آثار الطلاق.. كارثة تحيط بمجتمع “غير آمن”

ربط مختصون بين ارتفاع معدل الانحرافات الاجتماعية كالجريمة والعنف وتعاطي المخدرات، بحالات التفكك الأسري وارتفاع…

ربط مختصون بين ارتفاع معدل الانحرافات الاجتماعية كالجريمة والعنف وتعاطي المخدرات، بحالات التفكك الأسري وارتفاع حالات الطلاق، مؤكدين أن فقدان الأطفال والمراهقين لوجود والديهم معا، يتسبب بالأفعال “المنحرفة”، مؤكدين أن برامج التأهيل في العراق لا ترتقي إلى مستوى المعالجة النهائية، في ظل انتقاد القوانين الخاصة بمعالجة مشاكل الأسرة، لكونها “غير معتدلة”.

ويقول عضو مفوضية حقوق الإنسان أنس الغراوي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “ارتفاع معدلات الطلاق يقابله ارتفاع معدلات العنف الأسري والعنف ضد الأطفال، اضافة إلى ارتفاع مستويات التسول والجريمة المنظمة، واذا لم تعالج هذه الآفات بسرعة من خلال تأهيل المجتمع وتأهيل الضحايا وتوفير المأوى لهم لغرض إعادة تأهيلهم، فمن المؤكد أن نسبة الانحراف والآثار السلبية ستكون مرتفعة”.

ويشير الغراوي، إلى أن “الأطفال والمراهقين، هم ضحايا الأهل، وهؤلاء في حال انفصال الوالدين سوف يكونون عرضة لعصابات الاتجار بالبشر وعصابات الجريمة المنظمة وعصابات المخدرات، وبالتالي يكونون نتيجة مركبة لهذا الإهمال وعدم الاهتمام”، مؤكدا أن “كل البرامج المتوفرة حاليا لا ترتقي إلى مستوى المعالجة النهائية لهذه المشاكل، وما زلنا لا نستطع وضع حد لهذا المستوى المرتفع من حالات الطلاق، سواء كانت داخل أو خارج المحكمة”.

ويلفت قائلا “من جانب آخر ما زالت جرائم الابتزاز الإلكتروني وغيرها تفتك فعليا بالمجتمع العراقي، حيث بينت الإحصائية الأخيرة المنشورة للربع الأول من العام 2022، عن وجود قرابة 2500 حالة ابتزاز إلكتروني، وأغلب ضحاياها من النساء، ومن نتائج هذا الابتزاز حالات طلاق وعنف أسري وعنف ضد الأطفال، لأن بعض اللواتي يتعرضن للابتزاز متزوجات”.

ويشدد على أنه “لغاية الآن لم ترتقي المعالجات إلى حد نستطيع القول، إن المجتمع آمن فعليا، كما لا توجد توعية موجهة سواء للمقبلين على الزواج أو لمن يمارسون العنف ضد النساء، ونفتقد أيضا إلى دور إيواء نموذجية تخضع للمعايير الدولية لإعادة تأهيل من يتضرر أو من يناله العنف بسبب ضعف المجتمع أو تخلي المجتمع عنه”.

جدير بالذكر، أن حالات الطلاق في تزايد مرتفع، حيث بلغت آخر إحصائية نشرها مجلس القضاء الأعلى بعدد حالات الطلاق خلال شهر كانون الثاني يناير الماضي، 6486 حالة في جميع المحافظات عدا إقليم كردستان، وقد تصدرت بغداد حالات الطلاق بـ2390 حالة، فيما بلغت حالات الزواج 26000 حالة زواج.

وتؤكد إحصائيات مجلس القضاء الأعلى، أن عدد النساء المطلقات بلغ نحو 65 ألفا، أي حوالي 26 بالمائة من مجموع الزيجات المسجلة في 2019، والبالغ نحو 250 ألف عقد زواج.

يذكر أن مجلس القضاء الأعلى، وبحسب بيان له في شباط فبراير الماضي، أكد على أن الحد من انتشار ظاهرة الطلاق يحتاج إلى جهد كبير وتعاون من جميع الجهات المسؤولة إلى جانب دور التشريعات، ولاسيما أن القانون العراقي لا يجرم الطلاق خارج المحكمة، لكن تجريمه خارج المحكمة هو أحد الحلول المساهمة في الحد أو إغلاق عدد كبير من حالات الطلاق، بالإضافة إلى تشريع قانون يمنع زواج القاصرين خارج المحكمة وتغريم من يقوم بهذا الفعل ومعاقبته.

الى ذلك، تبين الباحثة الاجتماعية سمر الفيلي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “التشتت الأسري يحدث عندما يكون الأب والأم غير قادرين على إكمال الحياة بينهما، ويتم الانفصال، وبالتالي يخلف هذا الانفصال كارثة إنسانية بحق الأطفال”.

