كيف أفضى التحالف مع بارزاني إلى استقالة الصدر؟

كشف موقع بريطاني عن أسباب مفاجئة تقف وراء استقالة نواب الكتلة الصدرية بزعامة مقتدى الصدر،…

كشف موقع بريطاني عن أسباب مفاجئة تقف وراء استقالة نواب الكتلة الصدرية بزعامة مقتدى الصدر، إذ أرجعها إلى انهيار تحالفه مع رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني، بعد اتصال غامض جرى بينهما عشية المطالبة باستقالة النواب، أبلغ بارزاني الصدر خلاله بأن شراكتهما السياسية قد وصلت إلى “طريق مسدود”، بسبب الصدمات والضغوط التي تعرض لها الأول من قبل خصومهما المدعومين من إيران، وقابلها الصدر بعدم اكتراث، الأمر الذي أشعر الصدري بتلقي “طعنة” أدت إلى حالة من الصدمة والإحباط.

ونقل تقرير للكاتبة والصحفية سؤدد الصالحي، نشره موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، عن دبلوماسي غربي، قوله إن “المنافسين السياسيين للصدر المدعومين من إيران استهدفوا بارزاني باعتباره الحلقة الأضعف في التحالف الهش، فمنذ تشكيله في كانون الثاني يناير الماضي، كان يعتمد بشكل رئيس على بارزاني الذي أصبح هدفاً لجميع خصوم الصدر، حيث كان الضغط على الرجلين هائلا، الأمر الذي خلق تذمرا لدى بارزاني فأخبر الصدر أخيرا بأن تحالفهما غير مجد”.

هذه المعلومات من شأنها أن تفند التكهنات حول اعتزام الصدر اللجوء إلى الشارع والاستفادة من قاعدة دعمه الجماهيرية للضغط على خصومه، كما يؤكد الموقع نقلا عن سياسيين لم يسمهم، أن “الصدر لا ينوي تصعيد الموقف ضد خصومه الشيعة المدعومين من إيران رغم دورهم في سقوطه“.

الصدر في ذروة مجده

كان التراجع المفاجئ للصدر عن العمل البرلماني، قد فاجأ وأربك حلفاءه وخصومه معا، حيث جاء “في أوج مجده“، وبعد نجاح كتلته في الانتخابات البرلمانية التي جرت في تشرين الأول أكتوبر 2021، وظهوره بمظهر الساعي إلى تغيير المشهد السياسي العراقي من خلال استبعاد خصومه المدعومين من إيران من السلطة وإنهاء هيمنتهم التي استمرت عقدين، ورفض صيغة الحكومات القائمة على التوافق لتقاسم السلطة منذ الإطاحة بصدام حسين عام 2003.

جاءت الصفعة “الرنانة” الأولى، كما وصفها مراقبون للموقع الغربي، في شباط فبراير الماضي، عندما ألغت المحكمة الاتحادية العليا قانون النفط والغاز الذي شرعه إقليم كردستان ومكن حكومته من بيع نفطها وغازها بشكل منفصل عن بغداد منذ عام 2007، فيما تمثلت الصفعة الثانية، بالهجوم الصاروخي الإيراني في آذار مارس الماضي، واستهدف فيلا تابعة للمدير التنفيذي لمجموعة كار، أحد الشركاء التجاريين الرئيسيين لبرزاني، في شمال أربيل.

واكتفى الصدر بتشكيل لجنة برلمانية لتقصي الحقائق للتحقيق في الادعاءات، ثم أعقبت ذلك سلسلة من الهجمات الأخرى ضد مصالح عدد من قادة الحزب الديمقراطي الكردستاني في بغداد وأربيل، وبلغت الهجمات ذروتها بإحراق مقر الحزب في بغداد أواخر آذار مارس الماضي، واستهداف مصفاة في أربيل مطلع نيسان، وهذه المرة، نشر الصدر عدة تغريدات وجه فيها أصابع الاتهام لخصومه المدعومين من إيران.

ونقل موقع “ميدل إيست آي”، عن زعيم شيعي معارض للصدر، قوله إن “بارزاني كان يمثل رأس حربة التحالف الثلاثي، وكان هو من أقنع الحلبوسي وقادة سنة آخرين بالتحالف مع الصدر، لكنه كان أيضًا الجناح الأضعف الذي يمكن استهدافه بسهولة”.

وأضاف أن “معارضي الصدر تحركوا بصبر فاستخدموا القضاء وأدوات أخرى لفسخ العلاقة بينه (الصدر) وبين بارزاني، وتمكنوا من استنزاف الأخير وحزبه”.

 

الانحياز الى بغداد

استمر الضغط في التصاعد على الصدر وحلفائه في خطوة تهدف إلى منعه من استغلال سيطرته على الحكومة والبرلمان، فلجأ خصومه إلى المحكمة الاتحادية مرة أخرى، للحصول على حكم بمنع حكومة تصريف الأعمال الحالية من تقديم مقترحات قوانين إلى البرلمان أو إجراء أي تغييرات تمس المسؤولين في المناصب العليا.

‏حاول الصدر التملص من هذه القيود، وأصدر تعليماته إلى كتلته البرلمانية بتقديم مشروع قانون يجرم التطبيع مع إسرائيل، كما تقول الكاتبة الصالحي، لكن مشروع القانون قدم لخصوم الصدر فرصة أخرى لخلق احتكاك داخل التحالف، حيث واجهت حكومة إقليم كردستان، أسئلة بشأن تقارير حول شحنات النفط إلى إسرائيل، حيث نفى مسؤولو حكومة الإقليم التعامل بشكل مباشر أو غير مباشر مع إسرائيل، وأشاروا إلى أن شحنات النفط غالبًا ما يتم تغييرها عدة مرات قبل أن تصل إلى وجهتها النهائية.

