الإيزيديون في العراق بلا قضاة.. يتزوجون ويرثون وفقا لقوانين مصدرها الشريعة الإسلامية

لتوثيق عقد قرانهِ رسمياً، توجب على الإيزيدي خدر (25 سنة) تزويد محكمة المواد الشخصية في…

لتوثيق عقد قرانهِ رسمياً، توجب على الإيزيدي خدر (25 سنة) تزويد محكمة المواد الشخصية في ناحية الشمال التابعة لقضاء سنجار (127 كم غرب الموصل) بنسخة ورقية من عقد زواج ديني أبرمه لدى المجلس الروحاني الإيزيدي الأعلى

ماذا لو وقع الطلاق، ووزعت تركتي بعد وفاتي، هل سيتم ذلك بموجب الشريعة الإسلامية رغم كوني إيزيديا”، يتساءل خدر، مشيراً بذلك إلى استناد قانون الأحوال الشخصية العراقي النافذ إلى أحكام الشريعة الإسلامية.

يطالع في مستند عقد زواجه ويقول: “بماذا يختلف هذا العقد، عن عقد الزواج في المحكمة؟”، يمرر أصبعه على ألأسطر المكتوبة، يقرأ بهمس، ثم يقول وهو يسحب نفسا عميقا “لا شيء، مجرد فرق معنوي بسيط، هو أنه صادر عن المجلس الروحاني ليوثق في المحكمة!”، ثم زم شفتيه “وماذا يعني؟“.

وعاد ليتساءل: “لم لا يحق لنا كإيزيديين أن يكون لدينا قوانين خاصة بأمورنا الشخصية، بل ليس لدينا حتى قاضٍ واحد في المحاكم العراقية“.

خدر، تخرج حديثاً من كلية الحقوق، وتساؤلاته محور حديث الإيزيديين بنحو عام ولاسيما بعد التجربة المريرة التي عاشوها في أعقاب هجوم تنظيم داعش على مناطقهم بقضاء سنجار وسهل نينوى في آب/أغسطس 2014 ونزوح نحو نصف مليون منهم هربا من الموت والاستعباد.

ذلك الهجوم الذي أدى الى مقتل واختطاف الآلاف من الإيزيدين، مع سلب وتدمير ممتلكاتهم المنقولة وغير المنقولة، ومازال نحو نصف سكان سنجار يعشون في مخيمات النزوح بإقليم كردستان فيما هاجر أكثر من 120 الفا منهم إلى خارج البلاد بحثا عن المساواة والأمن في البلاد الأوروبية.

داود جندي، عضو مجلس محافظة نينوى السابق، وأول شخصية إيزيدية على الإطلاق تتولى منصب قاضٍ مدني، يقول بأن موضوع حق الإيزيديين في تولي القضاء طرح بعد سقوط النظام العراقي السابق، وأن سلطة الائتلاف المؤقتة والتي كانت برئاسة الحاكم المدني الأمريكي بول بريمير، عينته مؤقتاً في 2004 قاضياً مدنياً بناحية الشمال التابعة لقضاء سنجار (127 كم غرب الموصل)، إضافة إلى تعيين زميلٍ آخر له يدعى أحمد سموك قاضياً جنائياَ، لكنهما لم يستمرا في منصبيهما طويلاً إذ تم الاستغناء عن خدماتهما بمجرد تشكيل الحكومة العراقية الانتقالية في ايار مايو 2005.

يقول بأنهما قابلا إثرها في محافظة السليمانية باقليم كردستان، شخصيات قيادية في الاتحاد الوطني الكردستاني أبرزهم ملا بختيار وأيضاً الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني الذي أكد لهما حينها، ضرورة كسر ما وصفه بالحواجز أمام امتلاك الإيزيديين لقضاء خاص بهم، مقراً بذلك وجود “تمييز عنصري بحقهم، لايمكن القبول به” وفقا لما نقله جندي.

وتماشياً مع ذلك، قام طالباني في 2005 بتعيين قاضيين إيزيديين في محاكم السليمانية وهما أحمد السموكي، وقاسم أوسمان، ووقتها كان إقليم كردستان مؤلفاً من إدارتين، واحدة في اربيل والأخرى في السليمانية.

ويضيف جندي “بالنسبة لي لم يتم قبولي قاضياً في حينها لكوني لم أكن خريج المعهد القضائي ولم تكن لدي خدمة عشر سنواتٍ في مهنة المحاماة وهما شرطان أساسيان من بين شروط قبول أي قاضي في العراق“.

