انتهت مدة تدفقها.. هل يستأنف العراق إرسال “المعونة الثمينة” إلى لبنان؟

تنظر الحكومة اللبنانية إلى زيت الوقود العراقي بوصفه معونة ثمينة تسعى للحفاظ على تدفقها، ولهذا…

تنظر الحكومة اللبنانية إلى زيت الوقود العراقي بوصفه معونة ثمينة تسعى للحفاظ على تدفقها، ولهذا الغرض جاءت زيارة وزير الطاقة اللبناني إلى بغداد قبل أيام بهدف تجديد عقد التجهيز الذي استمر لعام كامل، دون أن يحصل على مبتغاه بعد مصارحته بضرورة تسديد المستحقات المالية التي بذمة حكومته والتي اعتبرت مخفضة جدا قياسا بالأسعار الحقيقية للنفط، يأتي ذلك في ظل انتقاد خبراء اقتصاديين للصفقة أساسا بسبب عدم جدواها لكلا الشعبين العراقي واللبناني، كونها لم تسهم على مدى عام كامل بتحسين وضع الطاقة ومن دون معرفة مصير تلك الكميات ولا آلية عمل الشركة “الإماراتية” التي تقوم بتكريرها وتسليم لبنان “الفيول” المطلوب لتشغيل محطاته الكهربائية.

ويقول مصدر مسؤول في شركة تسويق النفط العراقية (سومو) خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “مجلس الوزراء العراقي كان قد أصدر القرار رقم 183 لسنة 2021 المتضمن تقديم مساعدة إلى الشعب اللبناني عن طريق بيع مليون طن سنويا من منتوج زيت الوقود بموجب عقد مدته سنة واحدة، وقد انتهت هذه المدة قبل فترة وجيزة، ولذلك تم إيقاف تزويد لبنان بزيت الوقود، وليس لأسباب أخرى تتعلق بدفع الأموال”.

ويضيف المصدر طالبا عدم ذكر اسمه، أنه “لغاية الآن لم يتسلم العراق أي مبالغ مالية من الجانب اللبناني عن كميات الوقود المصدرة، فبحسب الاتفاق بين البلدين يكون دفع الأموال مؤجلا، بسبب الأوضاع الاقتصادية والمالية التي يمر بها لبنان، لكن المبلغ مسجل في ذمته”.

ويوضح أن “زيت الوقود يصل من العراق إلى لبنان بواسطة شركة إماراتية حصلت على هذه المناقصة، وهو زيت ثقيل لا يلائم المحطات اللبنانية، فتحصل الشركة الإماراتية على الزيت الثقيل وتمنح لبنان المادة الوقودية التي تحتاجها، والمشتقات النفطية الثانوية تأخذها الشركة كأجور مالية عن عملية النقل”.

ويتابع أن “لبنان يحاول حاليا تجديد العقد مع الجانب العراقي، وربما تشهد الأيام المقبلة زيارات متبادلة بين مسؤولين من البلدين لهذا الهدف، وقد يتم إجراء تعديلات على فقرات العقد السابق”.

وكان وزير الطاقة اللبناني وليد فياض، زار بغداد قبل أيام، والتقى مسؤولين عراقيين، بهدف تجديد عقد تزويد العراق لبنان بمادة “الفيول” لتشغيل محطات الكهرباء فيه، لكن تم إبلاغه من قبل المسؤولين العراقيين بأن الصيغة الحالية للعقد لم تعد مناسبة وتحتاج إلى تعديل، وفقا لما نشرته وسائل إعلام لبنانية.

وحول زيارة فياض إلى بغداد، يكشف مصدر بوزارة المالية العراقية، في حديث لـ”العالم الجديد”، عن كواليس الاجتماع الذي جمع الضيف بالوزير علي عبدالأمير علاوي داخل مكتب الأخير في بغداد، قائلا إن “الوزير اللبناني طالب بتجديد العقد لمدة عام آخر، مع زيادة بكمية النفط عن العقد السابق، لكن علاوي رد عليه بأن عليه تسليم المستحقات المالية أولا، مع أوليات الشركة التي يتم تكرير النفط فيها لئلا تكون تحت طائلة العقوبات الأمريكية والتي قد تعرض العراق تبعا لذلك إلى عقوبات هو في غنى عنها”.

ويشير المصدر، إلى أن “العقد السابق كان يقضي بتسليم لبنان مليون طن من النفط، يتم تكريره في شركة مقرها الإمارات، مقابل أسعار مخفضة جدا، وبالليرة اللبنانية حسب تصريفها الرسمي الذي يختلف اهتلافا فاحشا عن السوق السوداء”.

