الصدر والمالكي.. هل دخل الخلاف بينهما لمرحلة الحسم؟

جاء رد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، على التسريبات الصوتية المنسوبة لزعيم ائتلاف دولة القانون…

جاء رد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، على التسريبات الصوتية المنسوبة لزعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، تأكيدا لـ”صحتها”، حسبما رآه محللون سياسيون، كما عدوه خطوة للبراءة من أي تصرف قد تقدم عليه “جهة ثالثة” بهدف خلق احتكاك بين الطرفين، إلى جانب اعتبارها قطعا للطريق أمام تنصيب رئيس وزراء من ائتلاف دولة القانون.

ويقول مصدر في التيار الصدري خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الصدر تجاهل التسريبين الأول والثاني، لكنه رد الآن، لأن كلام المالكي في التسريبين الثالث والرابع بلغ مراحل خطيرة، ما أثار مخاوف من إقدام أبناء التيار على تصرفات ارتجالية خارج مركزية زعيمهم، لذلك جاءت هذه التغريدة للتهدئة والحث على ضبط النفس”.

ويضيف المصدر الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أن “المالكي تجاوز الحد المعقول في عدائيته لكل من هو موجود في البلاد من سنة وكرد وجيش وشرطة وحشد شعبي، وهو على الرغم من ذلك يسعى إلى نيل رئاسة الوزراء”، منوها إلى أن “حديث الصدر عن وجود طرف ثالث ليس خيالا وإنما حقيقة، إذ تشير المعلومات المتوفرة إلى أن هنالك طرفا ثالثا يسعى لاستهداف المالكي بعد التسريبات أو أحد من زعماء التيارات السياسية لإيقاع الفتنة بين مختلف الأطراف”.

ويلفت إلى أن “المالكي وصل إلى سن اليأس السياسي، أي بمعنى أنه لم يعد مقبولا داخليا، وهذه التسريبات أعطت انطباعا بأن هذا الشخص لا يغير طريقته في إدارة البلد أو في الخطاب أو التعامل مع كل مكونات الشعب العراقي، ولذلك ننصحه بأن يتفرغ للعبادة ويترك السياسة، أو الابتعاد عن العراق كليا والذهاب إلى واحدة من جزر العالم”.

وكان الصدر نشر تغريدة، أمس الإثنين، قال فيها إن “العجب كل العجب أن يأتي التهديد من حزب الدعوة المحسوب على آل الصدر ومن كبيرهم المالكي، ومن جهة شيعية تدعي طلبها لقوة المذهب”.

وطالب في تغريدته الأخيرة، بـ”إطفاء الفتنة من خلال استنكار مشترك من قبل قيادات الكتل المتحالفة مع المالكي من جهة، ومن قبل كبار عشيرته من جهة أخرى، وأن لا يقتصر الاستنكار على اتهامي بالعمالة لإسرائيل أو لاتهامي بقتل العراقيين، بل الأهم من ذلك، هو تعديه على قوات الأمن العراقية واتهام الحشد الشعبي بالجبن وتحريضه على الفتنة والاقتتال (الشيعي-الشيعي)”.

ونصح زعيم التيار الصدري، المالكي بـ”إعلان الاعتكاف واعتزال العمل السياسي واللجوء إلى الاستغفار، أو تسليم نفسه ومن يلوذ به من الفاسدين إلى الجهات القضائية، لعلها تكون بمثابة توبة له أمام الله وأمام الشعب العراقي”.

وبعد تغريدة الصدر، نشر صالح محمد العراقي، الشخصية الافتراضية الناطقة باسم الصدر، تغريدة قال فيها “شكرا لكم.. لا داعي للمظاهرات بخصوص التسريبات.. أكرر: شكرا لكم”.

وجاءت التغريدة بعد خروج تظاهرات لأنصار الصدر في ذي قار، منددة بالتسريبات الصوتية المنسوبة للمالكي.

وسرب الأسبوع الماضي، تسجيل صوتي منسوب للمالكي، هاجم فيه الصدر ورئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني، ومن ثم تسرب تسجيل آخر، هو جزء من سلسلة تسجيلات، تحدث فيه المالكي عن تسليح العشائر والأفراد، استعدادا لمواجهة أي طارئ، بعد أن قلل من قيمة القوات الأمنية والحشد الشعبي.

إلى ذلك، يبين القيادي في ائتلاف دولة القانون علي الغانمي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الصدر انتظر حتى اليوم ليرد على التسريبات لأنه لم يشأ تعكير الأجواء قبل صلاة الجمعة الموحدة، ولتتم إقامتها من دون منغصات حتى تؤدي الغرض المطلوب”.

ويضيف الغانمي، أن “تغريدة الصدر تمثل دعوة للحد من ظاهرة الفبركة والتزييف ومنع تكرارها وعدم تصديق المواد المزيفة، فهو معروف بحرصه على المصلحة العامة ولا يؤيد بأي حال من الأحوال حدوث الاحتكاكات بين الأطراف السياسية”.

ويشير إلى أن “التسريبات هي في الحقيقة تسجيلات مفبركة ومزيفة ولا يترتب عليها أي أثر قانوني لأنها مجهولة المصدر وتأخذ منحى الدعاية المضادة التي تحمل صفات الإشاعة”، مبينا أن “هناك أطرافا تسعى إلى تشنيج المواقف السياسية وتعكير الأجواء، وهذا ما حذر منه الصدر في تغريدته، فقد حذر من احتمال وجود طرف ثالث يسعى إلى إشعال الفتنة”.