قانون ميت قبل ولادته

ويعلق جندي على عدم امتلاك الإيزيديين لقانون أحوال شخصية خاص بهم، قائلا بأن محاولات عدة جرت بعد سنة 2003 لتشريع مثل هذا القانون، أهمها كان قبل نحو ثلاث سنوات، إذ وضع مجموعة من المحامين الإيزيديين، مشروع قانون للأحوال الشخصية خاص بالطائفة الإيزيدية، وقدموه إلى برلمان إقليم كردستان.

لكن وبسبب خلافات داخل المجتمع الإيزيدي، فضلاً عن اعتراض غير مباشر من قبل جهات (لم يسمها) في داخل اقليم كردستان، ورسائل سلبية تلقتها اللجنة، قال جندي، إن كل ذلك أدى إلى ركن المشروع على الرف ليموت قبل ولادته، وليظل الحال على ما هو عليه.

ويعني بذلك بقاء الإيزيديين، خاضعين في أحوالهم الشخصية لقوانين مصدرها الأساس الفقه الاسلامي الحنفي، ويلفت “في عهد النظام العراقي السابق قبل 2003 كان القضاء العراقي يعتمد على الفقهين الحنفي والجعفري الإسلاميين كمصدرين أساسيين، الثاني يطبق على الشيعة، والأول على السنة، والطوائف الدينية الموجودة في العراق، لذا فلم يتغير شيء!”.

ويرى داود جندي، أن الدولة في العراق ينبغي أن تكون مدنية والسلطة القضائية فيها تتعامل مع جميع المواطنين بالتساوي دون تفرقة بين مكون وآخر، مثلما هو معمول به في الدول الأوربية، وليس بتشريع قوانين خاصة بكل طائفة، وفقاً لتعبيره.

لكنه يستدرك بشيء من الخيبة، قائلا أن الدولة المدنية في العراق لن تتحقق على المديين القصير والطويل “والإيزيديون وغيرهم من أبناء الطوائف غير المسلمة سيستمر عدم قبولهم أصلاً في سلك القضاء بالدولة العراقية“.

لا ولاية على المسلم لغير المسلم

المحامي الإيزيدي، دلوفان خليل تحدث بوضوح أكثر: “القاعدة في الإسلام، أن لا ولاية لغير المسلم على المسلم، بمعنى آخر، لا ولاية لكافر على مسلم، وبما أننا أقلية دينية والمسلمون هم الأكثرية، لذا لا أمل في أن يتولى شخصٌ منا القضاء يوما ما في العراق أو في الأقل أن يكون لنا قانون خاص ينظم شؤون احوالنا الشخصية”.

ويشكك دلوفان في أن يكون القضاة الذين تم تعيينهم في السليمانية في 2005، قد نظروا دعاوى مدنية أو سواها، ويعتقد بأنهم تولوا فقط الإدعاء العام.

دلوفان مع زميلين آخرين، افتتحوا بعد تحرير سنجار من داعش، أول مكتب للاستشارة القانونية في قضاء سنجار منذ 2014. ويحاولون قدر استطاعتهم تقديم المشورة القانونية لمن يطلبها، لكن هذا ليس كافياً، يقول دلوفان ويبين “هناك الآلاف من دعاوى التعويضات غير المنجزة، ومثلها للناجيات من السبي الداعشي وقد تستغرق معالجتها سنوات أخرى عديدة“.

بسمان وليد، محام في محاكم استئناف منطقة نينوى الاتحادية، قال بان أحكام القانون تسري على الجميع بغض النظر عن خلفياتهم الدينية، ويقول” قد يبدو هذا عادلاً من الناحية النظرية، لكن لو تفحصنا الأمر بدقة فيما يخص بعض المسائل المتعلقة بالمعتقدات، سنحتاج إلى وقفة جدية“.

ويشير إلى أن محاولات كثيرة جرت لمعالجة الأمر في ظل المتغيرات السياسية والاجتماعية بعد 2003، لكن أبرز ما حدث هو “تغيير شكلي وليس جوهري”، وتمثل بإبدال أسم محكمة الأحوال الشخصية الخاصة بمعالجة دعاوى الطوائف الدينية الشخصية وجعله (محكمة المواد الشخصية).

هذا فقط” يقول المحامي بسمان، ويتابع “فما زالت بنود القانون ذاتها، وكذلك الإجراءات المتعلقة بتنفيذها، ومن يصدر القرارات القضائية هم قطعاً ليسوا سوى مسلمين“.

