الزراعة في العراق.. واقع مرير وتحذير من الأسوأ

بالتزامن مع قرار غلق الاستيراد لبعض المحاصيل الزراعية، تجددت شكوى المزارعين من غياب الدعم الحكومي،…

بالتزامن مع قرار غلق الاستيراد لبعض المحاصيل الزراعية، تجددت شكوى المزارعين من غياب الدعم الحكومي، فيما طالبوا بدعم التوجه لإنشاء البيوت البلاستيكية الهادفة لضمان استمرار إنتاج المحاصيل طيلة العام، في ظل مخاوف من انخفاض الخزين المائي لمستويات متدنية.

ويقول رئيس الجمعيات الفلاحية في محافظة البصرة عبد الكاظم حسن، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “هناك خطتين زراعيتين، شتوية وصيفية، والأولى هي التي تتضمن زراعة الحبوب الاستراتيجية المهمة كالحنطة والشعير، أما الصيفية فتتضمن الذرة الصفراء والبيضاء والخضروات، إضافة إلى إنتاج التمور”.

ويضيف حسن “تم تخفيض الخطة الصيفية في كل المحافظات، كما أن المحافظات المنتجة للشلب (الرز) ألغت خطتها الزراعية لهذا الموسم، لأن الرز يحتاج إلى مياه إروائية دائمة، وهذا جرى في المناطق الوسطى من الديوانية والنجف والسماوة وقسم من العمارة”.

وبخصوص محافظة البصرة التي تعاني من ازدياد نسبة الملوحة وارتفاع شديد في درجات الحرارة، فيشير إلى “خطة زراعية صيفية قليلة، تتمثل بزراعة الذرة البيضاء فقط وكميات قليلة من الذرة الصفراء، ولدينا أيضا إنتاج التمور الذي ليس بحاجة إلى إرواء دائمي”، موضحا “لدينا روزنامة زراعية تخص البصرة، وعلى ضوئها تم منع الاستيراد الذي حددته وزارة الزراعة مثل منتجات الخضروات من الطماطم والرقي (البطيخ) والجزر والباذنجان والبطاطا، فجميعها متوفرة في الاسواق وبانتاج محلي”.

وبشأن الحاجة للاستيراد، يبين حسن أن “هذا الموضوع مناط بوزارة الزراعة، فهي تحدد مدى احتياج البلد إلى استيراد بعض المنتجات مثلا بيض المائدة والدجاج، وهل الإنتاج المحلي كاف أو لا”.

وكانت وزارة الزراعة، قررت قبل أيام إيقاف استيراد محاصيل البطاطا والرقي والبطيخ والطماطم والخيار والباذنجان، ومن جمبع المنافذ الحدودية، وإلى إشعار آخر.

فيما وجه وزير الزراعة محمد الخفاجي، أمس الأول الثلاثاء، بالسماح في دخول الحمولات الموجودة حاليا بالحرم الكمركي من المحاصيل التي منعت من الاستيراد، ولغاية نهاية الدوام الرسمي ليوم 30 تموز يوليو الحالي، رغية عدم تكبد مستورديها خسائر مالية.

وكان الناطق الرسمي باسم وزارة الزراعة حميد النايف، أعلن الأسبوع الماضي، عن صدور قرار عن مجلس الوزراء بإعادة العمل بالروزنامة الزراعية، من خلال تخويل وزير الزراعة في عملية فتح ومنع الاستيراد، استنادا إلى وفرة وشح المنتج المحلي، استثناء من قرارات مجلس الوزراء ذات العلاقة.

ويعاني أغلب منتجي المحاصيل الزراعية وأصحاب الدواجن من مسألة فتح الاستيراد الذي يهدد إنتاجهم، لأن المستورد يكون دائما أرخص سعرا من المحلي، نظرا لارتفاع تكلفة المواد الأولية مثل الأعلاف والأسمدة والبذور.

وكانت وزارة الزراعة أقرت سابقا خلال حديثها لـ”العالم الجديد”، بغياب الدعم الحكومي للمزارعين وأصحاب حقول الدواجن والأسماك، وأشرت توقف تزويدهم بالمواد الأولية بسعر مدعوم، على عكس السنوات السابقة، حيث كانت الوزارة تدعم هذه القطاعات بما تحتاجه.

إلى ذلك، يبين مدير زراعة واسط اركان الشمري خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إنه “تم إقرار الخطة الصيفية لمحافظة واسط من قبل اللجنة المشتركة بين وزارتي الزراعة والموارد المائية، حيث كانت المطالبات الموضوعة هي زراعة نحو 70 ألف دونم، تتضمن محاصيل الخضر والذرة الصفراء والذرة البيضاء، لكن ما تم اقراره هو زراعة محاصيل الخضر فقط، أما محاصيل الذرة فمنعت زراعتها بسبب شح المياه”.

ويردف الشمري، أن “الخطة الموجودة حاليا هي بحدود 40 ألف دونم، وتتضمن الماش والسمسم والخضروات من الطماطم والخيار والباذنجان والرقي والبطيخ، وشملت الأراضي الزراعية التي تقع على ضفاف الأنهار، أما الاراضي البعيدة فلم تشملها الخطة”، مشيرا إلى أن “الخطة لا تلبي الطموح، لكن المشكلة الأساسية هي بشح المياه”.

