طفح جلدي وبقع حمراء.. تلوث المياه يهدد أطفال العاصمة فما الأسباب؟

“فجأة ظهرت بقع حمراء دائرية الشكل على جسم ابني ذي الـ4 سنوات”، هذا ما قاله…

“فجأة ظهرت بقع حمراء دائرية الشكل على جسم ابني ذي الـ4 سنوات”، هذا ما قاله سيف الجبوري (36 عاما) بعد خروجه من مركز صحي في منطقته بالعاصمة بغداد، وهو يحمل ابنه ويحاول أن يهدئ من روعه.

“منذ يومين بدأت تظهر هذه البقع، ولم يستطع ابني النوم بسبب الحكة القوية التي ظهرت بفعل تلك البقع التي لم أعرف السبب وراء ظهورها، إذ كنت أعتقد بأنها نوع من الحساسية أو ما يشبهها، لكن الأمر تبين أنه أكبر من توقعي”، هكذا يكمل الجبوري حديثه.

ويستطرد خلال حديثه لمراسل “العالم الجديد”، بالقول “عندما فحصه الطبيب قال إن ظهور هذه البقع بسبب تلوث المياه، وأكد لي أن عشرات الأطفال يأتون إليه يوميا بنفس الأعراض المرضية، بل إنه صدمني عندما قال إن مرض الصدفية بدأ ينتشر أيضا بسبب المياه الملوثة الواصلة للمنازل”.

ويتابع الجبوري “إننا في المنزل نستخدم المياه المعبأة للشرب، لكننا نستخدم مياه الإسالة (الصنبور) للطهي والاستحمام وكافة الأمور الأخرى”، متسائلا “هل علينا الآن أن نشتري مياه الاستحمام أيضا”.

وكانت شعبة الحد من مخاطر الكوارث في وزارة البيئة، أكدت العام الماضي، أن مليونا و500 ألف متر مكعب ترمى كمخلّفات سائلة في نهر دجلة ببغداد فقط من مصانع ومصاف ومحطات توليد كهرباء ومستشفيات.

ووفقا لتقرير سابق لوزارة البيئة، فإن 42 ألف لتر ترمى في مياه النهر كل ثانية، في حين يتسبب كل لتر منها في تلويث أربع لترات نظيفة. 

وحول هذا الأمر، توضح ندى الدليمي، وهي طبيبة اختصاص جلدية خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الملوثات في مياه الانهر، فيها مضار وتأثيرات كبيرة على بشرة الإنسان لما تحويه من مواد كيميائية”.    

وتشير الدليمي في حديث لـ”العالم الجديد”، إلى أن “هذه الملوثات تؤثر بشكل كبير على الحساسية سواء لدى الأطفال أو الكبار، وبشكل عام فإن تاثير المياه الملوثة قد يكون أكثر في الجهاز الهضمي مثلا الإسهال وتلوث الامعاء في حال شربها”، مضيفة أن “تأثير التلوث يبقى موجودا وفيه مخاطر ليس على جلد الانسان، بل على صحته بشكل عام”.

والأمر لم يقتصر على العاصمة بغداد، بل شهدت محافظة ميسان جنوبي البلاد، الشهر الماضي أزمة كبيرة، تمثلت باجتياح أمراض خطيرة لقضاء الميمونة فيها بسبب تلوث المياه، ووفقا لما نقلته وكالة “شفق نيوز” في حينها، فإن نهر البتيرة الذي يغذي قرابة 200 ألف نسمة موزعة على عشرات القرى المنتشرة في الأقضية والنواحي الواقعة على ضفافه بات ملوثاً بالكامل بسبب رمي المياه الثقيلة فيه، دون أي عملية تصفية لها، ما أدى الى إصابة المواطنين بالجرب، حيث تم تسجيل أكثر من 550 حالة، والتيفوئيد والتهاب الكبد الفيروسي بواقع 1700 حالة مرضية، فضلا عن أكثر من 3000 اصابة بالإسهال، إضافة إلى أمراض جلدية أخرى.