وفيما يخص عقود الزواج التي تصدر عن المجلس الروحاني الإيزيدي الأعلى/ المرجع الديني المخول، فيشير بسمان إلى أنها تتضمن تغييرات شكلية طفيفة تميزها بالكاد عن عقود الزواج التي تصدرها محاكم الاحوال الشخصية في عموم العراق.

فعقد المجلس الروحاني يبدأ بالبسملة الإيزيدية “بسم الله الواحد الأحد”، ويتضمن إشارة إلى أنه أبرم استنادا إلى القواعد الدينية الإيزيدية، ويشار إلى أسمي طرفي العقد (المتزوجين) مقروناً باسمي والدتيهما، وليس والديهما.

كما أن المهر المسمى، هو فقط ما يشار إليه، دون المهر المؤجل، في حين يشار إليهما في عقود زواج المسلمين.

ونسخة عقد الزواج هذه، يتم تحريرها في المجلس الروحاني بناءً على كتاب يحال إليه من محكمة المواد الشخصية، التي يجب أن يرسل إليها العقد لتسجيله وتوثيقه مع دفع الرسوم المتعلقة بها تماماً كعقود الزواج التي يبرمها المسلمون وغيرهم.

لكن مصدر في محاكم إستتناف نينوى، ذكر بأن المسيحيين مستثنون من تطبيق قانون الأحوال الشخصية النافذ في العراق الذي مصدره التشريع الإسلامي وهذا ما قاس عليه المرجع الديني للطائفة الإيزيدية بابا شيخ طلبه لمجلس القضاء الأعلى لاستثناء الإيزيديين كذلك.

وقال المصدر الذي فضل عدم إيراد أسمه، أن مجلس القضاء الاعلى وافق على طلب بابا شيخ بموجب كتاب رئاسة هيأة الاشراف القضائي، لجنة الدراسات المرقم 84/ دراسات/ 2015 (2155) بتاريخ 25/6/2015 وقد تضمن الكتاب أن “أحكام وإجراءات عقود الزواج لأبناء الطائفة الإيزيدية تسري عليها الاعراف المرعية من قبل المرجع الديني وبناء على ذلك فإن نص الفقرة (5) من المادة العاشرة من قانون الأحوال الشخصية رقم (188) لسنة 1959 المعدل لا تسري على أبناء الطائفة الإيزيدية عند اجرائهم عقود الزواج خارج محاكم المواد الشخصية ووفقا للاعراف والطقوس الدينية المرعية لديهم“.

قاضٍ مدني متقاعد، يؤكد أن “الغالبية العظمى من المحامين، فكيف بالناس البسطاء” يجهلون أن محكمة البداءة- المواد الشخصية، تطبق ما تقضي به الشريعة الخاصة بالطائفة التي يرجع اليها طرف أو طرفي الدعوى.

فالزواج والصداق والطلاق والتفريق والوصية والإرث والوقف تعد من المسائل التي يقول القاضي بأنها تتعلق بالعقيدة الدينية للطوائف الدينية، وأن المساس بها مسألة حساسة قد تثير نعرات ومشاكل تهدد سلم وأمن البلد.

لذلك، فإن القانون المدني العراقي، أجاز تطبيق الاحكام الفقهية الخاصة بالطوائف الدينية على المنازعات المتعلقة بأحوالهم الشخصية من قبل المحاكم المدنية برئاسة قاضٍ مدني من قضاة ذات المحكمة.

وهو مُلزم، أي القاضي بتطبيق ما تقضي به شريعة الطائفة الخاصة بعد الاستعانة بمشورة المرجع الديني لتلك الطائفة وهو ما يعرف بـ(الإستفتاء) “وللإيزيديين مرجعهم الديني الخاص بهم، بطبيعة الحال” يقول القاضي مختتماً كلامه.

والطائفة الإيزيدية، هي واحدة من بين 17 طائفة أخرى معترف بها رسميا في العراق بموجب ملحق نظام رعاية الطوائف الدينية في العراق 22 لسنة 1981 والمنشور في صحيفة الوقائع العراقية/ العدد 2867 في 18/1/1982 وهذه الطوائف هي :

 “الكلدانية، الآثورية، الجاثليقية، السريان الكثوليك، السريان الأرثدوكس، الأرمن الأرثدوكس، الأرمن الكاثوليك، الروم الأرثودوكس، الروم الكاثوليك، اللاتين، البروتستانتية الأنجيلية الوطنية، الأنجيلية البروتستانية، الاوفنتست السبتيين، القبطية الارثودوكسية، الأمويين اليزيديين، الصابئة، اليهود”.

