تحديد النسل.. المهمة المستحيلة 

تجدد الحديث عن إمكانية تحديد النسل في العراق، ففيما نفت وزارة التخطيط توجهها لفرض الأمر…

تجدد الحديث عن إمكانية تحديد النسل في العراق، ففيما نفت وزارة التخطيط توجهها لفرض الأمر أكدت اقتصار نشاطها على التوعية لتقليل عدد الأطفال أو المباعدة بين الولادات، في حين قلل متخصصون من أثر إجراءاتها في تحقيق هذه الخطوة الستراتيجية، نظرا للعادات الاجتماعية.

ويقول المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الوزارة تعمل على تنظيم الأسرة، ولا تتحدث عن تحديد النسل أو تنظيم النسل، فهناك فرق كبير بين تنظيم الأسرة وبين تنظيم النسل، فتنظيم النسل يكون من خلال تشريعات وقوانين خاصة، وتنظيم الأسرة يكون من خلال سياسات وتوجهات تنموية، ولهذا هناك فرق كبير بين الأمرين”.

وكان رئيس الجهاز المركزي للإحصاء في وزارة التخطيط ضياء عواد كاظم، أعلن أمس الثلاثاء في حديث صحفي، أن الوزارة تستعد بمناسبة اليوم العالمي للسكان لإطلاق وثيقة “السياسات السكانية” خلال تموز يوليو المقبل، حيث تركز على تنظيم النسل والصحة الإنجابية، فضلا عن العوامل المؤثرة في تلك الزيادة.

ويضيف الهنداوي، “في العراق لا يمكن لنا الذهاب نحو تنظيم أو تحديد النسل، كون هذا الأمر يمثل حقا من حقوق الأسرة وليس هناك شيء قانوني ودستوري يتيح لنا تحديد النسل لكل أسرة عراقية، كما أن المنظومة الدينية والاجتماعية تتعارض مع إصدار تشريعات وقوانين تحديد النسل”.

ويبين “فيما يتعلق بملف تنظيم الأسرة، فنحن نعمل على سياسات بعيدة المدى تعتمد في الدرجة الأساس على توعية الأسرة والمجتمع بقضية التنظيم الأسري، وهذا التنظيم يعتمد على محورين مهمين، الأول تقليل عدد الولادات، والمحور الثاني هو التباعد بين ولادة وأخرى، وهذه الثقافة والسلوك المجتمعي يسهم بتخفيض نسبة النمو السنوي للسكان، فهذه هي الفكرة”.

ويؤكد أن “لدينا مؤشرات خلال السنوات الأخيرة تفيد بأن هناك وعيا يظهر على الكثير من الأسر حديثة التكوين، فهي بدأت تكتفي بطفلين أو ثلاثة أطفال في أبعد تقدير، وهذا الأمر يعد خطوة جيدة لاستثمارها والاستفادة منها في رفع مستوى الوعي لدى الأسرة العراقية”.

يشار إلى أن وزارة التخطيط، وبعد حديث رئيس الجهاز المركزي للإحصاء، أصدرت بيانا نفت فيه توجهها إلى تحديد النسل في العراق، وأكدت أن الخبر عار عن الصحة تماما، ولا توجد هكذا توجهات، لأن النسل يمثل حقا من حقوق الأسرة، فضلا عن تعارض تحديده مع منظومة القيم الدينية والاجتماعية للشعب العراقي.

ويشهد العراق ارتفاعا كبيرا في نفوسه، حيث تخطت 40 مليونا و150 ألف نسمة، بحسب آخر إحصائية لوزارة التخطيط، بعد أن كانت نفوسه 35 مليونا في العام 2015.

وتشير توقعات وزارة التخطيط، المنشورة على موقعها الإلكتروني إلى أن نفوس البلد ستصل إلى 51 مليونا بحلول العام 2030، إذ كانت الوزارة قد أعلنت أيضا أن العام 2020 شهد تسجيل مليون و258 ألفا و28 ولادة.