ويستطرد أن “محاصيل الخضار من الطماطم والخيار والباذنجان والرقي والبطيخ يكون فيها فائض نسبي في موسم جنيها، وليس على مدار السنة، ولكن تبدأ الحاجة إليها بعد 10 أو 20 يوما من انتهاء موسمها، لأن الموسم قصير والزراعة مكشوفة، وليس مثل باقي دول العالم، حيث يتم إنتاجها على مدار السنة عبر البيوت البلاستيكية أو الزراعة المكشوفة، فنحن بالعراق نستخدم فقط الزراعة المكشوفة، وهي محصورة بموسم المنتج”.

ويعلق على قرار الوزارة بمنع استيراد بعض المحاصيل قائلا إن “وزارة الزراعة أصدرت قرارا بمنع استيراد الطماطم والخيار وغيرها من المحاصيل المتوفرة في السوق، لكن من الممكن أن لا نجد هذه المحاصيل بعد شهر بسبب انتهاء موسمها، وبالتالي تصبح هناك شحة فيها”، مؤكدا “لإدامة الوفرة على مدار السنة في المنتوج المحلي يجب أن تكون هناك زراعات محمية ومغطاة، بهدف تلبية حاجة السوق بعد انتهاء الموسم، مثلا زراعة الطماطم المكشوفة يمكن أن تعوض بالزراعة في البيوت البلاستيكية وكذلك بالنسبة إلى باقي المحاصيل”.

ويوضح أن “المشكلة بالتكاليف المرتفعة للزراعة المغطاة قياسا بالدول المجاورة، فاليوم سعر طن سماد اليوريا المحلي في المنطقة الجنوبية 900 ألف دينار بينما هذه التكاليف في باقي البلدان المجاورة جدا سهلة والأسعار رخيصة، لذلك يضطر المزارع العراقي أن يبيع بسعر أعلى من المستورد ليغطي فرق العملية الاقتصادية”.

وفي الشهر الماضي، تظاهر منتجو بيض المائدة ورموا منتجاتهم أمام وزارة الزراعة وأحرقوا البيض، احتجاجا على قرارات الوزارة، القاضية بعدم دعم المنتج المحلي وفتح الاستيراد، ما أدى إلى تكدس الإنتاج المحلي وعدم تصريفه في الأسواق بسبب ارتفاع أسعاره، في إثر ارتفاع أسعار علف الدجاج.

وإلى جانب بيض المائدة، شهدت أسعار الأسماك في السوق العراقية، ارتفاعا ملحوظا خلال الفترة الماضية لأكثر من الضعف، ما أثر مباشرة على أسعارها في المطاعم التي ارتفعت إلى الضعف أيضا، وفي حينها أخلت وزارة الزراعة مسؤوليتها من الأمر.

من جانبه، يبين مستشار لجنة الزراعة والمياه النيابية السابق والخبير بشؤون المياه عادل المختار، أن “العام الماضي انخفضت المساحات المزروعة إلى 2.5 مليون دونم، وتصريح مستشار وزارة الموارد المائية يقول أن الخزين المائي انخفض 60 بالمائة عن العام الماضي، ما معناه أن الخطة الزراعية أيضا ستقلل هذا العام إلى حوالي مليون و250 ألف دونم وهذا مؤشر خطير”.

ويلفت المختار، إلى أن “السؤال الأهم، هو ماذا لو كان الشتاء المقبل جاف أيضا، فعندها سيكون صعب توفير المياه، حيث أن الخزين المائي اصبح متدني، وبحسب وزير الموارد المائية السابق فإن الخزين وصل إلى 17 مليار متر مكعب ومستشار الوزارة الحالي يقول اننا نصرف 48 مليار متر مكعب، بالتالي الفجوة بين الرقمين كبيرة جدا”.

ولغاية الآن لم يحسم ملف المياه مع تركيا، وخلال الأيام الماضية، صدرت العديد من المواقف تجاه هذا الملف، حيث بدأت بإعلان وزير الموارد المائية مهدي رشيد الحمداني، عن دخول مذكرة التفاهم بين العراق وتركيا بشأن زيادة الإطلاقات المائية حيز التنفيذ، بعد توقيعها من قبل الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

لكن سرعان ما نشب خلاف وتصريحات متشنجة، حيث نشر السفير التركي في بغداد علي رضا سلسلة تغريدات على تويتر، قال فيها إن المياه تهدر بشكل كبير في العراق، ويجب اتخاذ تدابير فورية للحد من هذا الهدر، مشيرا إلى أن “حل مشكلة الجفاف ليس بطلب المزيد من المياه وإنما باستخدامها بكفاءة ونحن جاهزون للمساعدة، ويجب القيام باستثمارات في البنية التحتية والشركات التركية مستعدة لذلك، وتركيا بطبيعتها تستخدم المياه بما يلبي متطلباتها في الزراعة والطاقة”.

وردت وزارة الموارد المائية على كلام السفير التركي، ببيان أكدت فيه أن تصريحاته حول هدر المياه غير صحيحة وتثير الرأي العام وتهدد السلم المجتمعي في العراق، مطالبة وزارة الخارجية باستدعاء السفير التركي وتقديم مذكرة احتجاج على تصريحاته المتكررة بهذا الخصوص، مبينة أن تركيا دائما تتحجج بموضوع هدر المياه في محاولة لخلط الأوراق لكي تعطي لنفسها الحق بتقليل حصة العراق المائية، وهذا ما يحصل حاليا علما أن الخزن في سدودهم واصل لمناسيب تعتبر جيدة جدا.

إقرأ أيضا