العملية السياسية في حرج.. والإطار أمام 3 خيارات “صعبة”

بلغت المرحلة السياسية نقطة حرجة، في ظل تمسك كل طرف سياسي بموقفه، ما جعل “التوافق”…

بلغت المرحلة السياسية نقطة حرجة، في ظل تمسك كل طرف سياسي بموقفه، ما جعل “التوافق” هو الرؤية الأقرب للتحقق من الناحية النظرية، لكن تمسك التيار الصدري بـ”حكومة الأغلبية”، يضع الإطار التنسيقي أمام ثلاثة خيارات صعبة، إما القبول بحكومة “التيار” لإيقاف خساراته السياسية المتتالية، أو الانخراط في المعارضة، أو الإبقاء على الحكومة الحالية.

ويقول المحلل السياسي غالب الدعمي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الفترة بعد عيد الفطر ربما تشهد مفاجآت في العملية السياسية، فالتيار الصدري أعلن عن تمسكه بحكومة الأغلبية الوطنية، وبالتالي فإن الإطار التنسيقي أمام ثلاثة خيارات، إما مشاركة التيار الصدري بحكومة يشكلها الأخير، أو عدم المشاركة واللجوء للمعارضة أو بقاء الحكومة الحالية، علما أنها أكثر حكومة استفاد منها الصدر”.

ويضيف الدعمي، أن “قضية تمرير القوانين في البرلمان وتشكيل اللجان، تتم بما يتلاءم مع رؤية التيار الصدري، لذا فكل هذه تعتبر خسارات متتالية للإطار التنسيقي، ليكون هو الجهة الأكثر خسارة، وعلى هذا الأساس ربما يتجه لتقديم رؤية جديدة تكون مقبولة من التيار الصدري، ليكون شريكا أو يعود للمشهد بدلا من هذه الخسارات”.

ويردف أن “خيار المعارضة مطروح بقوة حاليا، والإطار التنسيقي بدأ بالإعداد للانتخابات المقبلة منذ الآن، عبر تشكيل كتلة سياسة كردية سنية شيعية، فهكذا يفكر الإطار الآن، وكأنه اقتنع أن الحكومة المقبلة لن تكون من نصيبه، لذا وضع نصب عينه الحكومة بعد المقبلة”، مبينا أن “الحكومة المقبلة إن تم تشكيلها بالأغلبية سوف تستمر ولن تسقط، إذا كان التيار الصدري طرفا أساسيا فيها”.    

يشار إلى أن بيانا صدر أمس الأول، من قبل رئيس الكتلة الصدري حسن العذاري ورئيس الهيئة السياسية في التيار الصدري احمد المطيري، أشارا فيه الى عدم حدوث لقاء بين التيار الصدري والإطار التنسيقي طيلة الفترة الماضية، أي منذ إعلان زعيم التيار مقتدى الصدر لمهلة الـ40 يوما، وأكدا أن التيار مصر على موقفه بتشكيل حكومة اغلبية، كما نفوا وجود أي انشقاق في التحالف الثلاثي.

وكان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر أعلن الشهر الماضي، توقفه عن المشاركة بتشكيل الحكومة، ومنح الضوء الأخضر لتحالف السيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني، بالتفاوض مع الإطار التنسيقي لتشكيل حكومة خلال 40 يوما، لكن تحالف السيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني، أصدرا في الأول من نيسان أبريل الحالي، بيانا مشتركا، ثمّنا فيه موقف الصدر ومبادرته نحو الإسراع في تشكيل حكومة قوية تعمل على معالجة الملفات المعقدة التي تواجه الشعب العراقي، وأكدا تمسكهما بالشراكة مع الكتلة الصدرية، لعدم إمكانية أن تولد حكومة قوية دون شراكتهم معا، مطالبين بتسمية مرشح الكتلة الصدرية لرئاسة الوزراء.

إلا أن الإطار التنسيقي أعلن في 12 نيسان أبريل الحالي، أنه غير معني مطلقا بتحديد مدد زمنية لا تنتج سوى إطالة أمد الانسداد السياسي، وأشار إلى أنه يسعى بكل جهده للوصول إلى تفاهمات واقعية مع القوى السياسية الأخرى، بعيدا عن التفرد أو الإقصاء وترتكز على عدم جعل المكون الأكبر أصغر المكونات وأضعفها.

