البنك الدولي يضع إصبعه على الجرح.. رد التربية لا يمنع كوادرها من الإقرار بالأزمة

أثار تقرير البنك الدولي حول واقع التعليم التربوي في العراق الكثير من الجدل، لاسيما بعد…

أثار تقرير البنك الدولي حول واقع التعليم التربوي في العراق الكثير من الجدل، لاسيما بعد رد وزارة التربية عليه، وتشكيكها بدقة الأرقام الواردة فيه، معتبرة إياه تدخلا في أمور خارج اختصاصه، في حين، يقر العديد من التربويين بوجود مشاكل كبيرة في التعليم، تعود إلى النقص الحاد في الأبنية المدرسية، والاستمرار بإحداث التعديلات المنهجية، دون علم الكوادر التربوية، فضلا عن فشل التعليم الإلكتروني بسبب انتشار جائحة كورونا.  

ويقول المشرف التربوي حسام علي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “بيان البنك الدولي، لم يوضح الفترة الزمنية المقصودة التي أعلن عنها بخصوص مستوى التعليم في العراق، فهل يقصد هو الفترة خلال سنوات جائحة كورونا أم قبلها، إذ أن هناك فرقا كبيرا بين المرحلتين بمستوى التعليم”.

وكان البنك الدولي، أعلن في بيان له قبل أيام، عن عجز أكثر من 90 بالمائة من الطلاب عن فهم ما يقومون بقراءته، مشيرا إلى مشروع جديد بقيمة 10 ملايين دولار لدعم الابتكارات التي تهدف لتطوير التعليم في ثلاث محافظات عراقية، كما أشار في بيانه إلى أن سنوات الصراع وأوجه القصور الهيكلية قادت إلى نظام تعليمي يعجز عن تقديم المهارات الأساسية للطلاب، ووفقا لأحدث تقييم لمهارات القراءة والرياضيات للصفوف الأولى تبين أنه بحلول الصف الثالث لم تكن الغالبية العظمى من الطلاب العراقيين الذين تم تقييمهم قد اكتسبوا بعض المهارات الأساسية الكافية.

ويضيف علي، أن “التعليم ما قبل جائحة كورونا كان أفضل بكثير من الوقت الحالي، خصوصاً مع تعطيل الدوام الحضوري لفترات طويلة، ثم جعل بعض الأيام بدوام حضوري والبعض الآخر إلكترونيا، فهذا الأمر أثر بصراحة على مستوى تعليم الطلاب، لكن الأرقام غير دقيقة وبعيدة فعلا عن الحقيقة”.

ويردف أن “هناك صعوبة فعلاً في بعض المراحل الدراسية، فالمناهج تختلف تماماً عن المنهاج السابقة، كما أن هناك مناهج يصعب حتى على مدرس المادة نفسه فهمها دون دخول دورات عليها، وعدم فهم المدرس للمادة، بكل تأكيد سوف يصعب عليه إيصال المعلومة بشكل صحيح للطلاب”، مؤكدا أن “تعديل المناهج الدراسية أمر مهم جداً، فلابد من تحديث التعليم في العراق، ولهذا فإن التعديلات تجري على سلسلة مراحل حتى لا يلاقي الطالب والمدرس صعوبة في شرح وتلقي المعلومة من المادة الدراسية، كما أن التعديلات سوف تستمر خلال السنوات المقبلة، وفق خطة وضعتها الجهات العليا في وزارة التربية”.

يشار إلى أن المتحدث باسم وزارة التربية حيدر فاروق، رد أمس الأربعاء خلال حديث صحفي على تقرير البنك الدولي، قائلا إنه لا يمتلك أية صلاحيات في تقييم الوضع التربوي والتعليمي في العراق، وأن البنك يدعم الدول اقتصاديا ويساعدها بموجة التحديات بعد الحروب، عادا فحوى التقرير بـ”المجحف” بحق الطلبة العراقيين، وختم حديثه بان بيانات البنك الدولي “غير صحيحة وغير دقيقة”.

وشهد العام الدراسي لسنة 2020 (تفشي كورونا) إرباكا كبيرا منذ انطلاقه، حيث أعلنت وزارة التربية في حينها، أن الدوام الحضوري سيكون بواقع يوم واحد في الأسبوع، وقسمت أيامه على عدد من المراحل الدراسية في كل مدرسة، لكن سرعان ما تراجعت عن القرار، وأعادت الدوام الحضوري لطلبة الصفوف الثلاثة الأولى من المرحلة الابتدائية، لكن عادت الوزارة في أيار مايو الماضي، إلى إيقاف العمل بالدوام الحضوري، بناء على مقررات اللجنة العليا للصحة والسلامة، والاعتماد على التعليم الإلكتروني في جميع المراحل الدراسية.

