“سكوبس” يخترق الجامعات العراقية.. وأكاديميون يحذرون

في ظل عشوائية التعليم التي عانى منها العراق كثيرا، تبرز ظاهرة اضطرار الأساتذة وطلاب الدراسات…

في ظل عشوائية التعليم التي عانى منها العراق كثيرا، تبرز ظاهرة اضطرار الأساتذة وطلاب الدراسات العليا إلى نشر بحوث الترقية في منصات أجنبية مقابل دفع مبالغ تتخطى 1000 دولار لنشر بحث واحد في بعض الحالات، بذريعة تأثيره الإيجابي على درجة وترقية الطالب والأستاذ على حد سواء.

تتحدث طيبة الربيعي (26 عاما) بمضض عن تجربتها في النشر بـ”مستوعب سكوبس”، قائلة “شعرت بالصدمة.. فبعد أن دفعت 250 دولارا، مقابل نشر بحثي في مستوعب سكوبس، بهدف نيل درجة امتياز خلال مناقشتي لرسالة الماجستير كما أُبلغت داخل الكلية، إلا أن ذلك لم يكن حقيقيا، فلم أحصل على هذا التقدير”.

وتكمل الربيعي، (وهي حاصلة على الماجستير من الجامعة المستنصرية)، حديثها لـ”العالم الجديد”، بأن “معايير المناقشات لرسائل الماجستير ليست معرفية، بقدر ما هي مبنية على المجاملات، حتى أصبح تقدير جيد جدا، يمنح لأضعف وأفضل الرسائل على حد سواء”، مؤكدة بالقول “تم إبلاغنا خلال إعداد الرسالة أن ننشر بحثا على الأقل في مستوعب سكوبس، باعتباره سيساهم برفع التقدير خلال المناقشة، لكن تبين أنه لم يدخل ضمن التقييم أساسا”.

وسكوبس هو عبارة عن قاعدة بيانات تحتوي على ملخصات ومراجع من مقالات منشورة في مجلات أكاديمية، وتغطي ما يقرب من 22 ألف عنوان من خمسة آلاف ناشر، ويتم تقييم البحوث المنشورة فيها من قبل خبراء في التخصصات العلمية والتقنية والطبية والاجتماعية (بما في ذلك الفنون والعلوم الإنسانية)، وهذه المنصة مملوكة لمؤسس دار نشر الزيفير Elsevier.

مؤخرا بات طلبة الدراسات العليا في العراق، يعانون من إلزامهم بالنشر في سكوبس، واعتباره شرطا لنيل الماجستير والدكتوراه، والذي يتطلب دفعهم مبالغ مالية تبدأ من 200 وحتى 1500 دولار.

وحول وضع هذا الشرط مقابل منح تقدير امتياز للطالب، يوضح رئيس قسم الفلسفة في الجامعة المستنصرية علي المرهج خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “التعليمات الوزارية ألزمت الكثير من الباحثين كما ألزمت طلبة الدراسات العليا، بأن أحد شروط الحصول على (درجة الامتياز) يتم عبر النشر في هذه المستوعبات، وخلاف ذلك يمنح الطالب درجة جيد جداً، وهذا قرار مجحف بحق الطلبة المتميزين في الدراسات العليا غير القادرين على تحمل هذه الكلفة المادية في مقابل طلبة ضعفاء علمياً، ولكنهم قادرون على دفع تكاليف النشر في سكوبس وقد يحصلون على درجة الامتياز”.

وفيما يخص تأثير نشر البحوث في سكوبس على تصنيف الجامعات العراقية، يوضح المرهج، أن “ما يجري هو عملية عرجاء، إذ لا يمكن إصلاح المؤسسة التعليمية في العراق بهذه الطريقة، فهذه طريقة ملتوية للحصول على تصنيف عالٍ بالنسبة للجامعات أو الحصول على ترقيات بالنسبة للأساتذة، فبعضهم ربما لم يكتب بحثاً، بل يكلف شخصاً آخر بالكتابة عنه أو يعتمد على وضع اسمه مع بحوث طلبة الدراسات العليا التي يشرف عليهم ويحصل على الترقية”. 

وسبق لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، أن نشرت العديد من البيانات التي تتفاخر فيها بنشر البحوث في مستوعب سكوبس، وحثت الجامعات العراقية على تكثيف نشر البحوث في هذا المستوعب، بهدف رفع تصنيف الجامعات العراقية عالميا.

