أسرارها في كواليسها.. محللون: ما تم إعلانه في قمة جدة ليس كل شيء

بعد أن صدر البيان الختامي لقمة جدة، وركز على نقاط عدت بروتوكولية، ذهب محللون سياسيون…

بعد أن صدر البيان الختامي لقمة جدة، وركز على نقاط اعتبرت بروتوكولية، ذهب محللون سياسيون عرب وعراقيون، إلى أن هناك ملفات نوقشت في القمة ولم تعلن، متوقعين أن ما جرى خلف الكواليس ربما سيجري الإعداد لتطبيقه في وقت لاحق، وذلك في ظل انقسام عراقي حيال المشاركة في القمة.

ويقول المحلل السياسي السعودي عبد الله القحطاني خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “القمة مهمة جدا في هذه الظروف الدولية المعقدة على المستوى الأمني والغذائي، فالاجتماع مع الجانب الأمريكي مهم جدا لأن الولايات المتحدة صاحبة اليد الطولى في العالم سواء أحببنا ذلك أم لا، وبالتالي فإن مجيء الرئيس الأمريكي بعد محاولاته تجاهل المنطقة يمثل انتصارا للسياسة العربية بقيادة السعودية، وإثباتا بأن العرب على حق وأنهم يصرون على مبادئهم ومواقفهم ولا يسع الآخرين إلا المجيء”.

وبشأن ما لم يتم إعلانه في القمة، وتمت مناقشته، فيوضح القحطاني، إنه “استراتيجية التعاون لمواجهة المخاطر الإقليمية التي تهدد الدول، وما يحدث في سوريا ولبنان ليس مرضيا لأحد، وكذلك لا يمكن القبول باستمرار التهديدات القادمة من اليمن، متمثلة بالصواريخ والطائرات المسيرة، فضلا عن تهديد السفارات في العراق وغير ذلك الكثير، وهذه الأمور بالتأكيد تمت مناقشتها في القمة”.

ويعتبر أن “المخرجات المعلنة للقمة جيدة، لأنها ضد الإرهاب والتطرف والتدخلات الخارجية وتهديد المياه العربية في مضيق باب المندب وقناة السويس، وكذلك مناقشة قضايا المناخ والتصحر، إضافة إلى توقيع اتفاقية للربط الكهربائي مع العراق واقتراح رئيس الوزراء العراقي إنشاء بنك شرق أوسطي يضم العراق ودول مجلس التعاون الخليجي والأردن، هذه الأمور كلها جيدة”.

ويلفت المحلل السعودي، إلى أن “ما يقال عن انعقاد القمة من أجل التطبيع مجرد أكاذيب، فالمحور الأساسي لها مناقشة منع تهديد الدول العربية وكياناتها، أما اتهامات التطبيع فهي محاولة لذر الرماد في العيون وصرف نظر الرأي العام عن أهمية هذه القمة أو محاولة مناكفة دول مجلس التعاون الخليجي”.

وعقدت أمس السبت، قمة جدة للأمن والتنمية في السعودية، بمشاركة الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي والعراق ومصر والأردن.

وأكد البيان الختامي للقمة، على أهمية الشراكة الاستراتيجية بين الدول الخليجية والولايات المتحدة، والالتزام بحفظ أمن المنطقة واستقرارها، ودعم الجهود الدبلوماسية الهادفة لتهدئة التوترات الإقليمية، وتعميق التعاون الإقليمي الدفاعي والأمني والاستخباري، وضمان حرية وأمن ممرات الملاحة البحرية.

كما أكد القادة في القمة، دعمهم لضمان خلو منطقة الخليج من كافة أسلحة الدمار الشامل، مشيرين إلى مركزية الجهود الدبلوماسية لمنع إيران من تطوير سلاح نووي، وللتصدي للإرهاب وكافة الأنشطة المزعزعة للأمن والاستقرار.

وعبروا عن عزمهم على تطوير التعاون والتنسيق بين دولهم في سبيل تطوير قدرات الدفاع والردع المشتركة إزاء المخاطر المتزايدة لانتشار أنظمة الطائرات المسيرة والصواريخ المجنحة، وتسليح “الميليشيات” والجماعات المسلحة، بحسب البيان.

ورحب القادة بإنشاء قوة المهام المشتركة 153 وقوة المهام المشتركة 59 اللتين تعززان الشراكة والتنسيق الدفاعي بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي والقيادة المركزية الأميركية، وفق نص البيان.

من جانبه، يرى الأكاديمي والمحلل السياسي خالد المعيني خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “جميع القمم تشهد جلسات جلسات سرية وأخرى علنية، وما لم يعلن عنه يمثل جبل الثلج الغاطس، والذي يعلن عنه يمثل فقط الأمور الدبلوماسية”.

ويلفت المعيني، إلى أن “عنوان القمة هو قمة جدة للأمن والتنمية، وحتى كلمة الأمن مقدمة على التنمية، والموضوع يشكل متابعة لتداعيات الحرب الروسية- الأوكرانية في هذه القمة”، مضيفا أن “الرئيس الأميركي غير مهتم بملف الشرق الأوسط وأهمله بالكامل، وهذا شأن الديمقراطيين دائما”.

ويبين أن “المخططين الاستراتيجيين في الغرب انتبهوا في خضم الحرب الروسية- الأوكرانية إلى وجود مناطق فراغ في الشرق الأوسط من الممكن أن تملأها روسيا أو الصين أو إيران، لذلك قال بايدن إن الغاية من مجيئه تصحيح الأخطاء”، مشيرا إلى أن “بايدن كان قد قطع عهدا على نفسه بعدم التعامل مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لكنه عاد إلى السعودية في النهاية لإدراكه أنها عنصر استراتيجي مهم في الشرق الأوسط لمواجهة النفوذ الإيراني”.

