ماذا وراء الاستهداف المتكرر لحقول غاز تديرها “دانة غاز”؟

ربط محللون وخبراء في شؤون الطاقة بين الهجمات المتكررة على الحقول المستثمرة من قبل شركة…

ربط محللون وخبراء في شؤون الطاقة بين الهجمات المتكررة على الحقول المستثمرة من قبل شركة “دانة غاز” الإماراتية في إقليم كردستان، وبين أجندات خارجية تهدف لمنع العراق من بلوغه مرحلة الاعتماد على نفسه في توفير الغاز، محذرين في الوقت ذاته من تأثر الشركات الأجنبية بتلك الهجمات.

ويقول الخبير النفطي حمزة الجواهري، في حديث لـ”العالم الجديد”، إن “لتكرار استهداف شركة دانة غاز الإماراتية انعكاسات سلبية كبيرة على وضع العراق الاقتصادي، خصوصا في ما يتعلق بعمل الشركات الأجنبية المستثمرة في مجال النفط والغاز وغيرها من القطاعات، فهذه العمليات هي تهديد لكل الشركات العاملة في العراق”.

وكان جهاز مكافحة الإرهاب في إقليم كردستان أعلن، أمس الأول السبت، أن ستة صواريخ استهدفت حقل غاز بشمال العراق تديره شركة دانة غاز الإماراتية خلال الأيام القليلة الماضية، مبينا أن حقل خورمور الواقع في محافظة السليمانية استُهدف أمس الأول السبت، بالصواريخ للمرة الثالثة خلال 72 ساعة.

ويبين الجواهري، أن “استمرار قصف شركة دانة غاز سوف يدفع الشركات العاملة في مجال النفط والغاز في العراق إلى المغادرة، وهذا الأمر ليس في كردستان فقط، بل في عموم الحقول العراقية، فهذا يدل على عدم توفير أية حماية للشركات الأجنبية المستثمرة في العراق، خصوصا مع نية السلطات العراقية الاعتماد على شركات أجنبية في مجال صناعة الغاز الطبيعي”.

ويضيف أن “من غير المستبعد وقوف أجندات خارجية وداخلية وراء هكذا عمليات، بهدف منع العراق من الوصول إلى الاكتفاء الذاتي بعملية صناعة الغاز خلال المرحلة المقبلة، فهي تريد استمرار العراق باستيراد الغاز من الخارج، ولذا فإن بعض الأطراف لجأت إلى عمليات القصف من أجل دفع الشركات الأجنبية لترك العراق، بسبب عدم وجود حماية كافية لها”.

وكانت شركة غاز البصرة، أعلنت الأسبوع الماضي، عن تصدير شحنتها الأولى من الغاز شبه المبرد عبر مرفأ أم قصر، ووصفت الأمر بأنه “لحظة تاريخية وإنجاز عظيم لها وللعراق”، مؤكدة أن هذه الخطوة تمنح فرصة مضاعفة صادرات العراق عالميا إلى ثلاث مرات عبر الناقلات، كما أنها ستضاعف الكمية المصدرة في الشحنة الواحدة.

وتأتي هذه الأحداث، في ظل البحث الدؤوب لدول أوروبا عن مصادر بديلة للغاز الروسي، في وقت بدأت فيه موسكو بالفعل ما يسمى “حرب الغاز” ضد القارة العجوز، وأعلنت تقليص إمدادات الغاز لألمانيا بنسبة 40 بالمئة، لتضخ 100 مليون متر مكعب يوميا بدلا من 160 مليون متر مكعب عب خط أنابيب نورد ستريم.

وكان وزير النفط إحسان عبد الجبار، أعلن الشهر الماضي، أنه بحث مع وزارتي الطاقة والاقتصاد الفرنسيتين قدرات العراق المحتملة في إنتاج الغاز، بعد إنجاز واكتمال خطط تطوير حقول الغاز الحر في محافظتي الأنبار وديالى، إلى جانب استثمار الغاز المصاحب للعمليات النفطية، وإمكانية تعزيز ‏هذه الكميات المنتجة لأمن الطاقة الدولي.

وعلى الرغم من عدم إعلان أية جهة مسؤوليتها عن الهجمات على منشآت “دانة غاز”، إلا أن بعض المسؤولين العراقيين، يشيرون دائما إلى جماعات مسلحة مدعومة من إيران، كانت قد أعلنت مسؤوليتها عن هجمات مماثلة من قبل.

