الفقر والملاحقات أم العقيدة.. ماذا يدفع اللبنانيين للالتحاق بداعش في العراق؟

فجر يوم الجمعة (21 كانون الثاني يناير 2022) باغت عناصر من تنظيم داعش سرية تابعة…

فجر يوم الجمعة (21 كانون الثاني يناير 2022) باغت عناصر من تنظيم داعش سرية تابعة للجيش العراقي في منطقة حاوي العظيم في محافظة ديالى شمال شرق بغداد. فتحوا نيران أسلحة خفيفة كانت بحوزتهم وقتلوا ضابطاً برتبة ملازم مع عشرة جنود.

لم يكن هذا الهجوم حالة استثنائية بالنسبة لأجهزة الأمن العراقية، فالمناطق الممتدة بين محافظتي صلاح الدين وديالى وبالأخص منطقة جبال حمرين، تشهد ومنذ سنتين هجمات لعناصر تنظيم داعش المتحصنين في كهوف هناك يتخذونها ملاذات آمنة ويشنون انطلاقا منها هجمات على القوات الأمنية العراقية والمدنيين في بعض الأحيان.

لكن اللافت هذه المرة هو الكشف عن جنسية عناصر التنظيم الذين شاركوا في الهجوم. فبعدها بأيام وتحديدا في 29 كانون الثاني، أعلنت وزارة الدفاع عبر خلية الإعلام الأمني عن ثلاث ضربات جوية بطائرات أف 16 استهدفت داعش في منطقة العظيم ضمن قطاع عمليات ديالى، أسفرت عن مقتل تسعة من عناصر التنظيم. وأوضحت الخلية أن الهجوم استهدف المجموعة التي هاجمت قوات الجيش.

لاحقا قالت الاستخبارات العسكرية العراقية، إن “من بين القتلى أربعة لبنانيين منتمين إلى داعش”، ونقلت وكالة الأنباء العراقية الرسمية عن مصادر أمنية اسماء القتلى الأربعة.

رغم تلك البيانات والإعلانات التي حددت هويات القتلى، كشف خبير أمني مطلع على تفاصيل الهجوم، أن كل ما عثرت عليه الأجهزة الأمنية العراقية هو ثلاث جثث لعراقيين، وانه لا توجد جثث للبنانيين، فيما شككت عوائل القتلى بحقيقة انتماء القتلى الى تنظيم داعش، متساءلة عن كيفية وصولهم الى وسط العراق بعد ايام من اختفائهم في وقت كانوا يخضعون لمتابعة الأجهزة اللبنانية.

قضية اللبنانيين القتلى جاءت متزامنة مع هجوم تنظيم داعش على سجن الصناعة في مدينة الحسكة شمال شرق سوريا، والخاضع للإدارة الكردية ويضم آلافا من مقاتلي التنظيم، وفي وقت تصاعدت فيه هجمات التنظيم وفي مناطق تعد بعيدة عن الحدود العراقية السورية، ما أثار قلقا كبيرا في العراق من عودة مسلسل العنف في ظل تقارير استخبارية تؤكد ان التنظيم يعيد بناء خلاياه في عدة محافظات.

تقاطع في الروايات

يقول الضابط في جهاز المخابرات العراقي (ن.غ) في حديث لـ”العالم الجديد”، إن من بين قتلى هجوم كانون الثاني ستة لبنانيين ينحدرون من منطقة واحدة هي طرابلس الواقعة شمالي بيروت، والتي تعد حاضنة لبعض الجماعات السنية المتشددة في لبنان، وفقاً لما ذكر.

وبحسب المعلومات التي كشفها الضابط، فإن هؤلاء ليسوا اللبنانيين الوحيدين الذين دخلوا العراق ملتحقين بداعش. إذ يقول، إن “العشرات منهم دخلوا البلاد ليلتحقوا بالتنظيم الإرهابي، بينهم من التحق في الفترات الأخيرة”.

وتداولت صحف ومواقع إخبارية لبنانية، أخباراً تضمنت معلوماتٍ عن الذين لقوا حتفهم في العراق، أشارت في بعضها إلى أن أهالي ستة مواطنين لبنانيين تلقوا نبأ مقتل أبنائهم في العراق بعد استهدافهم من قبل الجيش العراقي.

