خبراء يرجحون استغلال أنقرة لصواريخ الشمال في تعزيز مبررات تواجدها داخل العراق

توظف عمليات استهداف قواعدها بالعراق كذريعة لتكثيف قصفها داخل الأراضي العراقية وتمديد وجودها العسكري شمالي…

رأى خبراء في الشأن الأمني والسياسي، أن تركيا توظف عمليات استهداف قواعدها بالعراق كذريعة لتكثيف قصفها داخل الأراضي العراقية وتمديد وجودها العسكري شمالي البلاد، بصرف النظر عن الجهة التي تستهدف تلك القواعد، سواء حزب العمال الكردستاني أم الفصائل المسلحة.

ويقول الخبير الأمني فاضل أبو رغيف خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “لكل فعل رد فعل، ووجود القواعد التركية على الأراضي العراقية يثير حفيظة الجميع وليس الفصائل المسلحة فقط، والقصف المتبادل هو نتيجة ردود أفعال بسبب التوتر في العلاقات التاريخية بين حزب العمال الكردستاني والجانب التركي”.

ويضيف أبو رغيف، أن “وجود القواعد التركية في الأراضي العراقية، يشكل تهديدا للسلم العراقي وانتهاكا للسيادة، وهذا التهديد والانتهاك بحد ذاته ولد نقمة على المستوى السياسي والشعبي وعلى مستوى الفصائل المسلحة وعلى مستوى حزب العمال الكردستاني، ولذا فإن هناك اختلاطا بالأوراق في ما يتعلق باستهداف القواعد التركية بين حين وآخر”.

ويبين قائلا، إن “أنقرة سوف تعمل على استغلال استهداف قواعدها وقواتها، من أجل استمرار عملياتها سواء البرية أو الجوية، تحت ذريعة محاربة حزب العمال الكردستاني”.

وكانت قاعدة للقوات التركية في منطقة شيلادزي التابعة لمحافظة دهوك تعرضت، أمس الأحد، إلى استهداف صاروخي.

ويأتي هذا الاستهداف مكملا لسلسلة استهدافات تعرضت لها القواعد التركية في العراق، وهو يتزامن مع القصف التركي المستمر للأراضي العراقية، وكان أقساه الشهر الماضي، الذي تسبب بوفاة طفل في سنجار.

وكانت “العالم الجديد”، قد سلطت الضوء في تقرير سابق على طبيعة تعاطي الفصائل المسلحة مع القواعد التركية، وقد نفت الفصائل في حينها مسؤوليتها عن الدخول في صراع عسكري مع تركيا أو استهداف مواقعها في البلاد، بل طالبت الحكومة بطرد القوات التركية وحزب العمال الكردستاني PKK على حد سواء من البلاد.

ومنذ مطلع العام الماضي، صعدت تركيا من عملياتها في العراق بشكل كبير، ونفذت العديد من عمليات الإنزال الجوي، فضلا عن إنشاء نقاط ثابتة بعد دخول قواتها البرية مناطق مختلفة من دهوك ونينوى، إضافة إلى الإعلان عن إنشاء قاعدة عسكرية جديدة في الأراضي العراقية، وذلك بهدف ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني، وخاصة في قضاء سنجار بنينوى.

يذكر أن البرلمان التركي صوت، في 26 تشرين الأول أكتوبر الماضي، على تمديد وجود القوات العسكرية التركية عامين آخرين في العراق وسوريا، وفوض الحكومة إرسال المزيد من القوات.

وكان وزير الدفاع التركي خلوصي أكار أعلن، منتصف نيسان أبريل الماضي، عن بدء عملية عسكرية جوية لملاحقة مسلحي حزب العمال الكردستاني PKK في العراق، حملت اسم عملية “قفل المخلب”، واستهدفت مناطق متين وزاب وأفشين- باسيان، التي من المفترض أن تضم مواقع لحزب العمال ومخازن أسلحة وأعتدة تابعة له.

من جانبه، يرى المحلل السياسي محمد زنكنة خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “التواجد التركي داخل الحدود العراقية، يستند إلى اتفاق بين الحكومتين العراقية والتركية في ثمانينيات القرن الماضي، حيث سمح نظام صدام حسين للجيش التركي بأن يتوغل بأكثر من 35 كم في عمق الأراضي العراقية من أجل ملاحقة حزب العمال الكردستاني، وتجددت هذه الاتفاقية أكثر من مرة، وآخرها كانت في سنة 2007 بزمن حكومة نوري المالكي، حيث عدلت بعض البنود فيها، ولذا فإن القصف التركي والتوغل في العراق لا يحتاج إلى إذن من الحكومة العراقية، بسبب الاتفاقية”.

