القطاع المصرفي.. من يتحمل مسؤولية “ترديه”؟

فتح وزير المالية علي علاوي، أبواب الحديث عن الواقع المصرفي في العراق، ليؤكد متخصصون بالمجال…

فتح وزير المالية علي علاوي، أبواب الحديث عن الواقع المصرفي في العراق، ليؤكد متخصصون بالمجال المالي تراجع وتردي القطاع المصرفي، عازين الأسباب إلى العزلة التي عاشها البلد منذ أكثر من 30 عاما، بالإضافة إلى جملة أسباب تقع على عاتق مسؤولي المصارف الذين، وبحسب المتخصصين، فإنهم حولوها إلى واجهة لجني الأرباح من بيع العملة فقط، من دون تطوير حقيقي.  

ويقول مظهر محمد صالح، المستشار المالي لرئيس الوزراء، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “فريق البنك الدولي قدم خطة مساعدة فنية إلى العراق عام 2015 وأشرفت على تطبيقها شخصيا بالتنسيق مع البنك المركزي العراقي ووزارة المالية، ولكن دخلنا السنة السادسة ولم يصادق عليها كما علمت، بغية الخروج بموازنات نظيفة تقوم على أسس عصرية محاسبية وتدقيقية للنهوض بالحياة المصرفية في العراق”.

وكان وزير المالية علي علاوي، دعا في كلمة خلال مؤتمر معرض المالية والخدمات المصرفية الخامس في العراق، إلى إعادة هيكلة المصارف، مؤكدا أن إصلاح المصارف من أهم أولويات القطاع المصرفي، لكن هذه عملية ليست سهلة وتحتاج إلى وقت ورؤية اقتصادية.

ويشير صالح، إلى أن “المصرفين الحكوميين الكبيرين، مصرف الرافدين ومصرف الرشيد، يهيمنان على أكثر من 80 بالمائة من موجودات السوق المصرفية العراقية، وهما يعملان بشكل غير مرض”، مشددا على ضرورة “إدخال النظام المصرفي الشامل الذي يربط الفروع إداريا وحسابيا بمركز مصرفي الرافدين (الأكثر تعقيدا) والرشيد (الأقل تعقيدا)، والعمل جار على ذلك ولكن ببطء بسبب خشية العاملين السيكولوجية من التسريح، وهو أمر لا يحصل في الوظيفة العراقية إطلاقا، أي طرد العاملين أو تسريحهم بسبب تردي الإنتاجية”.  

وكان نائب محافظ البنك المركزي عمار حمد، أعلن أمس السبت، أن الحسابات المصرفية تضاعفت إلى أكثر من 7 ملايين حساب مصرفي مفتوح، و️بطاقات الدفع الإلكتروني ارتفعت من 10 ملايين إلى أكثر من 14 مليون بطاقة، وزادت أجهزة الصراف إلى أكثر من 1500 جهاز ونقاط البيع إلى أكثر من 7 آلاف.

يشار إلى أن رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، وعد في برنامجه الحكومي بتطوير الأداء المصرفي العراقي من خلال تعزيز الثقة بالمصارف العامة والخاصة، بما يشمل نشر التكنولوجيا المصرفية، وربط الأنشطة الاقتصادية بالمصادر واعتماد الرقم الوظيفي، على أن يتولى البنك المركزي العراقي وضع خطة بسقف زمني مداه عام واحد لتطبيق المكننة في المصارف، لكن هذه الخطة لم تتحقق على الررغم من مرور عامين على حكومة الكاظمي، بحسب ما رصدته “العالم الجديد” في تقريرها الموسع “الكاظمي ميتر”.

ومر النظام المصرفي العراقي بعدة مراحل بدءا منذ العام 1867، فكان أقدم مصرف عرف في العراق هو البنك العثماني ثم بنك الشاهنشاه الإيراني والبنك الشرقي البريطاني، ثم بدأت بعدها مرحلة الصيرفة العراقية الوطنية عام 1935 التي شهدت إنشاء المصرف الصناعي الزراعي الذي انشطر بعد عام 1940 إلى مصرفين هما: المصرف الزراعي والمصرف الصناعي.

ويضم العراق، بحسب موقع البنك المركزي العراقي، 80 مصرفا عاملا، منها 62 محليا و18 مصرفا عبارة عن فروع لمصارف أجنبية.

إلى ذلك، يفيد الخبير الاقتصادي نبيل جبار خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “القطاع المصرفي الحكومي، والذي كثر الحديث عنه في الأيام القليلة الماضية، مر بأربعين سنة من التوقف والعزلة عن العالم، ونقصد هنا الانعزال بسبب العقوبات الدولية وخضوع العراق للبند السابع وإيقاف التعاملات المالية مع المصارف العراقية، ولذلك فأن المصارف الحكومية الرئيسة جمد عملها وانقطعت عن العالم الخارجي”.