الى ذلك، يقر مدير عام دائرة التوعية والاعلام في وزارة البيئة امير علي الحسون، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بـ”تلوث الأنهار ومصادر المياه”، ويعزوها إلى “أسباب متنوعة، فبعض التلوث يحصل بسبب أنشطة ثنائية، وبعضها بسبب أنشطة نفطية، وأخرى بسبب إنتاج الطاقة الكهربائية، وذلك بالإضافة الى أعمال المواطنين من المطاعم وغيرها، وهناك تلوثات ناجمة عن مواد كيميائية تتداخل مع مصادر المياه، وبالنتيجة فهذه كلها تسبب مشاكل صحية”.

ويضيف الحسون، أن “وزارة البيئة تتعامل مع الجهات الملوثة وفق قانون حماية البيئة للعام 2009، ولا تستنثي أي قطاع أو نشاط سواء كان حكومي أو غير حكومي”، مبينا أن “الوضع البيئي مهمل منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي، وبالتالي فإن أكثر الأنشطة سواء كانت قديمة أو حديثة، فإنها مخالفة للشروط والتعليمات البيئية، ونحن كوزارة منعنا منذ التأسيس أي نشاط مخالف جديد، ولكن المشكلة بالأنشطة القديمة وهذه تحتاج الى قدرة اقتصادية وحكومية لتغيير نهجها”.  

ويلفت إلى أن “دوائر البلدية وأمانة بغداد من أكبر الملوثات لنهر دجلة، ونحن لا زلنا ننتظر متى تستطيع الأمانة إنشاء مشاريع صرف المياه الثقيلة بما يتناسب مع عشرات الأطنان”، منوها إلى أن “هناك مشكلة كبيرة أخرى تواجهنا، وهي شحة المياه القادمة من تركيا، فالكمية تبلغ حوالي ثلث ما كان يصل العراق في العقود الماضية، وهذا يؤدي الى مشاكل بيئية وصحية، وإذا استمر الحال هكذا خلال الأشهر المقبلة فإن الأزمة البيئية ستتفاقم”.

وتعود مشكلة مياه الصرف الصحي، الى تهالك محطات تصفية مياه الشرب واستخدام مياه الأنهار في الزراعة، ووفقا للمختصين فإن العراق بحاجة إلى محطات لمعالجة الصرف الصحي ومياه المعامل والمصانع والمستشفيات وغيرها، لكن ما يزال الأمر غير محسوم ولم تنجز المحطات، وخاصة في البصرة التي تعاني من أزمة كبيرة بالمياه منذ عقود، ورغم هذا لم يكتمل أي مشروع لتصفية المياه فيها لغاية الآن.

وحاولت “العالم الجديد” الحصول على تعليق من أمانة العاصمة حول هذا الأمر، إلا أنها لم تفلح رغم محاولات عدة، بحجة عدم وجود متحدث باسمها.

الى ذلك، ترى عضو الفريق الاعلامي لوزارة الصحة ربى فلاح خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “وزارة الصحة لديها رقابة لمتابعة جميع هذه الملوثات بشكل مستمر، ولدينا فرق في كل قطاع لمتابعة مثل هكذا حالات”.     

وتؤكد أن “دائرة الصحة العامة تستمر بفرقها الرقابية وتتابع تسجيل أية أنواع من الملوثات أو الأمراض سواء الجلدية وغيرها، إضافة الى الإجراءات الوقائية”.    

يذكر أن وزارة الزراعة، أعلنت العام الماضي أن نسبة التلوث كبيرة في الأنهر، والسبب هو ما يتم صبّه فيها من مياه آسنة أو تصريف مياه المجاري، وكلّما اقتربنا من المدن، زاد التلوّث أكثر وقد يصل إلى 80 بالمائة.

إقرأ أيضا