ترقيات تموز.. رتب خارج الضوابط تهدد أمن العراق

ذهبت رتب عسكرية في الترقيات الأخيرة لوزارتي الدفاع والداخلية في العراق إلى ضباط لا يستحقونها،…

ذهبت رتب عسكرية في الترقيات الأخيرة لوزارتي الدفاع والداخلية في العراق إلى ضباط لا يستحقونها، كما يفيد مصدر مطلع، أورد أمثلة تثبت صحة إحاطته، وبينما كانت الوساطات والمحسوبيات حاضرة في توزيع الترقيات، حذر خبراء أمنيون وعسكريون من أن تجاهل السياقات والضوابط في الترقيات العسكرية سيلقي بظلاله على الوضع الأمني في البلاد.

ويقول المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الترقيات العسكرية في جدول تموز (يوليو)، التي جرت مؤخرا في وزارتي الدفاع والداخلية، انطوت على الكثير من الإشكالات، وخاصة في وزارة الداخلية، إذ قسمت الترقيات لثلاث فئات، الأولى فئة المستحقين للترقية، والثانية فئة من لديهم ارتباط بالأحزاب، والثالثة فئة المعروفين في وسائل التواصل الاجتماعي”.

ويضيف، أن “عناصر الفئة الأولى مستحقون للترقية منذ سنوات لكن ترقيتهم تأخرت لسبب غريب من قبل وزارة الداخلية بهدف ترقية الآخرين المنتمين للأحزاب، حيث كتب أمام أسماء عناصر هذه الفئة في جداول الترقية (جدول سابق)، فيما لم تكتب أمام الآخرين هذه العبارة، لأن ترقيتهم سريعة ولم تشمل بأي جدول أو سياق عسكري”.

ويتابع أن “المرتبطين بالأحزاب من عناصر الفئة الثانية غالبا ما يحصلون على استثناء من رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء، كما يحصلون على قِدَم أكثر من مرة، فضلا عن استثناء بمنح الرتبة”، مؤكدا أن “الفئة الثالثة هي المؤثرة بالرأي العام، أي الضباط الذين يملكون صفحات بمواقع التواصل الاجتماعي تروج لأعمالهم ونشاطاتهم، وهؤلاء منحوا الرتب من قبل المسؤولين بغية الترويج لهم أو تمرير ما يريدونه”.

ويستطرد أن “جدول الترقية الأخير منحت فيه رتب بشكل غريب، ومنها الرتبة الممنوحة للضابط مروان نيسان، الذي أثار لغطا في وسائل التواصل الاجتماعي نتيجة لترقيته السريعة، وهو آمر فوج سوات في شرطة الأنبار، الذي حصل على رتبة عميد الآن، بعد أن كان برتبة ملازم أول قبل دخول داعش”، موضحا أن “نيسان حصل على أمر إداري باحتساب 11 سنة خدمة، وهذا الأمر يتمنى الكثير من الضباط الحصول عليه لكن ليس لديهم علاقات مع المسؤولين”.

ويؤكد أن “من الضباط الآخرين ضياء مزهر، الذي منح رتبة لواء الآن، وقد حصل عليها خلال 7 سنوات فقط، حيث كان في عام 2008 شرطيا، وبعدها تقرب من مسؤول في الوزارة وشمل بالترقية وأصبح نقيبا عام 2016، وعام 2017 تمت ترقيته من رائد إلى مقدم، وفي عام 2018 أصبح عقيدا وعام 2019 أصبح عميدا، والآن حصل على رتبة لواء”.

ويلفت إلى أن “من الضباط المعروفين الآخرين عزيز ناصر، الذي منح رتبة عقيد الآن، وهو في عام 2018 منح رتبة رائد بسبب قربه من مكتب القائد العام للقوات المسلحة آنذاك، وفي عام 2020 شمل بالترقية وأصبح مقدما”، مبينا أن “ناصر وفي منشور له على صفحته بموقع فيسبوك كشف عن دور الوكيل الأقدم للوزارة حسين العوادي بترقيته، حيث وجه له الشكر الخاص على الرتبة الجديدة”.

وبحسب القانون، فإن ترقية ضباط وزارتي الداخلية والدفاع تجرى مرتين في العام، الأولى في 6 كانون الثاني يناير والأخرى في 14 تموز يوليو.

يشار إلى أنه خلال العام الماضي، منح الضباط قدما أكثر من مرة، وذلك في مناسبات مختلفة، منها استثناء خاص من رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة، بالإضافة إلى قدم منح للضباط الذين شاركوا بعملية تأمين الانتخابات التي جرت في تشرين الأول أكتوبر الماضي.

إلى ذلك، يبين الخبير العسكري والأمني حسين الكناني خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “كل الترفيعات في مؤسسات الدولة بشكل عام تتضمن استخداما سيئا للسلطة، وهذا من نتائج الفساد الإداري والرشاوى والبعثات والقبولات والمحسوبيات”.

