يوم عراقي حزين.. رواية أنقرة لم تطفئ غضب بغداد إزاء جريمة زاخو  

لم يفلح إنكار تركيا صلتها بجريمة استهداف السواح المدنيين في أحد مصايف زاخو شمالي العراق،…

لم يفلح إنكار تركيا صلتها بجريمة استهداف السواح المدنيين في أحد مصايف زاخو شمالي العراق، بتهدئة غضب الشارع العراقي، الذي بدا غير مقتنع برواية الفاعل المجهول والواردة في بيان أنقرة، فتوجهت حشود نحو مقر السفارة التركية في بغداد لتطالب بإنزال العلم التركي وطرد السفير، بينما جوبه الموقف الحكومي العراقي بسيل من الانتقادات والاتهامات بأنه موقف مداهن أو ضعيف.

وكان مصيف سياحي في قرية برخ التابعة لقضاء زاخو بمحافظة دهوك، تعرض إلى قصف مدفعي أصاب وأودى بحياة 31 مدنيا أغلبهم من النساء والأطفال، وسط تأكيدات شهود عيان في المنطقة بأن هذا المصيف يقع عند حدود زاخو وتحيط به نقاط القوات التركية، ولا يشهد أي نشاط إرهابي من قبل أي جماعة.

وسرعان ما تحولت هذه الجريمة إلى قضية رأي عام في العراق، وبدأت بوادرها ظهرا عبر تظاهرات خرجت في بعض المحافظات وتوجهت نحو مكاتب منح سمة الدخول لتركيا “الفيزا”، وجرى إغلاقها وإنزال العلم التركي من عليها، فيما طوقت القوات الأمنية المكاتب الأخرى في بغداد وكربلاء، تحسبا من اقتحامها، وقد نشرت أمامها قوات مكافحة الشعب بأعداد كبيرة لحمايتها.

وكان موقف الحكومة الأولي التنديد بالقصف من دون تحديد الجهة التي استهدفت المصيف، وتم على الفور تشكيل لجنة للتحقيق ومعرفة الجهة التي تم استهدافها، وبعد مضي وقت قصير أعلن رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي أن تركيا هي الجهة التي قصفت، وأكد أن العراق سيتجه لكافة السبل لوقف هذا القصف، وبعد مدة وجيزة، أعلن العراق عن رفعه شكوى لمجلس الأمن الدولي، بشأن القصف التركي.

وحول هذا الأمر، يقول الخبير الأمني عماد علو خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “قصف قوافل سياحية فعل تقدم عليه عادة التنظيمات الإرهابية وليس الجيوش النظامية، ولذا فإن ما قامت به تركيا في دهوك يمثل جريمة تستدعي التحرك دوليا ضدها”.

ويتابع علو، أن “الدول تدقق عادة في الأهداف وفق قواعد الاشتباك المتعارف عليها قبل ضربها”، لافتا إلى أن “الهدف كان واضحا أنه قوافل سياحية مدنية ومن غير الجائز استهدافه إطلاقا”.

وأخلت وزارة الخارجية التركية مسؤولية أنقرة عن القصف، ودعت الحكومة العراقية الى “التحقيق في الموضوع”، فضلا عن مطالبتها السلطات العراقية بـ”عدم الإدلاء بتصريحات تحت تأثير تنظيم بي كي كي (العمال الكردستاني)”.

ولم تتوقف الاحتجاجات الشعبية، بل انتقلت سريعا إلى العاصمة بغداد، حيث تظاهر المئات أمام السفارة التركية بمنطقة الوزيرية وسط العاصمة، وأحرقوا العلم التركي، وسط انتشار أمني كثيف، وهذا إلى جانب ارتفاع عدد المتظاهرين في أغلب المحافظات تنديدا بهذا القصف.

وأعلنت شركات سياحة عن إيقاف نشاطها في تركيا، وعلقت جميع رحلاتها وبرامجها السياحية وأعلنت المقاطعة، وهو ما لقي ترحيبا شعبيا.

في تويتر، تصدرت الجريمة ترند العراق وتركيا معا، ففي العراق أصبحت الهاشتاغات الخاصة بالقصف هي الأولى بعدد التغريدات، وكذلك الحال في تركيا، حيث برز وسم “زاخو ZAXO”، وفيه تناقل الأتراك صور الأطفال والفيديوهات، وعبروا عن استنكارهم لما جرى، لكن في ذات الوقت، تضمن الهاشتاغ تغريدات مسيئة للعراقيين.