ويوضح جبار، أن “العراق خرج من طائلة البند السابع، ولذا فأنه من الممكن إعادة تطوير القطاع المصرفي وربطه بالعالم وتصدير حسابات ونقل الأموال من الداخل والخارج، وهذه فرصة لتطويره واعتماد آليات مصرفية حديثة وتغيير واجهة هذا القطاع بشكل كامل”، مؤكدا “عدم وجود معوقات أمام تطويره، ويفترض أن توجد إرادة حكومية وتعيين أشخاص في المكان الملائم لوضع خطة استراتيجية لتطوير هذا القطاع وإصلاح بعض قوانينه”.

ويضيف أن “مسؤولية تطوير المصارف الأهلية تقع على عاتق أصحابها والمساهمين فيها، ولكن المشرف على هذا القطاع هو البنك المركزي العراقي من حيث إيداعاته وتنظيمه العمليات المصرفية، إلا أن الإدارات الخاصة هي المسؤولة عن التطوير”، لافتا إلى أن “المشكلة الأبرز في العراق في ما يتعلق بعمل المصارف الأهلية هي أنها متكئة على مزاد العملة في جني أرباحها، وهذه القضية تحتاج مراجعة”.

وفي العام 1941 تأسس مصرف الرافدين، وهو المصرف التجاري الوحيد في العراق، وفي 1947 تأسس البنك المركزي العراقي تحت مسمى “المصرف الوطني العراقي”.

يشار إلى أن القطاع المصرفي العراقي، مهمل أيضا من قبل المواطنين الذين فقدوا الثقة به، وبحسب أرقام البنك الدولي الصادرة العام الماضي، فأن 23 بالمئة فقط من الأسر العراقية لديها حساب في مؤسسة مالية، وهي نسبة من بين الأدنى في العالم العربي، ولاسيما أن أصحاب تلك الحسابات هم من موظفي الدولة الذين توزع رواتبهم على المصارف العامة نهاية كل شهر، لكن هذه الرواتب أيضا لا تبقى طويلا في الحسابات، إذ سرعان ما تتشكل طوابير أمام المصارف من الموظفين الذين يسحبون رواتبهم نقدا ويفضلون إبقاءها في بيوتهم.

من جانبه، يذكر الصحفي المتخصص في الشأن الاقتصادي علي كريم اذهيّب خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “القطاع المصرفي الحكومي في العراق ابتعد طوال أكثر من 30 عاما عن التطور التكنولوجي المصرفي العالمي، ولم تكن له مشاركات وحوالات مستمرة مع نظرائه من القطاعات المصرفية العربية والأجنبية، على الرغم من أن المصارف الحكومية العراقية لديها فروع كثيرة في أغلب دول العالم”.

ويلفت اذهيب إلى أن “سبب هذا التخلف المصرفي الحكومي يعود إلى الحصار الاقتصادي المفروض على العراق منذ العام 1990 من القرن الماضي نتيجة الحروب العبثية للنظام السابق، والتي قوضت دور المصارف الحكومية واقتصر نشاطها على صرف الرواتب فقط من دون استثمارات محلية وخارجية وتطوير بناها التحتية”، مبينا أنه “بعد العام 2003 بدأ النشاط المصرفي الحكومي بالتعافي، لكن هذا التعافي يجري بسرعة السلحفاة ولم يصل إلى طموح الزبائن الذين بدأوا باللجوء إلى المصارف الأهلية”.

ويتابع أن “القطاع المصرفي الأهلي في العراق أكبر بكثير حاليا من الحكومي، فعدد المصارف الأهلية يصل إلى أكثر من 40 مصرفا”، مشيرا إلى أن “القطاع الأهلي هو الخيار الأفضل للمواطن العراقي من ناحية السلف والقروض وانتشار الصرافات الآلية، ما سهل على الزبائن سحب أموالهم كالرواتب أو نسب الفوائد على الودائع الثابتة”.

ويعتبر أن “الدول العربية ليست جميعها متطورة مصرفيا أكثر من العراق، فالأخير أفضل حالا مصرفيا من بعض الدول العربية مثل مصر وسوريا ولبنان والأردن”، مشددا على ضرورة “انفتاح المصارف العراقية بشقيها الحكومي والأهلي على المصارف الأجنبية وإبرام عقود معها لتطوير العمل وإدخال أنظمة جديدة تواكب التطور السريع في دول العالم”.

يذكر أن العراق يفتقر إلى التعاملات المالية الإلكترونية، المتمثلة بالبطاقات الائتمانية على الرغم من إصدار بعض المصارف لهذه البطاقات، إلا أن استخدامها محدد فقط باستلام حوالات خارجية على سبيل المثال، وعادة ما تكون أجهزة الصراف الآلي قرب فروع البنك فقط، ولا تنتشر في أغلب الأسواق المحلية، ما دفع الزبائن إلى الاعتماد على البطاقات المعبأة مسبقا لاستخدامها في مواقع الإنترنت، كدفع مستحقات أو الشراء.

إقرأ أيضا