حكومة التصريف تسقط بلكمة “الاتحادية”.. فهل فتحت الأخيرة بابا للحل؟

فتح قرار المحكمة الاتحادية بشأن صلاحيات حكومة تصريف الأعمال، الحديث حول بطلان كافة قرارات الحكومة…

فتح قرار المحكمة الاتحادية بشأن صلاحيات حكومة تصريف الأعمال، الحديث حول بطلان كافة قرارات الحكومة الحالية منذ تشرين الأول أكتوبر الماضي ولغاية اليوم، سواء على صعيد التغييرات في المناصب أو الاتفاقيات التي أبرمتها، إلى جانب إيقاف المساعي لتمرير قانون الأمن الغذائي وتقديم الموازنة، ما ينذر بإقبال العراق على “كارثة” اقتصادية تقترب من المجاعة، لا سيما وأن القوى السياسية لم تتجه لحل عقدة الحكومة الجديدة، في ظل إدراك الجميع لعدم قدرة أي طرف فرض إرادته على الآخر.

ويقول الخبير القانوني عدنان الشريفي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “قرار المحكمة الاتحادية قيد الحكومة بقيدين، الأول هو أن الحكومة الحالية لا تملك صلاحيات إصدار قرارات تنطوي على دوافع سياسية أو تمس مستقبل البلاد السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والثاني هو عدم إمكاية إرسالها مشاريع قوانين للبرلمان”.

ويوضح الشريفي بالقول “يترتب على هذا القرار إلغاء قرارات الحكومة الحالية منذ تحولها الى تصريف أعمال مع حل البرلمان في تشرين الأول أكتوبر الماضي ولغاية الآن، وخاصة تلك التي تؤثر على مستقبل العراق الاقتصادي والسياسي مثل الاتفاقية مع الأردن لتصدير النفط لها، لكونها طويلة الأمد ومع مصر بشأن مد أنبوب النفط، وكافة التغييرات في الدرجات العليا، سواء من ناحية التعيين أو الإعفاء، وكل المشمولين بهذه التغييرات يعودون لأماكنهم قبل قرارات الحكومة”.

ويردف أن “البرلمان باعتباره الجهة الرقابية، فيجب عليه تشكيل لجنة لتدقيق قرارات الحكومية، وإيجاد التي ينطبق عليها قرار المحكمة الاتحادية وإبطالها لكونها مخالفة”.

وبشأن الموازنة الاتحادية، يلفت الشريفي، الى أن “هناك خلافا حول الموازنة بين فقهاء القانون، فهل تندرج ضمن الأعمال اليومية أم لا، باعتبار أن أصل الموازنة هو تمشية أمور البلاد وتبويب النفقات، لكن قرار المحكمة الاتحادية قرار مطلق، والمطلق يجري على إطلاقه، كونها قالت إن حكومة تصريف الأعمال اليومية لا يدخل ضمن عملها تقديم مشاريع القوانين ولم تستثن الموازنة من قرارها، وبالتالي لا يحق للحكومة الحالية تقديم موازنة حتى لو حصلت على تفويض من البرلمان”.

وكانت المحكمة الاتحادية، أصدرت أمس الأحد، إجابة على سؤال استفسار رئيس الجمهورية برهم صالح، حول عبارة حكومة تصريف الأعمال اليومية الواردة في المادة 64 ثانيا من الدستور، وتضمنت الإجابة التالي: يقصد بتصريف الأمور اليومية اتخاذ القرارات والإجراءات غير القابلة للتأجيل التي من شأنها استمرار عمل مؤسسات الدولة والمرافق العامة بانتظام واضطراد، ولا يدخل من ضمنها مثلا اقتراح مشروعات القوانين أو عقد القروض أو التعيين في المناصب العليا بالدولة والإعفاء منها أو إعادة هيكلية الوزارات والدوائر، ولا تدخل ضمنها القرارات التي تنطوي على أسباب ودوافع سياسية ذات تأُثير كبير على مستقبل العراق السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

وجاءت هذه الخطوة في ظل اقتراب مجلس النواب من إقرار قانون الأمن الغذائي الطارئ الذي قدمته الحكومة الحالية، والبالغة قيمته 25 ترليون دينار (نحو 15 مليار دولار)، الى جانب توجه مجلس النواب إلى تفويض الحكومة لإرسال مشروع قانون موازنة العام الحالي، بعد تعثر تشكيل حكومة جديدة بسبب الأزمة السياسية.

