مع حلول “الكرصة”.. غالبية المندائيين يتعمدون بعيدا عن دجلة والفرات

يحل العيد الكبير “الكرصة” للصابئة المندائيين، اليوم السبت، بالتزامن مع ارتفاع نسبة هجرتهم من العراق،…

يحل العيد الكبير “الكرصة” على الصابئة المندائيين، اليوم السبت، بالتزامن مع ارتفاع نسبة هجرتهم من العراق، وفيما يوضح رئيس الديانة في العراق والعالم التفاصيل الدينية لهذا العيد، يؤكد غياب أية إحصائية دقيقة بعدد أبناء المكون المهاجرين أو العائدين، وسط شهادات من بعض الصابئة بأن البلد يشهد هجرة مستمرة من دون أن تقابلها عودة من دول المهجر.

ويقول رئيس ديانة الصابئة المندائيين في العراق والعالم الشيخ ستار جبار الحلو في حديث لـ”العالم الجديد”، إن “عيد الكرصة يمثل بداية السنة المندائية الجديدة وبداية تكوين العالم المادي الذي جمعت فيه الأسرار لأمور الحياة”.

ويضيف الحلو، أن “طقوس هذا العيد تتضمن التعميد في المياه وطلب الغفران للمتوفين، وأيضا الاعتكاف في المنازل لمدة 36 ساعة وعدم مغادرتها مطلقا، وتسمى هذه المناسبة بالآرامية (كنش وزهل) ومعناها: نظف واختبئ”.

ويوضح أن “أعداد العوائل الصابئية التي تغادر أو تعود إلى العراق غير موثقة لدينا، ولكن على العموم فإن أبناء الديانة يتجهون إلى مغادرة العراق بسبب عدم توفر مقومات الحياة”.

ويعد التعميد من أهم ركائز الديانة المندائية، ويشتمل هذا الطقس على نزول الشخص للماء الجاري، برفقة رجل دين، وقراءة آيات من كتاب “الكنزا ربا” المقدس، ويتم ذلك بملابس بيض خاصة تسمى “الرستة”، وهذا الزي الخاص بالتعميد، يرتديه النساء والرجال والأطفال.

وتتجه أغلب العوائل المندائية إلى التعميد رجالا ونساء وأطفالا، مع توزيع الوجبات الغذائية (ثواب) وإهدائها إلى أرواح الموتى، نظرا إلى أن التعميد فرض في الديانة المندائية على كل إنسان منذ ولادته.

ويعتبر التعميد في الديانة تطهيرا للجسد والروح من كافة الخطايا والذنوب، وعلى كل صابئي أن يتعمد بعد ولادته بسنوات قليلة، وأيضا عند الزواج وبعد أن يرزق بأطفال، ومن شروط التعميد أن يقام في نهر أو بحيرة، أي داخل ماء جار وليس ساكنا، وهذا ما دفع أبناء الديانة إلى التمركز منذ نشوء دينهم قرب الأنهار والأهوار في جنوب العراق، وذلك لارتباط طقوسهم بالماء، سواء التعميد أو الصلاة أو الزواج.

من جانبه، يبين رئيس جمعية الثقافة المندائية في مدينة الديوانية، سعدي ثجيل، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “عيد الكرصة هو العيد الكبير لدى الصابئة، وتتضمن مراسمه بدء التعميد صباحا إلى الساعة 12 ظهرا، وبعدها تجهز العوائل المحتفلة الأغذية والمستلزمات الضرورية لأنها بعد ذلك تلزم منازلها لمدة 36 ساعة من السادسة مساء حتى السادسة من صباح اليوم الثالث”.

ويشير ثجيل إلى أنه “بعد انقضاء هذه الساعات يخرج الناس من منازلهم في العيد، ويبدأون بالتزاور وتبادل التهاني وكذلك ذبح الذبائح وإقامة الولائم، وهذه طقوس ثابتة وتجري مزاولتها كل عام”.

وللصابئة 4 أعياد رئيسة ومناسبات عدة أخرى، الأول هو عيد الخليقة (البرونايا) وفيه خلق الخالق عوالم النور العليا، ويستمر لمدة 5 أيام، والثاني هو عيد التعميد الذهبي، في ذكرى الولادة الروحية لنبيهم يحيى بن زكريا، بالإضافة إلى العيد الكبير الذي يصادف في شهر تموز ويستمر 7 أيام، وهو بداية الخلق، وفيه بدأت الدقائق والساعات والأيام، والأخير عيد الازدهار، وهو العيد الصغير، ففيه قام الحي العظيم بخلق الأزهار والأثمار والطيور والحيوانات، وبالإضافة إلى هذا خلق آدم وحواء، وهذا العيد يعتبر بداية نشوء الخلق، وفقا لعقائدهم.

ويذكر إحسان الفرج، وهو مواطن عراقي صابئي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أنه “إضافة إلى المكوث في المنزل 36 ساعة، فأن الشخص المندائي يجب أن يكون على طهارة تامة قبل هذه الساعات، لأن هذا الوقت يعتبر مقدسا، ويجب أن يلتزم الفرد خلاله قدر الإمكان بالأمور الدينية ويكون صادقا مع نفسه وعائلته، فهذه الفترة تعد فترة تجل واتصال مع الخالق”.

وفيما يخص أوضاع العوائل الصابئية في العراق، يلفت الفرج إلى أن “هناك الكثير من العوائل التي غادرت العراق خلال السنة الماضية، ولم نسمع بعودة عائلة من المهجر، لأن الأوضاع هنا لا تبشر بخير ومتجهة نحو الأسوأ”.

ويعد جنوب العراق موطنا للصابئة منذ آلاف السنين، إذ تمركزوا قرب الأنهار والأهوار، لارتباط طقوسهم الدينية بالماء، لكن اليوم يندر تواجدهم هناك بعد هجرة أغلبهم موطنهم الأصلي، والاستقرار في بلدان اللجوء أو مناطق أكثر أمنا في إقليم كردستان.

وواجه أبناء الديانة في العراق بعد 2003، الكثير من التحديات التي هددت بقاءهم كأحد أبرز الأقليات الدينية في بلاد الرافدين، بينها القتل والسلب، لكونهم يعملون في صياغة الذهب، ما عرضهم إلى السرقة والاختطاف بشكل مباشر ومستمر، وهذا الأمر أدى إلى هجرة شبه جماعية باتجاه الغرب.

وخلال الأعوام الـ18 الماضية، تمكن أبناء الطائفة من تثبيت وجودهم في دول مثل السويد وألمانيا وأستراليا وأميركا، وهناك بنوا معابدهم “المندي” وحصلوا على رخصة رسمية لممارسة طقوسهم وتلبية كافة احتياجاتهم من قبل تلك الدول.

إقرأ أيضا