وكانت مواقع إخبارية لبنانية قد نشرت اسماء القتلى وصورهم ومناطق سكنهم في لبنان، وهم (أنس أحمد سيف، بكر مهدي سيف، عمر محمد سيف، ويوسف أحمد شخيدم وشقيقه عمر من برج العرب، ويوسف السيد من منطقة القبة)، لكن لم يصدر تأكيد من أي مصدر رسمي لبناني، بشأن هذه المعلومات.

أما في الجانب العراقي، فالتصريحات الرسمية بهذا الخصوص تكاد تقتصر على ما أدلى به المتحدث باسم القوات المسلحة يحيى رسول، في أن تعاوناً استخبارياً بين لبنان والعراق، أثمر عن مقتل عناصر خلية تابعة لتنظيم داعش، كان بينهم لبنانيون، وأن القوات العراقية كانت تتابع “الخلية الإرهابية”، وقال بأنها كانت مسؤولة عن مقتل عشرة جنود وضابط عراقيين، وان الرد لم يتأخر باستهداف الخلية بواسطة طائرات أف 16 وقتل عناصرها بالكامل.

ردود فعل وتشكيك بالروايات

منشوراتُ أهالي وأقارب اللبنانيين القتلى في وسائل التواصل الإجتماعي، أثارت استياء عراقيين وسعادتهم في ذات الوقت،  فقد أشار الكثير منهم إلى أن العراق هو أكثر بلد قدم مساعدات للبنان، وأنهم لم يتوقعوا أن يكون رد اللبنانيين على ذلك بالانضمام لداعش وقتل الأبرياء في العراق.

وآخرون عبروا عن سعادتهم لرؤيتهم تلك المنشورات التي ينعى فيها الأهالي القتلى، وعدوها مؤشرا على صدق المعلومات المتداولة بشأن وجود مقاتلين لبنانيين وحتى قتلى، لكونهم لا يثقون كثيراً بالإعلام العراقي الحكومي أو المقرب منه.

تلك المعلومات أشعلت حرب ملاسنات في وسائل التواصل الاجتماعي، بين لبنانيين عدوا القتلى شهداء، وعراقيين وصفوهم بالإرهابيين.

يقول الكاتب العراقي عبد اللطيف الهجول المهتم بنشاط الجماعات المسلحة، إنه من غير المعقول والمقبول أن يعلن ذوو القتلى اللبنانيين عن افتخارهم بهم ووصفهم بالشهداء، في حين أنهم كانوا منخرطين مع جهة ارهابية داخل العراق وقتلوا جنوداً عراقيين قبل أن تتم تصفيتهم، “إنها استهانة بدماء العراقين” يقول الهجول، ثم نعت الحكومة العراقية بالضعف لأنها سكتت عن الأمر. ويشير إلى أن اللبنانيين كانوا ومازالوا يتلقون مساعدات من العراق رغم كل شيء، ودعا إلى محاسبة الأهالي “أبناؤهم لم يقوموا بشيء يدعو للفخر، وإنما للخجل”.

لكن في الجانب اللبناني، ينفي ذوو القتلى أن يكون أبناؤهم منتمين لداعش، وقال محاميهم محمد الصبلوح في مؤتمر صحفي عقده في مكتبه بطرابلس، يوم 16شباط/فبراير2022، بحضور عدد منهم، أن هنالك شكوكاً وعلامات استفهام كثيرة بشأن الاختفاء الفجائي للشبان، وجلهم من طرابلس، والاعلان عن مقتلهم مع عدد من مقاتلي داعش.

وقال بأن بعضهم تلقوا معلومات عن احتمال القبض عليهم من قبل الأجهزة الأمنية فهربوا إلى خارج البلاد خوفاً من الاعتقال والتعذيب، وآخرون سافروا بالفعل إلى العراق لوجود فرص عمل وعِدوا بها وليس للانخراط في صفوف داعش.

ثم تساءل بانفعال “ما حاجة داعش لشبان غير مدربين على السلاح، ثم كيف تمكنوا من تجاوز الأجهزة الأمنية في لبنان وسوريا والعراق وصولا الى هناك؟” مشيراً بذلك إلى خط سير اللبنانيين المفترض للوصول إلى العراق.