وبحسب وسائل إعلام لبنانية أيضا، فإن رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي يستعد لزيارة بغداد برفقة وفد وزاري يضم أيضا المدير العام للأمن العام عباس إبراهيم، بهدف العمل على بلورة صيغة جديدة للاتفاقية وتمديدها.

وكان ميقاتي زار بغداد في تشرين الأول أكتوبر 2021 والتقى الكاظمي، ووفقا لمصادر تحدثت في حينها لـ”العالم الجديد” فإن ميقاتي طلب زيادة كميات النفط العراقي الواصلة للبنان، وقد وعد الكاظمي بالاستجابة للطلب في حينها.

وتبين الخبيرة الاقتصادية سلام سميسم خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “قضية منح العراق وقودا إلى لبنان ليست قضية اقتصادية إطلاقا، ولا تتضمن أية جدوى اقتصادية للعراق نهائيا، خصوصا أن العراق يقدم هذا الوقود كإسناد ومساعدة للبنان بسبب الظروف التي يمر بها على المستوى الاقتصادي والمالي”.

وتشير سميسم، إلى أن “العراق يقدم الوقود للبنان بدوافع سياسية، وهذا الدور نفسه كان يلعبه رئيس النظام السابق صدام حسين، عندما كان يسند دولا أخرى، فالعراق يريد تخفيف الضغط الشعبي عن السلطات في لبنان”.

وتضيف أن “القرار العراقي ليس سياديا للأسف، ولا يخص الأمن الاقتصادي العراقي، فالقرار هو انتشال للبنان من أزمتها الاقتصادية كمحاولة للحفاظ على الشكل السياسي الحالي الذي يدير الدولة العراقية وشكل النظام في لبنان، ولذا فإن القضية ليست اقتصادية بل سياسية”.

وأعلن المكتب الإعلامي للكاظمي، في تموز يوليو 2021، عن توقيع اتفاق بين العراق ولبنان، لبيع مليون طن من مادة زيت الوقود الثقيل بالسعر العالمي، على أن يكون السداد بالخدمات والسلع.

ويفيد الخبير النفطي حمزة الجواهري خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “الاتفاق بين العراق ولبنان على تزويدها بزيت الوقود غير واضح وهناك غموض حول فقرات هذا الاتفاق، وليس هناك شفافية لكشف بنوده”.

ويلفت الجواهري، إلى أن “الفائدة الاقتصادية من هذا الاتفاق غير معروفة، والعراق لم يتسلم حتى الآن أي مبالغ مالية من لبنان مقابل شحنات الوقود التي وصلت إليها، كما لا نعرف ما هي الخدمات التي ممكن أن تقدمها لبنان للعراق مقابل الوقود الذي وصل إليها”.

يشار إلى أن مدير الأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم أعلن في 11 حزيران يونيو الماضي، أن “لبنان لن يدخل العتمة بفضل النفط العراقي”، مبينا أنه قام بزيارات عدة للعراق، وتحديدا للكاظمي، الذي ‏سأله عما يحتاجه لبنان لتجاوز الأزمة الراهنة، وكان الجواب حاجة لبنان إلى النفط العراقي ‏الأسود.

ويؤكد الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الاتفاق مع لبنان حول تزويدها بالوقود كان سياسيا بالدرجة الأساس وليس مبنيا على معايير اقتصادية”.

ويردف المشهداني أنه “لا نعرف من يقف خلف هذه الصفقة، التي تعتبر سياسية بامتياز وليست اقتصادية”، مشيرا إلى أن “الصفقة مع الأردن على تسليم النفط العراقي لها بأسعار أقل من السعر العالمي، جاءت بدفع من الولايات المتحدة، لكن لا نعرف من هو صاحب الصفقة مع لبنان، وربما تكون إيران وراءها”.

يذكر أن العراق وافق في شباط فبراير الماضي، على دعم نفطي للبنان بقيمة 500 ألف طن من النفط، وفي نيسان أبريل الماضي، زار وفد عراقي برئاسة وزير الصحة السابق حسن التميمي العاصمة بيروت، وأبرم اتفاقا ينص على تقديم لبنان الخدمات الطبية للعراق مقابل النفط، وفي وسط الشهر ذاته، كان من المفترض أن يزور رئيس الحكومة اللبنانية السابق حسان دياب بغداد، لكن الزيارة ألغيت لأسباب بروتوكولية، حسب ما أعلن عنه في حينها.

إقرأ أيضا