حكاية الطالبة طيبة الربيعي ليست الوحيدة، فالطالب محمد حسن (اسم مستعار) بالجامعة العراقية، يروي لـ”العالم الجديد” ما مر به أيضا، حيث يقول، إن “مسؤولين بوزارة التعليم العالي والجامعات، يعملون على استغلال طلبة الدراسات العليا عن طريق إجبارهم على دفع أموال مقابل نشر بحوثهم في سكوبس، بهدف رفع تقييم الجامعات العراقية، وبالتالي فإن القيمة العلمية والهدف المعرفي من الدراسات العليا قد انتفى”.

ويشير حسن، إلى أن “هناك مسألة مبهمة بالنسبة لنا كطلاب، هل النشر في سكوبس سيعود بالنفع للجامعات العراقية، وهل مسؤوليتي كطالب دفع مبالغ مادية كبيرة للنشر في مجلات عالمية من أجل أن يرتفع تصنيف الجامعات العراقية، فعلى ما أعتقد أن هذا الأمر من مسؤولية الوزارة، إذ عليها أن ترتقي بالمجلات العلمية الخاصة بالجامعات بدلاً من الدفع بالدولار لمستوعبات ليس لها تأثير فعلي على جودة التعليم في العراق”.      

رصانة “مزيفة”

إلى ذلك، يكشف عبدالله عبدالهادي الأستاذ بجامعة واسط، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، عن أن “كثيرا من الترقيات العلمية التي يحصل عليها أساتذة الجامعات، تتم عن طريق نشر بحوثهم في سكوبس، فبمراجعة بسيطة لها نكتشف أن معظم تلك البحوث ضعيفة وغير رصينة علمياً ومعرفياً، لكنها تقبل في سكوبس، كونه النشر فيه يعتمد على مقابل مادي، لذا فالقضية مادية أكثر من كونها معرفية”. 

 

وهذا الرأي، سانده أستاذ من الجامعة التكنولوجية في بغداد، رافضا الكشف عن اسمه، بالقول إن “طلبة الدراسات العليا في الحقول العلمية مطالبون بنشر بحثين للماجستير، ولا بد أن يكون واحد منهما ضمن مستوعبات سكوبس، وثلاثة بحوث للدكتوراه، شرط أن يكون أحدها في سكوبس، وهي إحدى شروط منح شهادة الماجستير والدكتوراه”.

ويردف خلال حديثه لـ”العالم الجديد”، أن “السؤال هو هل تمكن أحد الباحثين العراقيين من النشر في مجلات علمية مهمة مثل science  و Nature، الجواب هو كلا، لأن هذه المجلات تتطلب أوراقاً بحثية أصيلة، والمتطلبات البحثية العلمية لإنتاج بحوث علمية غير متوفرة في المؤسسات التعليمية العراقية مثل المختبرات والاجهزة العلمية الحديثة، لذلك فالوزارة تدفع باتجاه خطوات شكلية فقط لتحسين سمعة الجامعات، لكن الواقع مزرٍ في الحقيقة، والبحوث التي تنشر في سكوبس غير رصينة ولم تبن على أساس علمي بحت”.    

تعليق الوزارة

حاولت “العالم الجديد” الحصول على رد من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، على إلزامها الطالب بنشر بحثه في هذا المستوعب تحديدا، وتحميله التكاليف المالية الكبيرة، إلا أنها لم تحصل على ذلك، حيث اعتذر مدير إعلام الوزارة عن الحديث حول الأمر، وأكد أنه من اختصاص المتحدث الرسمي باسم الوزارة، حيدر العبودي، إلا أنه لم يرد.

لكن مسؤول البرنامج الوطني لقطاع التعليم في الوزارة، حازم عبدالرزاق، يعلق من جانبه، على المسألة بالقول، إن “سكوبس هو شركة تابعة لدار نشر هولندية Elsevier والمجلات المنضوية ضمن مستوعب سكوبس مجلات علمية رصينة تخضع البحث للتقييم، وخصوصاً إذا كانت المجلات ضمن درجات Q1 وQ2“.

ويلفت إلى أن “تطوير المجلات المحلية هو من مهام الجامعات لأنها تابعة لها، وهناك بعض المجلات العراقية التي دخلت فعلاً في مستوعب سكوبس، وأن العراق اليوم متقدم عالمياً في مجال النشر في تلك المستوعبات العالمية بعد أن أصبحت شرطاً لمنح درجات الماجستير والدكتوراه وكذلك الترقيات العلمية”.

لكنه لم يتطرق في حديثه، إلى حالات إكراه الطالب على النشر في المنصة الإلكترونية المقصودة، وتكلفة الطالب أعباء مالية لا داعي لها في ظل توفر مجلات علمية محكمة.

إقرأ أيضا