وتأتي هذه الزيادة السكانية بالتزامن مع أزمات عديدة يعاني منها البلد، أبرزها البطالة والفقر وارتفاع أسعار المواد الغذائية، فضلا عن موازنات لم تتضمن أي تخصيصات لوظائف جديدة، بالإضافة إلى تردي البنى التحتية.

إلى ذلك، يبين الباحث الاجتماعي سيف المعموري خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “قضية تحديد النسل أمر صعب جدا، بل ربما مستحيل، خصوصا أن أغلبية أفراد المجتمع من أصحاب التوجه العشائري وأصحاب هذا التوجه صعب جدا إجبارهم على تحديد النسل”.

ويتابع أن “توجه الجهات الحكومية نحو إقامة دورات تثقيفية وتوعوية للأسرة العراقية بشأن تقليل النسل أو تحديده، أمر لن يأتي بأي شيء جديد على أرض الواقع، فهكذا قضايا تحتاج إلى قوانين تكون ملزمة للمواطنين والجهات الحكومية، كما هو موجود في بعض الدول التي عملت على تحديد النسل لكل أسرة”.

ويوضح المعموري “حتى لو شرعت قوانين تلزم الجميع بتحديد النسل، فستكون هناك صعوبة جدا بتطبيق فقرات القانون على الأسرة في المناطق ذات التوجه العشائري، وهذا الأمر ربما يخلق الكثير من المشاكل الاجتماعية وحتى الأمنية، فأي خطوة بهذا الاتجاه تتطلب إجراءات صارمة لتنفيذ القوانين وليس تشريع قوانين تكون حبر على ورق، كالكثير من القوانين التي شرعت سابقا”.

يذكر أن الخبيرة الاقتصادية سلام سميسم أكدت سابقا لـ”العالم الجديد”، أن الزيادة غير المحسوبة أو غير المدروسة في السكان، تؤدي إلى التكالب على الموارد، وبالتالي فأن الفجوة الحاصلة بين زيادة حجم السكان وقلة الموارد ستكون كبيرة، وكلما كبرت هذه الفجوة كلما زادت الصراعات داخل المجتمع وليس التنافس على الوظائف فقط، وفي النتيجة ستستمر الفوضى التي يعيشها مجتمعنا.

يشار إلى أن المستشار الاقتصادي لرئيس الحكومة، مظهر محمد صالح، أكد في حديث صحفي في حزيران يونيو 2021، أن المنحنى السكاني في العراق ما زال يؤشر نموا مرتفعا وبما لا يقل عن 2.6 بالمئة سنويا، وهو الأعلى عالميا، كما أن الدخل الوطني المرتفع حاليا والذي مصدره النفط، والذي تشكل وارداته 93 بالمئة من إجمالي إيرادات الموازنة العامة قد لا يستمر.

من جانبها، تبين عضو لجنة الصحة النيابية خديجة وادي الجابري خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أنه “لا يوجد أي طرح أو توجه يهدف لتشريع قوانين خاصة لتحديد أو تنظيم النسل للأسرة العراقية، وهذا الأمر لم يطرح للنقاش حتى في اللجنة أو أروقة البرلمان خلال الفترة الماضية”.

وتلفت إلى أنه “حتى الجهات الحكومية المتخصصة، لم تبلغ اللجنة ولم يصل إلينا منها أي معلومات عن نيتها إجراء هكذا تشريعات خلال المرحلة المقبلة، كما نعتقد أن هذا الأمر يصعب العمل به في العراق بسبب الوضع الاجتماعي”.

وكانت وزيرة الدولة السابقة لشؤون المرأة بشرى الزويني، صرحت العام الماضي، بأن نسب الإنجاب عالية في المناطق الفقيرة داخل البلاد التي تعاني من مشكلات اقتصادية، مبينة أن العراق من الدول مرتفعة الخصوبة التي تصل إلى 3.5، في حين تتراوح في أغلب دول العالم بين 2 إلى 2.25 كحد أقصى، ما أدى إلى ارتفاع معدل السكان بشكل كبير.

إقرأ أيضا