ويلاحظ أن مجلس القضاء العراقي وبناءً على إحصائية صادرة عنه خلال 2020، يعتمد وبنحو كامل على قضاة مسلمين، يبلغ عددهم 1158 قاضياً، 1116 منهم ذكور، وفقط 42 نساء.

الدستور لا يمنع الطوائف من تولي القضاء

القاضي رزكار أمين ينفى أن تكون هنالك أية موانع دستورية أو قانونية تمنع الإيزيديين من تولي القضاء في العراق، وأشار الى أن المادة 14 من دستور جمهورية العراق لسنة 2005، باب الحقوق والحريات، تنص على:”العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييزٍ بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي“.

لكن المتحدثة باسم كتلة التحالف الديمقراطي الكردستاني في مجلس النواب العراقي فيان دخيل، وهي من المكون الإيزيدي، تقول بأن واقع الحال في العراق هو عدم السماح للإيزيديين أن يصبحوا قضاةً.

وتستدرك “بإستثناء أقليم كردستان التي فيها قضاة إيزيديون“.

الباحث المختص بشؤون الاقليات فرهاد حكمت سمير، يقول بأن الدولة العراقية دينها الإسلام، وهو المصدر الأساس لقوانينه، وهذا ينطبق بديهيا على القضاء “فمن سيحكم بين الناس الذين هم في غالبيتهم مسلمون، سيكون بالضرورة قاضياً مسلماً، بموجب القاعدة الفقهية، عدم جواز الولاية لغير المسلم على المسلم“.

يستدرك فرهاد: “لكن من خلال إطلاعي، لا أجد بأن أي من الطوائف السبعة عشر المعترف بها في العراق قد تقدمت يوماً من الأيام بتشريعها الخاص لتنظيم أحوالها الشخصية“.

ويعني الباحث بذلك، مشروع قانون يتم الإجماع عليه من قبل أبناء الطائفة، ويصاغ بصياغة قانونية يؤهله كي يكون مقترحاً يمر عبر القنوات الدستورية من حكومة ورئاسة جمهورية وتصويت في مجلس النواب.

ويعتقد فرهاد، أنه في ظل عدم وجود قانون خاص بالأحوال الشخصية لأي طائفة من الطوائف في العراق “غير المسلمة” فلن نجد هنالك قاضٍ منها يتولى شؤون القضاء في المحاكم العراقية.

المحامي، غازي صهيب عبد الوارث، يشدد على أن أحكام قانون الأحوال الشخصية رقم (188) لسنة 1959، في الفقرة 1 من مادته الثانية تنص على “تسري أحكام هذا القانون على العراقيين إلا من استثني منهم بقانون خاص“.

أي أن القانون لا يسري على العراقيين المستثنين بقانون خاص بهم، والاستثناء هذا من نطاق سريان قانون الأحوال الشخصية، يمكن استنباطه من دلالة إشارة نصي المادتين (11) و (13) من بيان المحاكم رقم (6) لسنة 1917.

إذ أوجبت المادة (13) تطبيق القانون الشخصي أو العرف المرعي في مواد الأحوال الشخصية المنصوص عليها في المادة (11) من بيان المحاكم. وبما أن لا قانون خاص للإيزيدين، لذا فإن أحكام قانون الأحوال الشخصية هي التي تسري عليهم.

نحن نتناقص والهجرة مستمرة!

محامون قابلناهم في بناية محكمة استئناف منطقة نينوى الاتحادية، أجمعوا على أهمية تشريع القانون الخاص ليشعر أبناء المكون بخصوصيتهم، والأهم هو التعامل مع المكونات كمواطنين كاملي الحقوق وذلك بعدم حرمانهم من تولي اية مواقع في الدولة طالما توفر شرطي الكفاءة والأهلية بغض النظر عن انتمائه.

وأوضح محامون أن المشرع العراقي لم ينتهك خصوصية المكونات، بل منح استثناءات خاصة تعمل بها محكمة البداءة إن لم يكن هنالك نص يعالجها في محكمة الاحوال الشخصية.

المحامي (أ،ي) قال بأن حساسية الإيزيدية إزاء أي شيء يتعلق بالتشريع الإسلامي لم تكن بهذا النحو سابقا “لكن الأمور تغيرت بعد الإبادة الجماعية التي تعرضوا لها والجرائم التي أقترفها تنظيم داعش بحقهم باسم الإسلام”.

وهو يرى بأن من حقهم أن يكون لديهم قانون خاص بهم ينظم شؤونهم الشخصية وهو بحسب اعتقاده لن يكون سوى بنداً بفقرات تُلحق بقانون الأحوال الشخصية، ينظم بعض المسائل المتعلقة بالزواج والطلاق والمواريث والوقف وغيرها.

