكمة استئناف الكرخ اتخذت الإجراءات بحق عدد من منتسبي قوة عسكرية خالفوا القانون في رئاسة محكمة استئناف الكرخ، داعيا القائد العام للقوات المسلحة الى ضبط أداء بعض منتسبي الأجهزة الأمنية التي تنتهك القانون، مؤكدا أن القانون فوق الجميع ولا حصانة غير الحصانة الدستورية لمن يعطي أوامر أو ينفذها خلاف القانون.

وخلال إصرار كلا القوتين على تنفيذ رغبتهما في الاحتفاظ بالمتهم، تلفت المصادر، الى أن “رئيس جهاز مكافحة الإرهاب عبد الوهاب الساعدي، حين وصلته هذه الأنباء، اتصل برئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، والذي استشاط غضبا من الأمر واعتبره تجاوزا أو محاولة لتهريب المعتقل، ما دعاه للاتصال فورا بوزير الدفاع جمعة عناد، مستنكرا قيام مدير الاستخبارات العسكرية التابعة للوزارة بهذا التصرف”، مستطردة أن “ما زاد الأمر تعقيدا، هو التعزيزات العسكرية الإضافية لإسناد القوة التابعة لجهاز مكافحة الإرهاب، حيث وصلت الى ما يقرب من فوج من المنتسبين قام بتطويق المحكمة”.

وتبين “على وقع تلك التطورات وبفعل الضغط الذي قام به الوزير عناد، تراجع مدير الاستخبارات عن الإجراء، وطلب من القوة ترك المتهم، لكن القاضي رفض تسليمه لجهاز مكافحة الإرهاب، واتصل فورا برئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، ليبلغه باعتراضه الشديد على التدخل في عمله، وأنه الآن شبه معتقل داخل المحكمة”.

وفيما لم تتطرق جميع المصادر الى وجود أي صلة بين القاضي المذكور وأي جهة سياسية أو مسلحة ينتمي إليها المتهم، نفت بشكل قاطع حضور أي قوة أخرى في المشهد غير القوتين العسكريتين المذكورتين.

وبشأن الضجة الإعلامية التي رافقت الحدث وشارك بها خصوم الكاظمي وأنصاره في آن واحد، تشير المصادر، الى أن “مناوئي رئيس الوزراء تمكنوا من استغلال الخطأ القانوني والإداري ضده، فيما حاول أنصاره إظهاره بمظهر المنتصر والقوي”. 

وتداولت مواقع التواصل الاجتماعي أنباء عن قدوم قوة مسلحة تمثل إحدى الفصائل المسلحة، الى محكمة استئناف الكرخ لتهريب المتهم، وأن ذلك دعا جهاز مكافحة الإرهاب لتطويق المحكمة وأخذ المتهم.

وتتابع المصادر، أن “زيدان اتصل بالكاظمي، وأبلغه بأن ما جرى سياق قانوني، وأن قرار القاضي لا يمكن التدخل به، لكن الأخير أصر على عودة المتهم مع قوة مكافحة الإرهاب، ما تسبب بمشادة لفظية بين الطرفين وانتهت المكالمة دون حل”، مضيفة أن “القاضي في هذه الأثناء، وبعد سلسلة اتصالات، وافق على استعادة المتهم مع القوة التي أتت به، دون أي قرار تحريري منه بتحويله الى سجنه السابق”.

وتستطرد أن “القضاء الأعلى اعتبر الأمر إساءة وتجاوزا، فحاول الرد بإصدار أمر بإلقاء القبض على رئيس جهاز مكافحة الإرهاب عبدالوهاب الساعدي، كونه متسببا بهذا الخرق، ولكنه عدل لأسباب معينة الى المسؤول عن التحقيق مع المتهم، وهو رئيس لجنة مكافحة الفساد الفريق أحمد أبو رغيف”، لافتة الى أن “الكاظمي طالب وزير الدفاع بإصدار أمر بإقالة اللواء الركن فائز المعموري مدير الاستخبارات العسكرية على خلفية الحدث، وتكليف اللواء الركن زيد المكصوصي بديلا عنه”.

وتؤكد أن “هذه الأحداث، كانت السبب وراء تفعيل الدعوى أمام المحكمة الاتحادية بشأن لجنة مكافحة الفساد وإصدار قرار بعدم دستوريتها وحلها، كما أن لقاء رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي برئيس مجلس القضاء فائق زيدان يوم أمس، كان بهدف التوصل لتهدئة وعدم فتح ملفات أخرى على خلفية هذه الأحداث”.

يشار إلى أن المحكمة الاتحادية، أصدرت قرارا في 2 آذار مارس الحالي، يقضي بإلغاء اللجنة المختصة في قضايا الفساد والجرائم المهمة المعروفة باسم “لجنة أبو رغيف”، المشكلة وفقا للأمر الديواني رقم 29 لسنة 2020، لمخالفته أحكام المادة (37/ أولاً/1) من الدستور، التي تضمن حماية حرية الانسان وكرامته ولمبدأ الفصل بين السلطات المنصوص عليها في المادة 47 من الدستور ولمبدأ استقلال القضاء واختصاصه بتولي التحقيق والمحاكمة المنصوص عليها في المادتين 87 و88 من الدستور.

ويوم أمس، جددت المحكمة الاتحادية تأكيدها على قرارها وأصدرت إيضاحا بشأنه، جاء فيه أن الأمر الديواني رقم (29) مخالف لأحكام المواد (19 و37 و38 و47 و80 و87 و88) من دستور جمهورية العراق لإخلاله بمبدأ الفصل بين السلطات، ومساسه بحرية الإنسان وكرامته، وباستقلال السلطة القضائية، كما أن العامل الرئيسي لمكافحة الفساد يتمثل بضرورة وجود إرادة سياسية لمواجهته من خلال استئصال أسبابه وتصفية الآثار المترتبة عليه، وأن مكافحة الفساد تقتضي إسناد المراكز الإدارية الرفيعة إلى أشخاص يتمتعون بالكفاءة والنزاهة والعلمية والخبرة، بعيداً عن المصالح السياسية الفئوية الضيقة.

وفي تطورات القضية تشير المصادر، الى أن “هذا الحدث جاء بالتزامن مع اعتزام كتلة سياسية داخل البرلمان لإحداث تعديل دستوري، يؤدي في النهاية الى إبعاد فائق زيدان عن رئاسة مجلس القضاء الأعلى”.

ويوم أمس، استقبل رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان في مكتبه، رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، وبحسب البيان الصادر عن مكتب زيدان، فإن الطرفين بحثا التعاون بين السلطتين التنفيذية والقضائية في مكافحة الإرهاب وجرائم الفساد الإداري وتأمين الحماية اللازمة للقضاء.

إقرأ أيضا