يذكر أن رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، رد على المحكمة الاتحادية ببيان أوضح فيه التزام حكومته بالنصوص والتوقيتات الدستورية والقوانين الملزمة والفتاوى الصادرة عن المحكمة الاتحادية العليا، وأنها تسيير أعمال يومية، فيما بين أن الحكومة قدّمت إلى مجلس النواب قانون “الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية”، بدواعٍ ملحة لمعالجة التحديات الاقتصادية بهدف دعم الرعاية الاجتماعية لحماية الطبقات الفقيرة والمعوزة إزاء الأزمة الاقتصادية العالمية وتوفير الخدمات في المدن وإتاحة فرص العمل للخريجين والعاطلين عن العمل.

فيما عد الكاظمي في بيانه “عدم تحقيق كلّ تلك الضرورات يمثل عامل عرقلة لدور الحكومة في تسيير الأمور اليومية التي يقع على عاتقها توفير متطلبات الشعب العراقي وحماية الفئات الأكثر فقراً وتوفير الخدمات والكهرباء والحد من ارتفاع الأسعار العالمية”، داعيا الجميع إلى التصدي للمسؤولية من أجل معالجة الآثار المترتبة على التحديات التي تواجه البلاد في ظل الظروف الحساسة الحالية على المستويين الداخلي والعالمي”.

كارثة مقبلة

الى ذلك، تلفت الخبيرة الاقتصادية سلام سميسم خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “القضية الحالية أكبر من الانسداد السياسي، فعلى الكل أن يفهم بأن الانسداد في كل المجالات وليس السياسية فقط”.

وتوضح سميسم، أن “البلد يسير الآن وفق نظام 1/12 من قانون الإدارة المالية، أي لا يمكن تقديم أي مشروع قانون من قبل حكومة تصريف الأعمال، وبالتالي فإن الحالة الاقتصادية للبلد تمر بأسوأ حالاتها، في وقت يقبل فيه العالم على مجاعة”، مبينا أن “العراق لديه فوائض مالية كبيرة ولا يمكن التصرف بها مع غياب حكومة أصيلة”.

وتتابع أن “النتائج ستكون كارثية، وهذه أسوأ فترة سيمر بها العراق، بسبب عدم وجود أي مسؤولية من أي طرف للسعي بإصدار موازنة فعلية للاستفادة من الفائض المالي وتكوين خزين غذائي ستراتيجي للشعب”، مؤكدة أن “أربع دول من بينها الهند وجورجيا أوقفت تصدير القمح بشكل رسمي، وهذه من أهم الدول المصدرة للقمح، وبالتالي سيرتفع سعره عالميا، والعراق حاليا لا يستطيع فعل أي شيء بسبب عدم وجود صلاحيات للحكومة”.

يذكر أن أزمة غذاء عالمية بدأت منذ أشهر مع بداية الحرب الروسية الأوكرانية، دفعت العديد من الدول الى وقف تصدير المواد الغذائية الى جانب روسيا وأوكرانيا، حيث امتنعتا عن تصدير العديد من المواد الغذائية الأولية، في وقت تعتبر الدولتان “سلة غذاء” العالم.

ونصت المادة الرابعة في القسم السابع من قانون الإدارة المالية للبلد، المقر من قبل سلطة الائتلاف المؤقتة عام 2003، على التالي: إذا لم تصادق الجهة ذات السلطة التشريعية الوطنية على الميزانية الفدرالية حتى 31 من شهر كانون الأول ديسمبر، فلوزير المالية أن يصادق، وفقا لأساس المصادقة الشهرية، على أموال وحدات الاتفاق ولغاية نسبة 12/1 (واحد/ إثنا عشر) من المخصصات الفعلية للسنة المالية السابقة إلى حين المصادقة على الميزانية، وتلك الأموال يمكن أن تستخدم فقط لسداد الالتزامات والمرتبات والتقاعد ونفقات الأمن الاجتماعي وخدمات الديون.

يشار إلى أن العراق حققا فائضا ماليا كبيرا منذ مطلع العام الحالي، نتيجة لارتفاع أسعار النفط العالمية إلى حدود 130 دولارا للبرميل واستقرارها عند حاجز الـ110 دولارات، فضلا عن سداد ديون الكويت، حيث كانت تستقطع ما قيمته بين 5 – 7 ملايين دولار يوميا لسداد التعويضات، وذلك الى جانب قرار منظمة أوبك برفع سقف تصدير البلد من النفط بأكثر من 400 ألف برميل يوميا، ما يضاف الى الإيرادات الكلية.

أزمة القمح

يذكر أن تقريرا لصحيفة Financial Times، تضمن ترجيحا بأن ينخفض إنتاج القمح العالمي للمرة الأولى منذ 4 سنوات، وفقا لتوقعات الحكومة الأمريكية التي قامت بمراقبة موسم المحاصيل المقبل عن كثب، مما يؤكد المخاوف من زيادة تعقد الإمدادات وارتفاع أسعار المواد الغذائية.