من جانبه، يعتبر المحلل السياسي محمد زنكنة، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الفصائل المسلحة تقدم دائما مبررات وذرائع، حتى لو كانت غير مقنعة، لقصف أي مكان في كردستان، ولكن استهداف تصدير الغاز، والذي تشرف عليه شركة دانة غاز الإماراتية، غير منطقي وأي مبرر له هو ساذج، فهذه الشركة تنتج الغاز بهذه المنطقة لسد الحاجة المحلية لتوليد شبكات الماء والكهرباء، ولن يتم تصدير أي شيء من هذا الغاز إلى الخارج”.

ويشير زنكنة، إلى أن “أسبابا كثيرة وراء تكرار هذا الاستهداف، منها وجود تقارب بين الأطراف السياسية العراقية لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة، ووجود اتفاقات حزبية سياسية لتمرير الكثير من الأمور لإنهاء حالة الانسداد، إضافة إلى أمر مهم وهو الاستقواء بالمحكمة الاتحادية لفرض ما يمكن فرضه بالقانون على الإقليم، فهذا القصف يدل على أن هناك أطرافا لا تؤمن بما تقوله المحكمة الاتحادية، وهم مؤمنون بأن القرار القضائي مسيس، ولهذا نشهد تكرار لعمليات القصف، خصوصا وأن الشركة إماراتية”.

ويلفت إلى أن “الصراعات بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني ليست جديدة، بل تمتد إلى ستينيات القرن الماضي، وبالتالي فإن عمليات القصف واستهداف منشآت الطاقة لا يمكن أن تكون انعكاسا لتلك الصراعات، كما أن مسألة النفط والغاز لا تمثل اختلافا في وجهات النظر بين الحزبين، وهذا الاختلاف عبارة عن تصدير أزمة بين أطراف متنفذة داخل العملية السياسية في العراق، حتى يتأثر بها الإقليم”.

ويتابع المحلل السياسي من أربيل، أن “الوضع الاقتصادي العراقي سيء جدا، خصوصا أن الحكومة العراقية لن تستفيد من التطورات الاقتصادية والتجارية في إقليم كردستان، بل على العكس حاولت عرقلة كل جهود التطور في الإقليم، وحتى هذه اللحظة كل ما يجري من عمل وتطوير في حقول النفط والغاز في الإقليم هو لسد الحاجة المحلية، وحتى لو كان هناك تصدير فهو بيع لشركات معينة وهذه الشركات من خلال بيع النفط بعقود تجارية واستثمارية تأخذ حقها والباقي يكرر إلى مشتقات يحتاج لها المواطنون في الإقليم”.

يذكر أن وزارة الثروات الطبيعية في إقليم كردستان، عقدت في كانون الثاني يناير 2021، اتفاقاً مع شركة كار غروب لمد خط أنابيب بحجم 36 إنجاً للغاز الطبيعي من حقل خورمور الغازي الى أربيل، ومدّ آخر بحجم 52 إنجاً من أربيل الى دهوك، وبذلك يصبح خط الأنابيب الغازية لإقليم كردستان على بعد 35 كيلومتراً من الحدود التركية.

ووصف المشروع بأنه سيضع حجر الأساس للصناعة الغازية في إقليم كردستان وتصديره الغاز الى الخارج، لكن ذلك يتطلب استقرارا سياسيا واقتصاديا واستثمارات بمليارات الدولارات لأن أكثرية حقول الغاز المكتشفة في الإقليم غير مشغلة ولم يتم تطويرها. وهذا ربما يفسر الزيارات السريعة التي يقوم بها قادة حكومة الإقليم الى كل من قطر والامارات.

وبحسب شبكة رووداو الكردية، فإن شركة دانة غاز، كانت تستهدف زيادة إنتاج الغاز الطبيعي بإقليم كردستان، خلال السنوات المقبلة، على مرحلتين، ليصل حجم الانتاج الى نحو مليار قدم مكعب، بواقع 250 مليون قدم مكعب خلال المرحلة الأولى والذي يمكن استخدامه لسدّ احتياجات الإقليم، فيما من المؤمل أن يزيد حجم الإنتاج 250 مليون قدم مكعب خلال المرحلة الثانية، والذي يمكن تصديره في هذه المرحلة.