لكنه يشترط لحدوث ذلك، تحركاً برلمانيا قوياً لتشريع أو إضافة مثل هذا البند أو البنود إلى القانون، ويستدرك مشككاً “لا يبدو أن الإيزيديين أو أي أقلية أخرى، يملكون مثل هذه القوة البرلمانية في الوقت الراهن، وهناك خلافات بشأن طبيعة القانون بينهم“.

المشاور القانوني غانم بشير خليل، لفت إلى أن تقنين تشريع خاص بالإيزيدية ليس بأمر سهل مطلقاً، موضحاً: “في نطاق التركة على سبيل المثال، فهي محكومة لديهم على العرف الإجتماعي، إذ لايوجد نص محدد يحتكمون إليه، ومحاولة وضع قانون لهذا الصدد سيحدث مشكلة كبيرة في المجتمع الإيزيدي“.

واستدرك :”لكن في النهاية وجود قانون متفق عليه، سيعطي للفرد حقوق واضحة داخل المجتمع ويمنع التجاوز عليها من قبل بعض افراده بحجة الأعراف“.

لذلك، فهو يفضل أن يتوافق الإيزيديون أولاً فيما بينهم لوضع أحكام التركة، ويعتقد أن ذلك قد يستغرق سنوات أو ربما عقود.

لا اهتمام فهمومهم أكبر

غسان مراد (33 سنة) من مخيم “جم مشكو” للنازحين الإيزيديين في زاخو بإقليم كردستان، بادرنا بالسؤال “ألا يحتاج القانون إلى مكان؟” ثم تابع مجيباً “معظم الإيزيديين، الآن في المخيمات أو خارج العراق، ما حاجتهم إذن بقانون لن يطبق عليهم؟“.

وعاد ليقول وهو يشير إلى مجموعة من النسوة تواجدن مع أطفالهن في مدخل المخيم “لا يهتمون مطلقاً، أي قانون يطبق عليهم بقدر اهتمامهم بإيجاد مأوى دائم يستقرون فيه، وطعام يملئون به بطونهم“.

وأخذ يتحدث عن صعوبة عودة الكثير من النازحين إلى مناطقهم التي نزحوا عنها من قضاء سنجار، صيف 2014 بسبب عدم أعمار منازلهم جراء الانقسامات السياسية وانتشار العديد من الجماعات المسلحة في سنجار التي تخضع مناطق القضاء ذو الغالبية الإيزيدية لسيطرتهم.

انحنى ملتقطاً بيدهِ حفنة من التراب، رفعها إلى الأعلى وأخذ يفرغها شيئاً فشيئاً “الإيزيديون يتناقصون هكذا، وقريباً لن تجد إلا القليل منا هنا فى العراق“.

ثم ضرب كفيه ببعضهما ليتخلص مما علق بهما من تراب، وقال بنبرة فيها انكسار “ما حاجتنا عندها بقانون أحوال شخصية خاص بنا؟“.

أما في ناحية الشمال، لا يبدو سعيد خيري، العائد إليها بعد رحلة نزوح استمرت لأكثر من ستة سنوات، سعيداً بوضع الإيزيديين الذي يراهُ مقلقاً. فهو كما غيره من السكان لا يستبعد ما حدث للمنطقة في آب أغسطس 2014.

ولتبديد هذا القلق، لا تبدو سقوف مطالبه عالية جداً كالتي نادى بها الكثير من الإيزيديون من قبل، كتشكيل كيان إداري خاص بالإيزيديين في مناطق تواجدهم بإشراف الأمم المتحدة أو وضع قوانين خاصة بهم أو منحهم مناصب سيادية في البلد. وإنما فقط التعامل دستورياً وقانونياً مع الإيزيديين باعتبارهم مواطنون بحقوق كاملة أسوة بغيرهم.

يقول: “نريد أن نشعر بالأمان في دولة تؤمن بحق المواطنة دون تمييز، لا أن نكون مواطنين من الدرجة الثانية أو منبوذين لا يحق لنا ما يحق لغيرنا من المسلمين، فإقصاؤنا المستمر من المواقع العليا والتعامل معنا بدونية في الكثير من المواقع، يعني بأن هنالك قبولاً بما فعله داعش بنا، وان الطريق ممهد مستقبلاً لتكرار مآسينا”.

*تحقيق خاص بـ”العالم الجديد” أنجز بالتعاون مع مؤسسة نيريج للتحقيقات الاستقصائية، وساهم فيه ميسر الأداني.

إقرأ أيضا