في حين، يرى المحلل السياسي علي البيدر خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الطرفين، التيار الصدري والإطار التنسيقي، يحاول كل منهما إظهار الآخر خاطئا أو قليل الأهمية، إذ أن الإطار التنسيقي يطرح مشروعا يبين فيه أنه قادر ومتمكن من تشكيل الحكومة، ولكن في نفس الوقت يطرح التيار الصدري، مسألة عدم قدرة الإطار على تشكيل الحكومة”.

ويتابع البيدر، أن “الحكومة لا يمكن أن تتشكل من قبل التيار الصدري فقط دون مشاركة الإطار التنسيقي، ولا يمكن أن يشكلها الإطار بمفرده أيضا، وهذا الموضوع أصبح جوهريا، ويجب على القوى الشيعية أن تتعامل مع هذا الأمر باعتباره واقعا”، مبينا أن “جميع المناورات أثبتت أنه لا خيار إلا بالتوافق، ولا توافق إلا بتقديم رؤى قريبة من بعضها من قبل الطرفين”. 

ويستطرد أن “مهلة الصدر، لو استمرت لـ400 يوم، وليس 40 يوما، فإنه لن يستطيع تشكيل الحكومة مشاركة الإطار التنسيقي، لذا يجب تقديم رؤى من الطرفين فيها تقارب لحل الأزمة”.

وتأتي هذه التطورات بعد إخفاق مجلس النواب، وفي مرتين على التوالي، من خلال تحقيق نصاب الثلثين (220 نائبا) لانتخاب رئيس الجمهورية، وذلك نتيجة لمقاطعة نواب الإطار التنسيقي للجلسات وبعض المستقلين الذين انضموا له.

تطورات سريعة

الحزب الديمقراطي الكردستاني، أصدر يوم أمس بيانا نفى فيه عدم رد زعيم الحزب مسعود بارزاني على اتصالات زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وأكد أن هذه الأنباء غير صحيحة، وأن العلاقة متينة بين الطرفين.

يذكر أن التحالف الثلاثي (إنقاذ الوطن) مكون من التيار الصدري والحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف السيادة، فيما تشكل الإطار التنسيقي من قبل الكتل الشيعية إلى جانب تفاهم “خفي” مع الاتحاد الوطني الكردستاني، وقد انقسمت هذه التحالفات قبل أن تعقد الجلسة الأولى للبرلمان في كانون الثاني يناير، وخلال عقد الجلسة تعمق الخلاف خاصة وأن محمد الحلبوسي انتخب رئيسا للبرلمان باصوات التحالف الثلاثي فقط، وسط مقاطعة الإطار والاتحاد لعملية الانتخاب.

وتأتي هذه التطورات في ظل زيارة أجراها الحلبوسي قبل أيام إلى إيران والتقى فيها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي وعدد كبير من المسؤولين الإيرانيين، ووفقا لمصادر مطلعة فإن الحلبوسي “لم يحصل على مراده من الزيارة، وهو الدعم الايراني له”.

وتبين المصادر في أحاديث صحفية متفرقة تابعتها “العالم الجديد”، فإن “الحلبوسي طلب دعم إيران، لكن لم يحصل على نتيجة”، مبينة أن “أغلب لقاءات الحلبوسي، كانت تجري بشكل رسمي برفقة الوفد المرافق له، لكن بعد انتهاء اللقاء الرسمي يتم الانفراد بالحلبوسي من قبل المسؤولين الإيرانيين لاستيضاح موقفه من طهران ومسألة تحالفه مع الصدر”. 

يشار إلى أن الحزب الديمقراطي الكردستاني، متمسك بمنصب رئيس الجمهورية، في خطوة مغايرة للمعادلة القائمة منذ العام 2003، حيث أن هذا المنصب كان يذهب للاتحاد الوطني الكردستاني، وهو الذي رشح برهم صالح لشغله في انتخابات 2018، والذي حظي بدعم الإطار التنسيقي رسميا لتجديد الولاية له.

ضغوط

وتعليقا على ذلك، يقول المحلل السياسي صلاح الموسوي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الإطار التنسيقي يمارس الضغط على التيار الصدري وحلفائه في التحالف الثلاثي، فالإطار بدأ بالضغط عبر إعادة علي حاتم السليمان ورافع العيساوي للمشهد، بالإضافة الى أن ذهاب رئيس البرلمان محمد الحلبوسي (حليف الصدر) الى إيران، فإنه تعرض فيها إلى ضغط للخروج من تحالفه مع الصدر”.

