خبراء يرجحون انقطاع الغاز الإيراني في ذروة القيظ وينتقدون تعطيل عقود الاستثمار

حذر خبراء في الطاقة من تكرار إيران لمحاولاتها السابقة بقطع إمدادات الغاز المطلوبة لتغذية محطات…

حذر خبراء في الطاقة من تكرار إيران لمحاولاتها السابقة بقطع إمدادات الغاز المطلوبة لتغذية محطات العراق الكهربائية، بذريعة احتياجها له في ذروة القيظ وعدم حصولها على مستحقاتها المالية، منتقدين الاستمرار بحرق الغاز العراقي بكميات تفوق المستورد، بسبب التعطيل غير المبرر لعقود الاستثمار.

ويقول الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “مسألة استيراد العراق للغاز من إيران، واحدة من الملفات غير الواضحة والشائكة، فالعراق يستورد سنويا الغاز بتكلفة تبلغ في المتوسط 2.5 مليار دولار، وهذا الموضوع مستمر منذ 10 سنوات”.

وكانت شركة الغاز الإيرانية، أعلنت أمس الأحد، أن العراق وتركيا قدمتا طلباً من أجل تمديد وزيادة واردات الغاز من إيران، وأن المباحثات جارية لتمديد عقد تصدير الغاز إلى البلدين.

ويضيف المشهداني، أن “العراق بالمقابل يحرق غازا أكثر من الذي يستورده من إيران، والإشكالية الكبيرة هي بدلا من الاستيراد أو تقليله لماذا لا يتم إنشاء محطات فصل الغاز داخل البلد، خاصة وأن البنك الدولي اشترط على العراق أن تصل قيمة الغاز المحترق الى الصفر في عام 2030”.

ويكمل حديثه، بالقول إن “المشكلة هي تنامي احتراق الغاز في السنوات المقبلة، إذ احتل العراق المرتبة الأولى عالميا بحرق الغاز بعد أن كان يحتل الرابعة، وبالتالي فهناك مسائل سياسية غير مفهومة، وربما أن هذا الملف هو سياسي أكثر مما هو اقتصادي، وإلا فإن محطات الغاز لا تكلف كثيرا”.

ويشير إلى أن “العراق سبق وأن وقع عقودا مع شركة شون النفطية وميتسوبيشي منذ عام 2011 لاستثمار الغاز في حقول نفط البصرة، وهذه الاستثمارات كان من المفترض أن تبدأ عملها في 2014، لكن تم منعها، حيث كان من المخطط أن يصل عدد وحدات الغاز الى 3 من أصل 4 منذ منتصف العام الماضي، لكن لم يتحقق أي شيء على أرض الواقع”.

ويستدرك المشهداني، أن “الموضوع فيه جنبة سياسية أكثر من الاقتصادية، فلا نستغرب إذا تمت الموافقة على تمديد فترة استيراد الغاز من إيران، لأن العراق هو من قدم الطلب، وهذا يأتي لأنه ليس لديه حل آخر، فهو لا يستثمر الغاز”.

وحول مدى التزام إيران بتصدير الغاز للعراق، يبين المشهداني، “لا أعتقد بأنه سيتم الالتزام به، فلدى الإيرانيين حجتان دائما ما يتم استخدامهما في مواسم الذروة، الأولى ارتفاع درجة الحرارة وخاصة في شهري تموز (يوليو) وآب (أغسطس)، والثانية هي أن العراق لن يتمكن من دفع المستحقات المالية، لأن عليه ديونا سابقة مترتبة، رغم أن العراق يدفع في نهاية كل سنة، وهنا نحن نجهل الحقيقة ولا توجد شفافية في الأرقام”، لافتا إلى أن “أي ديون مترتبة على العراق في موضوع الغاز ستستغلها إيران كورقة ضغط في موسم الذروة وتوقف توريده، لذا لن نستغرب عندما يقال أنه لا يوجد غاز في شهر تموز أو آب”.

وينوه “كما أن الربط الشبكي للكهرباء لن يخدم العراق أيضا، لأن الدول التي سيتم الربط معها سوف تعاني من ارتفاع درجة الحرارة أيضا، وستحتاج الى الكهرباء في أكثر من أي قت آخر، فمثلا السعودية في تموز وآب درجة الحرارة تكون فيها أعلى من العراق والكويت والأردن كذلك”.

ويعتمد العراق على الغاز الإيراني في تشغيل محطات الطاقة الكهربائية، حيث يحصل على استثناءات دورية من واشنطن لاستيراد الغاز الإيراني، نظرا للعقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.