وبحسب جريدة الأخبار اللبنانية التي نشرت في وقت سابق تقريراً أشارت فيه إلى أن طرابلس وعكار في الشمال اللبناني من أكثر المناطق فقراً في البلاد، ومع تصاعد الازمة الاقتصادية فيها، كان الافراد الأشد هشاشة اقتصاديا هم الأكثر تأثرا، مشيرة الى معلومات عن قيام تنظيم داعش بتجنيد شبان من أبناء الشمال مقابل رواتب شهرية مغرية للبنانيين يعانون الفقر.

لكن الحاجة المادية لا تلغي الجانب العقائدي وراء التجنيد، حيث تظهر المعلومات المتوافرة في لبنان عن اثنين من بين القتلى الست في العراق وهما (بكر سيف وعمر سيف)، أن الأول سجن في 2014 سبع سنوات بتهمة الإرهاب ومخالفة أنظمة إدارية، والثاني  قاتل سابقا في سوريا وحُكم بالسجن خمس سنوات بتهمة الإرهاب وأفرج عنه بعد إنقضائها.

دخولهم الى العراق

وسائل إعلام لبنانية، نشرت أواخر 2021 أي قبل حادثة الهجوم بأكثر من شهر، ما أفادت به مصادر لها، أن الحدود اللبنانية مع سوريا هي الطريق التي سلكها عناصر داعش اللبنانيين للوصول إلى العراق لأنها غير محصنة بشكل جيد.

 

وبحسب قصص تم نشرها ولقاءات إعلامية أجريت مع عائلات اللبنانيين، ذكروا أنه وبعد 48 ساعة من اختفاء أبنائهم وكان ذلك في مطلع 2022 تلقى بعضها اتصالات منهم عبر أرقام هواتف غير لبنانية، أفادوا فيها أنهم موجودون في العراق.

بعدها بأيام تلقت إحدى الأمهات رسالة نصية عبر هاتفها الجوال، تقول”حبيبك مات، عثرنا على هاتفه في جيبه بعد مقتله”. وكان ذلك في ليلة 27 كانون الثاني يناير 2022، وهذا يعني أن الضربة الجوية العراقية حدثت في ذلك اليوم أو قبلها بيوم، لكن وزارة الدفاع أعلنت عنها في 29 كانون الثاني/يناير2022.

وتلقت معظم أسر الشبان تسجيلاً صوتياً عبر وأتساب من صوت نسائي ممنتج غير معروف مصدره، ينعى لهم أبناءهم، لتقوم تلك الأسر بنصب سرادق العزاء واستقبال المهنئين كونها عدت ابناءها شهداءً، وفقاً لما نشرتهُ حسابات لبنانيين في وسائل التواصل الاجتماعي.

فيما أعلنت عائلة شخيدم أنها عرفت بمقتل ولديها (يوسف وعمر) من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام.

ويؤكد ضابطٌ في جهاز المخابرات العراقي، طلب عدم الإشارة إلى اسمه، أن دخول اللبنانيين إلى العراق تم عبر سوريا ومن ثم إلى الأنبار في أواخر عام 2021. ويقول إن هنالك مهربين يتولون نقل عناصر داعش إلى الداخل العراقي، مقابل مبالغ مالية يدفعها التنظيم اليهم.

وأيد الضابط المعلومات التي تحدثت عن التحاق لبنانيين آخرين بداعش في العراق، وهو ما أكدته المصادر والإجراءات الأمنية في لبنان أيضا إذ تم في طرابلس مطلع 2022 توقيف خمسة شبان دون الثامنة عشرة كانوا يرومون السفر إلى العراق، وتم تسليمهم إلى مفتي طرابلس الذي أعادهم إلى ذويهم، بحسب ما ذكره المحامي محمد الصبلوح في 16شباط فبراير 2022.

الضابط أكد كذلك دخول بعض اللبنانيين الى العراق وبنحو غير شرعي عبر قضاء سنجار (127كم) غربي محافظة نينوى، وذكر أنهم قدموا أنفسهم على أنهم لاجئون سوريون مع سهولة شراء المستمسكات السورية بسبب الأوضاع هناك وكذلك تقارب اللهجتين السورية واللبنانية.

