قرار التربية بفصل الإناث عن الذكور.. هل سيدفع الطالب ثمن “خطأ” فردي؟

أثار قرار وزارة التربية بشأن فصل الجنسين داخل المعاهد الخاصة بتدريس الطلبة والطالبات، حفيظة العديد…

أثار قرار وزارة التربية بشأن فصل الجنسين داخل المعاهد الخاصة بتدريس الطلبة والطالبات، حفيظة العديد من الأساتذة وأولياء الأمور، لما ستسببه حالة الفصل من خسائر مادية ومعنوية، وفي ظل تمسك بعض الطلبة بأساتذة معروفين دون النظر إلى جنسهم، عد مدرسون القرار “إهانة” لهم، لافتين إلى أن القرار سيجبر الطلاب على التوجه نحو التدريس الإلكتروني. 

وتقول مدرسة مادة اللغة الإنكليزية، آمنة البيرقدار خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “قرار وزارة التربية حول المعاهد الأهلية ودروس التقوية، يحط من قيمة المدرسين والمدرسات، ويعتبر إهانة لهم، وإذا أخطأ شخص ما، فليس من الصحيح تعميمه على الجميع”.

وكانت وزارة التربية أصدرت في 17 آيار مايو الحالي، توجيهات صارمة تنظم إجراء المعاهد الأهلية دورات التقوية واللغات، تضمنت أن تكون الهيئات التدريسية في جميع المعاهد الأهلية من نفس الجنس (مدرسات إذا كان المعهد للبنات) و(مدرسين إذا كان المعهد للبنين)، فضلاً عن فصل دوام الطلاب في كل المعاهد الأهلية حسب الجنس، ولا يجوز الدوام المختلط فيها نهائياً، مؤكدة أن المعاهد المخالفة للتوجيهات سيتم وضعها تحت الإشراف المؤقت لمدة لا تقل عن ستة أشهر، وفي حال عدم الاستجابة تُلغى الإجازة الممنوحة إليها وتُغلَق بشكل نهائي.

وتشدد البيرقدار، على “ضرورة عدم التشكيك بأخلاقيات المدرس واستهدافه، وإلا فما فرقه عن اختلاط الطبيب بمرضاه أو الأساتذة الجامعيين بطلبتهم وطالباتهم أو اختلاط الموظفين والموظفات في عملهم، كما يجب أن لا ننسى دور المدرسات في مدارس البنين الحكومية، حيث أخذن دور الأمهات، فهل سيتم فصلهن أو نقلهن أو منعهن من الدخول الى المدارس”.

وتؤكد أن “بعض الطلاب والطالبات تعودوا على متابعة أساتذتهم المفضلين، بالتالي سيتجهون الى التسجيل عند المدرس الذي تعودوا على شرحه ضمن مجاميع التدريس الإلكتروني، ولا يمكن محاسبة مدرس يدرس إلكترونيا لأنه لا يلتقي بهم إلا عن طريق المنصات الإلكترونية، وهنا سيدرس الطالب على حسابه الخاص مع مجموعة من اصدقائه بمنزله ولا يمكن تقييده قانونيا لو اختار أن يدرسه أحد الأساتذة في منزله”.

وتلفت بالقول “لا يوجد نص قانوني يمنع الطالب من اختيار من يدرسه على حسابه الخاص، لذلك سيتم توجيه الطلبة إجباريا الى الدراسة المنزلية، وبالتالي تفقد وزارة التربية إشرافها على التدريس الخصوصي، لأنه لا يمكنها اقتحام بيوت الناس لغرض التفتيش”، داعية وزارة التربية الى “إعادة النظر في قرارها بهذا الموضوع”.

وجاءت قرارات التربية على خلفية انتشار مقطع فيديو مسرّب من حفل توديع أقيم في بغداد لمدرس فيزياء في معهد تدريس أهلي، رافقته تصرفات خارجة على أنساق الدراسة، كما انتشر مقطع فيديو آخر للمدرس ذاته وهو يتلفظ بكلمات “خادشة للحياء”، ما دفع وزارة التربية إلى تشكيل لجنة للتحقيق في الواقعة وتحويل المدرِّس للتحقيق، في حين قررت في آخر المطاف سحب الصفة التربوية منه بتهمة “الإساءة لقدسية التعليم والذوق العام” ونقله إلى وظيفة إدارية.  

وحاولت “العالم الجديد” التواصل مع وزارة التربية، لكنها لم تنجح في الحصول على رد من المسؤولين فيها، حول المشاكل التي سيسببها القرار.