ومن ضمن ما رصدت “العالم الجديد” في الترند التركي، ما كتبه أحد المواطنين الأتراك “القوات المسلحة التركية لا تقتل المدنيين، القوات المسلحة التركية لا تقتل الأطفال، الجنود الأتراك رحماء.. مع هذه الدعاية يريدون فقط تشويه اسم الجندي التركي”.

فيما كتب صحفي تركي “قصفت الحكومة التركية عددا من السواح في منطقة زاخو”.

فيما جاء في تغريدة لحساب فني تركي “غارة جوية تركية على زاخو تقتل سائحين، وخمنوا ماذا، بعضهم كان سواحا عربا، أتساءل كيف سيقنعوننا أن هؤلاء السواح كانوا أيضا من حزب العمال الكردستاني؟”.

وحول موقف الحكومة العراقية، يرى المحلل السياسي محمد نعناع خلال حديث لـ”العالم الجديد” من جانبه، أن “الحكومة مقصرة جدا إزاء الانتهاكات التركية في شمال العراق، وارتباطها مع أنقرة باتفاقيات تسمح بتوغل القوات التركية داخل الأراضي العراقية لملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني، لا يبرر سكوتها عن الجرائم والانتهاكات في الشمال”.

ويضيف نعناع، أن “من غير المرجح أن يكون الموقف البارد لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي إزاء القصف نابعا من تخطيطه للحصول على ولاية ثانية من بوابة تأثيرات الدول الإقليمية ومنها تركيا، وأظن أن كل ما هنالك هو أن الكاظمي لا يستطيع اتخاذ خطوات أكثر حدة بسبب الاتفاقيات القائمة، وتبرير استهداف المدنيين بأنه مجرد خطأ غير مقصود”.

ويوضح أن “هذه الاتفاقيات منذ زمن النظام السابق، وأعيد تفعيلها في زمن حكومة نوري المالكي وحيدر العبادي وعادل عبد المهدي من قبل”، مشيرا إلى أن “السبب الآخر الذي يدفع الحكومة العراقية إلى عدم إبداء رد فعل أقوى هو خوفها من إقدام تركيا على قطع المياه عن العراق”.

ويشدد نعناع على “ضرورة إيجاد أوراق ضغط عراقية فعالة لاستخدامها ضد تركيا عندما تقوم بهكذا أفعال، فمن غير المعقول أن يستباح الدم العراقي بهذه السهولة وترك الموضوع يمر مرور الكرام”.

من جانبها، نصحت وزارة الثقافة والسياحة المواطنين العراقيين بعدم السفر إلى تركيا حفاظا على سلامتهم وتضامنا مع دماء الشهداء.

كما علقت وزارة الخارجية الأمريكية، على القصف وأكدت “اطلعنا على تقارير عن قصف أسفر عن قتلى وجرحى في دهوك بالعراق، وأن هذا العمل العسكري في ينبغي أن يحترم سيادة العراق وسلامة أراضيه”.

ودانت بعثة الأمم المتحدة في العراق القصف التركي، وأشارت إلى أن المدنيين يعانون مرة أخرى من الآثار العشوائية للأسلحة المتفجرة، وبموجب القانون الدولي، يجب ألا توجه الهجمات إلى السكان المدنيين، لذلك ندعو إلى إجراء تحقيق شامل لتحديد الظروف المحيطة بالهجوم، ونؤكد على ضرورة احترام سيادة جمهورية العراق وسلامتها الإقليمية في جميع الأوقات.

وأصدرت بريطانيا بيانا عبرت فيه عن “قلقها” إزاء القصف، وقالت “سنواصل دعم استقرار العراق في إقليم كردستان، كما سندعم المسؤولين العراقيين في تحقيقاتهم”.

أما من جانب مجلس النواب، فقد وقع 91 نائبا على طلب استضافة وطرح موضوع عام للمناقشة بشأن الاعتداء التركي، مطالبين بحضور الكاظمي، وتضمن الطلب “نحن النواب الموقعين في ادناه نتقدم بطلبنا هذا استنادا لأحكام المادة (61/سابعاً/ب) من الدستور، وأحكام المادة (30/اولاً) من قانون مجلس النواب وتشكيلاته رقم (13) لسنة 2018 طالبين عقد جلسة لطرح موضوع عام للمناقشة بشان الاستهداف العسكري للقوات التركية للمدنيين من أبناء شعبنا، ونطالب بحضور رئيس مجلس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع، وذلك لغرض الاطلاع على الإجراءات المتخذة بصدد الاستمرار بنزيف الدم العراقي لأبناء شعبنا في إقليم كردستان- العراق”.

المجلس الوزاري للأمن الوطني، عقد من جلسة طارئة برئاسة الكاظمي، وفيه قرر استدعاء السفير التركي وطالب أنقرة بتقديم اعتذار رسمي وسحب قواتها العسكرية.