ويشير الأكاديمي والمحلل السياسي العراقي، إلى أن “هناك نقطتين مهمتين في كلام بايدن، الأولى هي كلمة ملء الفراغ والثانية هي منع إيران من امتلاك السلاح النووي، إضافة إلى موضوع الطاقة وضمان تدفق النفط والغاز إلى أوروبا خوفا من استمالة السعودية والخليج إلى الخندق الروسي، فضلا عن تفاصيل سرية أخرى، وهذا سيكون له انعكاس قوي على العراق لأن المنطقة الفارغة المقصودة بالحوار هو العراق باعتقادي”.

وشارك رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي في القمة، وقال في كلمته “ما تزال هناك مصاعب سياسية بعد الانتخابات، وهي تؤكد الحاجة للحفاظ على مبادئ الديمقراطية في الحياة العامة، وهو مسار يستلزم المزيد من الوقت وتراكم الخبرات”.

وعبر الكاظمي عن دعم العراق للهدنة اليمنية القائمة بصفتها بداية مثمرة لإنهاء الأزمة اليمنية وعودة الاستقرار، ودعم الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى حل الأزمة السورية، ومعالجة تداعياتها، وإيقاف معاناتها الإنسانية، كما جدد وقوف العراق إلى جانب لبنان، من أجل تجاوز أزمته السياسية والاقتصادية.

واقترح إنشاء بنك الشرق الأوسط للتنمية والتكامل بالشـراكة مع دول مجلس التعاون الخليجي ومصـر والأردن. ويهتم البنك بالتنمية الإقليمية المستدامة عبر تمويل المشاريع في البنى التحتية التي من شأنها أن تساعد في ربط اقتصادات المنطقة.

كما عقد الكاظمي اجتماعات ثنائية مع أغلب قادة دول القمة، وعقب اجتماعه مع الرئيس الأميركي جو بايدن، أعلن الأخير عن الاتفاق على ربط شبكة الكهرباء بالعراق بشبكة مجلس التعاون عبر السعودية والكويت، ولاحقا للمؤتمر، وقع العراق والسعودية اتفاقية الربط الكهربائي الخليجي.

إلى ذلك، يفيد المحلل السياسي كاظم الحاج خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “الحكومة الحالية هي حكومة تصريف أعمال يومية ورئيسها محدود الصلاحيات وفقا للقانون العراقي ودستور العراق، والمشاركة في مثل هذه المؤتمرات تتعدى صلاحيات رئيس الوزراء الحالي، حيث لا يحق له التوقيع أو التفاهم مع الدول الأخرى”.

ويضيف الحاج، أن “مخرجات القمة غير واضحة حتى الآن لأن بايدن أعلن أكثر من مرة أن الهدف الأساسي منها ليس تأمين الطاقة وإنما إعطاء دور للجانب الإسرائيلي في المنطقة، ومن هنا تأتي الخشية من مشاركة العراق، على اعتبار أن فيه قانونا يجرم التطبيع، وهذا هو سبب الاعتراضات وليس مجرد الزيارة أو المشاركة في مثل هذه المؤتمرات”.

ومنذ أيام شنت بعض وسائل الإعلام المرتبطة بالإطار التنسيقي هجوما حادا على الكاظمي لمشاركته بالقمة، على خلفية وجود تسريبات سابقة، أفادت بأن القمة ستشهد تشكيل حلف عسكري ضد إيران.

ومنذ الشهر الماضي، توجهت قوى الإطار التنسيقي إلى شن حملة لمنع الكاظمي من المشاركة في القمة، وقد ناقشت هذه القوى الأمر مع الكاظمي خلال اجتماعها معه في 16 حزيران يونيو الماضي.

وفي مؤتمر صحفي عقب القمة، قال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود إن المحادثات مع إيران لم تصل إلى هدفها، وإن اليد ما زالت ممدودة لها.

وأشار الوزير السعودي إلى أن القمة لم تناقش أي تحالف دفاعي مع إسرائيل ولا يوجد ما يسمى “ناتو عربي”، مؤكدا أن فتح المجال الجوي لا علاقة له بإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل وليس مقدمة لخطوات أخرى.

من جانبه، يرجح المحلل السياسي العراقي علي الجبوري خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “يكون الزعماء المشاركون في القمة قد عقدوا اتفاقات لم يتم الإعلان عنها أمام الإعلام، فما تم إعلانه هو مجرد تعابير بروتوكولية تنطق أمام الكاميرات، لكن ربما اتفق المشاركون خلف الكواليس على برامج ومخططات معينة يجري التحضير والاستعداد لتنفيذها”.

ويتابع الجبوري “لا يمكن أن يكون ما اتفق عليه هو الحفاظ على أمن إسرائيل ومحاولة إكمال ملف التطبيع مع دول المنطقة، ولكن من الممكن أن يصل ما تمت مناقشته إلى عزل إيران عن المشهد فقط، وذلك عبر مقاطعتها وحرف بوصلة الشرق الأوسط باتجاه الجانب الأميركي بعيدا عن روسيا والصين”.

يشار إلى أن العراق استضاف جولات سرية للحوار السعودي الإيراني على أرضه، منذ انطلاق أولاها في 9 نيسان أبريل 2021، بحضور رئيس المخابرات السعودية خالد حميدان ونائب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني سعيد عرفاني، وتبع هذا اللقاء في بغداد، توجه مستشار الأمن الوطني الإماراتي طحنون بن زايد إلى طهران، ضمن إطار مفاوضات إيرانية مع الإمارات، وذلك بحسب ما نقل مصدر عن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف خلال لقائه زعماء القوى السياسية في بغداد يوم 26 نيسان أبريل الماضي.

إقرأ أيضا