يذكر أن نقيب المعلمين عباس السوداني، عد في وقت سابق، قرار الوزارة بأنه جاء لإرضاء الرأي العام الغاضب من تصرفات معلم مسيء، مؤكدا أن الطلبة سيذهبون إلى الجامعة في النهاية وسيكون هناك اختلاط. 

من جانبه، يبين مدرس مادة الفيزياء، علي السوداني، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “قرار وزارة التربية الخاص بالمعاهد، سيؤثر بشكل سلبي على الطالب، فالمدرس هدفه الأول والأخير تقديم خدمة تعليمية للطالب، وفي وقتنا الحالي هناك خبرات تدريسية لم تأخذ فرصتها في التعيين في المدارس الحكومية، فاستنزفت طاقاتها في التدريس الخصوصي وحققت نجاحات باهرة”.

ويردف السوداني، أن “المدرس الخصوصي أصبح اليوم وسيلة مهمة للطالب، لذا فعلى الوزارة أن لا تشكك بأخلاقيات المدرس، وإن أخطأ أحدهم فلا يتحمل الآخرون عواقب خطئه”، مشيرا إلى أن “هذه المؤسسات (المعاهد) الأهلية محترمة ولها قوانين وأنظمة تراقب السلوك العام، وتقرب كثيرا بين الطالب والأستاذ”.

ويرى أن “فصل الطالبات عن مدرسهم والطالب عن مدرسته، سيلحق أضراراً بالطلاب، وخصوصاً المقبلين على مرحلة مصيرية، فهناك طلاب اعتادوا على شرح مدرس معين من المرحلة المتوسطة صعوداً الى آخر مرحلة، وهذا القرار سيؤذي الطالب بشكل مباشر ويفصلهُ عن تحقيق حلمه”، مضيفا أن “القرار أيضا سيؤذي المدرسين والمدرسات ماديا، لأن أكثرهم معتمد بدخله الشهري على عمله بتلك المعاهد، وكذلك العاملين في المعاهد من السكرتارية والمساعدين وأصحاب الكافتريات والموظفين الآخرين، بمعنى أن القرار سيلحق ضرراً كبيرا في العوائل العراقية البسيطة”.  

الى ذلك، يبين عقيل حسين (47 عاما) وهو أب لطالب في المرحلة الاعدادية، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “ابني يدرس في الصف الخأمس الإعدادي، وله مدرسة كيمياء منذ أن كان في الصف الرابع إعدادي، وهي من أنجح المدرسات في بغداد، فهل من المعقول أن يتركها ويبدأ بالبحث عن مدرس ذكر”.

وينوه حسين، إلى أن “قرار وزارة التربية سيسبب إرباكا كبيرا لدى الطلبة، فضلا عن كونه سيثقل كواهل أولياء الأمور، إذ سيتحتم عليهم البحث عن مدرسين ومدرسات بحسب جنس أبنائها، ما سيصعب المهمة، خصوصا مع الإخوة والأخوات المتقاربين في الأعمار والدراسة”.

وكانت الناشطة والأكاديمية والعضو السابق بمفوضية حقوق الإنسان، بشرى العبيدي، قد وصفت القرار بـ”الخطأ وغير المنطقي”، وشبهته بقرارات حركة طلبان وتنظيم داعش، مؤكدة أن هذا الأمر لو كان صحيحا، لتم تعميمه على الجامعات، لكن الخطوة في منتهى السخف والغباء، على حد وصفها.

وحول آلية وموعد بدء تطبيق القرار، كشف مصدر مسؤول في وزارة التربية لـ”العالم الجديد”، أن “تطبيق هذا القانون والضوابط الجديدة بشكل حازم، سيكون خلال الفصل الدراسي الجديد”.

ويبين المصدر الذي رفض الكشف عن هويته، أن “الوزارة لن تشدد على تطبيقه حالياً حتى لا يؤثر على سير تعليم الطلبة بهذه المعاهد، كما ان التغيير المفاجئ للكوادر التدريسية سيترك أثرا سلبيا على تعليم الطلبة”، موضحا أن “التطبيق الفعلي للقانون سيكون مع بداية العام الدراسي الجديد، وسيكون هناك تشديد على التطبيق”.

يذكر أنه في العام 2012، أثارت وزارة التربية لغطا كبيرا عبر قرارها بفصل طلبة المدراس الابتدائية على اساس الجنس، وفي حينها عزي القرار الى قانون صدر في سبعينيات القرن الماضي.

وعادت وزارة التربية مجددا قرار فصل الذكور عن الإناث، عبر قرار أصدرته عام 2015 خاص بمعهد الفنون الجميلة، وأثار في حينها لغطا كبيرا ورفض من قبل الطلبة، ما دفع الوزارة الى التراجع عنه لاحقا.

إقرأ أيضا