تهريبها يجري بلا هوادة.. صقور العراق طريدة الصيد الجائر والجفاف

لم تقتصر تداعيات الجفاف والأزمة البيئية في العراق، على المساحات الخضر والمياه، بل طالت الصقور،…

لم تقتصر تداعيات الجفاف والأزمة البيئية في العراق، على المساحات الخضراء والمياه فحسب، بل طالت الثروة الحيوانية وأبرزها الصقور العراقية المهددة بالانقراض، بسبب عمليات الصيد الجائر والتهريب إلى خارج البلاد مقابل مبالغ تتخطى عشرات الآلاف من الدولارات، وهذا يجري من دون ضوابط رسمية صارمة للحفاظ على هذا الطير النادر، والذي يتميز عن صقور المنطقة بالعديد من الميزات التي تجعل الطلب عليه عاليا، في ظل غياب القوانين الرادعة.

ويقول مدير قسم التوعية المجتمعية في وزارة البيئة صلاح الدين صالح خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “التغيرات المناخية تؤثر على المساحات الخضر وجميع الحيوانات وليس الصقور فقط، ونحن في وزارة البيئة لدينا لجان متخصصة لمتابعة هذه التغيرات، وبالأخص في مجال الطيور، وفقا لاتفاقية (سايتس) المعنية بالتنوع الأحيائي للطيور المهددة بالانقراض، ولدينا لجان تخصصية تعمل مع مديريات البيئة في المحافظات سواء المثنى أو غيرها، فهناك ممثل لهذه الاتفاقية للحد من انقراض مثل هذه الطيور”.

ويضيف صلاح “بما أن المنافذ الحدودية غير مسيطر عليها بشكل كامل، تحصل هناك بعض حالات التهريب، وشخصنا في إحدى البحيرات كان هناك اصطياد للطيور المهاجرة، وأغلب الموجودين هم صيادون عرب، ورفعنا بذلك كتابا إلى مجلس الوزراء”.

يشار إلى أن “العالم الجديد” سلطت الضوء في تقارير عدة على التنوع البيئي في العراق، وما يعانيه من خسائر كبيرة، بينها تهديد العديد من الصنوف النادرة من الحيوانات بالانقراض، أبرزها غزال الريم العراقي الذي انخفضت أعداده بشكل كبير، وكان آخرها نفوق أكثر من نصف أعداده في محمية ساوة بمحافظة المثنى، وتناقص أعداد الجاموس بشكل مستمر، حتى بلغت آلافا بعد أن كان عددها يصل إلى الملايين قبل عام 2003، وذلك بسبب شح المياه، وهو ذات السبب الذي أدى لنفوق الغزال وباقي الحيوانات، إلى جانب البلبل العراقي، الذي يتعرض للصيد الجائر بشكل كبير وبدأت المحافظات التي تعد موطنا له، تفقد هذا الطائر المميز.

وليست الثروة السمكية بمعزل عن هذه الأزمات، حيث غابت العديد من أنواع السمك عن السوق العراقية، وأبرزها “الشبوط والكطان والبني”، لأسباب تتعلق بغياب الدعم والتأثيرات البيئية، كما تطرقت “العالم الجديد” إليها في تقرير مفصل.

وتوسعت ظاهرة تهريب الصقور بشكل غير شرعي من العراق بعد عام 2003، وبحسب تصريحات هيئة المنافذ الحدودية خلال الأعوام الماضية، فأن مفارز حرس الحدود في محافظة المثنى، دائما ما تضبط صيادين عربا في بادية السماوة يمارسون صيد الصقور بطريقة غير شرعي.

من جانبه، يبين رئيس لجنة البيئة السابق في مجلس محافظة المثنى حسين حنتوش خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “عوامل المناخ حساسة جدا، وتغيير درجة واحدة كفيل بخسارة أحياء هائلة وأصناف نباتات مهمة جدا، إضافة إلى أن الانحسار الاقتصادي والبيئي مؤثر ويسبب تغييرات كبيرة في تركيبة الموارد الطبيعية، كما أن أحد ميزات بادية المثنى أنها تحتوي على حيوانات لا تعيش في أماكن أخرى”.

ويشير حنتوش إلى أن “عمليات التطور أسهمت وبشكل كبير في زيادة الصيد الجائر من خلال أسلحة وسيارات حديثة، وبالتالي كانت سببا في التخلص من بعض الأحياء التي كانت مزدهرة في بادية المثنى”، مبينا أن “الكثير من مناطق بادية المثنى وبحيرة ساوة تعد ممرا عالميا للطيور المهاجرة، وهذا بحد ذاته عنوان كبير، ولو كان هناك اهتمام جدي في تقليل الصيد الجائر كان من الممكن أن نشهد تفاعلا مع كائنات حية تأتي من آلاف الكيلومترات وقد تستوطن هنا، وهذا شكل من أشكال الازدهار، ولكن هناك حربا شنت على الطبيعة ليس بالرصاص والدبابات، وإنما حرب تصفية كائنات مميزة”.