ويؤكد الموسوي، أن “التحالف الثلاثي إذا تعرض الى انشقاق، فإن المعادلة ستتغير بكل تأكيد، ومن المحتمل أن يصبح رصيد الإطار أعلى من الآن، وهذا غير مستبعد حيث أن العملية السياسية في العراق هشة”، مضيفا أن “مناعة الداخل العراقي أمام التأثير الخارجي ضعيفة جدا، ولا ننسى أن الصفقات هي التي صنعت المشهد السياسي الحالي”.

ويستدرك أن “الوضع الآن وبعد 17 عاما على العملية السياسية الجديدة، فإنها وصلت إلى مرحلة انتهاء الصلاحية، ولكن البعض يصر سواء بقوة السلاح أو التخادم مع الخارج أن يبقى الوضع العراقي ضعيفا لتحقيق بعض المصالح”، موضحا أن “المعارضة في العراق غير مطبقة بالشكل الصحيح، حيث أن الجميع يعلم أنه لا يوجد شيء اسمه معارضة، فضلا عن تخوف الكثير من الكتل الذهاب إلى المعارضة، تخوفا من فتح ملفاتها السابقة، وبالنتجية فإني أشك في تشكل الحكومة حتى بعد عيد الفطر”.

يشار إلى أن علي حاتم السليمان الذي يعرف برئيس اتحاد المعارضة العراقية، أعلن عن عودته الى العاصمة بغداد الأسبوع الماضي، وقال في تغريدة له آنذاك “بعدما عانت الأنبار من مشاريع التطرف والإرهاب وتحولت الى مرحلة الهيمنة والدكتاتورية وتكميم الأفواه والفساد.. نعلنها من بغداد أن هذه الأفعال ستواجه بردة فعل لن يتوقعها اصحاب مشاريع التطبيع و التقسيم ومن سرق حقوق المكون وعلى من يدعي الزعامة أن يفهم هذه هي الفرصة الأخيرة”.

وردا على عودة السليمان، قال الحلبوسي، الثلاثاء الماضي، في تغريدة له إن العمل السياسي تحكمه ثوابت وأخلاقيات، ولا يمكن أن يُصنف الاستهتار بأمن المواطنين، وإثارة الفتن بين أبناء الشعب تحت أي سبب كان على أنه مناورة أو ضغط سياسي.. سنتخذ مواقف جدية وحدية بمجمل المشاركة في العملية السياسية، نظراً لتحكم المسلحين الخارجين عن القانون، وعبثهم بأمن البلاد والعباد، ومحاولاتهم المستمرة لتغييب الدولة وإضعاف القانون والعبث بالنسيج الاجتماع.

وبرز اسم علي حاتم السليمان، في احتجاجات محافظة الأنبار في العراق والتي استمرت منذ عام 2013 حتى اجتياح تنظيم داعش لثلاث محافظات عام 2014، وكان السليمان من أبرز قيادات ساحة التظاهر في مدينة الرمادي ومن أشد المناوئين لحكومة نوري المالكي والنظام السياسي بشكل عام.

إلى جانب السليمان، فإن رافع العيساوي، وزير المالية الأسبق وأحد أبرز وجوه منصات التظاهر في الأنبار عام 2013، عاد أيضا الى الأنبار، بعد إعلان براءته من التهم والدعاوى المرفوعة ضده.

 

من جهته، يوضح رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الوضع السياسي في العراق معقد جدا، ويمر بحالة من الانغلاق السياسي التام، لا سيما وأن أفضل الحلول المطروحة الآن للخروج من هذا الانغلاق هو حكومة توافقية، وهذا ممكن نوعا ما، خاصة وأن حكومة الأغلبية صعبة جدا في الوقت الحالي”. 

ويشير إلى أن “أحد الحلول التي يمكن أن تسهم في حل الأزمة الراهنة، هو معارضة ناجحة، وقد يكون هذا الخيار هو الأقرب للتيار الصدري بعد الـ40 يوما التي حددها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر”، متوقعا أن “الوضع السياسي في حال لو بقي هكذا، فهناك إمكانية لقيام ثورة جديدة”.

وكانت “العالم الجديد”، قد كشفت في تقرير لها قبل أيام، أن الحركة الاحتجاجية في العراق بدأت تستعيد تماسكها عبر عقد لقاءات مكثفة لقاتها بغية الخروج بتظاهرات جديدة وكبيرة، رفضا للازمة السياسية الحالية.

إقرأ أيضا