ويضيف زنكنة، أن “قصف بعض القواعد التركية في الأراضي العراقية، وخصوصا في نينوى، يعتبر تحديا للحكومة العراقية، وهذه العمليات تقوم بها ميليشيات ترفض الوجود التركي، لكنها في الوقت ذاته، ترحب بالوجود الإيراني سواء بصيغة مستشارين عسكريين أو حتى من عناصر الحرس الثوري الإيراني، وهذا الأمر يدل على التناقض السياسي”.

ويبين “في عامي 2005 و2006 كانت الحكومة العراقية تصرخ بأعلى صوتها بأنها تحارب الإرهاب وكانت تقصف حزب العمال الكردستاني، وهذا الحزب، اليوم، في سنجار يتقاضى رواتب على أساس أنه جزء من منظومة الدفاع العراقية الرسمية، على الرغم من أنه عبارة عن ميليشيات”، في إشارة إلى فصائل مسلحة تضم مقاتلين محليين يحظون بتدريب وتعاون مع حزب العمال الكردستاني وينضوون رسميا في هيئة الحشد الشعبي. 

ويؤكد زنكنة، أن “استمرار القصف على القواعد التركية، سيعطي مبررا جديدا لأي نقرة حتى تستمر بعملياتها البرية والجوية ضد معاقل حزب العمال الكردستاني، وهذا الوضع الأمني تستفيد منه الكثير من الميليشيات المسلحة، وهي من تقوم بعمليات القصف بين حين وآخر من دون أي رادع حكومي لها”.

وكان قضاء سنجار هو الهدف التركي المعلن، حيث يعتبر معقلا لعناصر حزب العمال الكردستاني، وهو ما دفع بالفصائل المسلحة العراقية لإرسال ألوية عسكرية إلى القضاء، وتمركزت فيه لصد أي عملية تركية محتملة داخل القضاء الذي يقع جنوب غربي نينوى، ويعد موطنا لتواجد أبناء المكون الإيزيدي في العراق.

وكشفت “العالم الجديد” في تقرير سابق عن منح رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي الضوء الأخضر للرئيس التركي رجب طيب إردوغان خلال لقائهما في أنقرة في 17 كانون الأول ديسمبر الماضي، للدخول إلى سنجار، بسبب عجزه عن تنفيذ اتفاق بغداد–أربيل للسيطرة على القضاء وطرد عناصر حزب العمال الكردستاني منها، بحسب مصادر حضرت اللقاء.

بالمقابل، يبين عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية مهدي تقي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “استهداف القواعد التركية بين حين وآخر أمر طبيعي كرد فعل على عمليات القصف التي تقوم بها تركيا داخل الأراضي العراقية، والتي يسقط فيها عدد من الضحايا وغير ذلك من الخسائر المادية الكبيرة”.

ويشير تقي إلى أن “الحكومة العراقية مطالبة بحسم ملف التواجد التركي، لمنع تحويل الأراضي العراقية إلى ساحة اقتتال بين أطراف دولية، وحسم هذا الملف ليس بالأمر الصعب، فيمكن حله وفق الإجراءات الدبلوماسية، والعراق لديه الكثير من أوراق الضغط على الجانب التركي، وأهمها ملف التبادل التجاري وملف الاقتصاد بصورة عامة”.

ويؤكد أن “بقاء التواجد التركي في العراق واستمرار ضرباته الجوية داخل عمق الأراضي العراقية يهدد الأمن القومي العراقي ويفتح باب التدخلات في الشأن العراقي، ولا توجد أي علاقة بين قصف القواعد التركية والعمليات التركية، فالجانب التركي يقوم بهذه العمليات منذ فترة طويلة من دون أن تتعرض قواعده إلى قصف، لكن أنقرة سوف تستغل تلك الهجمات كذريعة لتكثيف قصفها في شمال العراق”.

يذكر أن رئيس الوزراء التركي السابق بن علي يلدرم، أقر في العام 2018، بوجود 11 قاعدة عسكرية تركية داخل العراق، قائلا “قمنا بإنشاء 11 قاعدة عسكرية وضاعفنا عدد جنودنا وقواتنا في تلك القواعد لمطاردة مقاتلي حزب العمال الكردستاني قبل التوغل إلى حدودنا”.

وتنتشر القواعد التركية في مناطق بامرني وشيلادزي وباتوفان وكاني ماسي وكيريبز وسنكي وسيري وكوبكي وكومري وكوخي سبي وسري زير ووادي زاخو والعمادية.

إقرأ أيضا