كما يعاني العراق من أزمة في الأبنية المدرسة، وقد قدرت وزارة التربية في العام 2018 حاجة التعليم إلى أكثر من 20 الف مدرسة في عموم البلاد، وسط انتشار صور نظام التعليم الثنائي والثلاثي وحتى الرباعي في المدرسة الواحدة، ومدارس الطين التي بلغت بحسب إحصائية سابقة لوزارة التخطيط ما يقرب من 11 ألف مدرسة، الأمر الذي يظهر حجم المأساة والفساد الذي تسبب بأمية تجاوزت الـ20 بالمئة، ونحو 3 ملايين طفل متسرب من المدارس.

خلال ذلك، يرى المدرس وسام الملا، في حديث لـ”العالم الجديد”، أن “هناك تحديات لابد من الالتفات إليها وهي نقص الأبنية المدرسية الذي يجعل الكثير من الصفوف الدراسية تشهد اكتظاظا معرقلا لخلق بيئة تربوية وعلمية صحيحة، فوجود 60 إلى 70 طالبا داخل صف دراسي واحد، يصعب على المعلم السيطرة على جميع الطلبة، خصوصاً في مرحلة الابتدائية، كون هؤلاء التلاميذ يحتاجون إلى متنفس ومقاعد دراسية مريحة، لاسيما وأن معظم المقاعد غير صالحة للجلوس بصراحة”.

ويردف الملا، أن “الفصل الدراسي هو 35 دقيقة فقط لكل مادة، وهذا الوقت غير كاف للمعلم أو المدرس لإعطاء مادة كافية للطلاب والسيطرة عليهم وايصال المعلومة لهم بالشكل الصحيح، فالفصل الدراسي يحتاج إلى وقت طويل حتى تصل المعلومة بالشكل الصحيح”، مبينا أنه “خلال الفترات الماضية، هناك إشكالية في قلة حضور الطلبة إلى الفصل الدراسي، خصوصاً مع بداية انتشار جائحة فيروس كورونا وتحويل التعليم إلى إلكتروني، فالمراحل الابتدائية لابد أن تكون حضورية، فهي تعد من المراحل التي تعطي الأساس للطلبة في كافة المواد الدراسية”.

ويستطرد “لغاية الآن هناك مدارس تعمل بطريقة الدوام الثلاثي، بمعنى أنه في كل مبنى يتم الدوام لثلاثة مدارس وبمراحل مختلفة، ولهذه الطريقة أثر سلبي على سير التعليم بصراحة، وخصوصاً إيصال المعلومة للطلبة بسبب ضيق الوقت”.

كما يلفت إلى أن “هناك إشكالية كبيرة أخرى في قضية التعديلات التي تجري على المناهج الدراسية لمراحل مختلفة بين حين وآخر، فحتى اللحظة تبدو التعديلات مستمرة على المناهج الدراسية، وهذا التعديل يتم حتى دون علم المدرس أو المعلم، ولذا يجب إدخال الكوادر التدريسية في دورات لتستوعب التعديلات في المناهج، حتى تتمكن من إيصال المعلومة للطلاب بالشكل الصحيح”.   

يشار إلى أن تضمنت مشاريع بناء المدارس في العراق هدرا ماليا كبيرا، إذ كشف تحقيق استقصائي نشرته “العالم الجديد” في العام 2018 عن هدر ما يقرب من مليار دولار على بناء مدارس وهمية فساد مشاريع الأبنية المدرسية في العراق، فيما كشفت لجنة النزاهة بمجلس النواب في 16 آب أغسطس الماضي، عن وجود تزوير وشبهات فساد في العقد المبرم منذ سنة 2017 لبناء 89 مدرسة في الأهوار بالمحافظات الجنوبية.

يذكر أن مشروع بناء المدارس الحديدية، من أبرز المشاريع التي انطوت على شبهات فساد كبيرة، حيث أطلق وزير التربية الأسبق خضير الخزاعي، مشروع بناء المدارس الحديدية في العام 2008، وخصص 282 مليار دينار (نحو 239 مليون دولار حسب سعر الصرف السابق) لبناء 200 مدرسة سريعة، بموجب عقدين منفصلين، يعرفان باسم “دولية 1 ودولية 2.

إقرأ أيضا