منزل \”الجان\” في السعدون: صاحبه يهودي والأمن العامة استغلته \”لتعذيب الأطفال\”

على الرغم من كون مساحة هذا البيت تصل نحو 1000 متر، وارتفاعه 3 طوابق، فانك لا تميزه حينما تمر من شارع أبي نواس، الذي تطل شرفات المنزل التراثية التصميم عليه، ومع أنك تقرأ لافتة من الجبس أعلى بوابته الداخلية تشير الى انه بني في 1937، إلا أنك لا تستطيع تسجيل خطأ معماري واحد في هذا البيت – التحفة، الذي تنتشر النجمات السداسية على زخارفه دلالة على كون ملكيته تعود لأحد اليهود العراقيين.

غير أنك  لا تحسب الجمال وحده حينما تمر بهذا الزقاق الذي يربط شارع ابي نواس الشهير بالسعدون، وسط العاصمة، فهناك شعور بعدم الارتياح يتعاظم كلما اقتربت من البيت، الذي باءت بالفشل محاولات احد المستثمرين لتحويله الى فندق، فالملايين الكثيرة التي صرفت على تحديثه من الداخل، لم تفلح كما يبدو بإقناع \”سكان المنزل الخفيين\” للخروج منه.

يقول ابو سليم، الخياط السبعيني، الذي يمتلك محلا في هذا الزقاق منذ 40 عاما، ان \”اصواتا غريبة تنبعث ليلا من المنزل\”، ويضيف بانزعاج \”كلما اغلقت محلي في الليل متجها الى منزلي القريب، اسمع اصوات صراخ مكتوم وسحل وصفق ابواب وشبابيك\”، ويعقب \”اعتدت على هذه الاصوات ولم اعد اخاف منها كما في السابق\”.

ويروي أبو سليم \”هذا المنزل كان في وقت من اوقات حكم نظام صدام، مركز التحقيق تديره الأمن العامة، كنا نرى الكثير من النساء والاطفال يدخلون هنا ولا يخرجون، ونسمع صرخاتهم تنبعث الينا من السراديب وخاصة في الليل\”، مستدركا \”حتى بعد ان خلا المنزل منهم لا زلنا نسمع الاصوات ذاتها\”.

منزل "الجان" في السعدون: صاحبه يهودي والأمن العامة استغلته "لتعذيب الأطفال"

 

لكن رحمن البياتي، جار ابو سليم، يتحدث عن أمور أخرى، فهو يؤكد أن \”الاصوات الوحيدة التي تسمع ليلا هي اصوات ابو سليم واصدقائه حينما (يعبرون النص)\”، في اشارة الى انهم يسكرون بشكل شبه يومي في المحل الصغير. ويتابع البياتي \”اسكن هنا منذ 15 عاما مقابل البيت القديم، ولا يوجد اي صوت يخرج منه\”.

ويؤكد \”حاول احد المستثمرين تحويل هذا البيت الى فندق، وقال انه سيشغل جميع اهل المحلة فيه، لكن الاشاعات وخرافات المخمورين اخافته وجعلته يترك الفكرة بعد ان صرف عليها اموالا طائلة\”.

ومع هذا فان رحمن البياتي رفض الدخول معنا الى المنزل بحجة \”وجود حيات وعقارب\” تسكنه، وبدا واثقا \”انا لا اخاف لكنني لا اريد الدخول (المكان مو راحة)\”.

اكتشفنا ان هناك عائلة تسكن الجزء غير المبني بالكامل من المنزل، طرقنا الباب، فخرجت الينا سيدة في أواسط العمر، حاولنا افهامها بأننا نجري تحقيقا صحفيا، لكن كلمة \”تحقيق\” لوحدها كانت كافية لجعلها تدخل صارخة الى المنزل، ليخرج زوجها بدلا عنها.

الزوج الذي رفض اعطاء اي معلومات عن اسمه وعمره، يقول انهم سكنوا البيت قبل 4 سنوات، لكن \”مضايقات\” تعرضوا لها اجبرتهم على ان يرضوا بترك المنزل الشاهق وغرفه العديدة، والسكن في غرفتين تطلان على الباحة الكبيرة الداخلية للمنزل.