ويبدو من خلال المعلومات التي تحصلنا عليها في لبنان، فأن من يشير إليهم الضابط، قد يكونوا من اولئك الملاحقين أمنياً في لبنان، لذا يسافرون بنحو غير رسمي ليتجنبوا الوقوع بأيدي أجهزة الأمن اللبناني. وإلا فان مطار بغداد والنجف الدوليين هما المنفذان الرئيسان الذي يدخل عبره اللبنانيون عادة للعراق، فضلاً عن مطار أربيل.

فالأزمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان والتي صنفها البنك الدولي بأنها الأسوأ من 172 سنة، أدت إلى هجرة آلاف اللبنانيين إلى العراق بحثاً عن فرص عمل، بينهم عمال في مطاعم وقطاعات خدمية أخرى وكذلك كوادر طبية وهندسية. وكثير منهم يدخلون العراق كذلك بهدف زيارة المراقد المقدسة لدى الشيعة في النجف وكربلاء.

ويشير الخبير الاقتصادي عبد النبي جبار، إلى أن الأبواب في العراق مفتوحة أمام اللبنانيين، سواءً للقادمين بحثاُ عن فرص العمل أو للزيارات الدينية في النجف وكربلاء، ويقول “بالنسبة للتجار اللبنانيين، يشكل العراق خياراً استثمارياً جيداً، في حين أن المستثمرين العرب والأجانب يتجنبونه في العادة خوفاً من الأمن الموتور فيه“.

ويرى بأن الوضع الاقتصادي المتدهور في لبنان، قد دفع البعض من الشبان هناك إلى الالتحاق بداعش “من أجل المال وليس العقيدة، وأيضاً هربا من ملاحقة أمنية أو جنائية.. هم مجرد مرتزقة، وهذا مؤشر مهم على ضعف التنظيم، الذي عاد إلى مرحلة بداية ظهوره، عناصره مجرد مقاتلين مأجورين”.

ويسمح العراق بدخول اللبنانين بتأشيرة سفر صالحة لستة أشهر، وهو ما ذكره وزير الصناعة العراقي منهل عزيز الخباز، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيرة اللبناني جورج بوشكيان في 7 آذار/مارس 2022. المؤتمر كان مخصصاً للحديث عن حجم التبادل التجاري بين البلدين، والاستعدادات لإقرار اتفاقية التكامل بينهما.

لا قتلى ولا جثث

خلافاً لما نقله ضابط المخابرات العراقي، ينفي الخبير الأمني العراقي سرمد البياتي، وجود لبنانيين قتلى بين جثث عناصر داعش الذين تمت تصفيتهم في الهجوم الجوي الذي أعلنت عنه وزارة الدفاع أواخر كانون الثاني يناير2022.

وقال بأنه استفسر من القادة العسكريين آنذاك وأنهم أبلغوه بأن ما تم إيجاده  في مناطق الاستهداف كانت ثلاثة جثث فقط، وكانت لعراقيين، وأنهم لم يجدوا جثة أي لبناني.

ويستغرب البياتي من إعلان العراق ولبنان عن مقتل عدد من اللبنانيين، لكن على أرض الواقع لا وجود لجثثهم، ويضيف: “لم يعثروا على جثث اللبنانيين في المكان الذي قصف“.

لكن الخبير الأمني ترك الباب مفتوحا أمام حصول عملية القتل، فقد أكد أن القوات العراقية “لم تتمكن من الدخول إلى مغارة في ديالى كان عناصر داعش يتحصنون فيها، لأنها دمرت في القصف وانهارت على من فيها”.

وفي لبنان لم تتلق عائلات القتلى جثث أبنائها، وفقاً لتأكيدات عدد من أفرادها، لكنهم باتوا واثقين من مقتلهم لعدم معاودة أي منهم التواصل معهم، بالتزامن مع الإعلان العراقي عن مقتلهم.