ويضيف الكناني “قد لا تخلو وزارة من هذا الفساد، ولكن الترفيعات في المؤسسات الأمنية يجب أن تخضع للضوابط الإدارية وبما يصب في مصلحة المؤسسة، إضافة إلى استحقاق العاملين في المؤسسة”، لافتا إلى أن “هذه القرارت سببت ترهلا في الرتب المتقدمة التي أعطيت من دون وجه حق”.

ويردف أن “منح الرتب المتقدمة تترتب عليه آثار إدارية وقيادة فرق عسكرية، وبالتالي لا يمكن قيادة الفرقة بشكل صحيح بواسطة ضابط يفتقر إلى الخبرة لأنه تقدم برتبه بطرق ملتوية وليس استنادا للضوابط المعمول بها”.

وفي جدول ترقيات تموز يوليو 2021، صدر استثناء عن رئيس الحكومة لضباط محددين، وجرت ترقيتهم لرتب أعلى، وقد حصلت “العالم الجديد” في حينها على نسخة من قوائم التكريم، وورد فيها اسم مدير مكتب رئيس لجنة مكافحة الفساد وهو أحمد راضي الساعدي، من مواليد 1985، وتمت ترقيته من رتبة عقيد إلى عميد، في حين كان أغلب الضباط الذين تمت ترقيتهم إلى هذه الرتبة (عميد) من مواليد 1960 وحتى 1979 في أقل الحالات.

ومن الضابط الذين شملوا بالتكريم الخاص، هم كل من: حامد الزهيري قائد الفرقة الخاصة بحماية المنطقة الخضراء، حيث تمت ترقيته إلى فريق ركن، وعبد الأمير الشمري نائب قائد العمليات المشتركة والذي تمت ترقيته إلى فريق أول ركن، وأحمد أبو رغيف رئيس لجنة مكافحة الفساد، حيث تمت ترقيته إلى رتبة فريق أول (في حدث نادر داخل وزارة الداخلية التي يتقاعد أعلى ضباطها برتبة فريق)، ومحمد البياتي سكرتير القائد العام، الذي تمت ترقيته إلى رتبة فريق أول ركن، وأحمد سليم قائد عمليات بغداد، والذي تمت ترقيته إلى رتبة فريق ركن، وناصر الغنام، قائد عمليات الأنبار، الذي تمت ترقيته إلى رتبة فريق ركن، وعلي الهاشمي، قائد عمليات الفرات الأوسط، الذي تمت ترقيته إلى رتبة فريق ركن.

ويفيد الخبير الأمني هيثم الخزعلي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “موضوع الترقيات يفترض أن يكون عسكريا خاضعا للسياقات والقوانين، لكننا في العراق لدينا مجاملات ومحسوبية، ونشاهد إفراطا في الرتب العالية، خاصة في الجيش العراقي”.

ويشير الخزعلي إلى أنه “قبل سقوط النظام السابق كان لدينا نحو 86 رتبة فريق فقط، أما الآن فنشاهد العشرات من هذه الرتبة”، مشددا على ضرورة “اتباع السياقات العسكرية والابتعاد عن المصالح الحزبية ومنح الرتب بشكل عشوائي كمل لو أنها شهادات مزورة”.

ويوضح أن “منح الرتب العليا عشوائيا يثقل كاهل موازنة الدولة، فالضباط الكبار لهم مخصصات مالية ضخمة، كما أن رتبة عليا لضابط لا يستحقها سيؤدي إلى إخفاقات عسكرية وأمنية في الميدان لأن الضابط غير مؤهل لموقعه، ما يلحق ضررا كبيرا بالمؤسسة العسكرية أو الأمنية”.

وبحسب قانون الخدمة والتقاعد لقوى الأمن الداخلي في العراق، فإن ترقية الرتبة تتم وفق الضوابط التالية: ملازم إلى ملازم أول في ثلاث سنوات، ملازم أول إلى نقيب في ثلاث سنوات، نقيب إلى رائد في أربع سنوات، رائد إلى مقدم في أربع سنوات، مقدم إلى عقيد في أربع سنوات، عقيد إلى عميد في أربع سنوات، عميد إلى لواء في ست سنوات، لواء إلى فريق في ست سنوات.

ويستثنى من هذه الفترات الزمنية القدم في الخدمة، والذي يمنح من القائد العام للقوات المسلحة، بناء على شجاعة الضابط أو موقف له في إحدى المعارك.

وكان رئيس الحكومة الأسبق حيدر العبادي، قرر في العام 2017 إيقاف الترفيع العسكري، وذلك لأول مرة في تاريخ العراق الحديث منذ العام 1958، لأسباب مالية بسبب سياسة التقشف التي اتبعتها حكومته، لمعالجة الترهل في السلك العسكري.

إقرأ أيضا