الكاظمي أيضا أرسل من جانبه وفدا من الحكومة الاتحادية للاطلاع على المكان الذي تعرض للقصف من قبل الجيش التركي، مكونا من وزير الخارجية فؤاد حسين ونائب قائد العمليات المشتركة وسكرتيره الشخصي، كما وجه بإعلان الحداد في العراق لمدة يوم واحد على أرواح شهداء القصف التركي.

كما دعا زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر إلى “التصعيد” واقترح “تقليل التمثيل الدبلوماسي مع تركيا وغلق المطارات والمعابر البرية بين العراق وتركيا، ورفع شكوى لدى الأمم المتحدة بالطرق الرسمية وبأسرع وقت ممكن وإلغاء الاتفاقية الأمنية مع تركيا”.

وهذا إلى جانب بيانات صدرت من جهات تحمل مسمى “المقاومة الإسلامية”، توعدت بشن هجمات صاروخية ضد القوات التركية، “ثأرا” لدماء العراقيين.

كما أكد رئيس تحالف الفتح وأمين عام منظمة بدر هادي العامري، أن  تركيا “تمادت” في عدوانها عبر غاراتها الجوية وقصفها المدفعي وعمليات التوغل البري لقواتها في عمق الأراضي العراقية، مطالبا الحكومة بإغلاق الحدود وإيقاف عمل الشركات التركية في العراق.

وفي هذا الصدد، يبين المحلل السياسي الكردي ماجد قطبي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الانتهاكات التركية تكون بحجة ملاحقة حزب العمال الكردستاني، وهذا خطأ كبير، كما أن الحكومة الاتحادية لم تتخذ موقفا حاسما ضد هذه الانتهاكات”.

ويضيف قطبي أن “الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يريد إعادة سيناريو سوريا في العراق ضمن أحلامه في إعادة الإمبراطورية العثمانية، أما ملاحقة عناصر حزب العمال فهي مجرد ذريعة للتحشيد العسكري في شمال العراق”.

من جهته، استنكر رئيس الجمهورية برهم صالح القصف التركي وأكد أنه يمثل انتهاكا لسيادة البلد وتهديدا للأمن القومي العراقي، وأن تكراره غير مقبول بالمرة بعد دعوات سابقة لوقف مثل هذه الأعمال المنافية للقانون الدولي وقواعد حسن الجوار.

كما نشر رئيس البرلمان محمد الحلبوسي تغريدة لم يشر فيها إلى تركيا أو القصف، بل اكتفى بالقول “‏لا ينبغي أن يكون العراق ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات الإقليمية والصراعات الخارجية، ويدفع لأجلها العراقيون فواتير الدماء بلا طائل”، داعيا الحكومة إلى “اتخاذ الإجراءات اللازمة للتحقيق، واعتماد كل السبل؛ لحفظ البلاد، وحماية أبناء الشعب”.

وكان وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، أعلن منتصف نيسان أبريل الماضي، عن بدء عملية عسكرية جوية لملاحقة مسلحي حزب العمال الكردستاني PKK في العراق، حملت اسم عملية “قفل المخلب”، واستهدفت مناطق متين وزاب وأفشين- باسيان، التي من المفترض أن تضم مواقع لحزب العمال الكردستاني ومخازن أسلحة وعتاد تابعة له.

يذكر أن البرلمان التركي صوت في 26 تشرين الأول أكتوبر الماضي، على تمديد وجود القوات العسكرية التركية لعامين آخرين في العراق وسوريا، وفوض الحكومة بإرسال المزيد من القوات.

ومنذ مطلع العام الماضي، صعدت تركيا من عملياتها في العراق بشكل كبير، ونفذت العديد من عمليات الإنزال الجوي، فضلا عن إنشاء نقاط بعد دخول قواتها البرية لمناطق مختلفة من دهوك ونينوى، إضافة إلى الإعلان عن إنشاء قاعدة عسكرية جديدة في الأراضي العراقية، وذلك بهدف ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني، وخاصة في قضاء سنجار بنينوى.

وكشفت “العالم الجديد”، في تقرير سابق، عن منح الكاظمي الضوء الأخضر لإردوغان خلال لقائهما في أنقرة في 17 كانون الأول ديسمبر الماضي، بالدخول إلى سنجار، بسبب عجزه عن تنفيذ اتفاق بغداد-أربيل للسيطرة على القضاء وطرد عناصر حزب العمال الكردستاني منها، بحسب مصادر حضرت اللقاء.

إقرأ أيضا