مصادر أمنية عراقية ذكرت أنه من غير الوارد أن تكون هنالك جثة معلومة لعناصر داعش بعد تعرضهم للقصف الجوي بصواريخ طائرات أف 16 العراقية في العظيم، وأن كل ما يمكن العثور عليه في مثل تلك الحالات، مجرد أشلاء ممزقة أو عوائد شخصية يمكن الاستدلال بها على الأشخاص كالهواتف النقالة وشريحاتها أو بطاقات الهوية.

عودة داعش المستحيلة

ويستبعد الخبير سرمد البياتي عودة داعش في العراق بتلك القوة التي كان عليها قبل 2014 وما تلاها، وبحسب رأيه فأن ما يفعله التنظيم الذي يعتقد بأنه بات ضعيفا، مجرد عمليات صغيرة، على الرغم من أنها تخلف العديد من الضحايا في كل مرة، ويشدد “لكن هذا لا يعني بأنه قادرةعلى العودة كالسابق”.

ودعا البياتي، الحكومة العراقية إلى تطوير الجهد الإستخباري ودعم الدفاعات الجوية وتعزيزها بكل ما هو حديث، لأن من شأن ذلك فضلاً عما يقوم به الجيش من مهام، القضاء على التنظيم بنحو نهائي، وفقاً لما يعتقد.

وأشار تقريرٌ للأمم المتحدة نشر في شباط فبراير 2022 إلى أن “تنظيم داعش يحافظ على وجود سري كبير له في العراق وسوريا “ويشن تمرداً مستمراً على جانبي الحدود بين البلدين مع امتداده على الأراضي التي كان يسيطر عليها سابقا في نينوى والأنبار”. وقدر التقرير أعداد عناصر داعش المتواجدين فعلياً في سوريا والعراق بنحو عشرة آلاف عنصر.

ويحذر باحثون في التنظيم، من امكانية استعادة جزء من قوته المفقودة اذا نجح في”تحرير مقاتليه وقادته”من سجون الادارة الكردية الذاتية في سوريا، وهو حاول فعل ذلك في سجن الصناعة بالحسكة لكن قوات سوريا الديمقراطية أفشلت عمليته التي نفذت عبر أكثر من 200 مقاتل. وسيكون سهلا على التنظيم في حال “تحرير” كبار قادته ومقاتليه استقطاب مقاتلين جدد فآلاف من مؤيديه ينتظرون ويكبر أطفالهم في مخيم الهول على ذات الفكر والعقيدة.

ويقول المحلل السياسي عادل كمال، أن عملية سجن الكويران أثارت قلقا كبيرا، وأظهرت قدرة التنظيم على التخطيط والتحرك، وأي نجاح في اطلاق مقاتليه سيثير مخاوف عراقية، بل ان مجرد الحديث عن اعتقال أو قتل عناصر داعش في العراق “يثير مخاوف أهالي المناطق التي كانت خاضعة لسلطته أو مسرحاً لعملياته الدموية بين 2006 ولغاية هزيمته وطرده في صيف 2017“.

ويذكر كمال بأن الأمر لا يتعلق بقوة أو ضعف التنظيم، بل ما يمكن أن يفرزه وجودهُ على أرض الواقع، لأن هنالك آلافاً من المواطنين الذين نزحوا بسببه، وعودتهم تقتضي وجود ضمانات بعدم تكرار ماحدث في السابق “هذا فضلاً عن المنظمات الدولية والمستثمرين الذين هم بحاجة إلى تطمينات وبيئة آمنة ليسهموا في إعادة أعمار مادمره داعش“.

كيف وصلوا الى العراق؟

في وادي النحلة بمدينة طرابلس اللبنانية، مازال الجدل قائماً بشأن الطريقة التي وصل بها الشبان اللبنانيون إلى العراق ليلقوا حتوفهم هناك، فذووهم يؤكدون أن أبناءهم كانوا معتقلين لدى الأمن العام اللبناني، ليكتشفوا لاحقاً أنهم قتلوا في العراق، بل والأسوأ من ذلك أنهم كانوا ملتحقين بداعش، وهذا ما يرفض الأهالي تصديقه، ويحملون الأجهزة الأمنية اللبنانية مسؤولية ماجرى لهم.