وبعد تغريدة الصدر، أصدر الشيخ العام لعشيرة بني مالك، عبد السلام محسن العرمش، بيانا شدد فيه على “ضرورة عدم إدخال العشائر في السجالات السياسية بصورة تتعدى دورها وخلال تاريخها الطويل”، لافتا إلى أن “محاولات من يسعون إلى زرع الفتنة وخلط الأوراق ما هي إلا حلقة من حلقات التآمر على العراق بعد أن فشلوا في مرات عديدة سابقة بفضل حكمة رجال البلد المخلصين الحريصين على الدم العراقي، ويبدو أن ذلك أزعج البعض ولن يكون في مصلحة مشاريعه الخبيثة فحاول استغلال ظروف البلد السياسية والتنافس والاختلاف بين الفرقاء السياسيين والاختلافات في الرأي والذي لم يصل إلى مرحلة إفساد الود”.

كما أصدر حزب الدعوة بيانا بعد تغريدة الصدر، أكد فيه أن “هناك من يذكي نار الفتنة بيننا نحن أبناء الصدرين، والذين عبرنا عنهما عند دخولنا العراق بالرمز والهوية وعملنا سياسيا مع جميع إخواننا الإسلاميين وغيرهم، ولم نستأثر بسلطة، وإنما كان التصدي وفق المعطيات والسياقات التي أقرها الدستور”.

وأضاف الحزب “لن ننجر إلى فتنة عمياء بين أبناء الوطن الواحد فضلا عن الخط الرسالي الذي مثله الشهيدان الصدران (قدس سرهما)”، داعيا الشعب والقوى السياسية إلى “الحذر من الوقوع في صراع لا يخدم إلا أعداء الإسلام والوطن”.

يذكر أن الخلاف بين الصدر والمالكي، يعود إلى عام 2007 عندما انسحب وزراء التيار الصدري احتجاجا على رفض المالكي تحديد جدول زمني لانسحاب القوات الأميركية من البلاد، الأمر الذي قلل المالكي من تأثيره.

واشتد الخلاف بعد عام واحد فقط عندما أطلق المالكي خلال ترؤسه الحكومة الأولى له، عملية عسكرية واسعة في البصرة ومحافظات جنوبية أخرى سميت “صولة الفرسان”، جرى خلالها قتل واعتقال المئات من عناصر “التيار الصدري” خلال مواجهات واسعة استمرت أسابيع عدة، وكانت تحت عنوان ضبط الأمن وسيادة القانون في تلك المناطق، لكن مراقبين أكدوا أن صراع النفوذ كان هو المحرك الأول لتلك العمليات آنذاك.

من جهته، يرى المحلل السياسي إحسان الشمري خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “توقيت تغريدة الصدر يرتبط بدقة التسجيلات، حيث يبدو أن الصدر صار على يقين بأن هذه التسجيلات ليست مفبركة، كما أنه لم ير رد فعل من حلفاء المالكي بإصدار شجب أو حتى الذهاب نحو التحقيق القضائي”.

ويتابع الشمري، أن “الصدر يدرك أن المالكي سيحصل على رئاسة الوزراء، سواء بأن يكون هو شخصيا في هذا المنصب أو أن يرشح أحدا له، والصدر لن يرضى بذلك بالتأكيد، لذلك أراد قطع الطريق أمام المحاولة الأخيرة من المالكي للسيطرة على رئاسة الوزراء”.

ويبين أن “الصدر برأ نفسه من أي ردود أفعال قد تقوم بها أي جهة، وموضوع وجود طرف ثالث ممكن أن يتحرك وارد جدا، خصوصا وأن الساحة العراقية مخترقة، وبالتالي قد يكون هناك فعل من غير أتباع الصدر، ولذا هو يريد أن ينأى بنفسه عن احتمالية حدوث قصف لأحد مقرات مكاتب حزب الدعوة أو دولة القانون أو خروج تظاهرات ضد المالكي وحزبه وائتلافه”.

يشار إلى أن التنافر بين الجانبين (الصدر والمالكي) استمر حتى الانتخابات التي جرت في 10 تشرين الأول أكتوبر 2021، وشهدت الحملات الانتخابية تهديدا ووعيدا من قبل الطرفين.

وبعد الفوز الساحق للصدريين الذين حصلوا على أكثر من ضعف ما حصل عليه ائتلاف المالكي (34 مقعدا) أكد الصدر نيته تشكيل حكومة “أغلبية وطنية” لا تضم المالكي، بحسب تسريبات اللقاءات التي جمعته بـ”الإطار التنسيقي” الذي يضم المالكي وقوى أخرى معترضة على نتائج الانتخابات، والتي أشارت إلى أن الصدر يرفض بشكل قاطع أي وجود للمالكي في الحكومة الجديدة، إلا أن الصدر، وفي حزيران يونيو 2022، قال إنه قرر الانسحاب من العملية السياسية في البلاد وعدم المشاركة بأي انتخابات مقبلة حتى لا يكون شريكا للساسة “الفاسدين”.

إقرأ أيضا