استغلال المطلقات والأرامل.. ظاهرة تتفاقم دون رادع    

“لم أكن أبحث عن عمل أو مساعدة”، هكذا أبدت “نهى” استغرابها من تعرضها للتحرش خلال…

“لم أكن أبحث عن عمل أو مساعدة”، هكذا أبدت “نهى” استغرابها من تعرضها للتحرش خلال مراجعتها إحدى الدوائر لاستكمال إجراءات نقل ابنها من مدرسة لأخرى، من قبل أحد الموظفين بعد أن اكتشف أنها مطلقة عند سؤاله عن والد الطفل.

 

“كانت صدمة.. لم أتوقع ما حصل ولم استطع الرد، كانت إجراءات اعتيادية أي شخص يقوم بها سواء الأب او الأم، فلم أكن أطلب شيء حتى أتعرض للتحرش أو المساومة مقابله، لكن يبدو لكوني مطلقة فالجميع يعتبرني متاحة”، هكذا تروي نهى علي (28 عاما) لحظة تعرضها للتحرش. 

 

وتستطرد “تعرضت لمواقف عديدة، فقد تم مساومتي مقابل العمل او تمرير أي معاملة لي، وخاصة الامور المالية.. لقد تعبت نفسيا وبت أكره الدخول لأي مؤسسة سواء دائرة حكومية او قطاع خاص، لكن أن تصل الأمور بتعرضي للتحرش وأنا أحاول القيام بمعاملة بسيطة جدا وتخص طفلي، فهذا يعتبر جريمة بصراحة”.

 

وحول هذا الأمر، تبين الباحثة النفسي ابتسام الشمري خلال حديث لـ”العالم الجديد” أن “محاولة المرأة المطلقة أو الأرملة البحث عن مورد مالي، هو ما يفسح المجال للآخرين للطمع بها، لذا تعرض للمساومة والتحرش”.

 

وتلفت إلى أن “العراق مجتمع ذكوري، لذا دائما ما يذهب تفكيرهم إلى الأمور الجنسية، والتفكير بأن المرأة المطلقة والارملة هي فرصة سانحة لهم”، وتوضح “هذه تعتبر مرض نفسي، فمن يقوم بمساومة مطلقة وارملة فهو شخص مريض نفسيا يحتاج للعلاج، والمساومة على المورد هو جزء اخر من المرض النفسي يدل على أن هذا الشخص غير سوي وغير اعتيادي”.    

 

وبشأن الحلول لهذا الأمر، تبين الشمري أن “التخلص من هذه المشكلة يكون عبر القوانين الرادعة، ولغاية الان لا نملك قانون يحمي المرأة، فهناك مادتين يتيمتين واحدة منهن عقوبتها السجن 3 أشهر وهي غير رادعة بصراحة، ويجب أن تكون هذه العقوبات مضاعفة بالنسبة للمستغلين للأرامل والمطلقات اللواتي لا يملكن من يحميهن”.  

 

يشار إلى أن مختصين أكدوا سابقا، أن القانون العراقي، عاجز عن مواجهة مشكلة التحرش فالمواد الخاصة بهذا الأمر هي (400,401,402) وتعود الى العام 1969 والتي جاءت تحت عنوان الجرائم المخلة بالآداب، ولم يتم تعديلها منذ ذلك الوقت، ووفقا للمحامي سيف علي، حيث قال في تحقيق نشرته “العالم الجديد” العام الماضي، أن البنود القانونية الحالية صدرت قبل نصف قرن ولم تعد مجدية في حماية الفتيات، ويصعب معها إثبات التحرش إن لم نقل يستحيل ذلك وبالتالي إيقاع العقوبة بالمتحرشين، إذ ينص الإثبات على وجود شاهدين اثنين على واقعة التحرش.

 

جدير بالذكر، أن حالات الطلاق بتزايد مرتفع، وكانت آخر إحصائية نشرها مجلس القضاء الأعلى بعدد حالات الطلاق خلال شهر كانون الثاني يناير الماضي، حيث بلغت 6486 حالة في جميع المحافظات عدا إقليم كردستان، وقد تصدرت بغداد حالات الطلاق بـ2390 حالة، فيما بلغت حالات الزواج 26000 حالة زواج.

 

وتؤكد إحصائيات مجلس القضاء الأعلى، أن عدد النساء المطلقات بلغ نحو 65 ألفا، أي حوالي 26 بالمائة من الزيجات المسجلة في عام 2019، الذي شهد تسجيل نحو 250 ألف عقد زواج.