ويوضح أنه “من الناحية القانونية يفترض منع بيع هذه الكائنات المميزة، ويفترض على الأقل وجود إجراءات مشددة على المناطق الحدودية، لأن هذه الكائنات جزء من ثروة وطنية تحتاج إلى الحماية، وبصراحة هذه الطيور بدأت تقل، حيث أن الجفاف وارتفاع درجات الحرارة يؤدي إلى فقدان المصدر الغذائي لها، وبالتالي فهي تبحث عن مواطن أخرى فيها ماء وغذاء، وعليه فإن كل شيء وارد، وحدودنا مفتوحة، وممكن تهريب بعض الأصناف النادرة والتي يفترض أن تكون ملكا خاصا للعراق”.

وتعد مدينة العمارة مركز محافظة ميسان جنوب شرق العاصمة بغداد، ومناطق إقليم كردستان، وصحراء البصرة أقصى جنوبي العراق على الضفة الغربية لشط العرب والناصرية جنوب شرق العراق على نهر الفرات وبادية السماوة، من الأماكن التي تعيش فيها الصقور بالعراق، كونها البيئة المناسبة لتكاثرها، وفق تصريح سابق لعلي الكاتب رئيس جمعية الصقارين العراقية.

وتتم أغلب عمليات تهريب الصقور في العراق عبر صحراء بادية السماوة، والتي تبلغ مساحتها 47000 كيلومتر مربع من مساحة محافظة المثنى الكبيرة، الأمر الذي جعلها تمثل طريقا سهلا لتهريب الصقور من العراق إلى دول الجوار.

وتعد اتفاقية سايتس، التي دخلت حيز التنفيذ في 1 تموز يوليو 1975، واحدة من أهم المعاهدات الدولية الخاصة بالحفاظ على الأنواع البرية من خطر الانقراض، لربطها بين الحياة الفطرية والتجارة بأحكام ملزمة لتحقيق الأهداف المتعلقة بالحفاظ على الأنواع والاستخدام المستدام لها كموارد طبيعية، وذلك من خلال وضع إجراءات تحد من الاتجار الدولي المفرط بتلك الأنواع، وتضع الاتفاقية نظما عالمية فعالة ومتكاملة للتجارة في الحياة الفطرية بهدف الحفاظ على الطبيعة والاستخدام المستدام للموارد.

ويبين رعد الموسوي، تاجر صقور خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “أكثر من طرف يشترك في تجارة الصقور، وهي في النهاية تصل إلى تجار في بغداد يبيعونها للقطريين”، لافتا إلى أن “سعر الصقر يعتمد على حجمه ونوعه، حيث أن صقر الشاهين ذا قياس 15 في 15 سم، يصل سعره إلى 20 مليون دينار، وذلك في المدة بين 15 تشرين الأول أكتوبر و15 تشرين الثاني نوفمبر من كل عام، وهي مدة موسم الصيد والبيع”.

ويتابع أن “سعر الشاهين ذي قياس 16 في 16 سم يتجاوز 30 مليون دينار، وعندما يخرج إلى خارج العراق يرتفع سعره إلى 45 مليون دينار، وهو يستخدم في قطر للمسابقات وصيد الحبار وحصد جوائز قيمة تصل إلى سيارات”، موضحا أن “الصقر الحر البحري مرغوب أكثر من الجبلي، والصقر الذي يصطاد في العراق تطلق عليه تسمية (كاطع)، أي أنه قطع مسافات طويلة، ويكون سعره مرتفعا، وهو مرغوب أكثر من صقور سوريا وإيران وباكستان لأنه يعبر مسافات طويلة ويكون قوي الجناح، وحجمه يصل إلى 18 في 18 سم”.

ويفيد الخبير القانوني أحمد العبادي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “القانون العراقي لم يتطرق إلى قضية بيع الطيور أو تهريبها، بل أن هذه القضية وعقوبتها يتم تنظيمها وفقا لقوانين داخلية”، مضيفا أن “العقوبة هي ما تنص عليه المادة المذكورة ضمن القانون الداخلي”.

وتنص المادة التاسعة من اتفاقية سايتس الدولية على إلزام كل طرف في الاتفاقية بتعيين سلطة إدارية واحدة أو أكثر تكون مسؤولة عن إدارة نظام الترخيص هذا، وواحدة أو أكثر من السلطات العلمية لتقديم المشورة بشأن آثار التجارة على حالة الأنواع المدرجة في الاتفاقية، التي منعت الاتجار الدولي بالحيوانات والطيور الجارحة المهددة بالانقراض.

وكان العراق، قد استرد 23 صقرا من الجانب الكويتي خلال عام 2018 بعد ضبطها في منفذ العبدلي الحدودي الرابط بين الكويت والعراق.

إقرأ أيضا