بكر سيف (23عاما) واحدٌ من القتلى اللبنانين الست في العراق، كان قد أعتقل لأسباب أمنية وهو بعمر سبعة عشر سنة (سنة 2014)، وحوكم بالسجن لسبع سنوات، وبحسب رواية والدته وشقيقه محمد، فان بكر قرر بعد إطلاق سراحه أن يعيش حياته بعيداً عن أية مشاكل.

حتى أنه لم يعد يحمل معه هاتفاً جوالاً، وكان يخطط للزواج وأعد منزلاً لذلك في طرابلس، وحدد يوم زفافه في 25 كانون الأول/ديسمبر 2021، لكنه اختفى قبل ذلك بفترة وجيزة” كما يؤكد شقيقه محمد.

يوم 27 كانون الأول ديسمبر 2021 تلقت والدته اتصالا هاتفياً من شخصٍ أخبرها بنبرة هازئة “ابنك الداعشي مات”. هذا كل ما في الأمر، إذ لم يتلقوا أي شيء من جهة رسمية لبنانية، بل إن الأجهزة الأمنية لم تجر حتى تحقيقاً في الأمر، على الرغم من مرور أكثر من ثلاثة أشهر على الواقعة، وفقاً لمحامي أسر المفقودين محمد الصبلوح.

قبل ذلك، أي حين اختفى بكر، تواصلت عائلته مع الجهات الأمنية، وذكرت أنها حصلت على معلومات بأنه محتجز في الأمن اللبناني العام. شقيقه محمد يقول “نعرف بأن هذا دليل على أنه لم يكن في العراق بداية اختفائه وإنما كان معتقلاً، فكيف وصل إلى العراق؟“.

وبحسب مصادر لبنانية مطلعة، فان عدد الشبان الذين التحقوا بتنظيم داعش من مدينة طرابلس، يتراوح بين 70 إلى 100 شخص. لكن لا إحصائيات رسمية يمكن الاستناد إليها، باستثناء ما أورده وزير الداخلية اللبناني بسام مولوي في تصريح اعلامي قبل أشهر، أن سبعاً وثلاثين لبنانياً انضموا لداعش، عشرة منهم تركوا البلاد بنحو قانوني عبر مطار بيروت الدولي وأن واحداً منهم في الأقل قتل بعد شهر آب أغسطس من عام 2021 وأسمه زكريا العدل.

وبالعودة لروايات الأهالي، نجد إجماعاً على تلقيهم اتصالات هاتفية من أبنائهم في كانون الأول دسمبر2021 قالوا لهم فيها أنهم في العراق وهو ما سبب لهم “صدمة” وفقاً لما ذكرته أكثر من عائلة، لأن هؤلاء الشباب لم يكونوا يملكون جوازات سفر، ولا أية أموال، فكيف وصلوا الى العراق؟

وهم يعتقدون بأن هنالك من خدع أبناءهم ونقلهم من لبنان إلى العراق، للتخلص منهم، ويتهمون الأجهزة الأمنية اللبنانية بالتورط في ذلك أو غض النظر عن خروجهم ووجهتهم.

تواصلت “العالم الجديد” مع كاتب وصحفي لبناني، طلب عدم الإشارة إلى اسمه لدواعٍ أمنية، قال بأن ما يحدث للبعض من شبان طرابلس يشبه كثيراً ما حدث لأمثالهم في أوروبا وأمريكا.

وأوضح: “بعض الدول الأوربية وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية، كانت لديها مؤشرات أمنية على بعض الأشخاص، وبطرق متعددة دفعتهم بعد 2014 للخروج من البلاد بالضغط عليهم أو فسح الطرق وتسهيلها أمامهم للتوجه إلى العراق وسوريا، لتتم تصفيتهم هناك، بدلاً من اعتقالهم“.

ولا يستبعد أن يكون السيناريو ذاته قد أعد للشبان اللبنانيين الذين قتلوا في العراق “لكون المعطيات كلها تشير إلى أن البعض منهم كان ملاحقاً أو أعتقل قبل أيام قليلة من ظهورهم في العراق ومن ثم الإعلان عن مقتلهم.

محامي ذوي اللبنانيين القتلى في العراق يقول بأن لديه أدلة دامغة تثبت أن الأجهزة الأمنية إما متورطة في إرسال الشبان إلى العراق أو تعرف الجهة التي قامت بذلك.