ويعاني العراق من أزمة في إنتاج وتوزيع الطاقة الكهربائية، إذ بلغ الإنتاج الحالي 15 الفا و800 ميغاواط، في حين يبلغ المستهدف 22 ألف ميغاواط، في حال توفر إطلاقات الغاز الإيراني، الذي توقف مؤخرا لعدم تسديد العراق ما بذمته من أموال في هذا الملف، وذلك بحسب تصريحات رسمية سابقة.

وكان رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي، انتقد في مطلع العام الحالي عدم تنويع الحكومات السابقة في مصادر استيراد الغاز واعتمدت مصدرا واحدا، ما أدى الى تدهور في إنتاج الطاقة الكهربائية في حال نقص واردات الغاز أو توقفها، وذلك عقب توقف 4 خطوط إمداد إيرانية، ما أدى الى انخفاض تجهيز الكهرباء بشكل كبير في العراق.

 

يشار إلى أن إدارة معلومات الطاقة الامريكية، قدرت أن العراق أشعل 629 مليار قدم مكعب من الغاز الطبيعي، بسبب عدم كفاية خطوط الأنابيب والبنية التحتية لغاية الآن، مبينة أن هذه الكمية المحترقة من الغاز تكفي لإمداد 3 ملايين منزل بالطاقة.

وتشير بيانات البنك الدولي إلى أن افتقار حقول النفط العراقية لمعدات جمع الغاز، يؤدي سنويا الى حرق 18 مليار متر مكعب من الغاز المصاحب للنفط، وبحسب تقديرات دولية، فان هذا الحرق يكلف العراق 2.5 مليار دولار سنويا، أو ما يعادل 1.55 مليار متر مكعب من الغاز يوميا، وهو ما يعادل 10 أضعاف ما يستورده العراق من إيران.

الى ذلك، يبين الخبير النفطي محمد هورامي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “زيارة وزير الخارجية العراقي الى طهران جاءت للتفاوض بشأن حل مشكلة الكهرباء وحصل اتفاق لتسديد ديون الغاز البالغة مليارا و600 ألف دولار، وإيران اشترطت أن يتم تسديد الديون خلال الفترة المحددة وستعيد تصدير الغاز، لكن هذا الوضع مشكوك فيه لأنه في كل عام تحدث مثل هكذا اتفاقيات ولا يتم الالتزام بها”.

ويؤكد هورامي، أن “عملية تحويل مثل هكذا مبالغ ليست سهلة، وإيران لديها التزامات أخرى مع ثماني دول تقريبا، ومن يعطيها السيولة بسرعة فهي تصدر له الغاز”، مبينا أن “هناك تجربة عمرها 15 عاما مع إيران، ففي كل فصل صيف وعند ارتفاع درجات الحرارة، يزداد الطلب الداخلي على الغاز لتوليد الكهرباء، وبالتالي فإن إيران تتجه لسد حاجة شعبها، والفائض إذا وجد فتصدره للعراق، أي لا يوجد تغيير في هذا الوضع ويمكن أن يتكرر هذا العام أيضا”.

ويوضح أن “حل مشكلة الكهرباء في العراق ليس سهلا، فإن الطلب ازداد والأجهزة الكهربائية ازدادت وكذلك عدد السكان، وبالمقابل هناك محطات اندثرت، أما مسألة الدخول الى سوق الطاقة، سواء كان الخليجي أو الإيراني أو الأردني، فهو يعتبر إسنادا لكن ليس حلا جذريا، لأن العراق بلد كبير، ويحتاج تقريبا الى 30 الف ميغاواط والموجود حاليا 20 ألف ميغاواط والنقص كبير جدا”.

ويتابع أن “على العراق استثمار الغاز الموجود، وهذا يحتاج إلى وقت، والمسألة لا تحل بعام أو عامين، وفي الأعوام الماضية حصل تقدما بهذا الملف، لكنه ليس بالمستوى المطلوب”.

وبحسب إدارة الطاقة الأمريكية فإن “70 بالمائة من الغاز العراقي هو غاز مصاحب، و30 بالمائة غاز طبيعي، وأن العراق يتلف 62 بالمائة من إنتاجه من الغاز، أي ما يعادل 196 ألف برميل من النفط، ولو كان سعر البرميل 70 دولارا في المعدل الطبيعي، فإن المبلغ المهدور هو 45 مليار دولار، وهو ما يكفي لانشاء صناعة غاز جديدة بالكامل.

 

وتنتشر حقول الغاز المصاحب والطبيعي في معظم المحافظات النفطية العراقية، بواقع 70 بالمائة في حقول البصرة (مجنون، حلفاية والرميلة)، 10 بالمائة في حقول كركوك، 20 بالمائة في المناطق الشمالية والغربية في البلاد، وذلك بحسب احصائية كاملة حصلت عليها “العالم الجديد” ضمن ملف الغاز، الذي نشرته العام الماضي.

إقرأ أيضا