وخوفًا من أن يحصل الصدر على الفضل في التشريع، انضم الإطار التنسيقي إلى تحالف الصدر للتصويت على دعم القانون الشهر الماضي، ولكن في غضون ذلك، كان الصدر وكتلته يكافحون لتمرير قانون الأمن الغذائي الطارئ الذي من شأنه أن يوفر للحكومة المؤقتة الحالية نحو 18 مليار دولار من فائض مبيعات النفط.

ونقلت الكاتبة عن سياسيين لم تكشف عن هوياتهم، ‏قول لهم إن الأموال كانت ستطيل عمر الحكومة المؤقتة، بقيادة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، لعدة أشهر أخرى، مما يمنح الصدر مزيدًا من الوقت والمساحة لإجبار خصومه على قبول مشروعه.

وخوفًا من أن يقوم خصومه بالطعن في القانون لدى المحكمة الاتحادية، قام نواب الصدر بتضمين ملف مقاتلين بالحشد الشعبي، لكن المناورة جاءت بنتائج عكسية، حيث كشف نص القانون أيضًا أن إقليم كردستان لن يتلقى أيًا من تلك الأموال المخصصة، فكان بمثابة “ضربة موجعة أخرى للعلاقة بين الصدر والبارزاني”.

ونقلت الصالحي عن زعيم كردي بارز، قوله إن “حلفاء الصدر الأكراد والسنة لم يكونوا أكثر من أدوات يستخدمها الصدر لتنفيذ ما يريد، دون دفع أي نية لما يريدون”.

المشكلة الرئيسة [بين الحلفاء الثلاثة] بحسب التقرير، هي اختلاف الأهداف والساحات والطموحات، وكان التنسيق بين القادة الثلاثة (الصدر والحلبوسي وبارزاني) يقترب من الصفر، إذ كان الأول يحصل على ما كل ما يطلبه، أما البقية فلم يحصلوا على أي شيء، كما تقول.

في تلك الأثناء، يقول القيادي الكردي الذي رفض الكشف عن هويته، أن بعض قادة الحزب الديمقراطي الكردستاني، فكروا بالامتناع عن التصويت أو مقاطعة جلسة التصويت، لكننا لم نفعل، لافتا إلى أن “الصدر بات واضحا أنه لن يقدم لنا الكثير فيما يتعلق بالمسائل الخلافية مع بغداد، خاصة فيما يتعلق بقانون النفط والغاز”.

وصادق مجلس النواب، في 8 حزيران يونيو الماضي، على قانون الطوارئ للأمن الغذائي بحضور 273 نائباً، وصوت معظم خصوم الصدر لصالح القانون رغم أن نتائج التصويت لم تنشر من قبل البرلمان.

وبعد ساعات، احتفل الصدر بما اعتبره “نصرًا آخر يضاف إلى معسكر الإصلاح“، وقال إنه سيشرف بنفسه على تنفيذ القانون ولن يتردد في فضح أي شخص “يعبث بقوت الشعب“.

وبعد ظهر اليوم التالي، ألقى الصدر الذي بدا مستاءً ومحبطاً، دون سابق إنذار، خطابًا متلفزًا، تداوله مكتبه، قال فيه إنه لا يسعى للحصول على السلطة ويريد فقط “[الحفاظ] على كرامة الشعب وأمنه وطعامه وخيرته… أن العراق لن يكون مرة أخرى أرضاً خصبة للفساد والتبعية“، ثم ختم بالطلب من نواب كتلته كتابة استقالاتهم من مجلس النواب وانتظار أوامره بتحديد موعد لتقديمها “لإنهاء الانسداد السياسي” الذي قال إنه “ملفق”.

لماذا استقال الصدر؟

وبينما كان الصدريون يحتفلون بتمرير قانون الأمن الغذائي، كانت أربيل تغلي، فبعد ساعتين فقط من إعلان الصدر فوزه، انفجرت طائرة مسيرة مفخخة على الطريق الرئيس بين أربيل وبلدة بيرم، حيث يوجد منتجع صلاح الدين، مقر إقامة بارزاني الدائم وعدد من البعثات الدبلوماسية.

وأدى الحادث لإصابة ثلاثة أشخاص، فضلا عن أضرار بعدد كبير من السيارات، حيث اتهم الإقليم رسميا وفي خطوة غير مسبوقة، كتائب حزب الله، إحدى أقوى الفصائل الشيعية المسلحة الأكثر عداءً لبارزاني، بتنفيذ العملية، كما أصدر بارزاني بيانًا شديد اللهجة، على ما يبدو موجهًا للصدر، قال فيه إن “الغرض من هذا العمل القمعي واضح جدًا… والتعبير عن الاحتجاجات والتنديدات وحدها ليس حلاً”.وبدلاً من ذلك، طالب بارزاني بـ “خطوات عملية” لوقف مثل هذه الهجمات.

في 12 حزيران يونيو، أجرى الصدر اتصالاً هاتفياً مع بارزاني لبحث “آخر مستجدات العملية السياسية”، بحسب بيان قصير جداً صادر عن مكتب بارزاني، وفيما لم يكشف البيان عن تفاصيل المحادثة التي جرت بين الرجلين، لكن الصدر أمر نوابه بتقديم استقالاتهم بعد ذلك بوقت قصير، حسب الموقع البريطاني.

إقرأ أيضا