ويرى زنكنة أن “القصف الصاروخي الذي يستهدف شركات النفط والغاز في الإقليم ممكن أن يسبب بعض الأزمات النفسية، لكن لن تصل الأمور إلى ترك تلك الشركات للإقليم، خصوصا أن هذه الشركات تعرف جيدا من يقف وراء هكذا عمليات قصف والأجندات الداخلية والخارجية لهكذا أعمال، خصوصا أن عمليات القصف لا تخلو من ملامح الخلاف بين الفصائل والإمارات والخلاف بين إيران والإمارات، ولهذا فعمليات القصف هي دائما ما تكون بالإنابة عن الصراع الإقليمي”.

يذكر أن شركة “دانة غاز” أعلنت بعد الهجمات أن العمل متواصل في حقولها، وأن الإنتاج لم يتأثر بالقصف.

وتدير حقل “خورمور” بإقليم كردستان العراق، شركة بيرل بتروليوم المحدودة التي يتجاوز إجمالي استثماراتها في الحقل 2.1 مليار دولار، وهي ائتلاف تقوده شركتا نفط “الهلال” و”دانة غاز”، ومقرهما إمارة الشارقة.

وتأسس مشروع غاز كردستان في 2007 بموجب اتفاقية أبرمتها “دانة غاز” و”نفط الهلال” مع حكومة الإقليم، تمنحهما حقوقاً حصرية لتقييم وتطوير وإنتاج وتسويق وبيع البترول والغاز الطبيعي من حقلي خورمور وجمجمال في كردستان العراق.

وفي تشرين الأول أكتوبر 2008، بدأت أعمال الإنتاج من المحطة التي بُنِيت لتشغيل المشروع في خورمور بفترة قياسية لم تتجاوز 15 شهراً، وفي 2009، شُكِّل ائتلاف بيرل بتروليوم الذي يضم دانة غاز ونفط الهلال كمساهمين انضمت إليهما لاحقاً “أو إم في”، و”إم أو إل”، و”آر دبليو إي” بحصة 10% لكل منها.

من جانبه، يفيد المحلل السياسي كوفند شيرواني، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “استهداف شركة دانة غاز الإماراتية بشكل متكرر رسالة لها وجهان، وهي مبطنة بالتهديد لكل الاستثمارات الخليجية في إقليم كردستان وعموم العراق، وهي استهداف لصناعة الغاز الطبيعي، وهذا ما يدل على أن هناك جهات سياسية لا تريد لصناعة الغاز المحلية أن تتطور، حتى لا يصل العراق إلى مرحلة الاستغناء عن استيراد الغاز من قبل دولة مجاورة، خصوصا أن هذا الأمر سيوفر أكثر من ثلاثة مليارات دولار سنويا للموازنة العراقية”.

ويوضح شيرواني، أن “حقل خورمور الغازي يقع ضمن الإدارة التي تسيطر عليها قوات الاتحاد الوطني الكردستاني، لكن في ما يخص ملف النفط والغاز لا يوجد خلاف عليه بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، بل إن الطرفين متفقان على التفاصيل، وحكومة الإقليم تجني مكاسب كبيرة من ملف الغاز، وهذا الملف ساعد الإقليم على توفير الرواتب وغيرها بعد قطعها من قبل الحكومة الاتحادية خلال السنوات الماضية”.

ويتابع أن “تكرار استهداف شركة دانة غاز الإماراتية، أو أي شركة أجنبية، سوف يخلق بيئة غير مستقرة للاستثمارات، ليس في إقليم كردستان، بل حتى في وسط وجنوب العراق، فسيكون هناك نوع من التخوف في التعامل مع جهات مختلفة سياسيا يلجأ بعضها إلى استخدام السلاح والقوة لإيصال رسائل تهديد إلى الأطراف الإقليمية والدولية عبر شركاتها المستثمرة في العراق، وهذا يرسل رسالة سلبية عن العراق أمام المجتمع الدولي”.

ويؤكد المحلل السياسي، أن “بعض الأطراف السياسية ذات الأجنحة المسلحة في العراق، والمرتبطة بأجندات خارجية، تعمل على تخويف شركات الطاقة الأجنبية لكي لا تأتي إلى العراق، خصوصا أن بعض الأطراف تريد بقاء اعتماد العراق على استيراد الغاز وعدم إنتاجه محليا”.

ومنذ نيسان أبريل 2022، استُهدفت مواقع لإنتاج المحروقات في كردستان بقذائف صاروخية لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عنها.

وفي أيار مايو الماضي، استهدفت مصفاة كوركوسك، وهي من كبرى المصافي في المنطقة الغنية بالنفط، وتقع شمال غرب أربيل.

إقرأ أيضا