وقد ارتفعت العقود الآجلة للمحصول الجديد، تسليم أيلول سبتمبر، إلى 12 دولارا للبوشل، بزيادة 8 بالمائة على مدار الأسبوع، قبل أن تتراجع قليلا، وتم تدأول عقود القمح الآجلة في “يورونكست” عند أعلى مستوى في شهرين، عند 411.50 يورو للطن.

وتوقعت وزارة الزراعة الأمريكية أن يصل إجمالي إنتاج القمح العالمي في الفترة 2022-23 عند 774.8 مليون طن، وهو أول انخفاض منذ موسم 2018-2019. ومن المتوقع أن تبلغ المخزونات الاحتياطية العالمية 267 مليون طن، بانخفاض للعام الثاني على التوالي وأدنى مستوى في 6 سنوات.

تجدر الإشارة إلى أن وزارة التجارة والصناعة في الهند، أعلنت عن حظر تصدير القمح الذي دخل حيز التنفيذ، اعتبارا من أمس الأول السبت، حيث لا يُسمح بالتصدير إلا للشحنات المتفق عليها سابقا قبل الحظر، أو بإذن خاص من حكومة الهند.

وفي وقت سابق، أعلن رئيس اتحاد منتجي الحبوب والدقيق في جورجيا، ليفان سيلاجافا، أن مخزونات القمح في البلاد نفدت بالفعل، وأن المطاحن ستتوقف عن العمل في الأيام المقبلة.

مفتاح الحل

من جانبه، يبين المحلل السياسي علي البيدر خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “التوجه للمحكمة الاتحادية، يعد الخيار الأخير الذي لجأت اليه بعض الأطراف السياسية، فهذه الأطراف منقسمة، بعضها يريد ضرب الخصوم والآخر يقدم على خطوات موضوعية تتعلق بتفسير القوانين أو إقرارها، وربما يجدها خاطئة وتبدد ثروات البلاد ومنها هذا قانون الأمن الغذائي الطارئ”.

ويردف البيدر، أن “المحكمة الاتحادية وقفت إلى جانب الموضوعية، من خلال تعاطيها مع هذه الأزمة وأزمات أخرى، لذلك قد يكون هذا الأمر مفتاح الحل فيما يخص تضارب المواقف بين الكتل حول القوانين أو القرارات، أي يتخذ القضاء مثل هذه الخطوة أو يصدر قرارات لحسم النزاع، لذلك بقيت هذه المؤسسة القضائية بعيدة عن التجاذبات السياسية وتأثيراتها، وبذلك يمكن أن نضمن مساحة إصلاحية داخل عمل مؤسسات الدولة عبر المواقف القضائية من قبل المحكمة الاتحادية، وهذا ما يحسم الجدل والخلافات القائمة حول الكثير من المناهج والقوانين والبرامج والتعليمات والإصدارات الحكومية أو حتى النيابية التي تراها أطراف معينة، أنها تجاوزت الحدود، وقفزت إلى مديات خارج صلاحياتها أو أنها تحاول استغلال موقعها الحكومي لتحقيق أغراض فئوية خاصة”.

ويشير إلى أن “من الممكن تحقيق قرارات المحكمة الاتحادية بعض التوازنات السياسية في مصادر القوى والنفوذ، وهذا يعيدنا الى المربع الأول وهو أنه لا يمكن فرض إرداة لطرف معين على حساب الاخر، وعلينا أن نلجأ إلى خيار التوافق وهو الحل الأول والأخير لحالة الانسداد السياسي والأزمات الاقتصادية التى يعيشها البلاد بسبب رغبات بعض الاطراف وفرض ارادات معينة على حساب أطراف أخرى”.

ويشهد البلد أزمة سياسية منذ اجراء الانتخابات في تشرين الأول اكتوبر المقبل، ما حال دون تشكيل حكومة جديدة، إذ يتمسك التحالف الثلاثي (انقاذ الوطن) الذي يضم التيار الصدري والحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف السيادة بموقفه حول تشكيل حكومة “أغلبية وطنية”، فيما يصر الإطار التنسيقي الى جانب الاتحاد الوطني الكردستاني على تمرير حكومة “توافقية”، وذلك الى جانب الخلافات والصراعات بين كتل كل طرف من هذه الاطراف، ورفض التحالف فيما بينهما للخروج برؤية موحدة تسمج باستكمال ترير رئاستي الجمهورية والوزراء.

إقرأ أيضا