ويشير الصبلوح في حديثه لـ”العالم الجديد”، إلى أن بكر سيف على سبيل المثال عندما اختفى في مطلع كانون الأول ديسمبر2021 راجع أهله مخفر شرطة البداوي، فأبلغوهم هناك أن الأمن العام قد اعتقله. “بعدها بأيام اتصل بهم شخص عسكري من بيروت قال لهم إن بكر معه وأنه سيأتي به إليهم قريبا، وبعدها بيومين اتصل بهم عميد في الجيش، وقال لهم إنه فعلا في الأمن العام.

لكن بعد عشرين يوماً اتصل بكر بوالدته وأخبرها بأنه في العراق، وهنا يتساءل المحامي: “إذا كان بكر سيف في الأمن العام، فكيف وصل إلى العراق؟”.

وما يزيد شكوك صبلوح بضلوع الجهات الأمنية اللبنانية بتصفية الشبان أن الأمن الوطني العراقي وجه كلمة شكر للجهات الأمنية اللبنانية لتعاونها في تصفيتهم، وفقاً لما ذكر، وقال مستغربا “كيف تملك الجهات الأمنية اللبنانية معلومات عن وجود الشبان في العراق، وفي نفس الوقت كانت تقول أن لا معلومات لديها عنهم حين كانوا في لبنان؟”.

الفقر وضغوط أمنية

طرابلسيون تحدثوا عن ضغوط أمنية تسببت بفرار شبان من مدينتهم إلى خارج البلاد، خوفاً من الاعتقال لمدد طويلة من دون محاكمة والخضوع للتعذيب الذي طال الكثيرين وفقاً لما ذكروا.

المحامي صبلوح يؤكد هذه الأحاديث بإشارته إلى شابٍ بحثت عنه الأجهزة الأمنية في منطقته السكنية لاستجوابه بشان قضية “ملفقة ضده” فهرب تاركاً المدينة والبلاد، واتضح لاحقاً أنه كان في العراق وقتل هناك“.

في حين يشير متابعون للملف اللبناني إلى أن الفقر المتفاقم في البلاد جراء الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يمر بها، هي سبب آخر لخروج الشبان اللبنانيين من بلدهم والتوجه الى العراق والانخراط في تنظيمات مسلحة هرباً من واقعهم وانتقاماً لمن يعتقدون أنهم السبب فيما يعانونه.

ويحذر الباحث محمد عبد الله راغب، من تزايد أعداد الملتحقين بداعش من اللبنانيين، مشيرا الى أنهم في مرحلة أخرى قد يشكلون خطراً على لبنان نفسها “إذا لم تقم الدولة بإصلاحات وتحدث معجزة ويعود الاقتصاد اللبناني للازدهار“.

وهنا يعود المحامي محمد صبلوح ليقول بأن الفقر وحده ليس سبباً، وإنما هنالك أسباب أخرى عديدة من بينها” التخويف الأمني”، منبها إلى أن قيادة الجيش اللبنانية السابقة قبل 2014 كانت قد “أصدرت 11 ألف وسيلة اتصال بحق مواطنين من مدينة طرابلس.

ووسيلة الاتصال، يعادلها مصطلح “المخبر السري” في العراق، وهو أن يقوم شخص مجهول الهوية بالإبلاغ والإخبار عن قيام شخص ما بمخالفة أمنية.

ويذكر صبلوح أن مجلس الوزراء اللبناني أصدر قراراً سنة 2014 بإلغاء وسيلة الاتصال أو عدم الاعتداد بها ما لم تكن صادرة من جهة قضائية. “لكن إلى الآن لم يتم إلغاء وسيلة الاتصال فعليا”.

وقال بأن الشباب يخرجون من البلاد في مجموعات مؤلفة من عشرة أشخاص أو أكثر ثم تنقطع أخبارهم، وكرر اعتقاده بوجود علامات استفهام كثيرة، وأن “على الأجهزة الأمنية الإجابة عن الكثير من الأسئلة لتظهر الحقيقة“.

* ساهم في إنجاز التقرير نوزت شمدين و ولاء ريا.

إقرأ أيضا