وتضيف الفيلي، أن “أنانية الأم والأب تجعلهما لا يفكران بضحيتهما، وهو الطفل، فقرار الانفصال سبب دمار هؤلاء الأطفال”، مبينة أن “غياب تفكير الأهل بأطفالهم يؤدي إلى أنه عندما يكبرون الأطفال يذرعون بعدم الاهتمام بهم، وتصبح هذه حجة لممارسة الكذب والأفعال المنحرفة”، مبينة أن “الطلاق قد يؤثر على المستوى الدراسي لدى الأطفال، ولكن في بعض الاحيان تكون الام صارمة في قرارتها اتجاه أطفالها حتى بعد الطلاق وتعمل على تربيتهم بشكل صحيح في حال تركهم الأب، وبالعكس قد يكون الأخير هو الحريص على أولاده والأم تفكر بالزواج مرة أخرى، لكن بالمحصلة كل هذه الأمور تتسبب بتدمير الأطفال”.

وتابعت أن “الانفصال لا يؤثر فقط على الأطفال، بل على المراهقين بين أعمار 15 و16 عاما، إذ في هذا العمر تكون المسألة أخطر، لأنه في عمر المراهقة يجب على الوالدين أن يكونوا أصدقاء لأبنائهم، وخاصة الشباب يجب أن يكون الأب بجانبهم وداعما لهم، ونفس المعادلة مع الفتاة، فهي ستحتاج إلى والدتها كثيرا لإرشادها إلى الطريق الصحيح”.

وتستطرد “في الوقت الحالي نعاني من تزايد أعمال الإجرام ونسبه تعاطي المخدرات، وذلك لأن هذا الجيل لا يشبه الأجيال السابقة وهناك صعوبة بالسيطرة عليه بسبب التكنولوجيا الحديثة، وبالتالي أي إهمال للمراهق، يوصله إلى هذه الأفعال”.

وخلال السنوات الماضية ارتفعت مستويات الجريمة وتعاطي المخدرات، وكانت منظمة محلية كشفت في العام الماضي، عن نسب تعاطي المخدرات التي تجاوزت 40 بالمائة بين بعض الفئات العمرية من الشباب (15– 35 عاما)، فيما تنحصر النسبة الأكبر للإدمان بين أعمار 17– 25 عاما.

من جانبه، يبين الخبير القانوني عدنان الشريفي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “مشكلة الأسرة ليست بعدم وجود قانون مناهضة العنف الأسري، وإنما بالبيئة المحيطة من معدلات البطالة المرتفعة وانشار المخدرات والاستخدام السيئ لمواقع التواصل الاجتماعي وحالات الابتزاز، فالمشكلة هي مجتمعية أكثر من ما هي أسرية”.

ويضيف الشريفي، أن “المشكلة ليست بالقانون وإنما بالدولة، فهل هي قادرة على تطبيق القانون بشكله الصحيح وبقوة، ومثالا على ذلك هناك 11 قرارا لمنع التجاوز على أراضي الدولة، لكن ثلث مساحة العراق متجاوز عليها والقانون موجود”، متابعا أن “قانون مناهضة العنف الأسري يحد من بعض السلبيات ولا يعالجها كلها”.

ويوضح أن “مسودة القانون الحالية تحتوي على الكثير من الفقرات التي تؤدي إلى تفتت الأسرة، ومثال على ذلك فإنه يعطي الحق للزوجة بأن تقيم دعوى على الزوج إذا كان وضعه المادي ضعيفا، وبالتالي فإن الاعتراضات الموجودة عليه منطقية، ويجب أن يؤخذ بها”، مضيفا أن “المشكلة الحالية للمعترضين على القانون، هي أنهم يريدونه إلى أقصى اليمين أي يكون متشددا، وأما الذين يريدون القانون بصيغته الحالية فإنهم ذاهبون إلى أقصى اليسار، ويريدونه قانون تحلل اجتماعي، ولا يوجد طرح معتدل لغاية الآن بشأنه”.

يشار إلى أن من الأمثلة التي عارضت تدخل القضاء بـ”المسائل الأسرية”، هو رفض حزب الفضيلة الإسلامي لمشروع قانون مناهضة العنف الأسري، الذي قدمته رئاسة الجمهورية عام 2019، حيث أصدر رئيس كتلة النهج الوطني عمار طعمة (القيادي في حزب الفضيلة الإسلامي) في حينها بيانا شديد اللهجة، أكد فيه أن مشروع القانون يدعو إلى أن أي خلاف أو إشكال يقع بين أفراد العائلة يتحوّل إلى موضوع في المحكمة، فهل تستقر العائلة المبنية علاقاتها على المودة والتراحم إذا استبدلت مساعي الصلح والإصلاح الأسري بشكاوى ومراكز الشرطة.

إقرأ أيضا