ويذكر الزوج \”في البداية كانت قطع من ملابسنا تختفي لنجدها في اماكن غريبة، كالسطح او فوق الشجرة الموجودة في الباحة، ثم بدأنا بسماع اصوات مجهولة، ورؤية خيالات، حتى تعرضت زوجتي الى الدفع من السلم احدى المرات واتهمتني بأني احاول قتلها\”، مضيفا \”على الرغم من انني لم اكن في المنزل وقتها أصلا\”.

ويتابع \”فهمنا انها محاولات لإخراجنا من المنزل، فصحت بصوت عال اني سأتركه وأسكن في الغرفتين الخارجيتين وان استمرت المضايقات فسأقوم بتفجيره، ليهدأ كل شيء بعدها\”، مردفا \”يبدو ان الجان يستمعون للتهديدات احسن من الحكومة التي تريد اخراجنا بالقوة\”.

بقية الجيران رفضوا التحدث عن هذا البيت \”لأنه شؤم\”، باستثناء رجل مسن يدعى الحاج احمد. ويقول انه \”وعى\” على وجود هذا البيت، الذي كان يملكه \”تاجر يهودي\”، نسي اسمه، ويردف \”المال المغصوب شؤم دائما، واكثر شيء مشؤوم ليس الجان لأنهم لا يؤذون احدا ولكن الذين ينزلون بالمنزل حاليا وحولوه الى زريبة للحيوانات بوسط هذا الشارع الذي كان راقيا في يوم من الأيام\”.

امانة بغداد رفضت الحديث عن الموضوع، لكنها اكدت في تصريحات سابقة عن مواضيع مشابهة ان \”البيوت التراثية جميعها تحت سلطتها الادارية\”، وان \”المنتفعين منها بصورة غير رسمية سيحاسبون وسيخرجون منها\”، مع انها لم تشرب الطبع الى كونها تقصد المنتفعين من الناس او من \”الجن\”.

رجل دين: الجان لا يؤذون احدا والكلام عنهم مجرد خرافات

ومع ان الشيخ محمود سليم، امام جامع في منطقة الدورة، يؤكد ان \”الجان موجودون بنص الخبر القرآني والحديث النبوي\”، وان \”انكار وجودهم خروج عن الدين\”، الا انه يقول ان الحديث عن تماسهم مع البشرهو \”مجرد خرافات\”.

ويضيف سليم \”الحديث الوحيد الثابت عن تعامل الجان مع البشر كان في عهد النبي سليمان عليه السلام، اما الآن فانهم يكتفون بالوسوسة وابعاد الناس عند رب الايمان، اما المؤمنون منهم فهم غير ذلك\”.

ويبين سليمان \”الجان قبائل وملل عدة، فمنها المسلم والمسيحي واليهودي والملحد والمشرك\”، ومع ان سليم لم يجبنا عن امكانية وجود جان \”بعثي او شيوعي\”، واكتفى بالابتسامة، الاانه قال انهم \”يطلعون على عالمنا ويعرفون ما يدور به بدون تدخل مباش\”.

اجتماعية: الناس يلجؤون الى الاسطورة لتفسير الظواهر غير المعروفة

تقول وسن العتابي، اجتماعية، ان \”الكلام عن الجان يظهر دائما في المجتمعات الاقل وعيا وثقافة والاكثر تدينا\”، مضيفة ان \”امتزاج الموروث الشعبي بالموروث الديني بالإضافة الى الفشل في تفسير الظواهر الغريبة تفسيرا علميا يؤدي الى تحميل الاشباح اوالجان مسؤولية الكثير من الاشياء\”.

وتشير العتابي الى أن \”قصص الجان كانت تستعمل احيانا للتخويف وللحفاظ على الملكيات، كما في قصص الكنوز التي تحرسها قبائل الجان، وهذه القصص تعطي بعدا آخر للأماكن القديمة والمهجورة، كما ان العامل النفسي يجعل الكثيرين يتخيلون رؤية وسماع اشياء غير موجودة\”.

وقد يكون العامل النفسي الذي تتحدث عنه العتابي السبب في أننا فرحنا كثيرا لعدم وجود مفتاح للقفل المثبت على باب المنزل والذي يوحي بأنه يخبئ الكثير.

إقرأ أيضا