وتكمل نهى حديثها “لقد انفصلت عن زوجي قبل 3 سنوات، عندما كان عمر ابني 5 سنوات، وسكنت في منزل والدي، لكن مؤخرا وبعد أن مررت بتجارب سيئة عديدة، على صعيد التحرش ونظرة المجتمع، وإلحاح والدتي على الزواج مرة اخرى حتى لا يتحدث الناس عني بالسوء، قررت أن أنتقل للعيش في منزل أخي بمنطقة اخرى، حيث اتفقت معه على السكن في طابق منزله الثاني مع ابني”.

 

وتستطرد “لدي نفقة الطفل يدفعها زوجي، وبعض المساعدات من أخوتي تصلني بين فترة وأخرى، فهذا يكفيني ما دام أنام بكرامتي ولم أذل نفسي”.  

 

الى ذلك، تبين الناشطة في مجال حقوق المرأة بشرى العبيدي خلال حديث لـ”العالم الجديد” أن “النظرة ضد الأرامل والمطلقات ليست بحديثة، فنظرة الانتقام والاستغلال والاستخفاف قديمة في المجتمع العراقي، لكنها ازدادت بشكل مرعب في الفترة الأخيرة، وخاصة السنوات الخمس الماضية، حتى بلغت المرحلة إنشاء صفحات بمواقع التواصل الاجتماعي مخصصة للانتقاص والإهانة والسب والشتم للمطلقات والارامل”.

 

وتضيف العبيدي، أن “قدمنا شكاوى ضد أصحاب هذه الصفحات بمواقع التواصل الاجتماعي، لدى العديد من مراكز الشرطة، ولكن لم تتخذ اي إجراءات بحقهم، وهذا يدل على أن هذه النظرة رسخت في المجتمع، وعلى ما يبدو انها موجودة في الدولة، لأنه لو كانت السلطات بالضد من هذا المنظور لاتخذت إجراءات ضد هؤلاء الأشخاص الذين ينتقصون من المرأة”.

 

وتؤكد “أما من جانب آخر، فإن النساء المطلقات او الأرامل عندما يذهبن للبحث عن وظيفة أو عمل أو لديهن معاملة في مؤسسات الدولة، فأنهن يتعرضن إلى استغلال  بشع جدا، اما تحرش او استغلال جنسي أو مساومة او ابتزاز، وهذا كله يدل على أن هذا المنظور متأصل  في فكر المجتمع، لأنه ليس من المعقول أن هذه السنوات كلها لم تتغير هذه النظرة، بل بالعكس هناك تفاقم”.

 

وتستدرك “نحن نسعى اليوم إلى إصدار قانون خاص يمنع التحرش الجنسي ومعاقبة الأشخاص الذين يرتكبون مثل هذا الفعل، كما نسعى ان لا يضم هذا القانون فقط التحرش الواقعي وانما حتى التحرش على مواقع التواصل الاجتماعي وتكون هناك عقوبات شديدة جدا”، موضحة أن “العقوبة الموجودة في قانون العقوبات العراقية لا تغطي هذا الفعل وتسمح بسهولة جدا أن يفلت الجاني من العقاب، فعقوبته خفيفة جدا لا تزيد عن 6 أشهر او غرامة حتى لو تم القبض على هؤلاء الأشخاص وعرضهم على المحاكم، أما يدفعون الغرامة او اصدار هذه العقوبة مع وقف التنفيذ”.

 

يذكر أن “العالم الجديد” سلطت الضوء على الانتهاكات التي تتعرض لها النساء في أماكن العمل، وخاصة في المعامل التي تقع بأطراف المدن، حيث تعمل في نساء وفتيات بمختلف الأعمار وبمستويات ثقافة وتعليم متدنية، ما يشجع أرباب العمل على استغلالهن جنسيا.

 

وكانت معامل الطابوق شرقي بغداد، من أبرز الأمثلة التي تناولتها الصحيفة عبر تقرير موسع العام الماضي، ساردة العديد من قصص الانتهاكات الجنسية، والتي تحول بعضها الى نزاعات عشائرية، خاصة وأن بعض الحالات وصلت الى هتك العرض وليس التحرش فقط.

 

وفي خضم كل هذه المشاكل، تمكنت نهى من استحصال موافقة من الموظف الذي تحرش بها، بعد أن منعته بأسلوب مذهب، كما قالت، مبينة “لقد أحرجته بعد أن فقت من صدمتي، وأكدت له أني لا استعطي عطفه، واحرجته بأنه ليس بموقع قوي يمكنه من التحرش بي وهي ليست معاملة كبيرة او صعبة، فهي مجرد نقل طفل من مدرسة لأخرى، وهذا ما أشعره بالخجل وبخسة موقفه”. 

إقرأ أيضا