ذي إيكونوميست الأمريكية ترجح تراجع الصدر وتشكك في عدائه لإيران

توقعت مجلة “ذي إيكومنيست” الأمريكية، تراجع التيار الصدري عن مواقفه التصعيدية، في ظل وساطات عالية…

توقعت مجلة “ذي إيكونوميست” الأمريكية، تراجع التيار الصدري عن مواقفه التصعيدية، في ظل وساطات عالية المستوى، مشيرة إلى أن أتباع الصدر يروجون لرغبته بتقليص نفوذ إيران في العراق، في حين لا يظهر عداء واضحا تجاهها.

وتسرد المجلة تفاصيل الصراع بين الطرفين بقولها “في 30 شهر تموز (يوليو) الماضي، اقتحم أنصار رجل الدين والسياسي مقتدى الصدر مبنى البرلمان العراقي، واستقروا فيه كما وعدوا بأنه سيكون اعتصاماً مفتوحا، حيث يقوم المتطوعون بإحضار وجبات الطعام والشاي، ويتجول بائعو العصير في الممرات”.

وتؤكد أن “العراق يمر بأطول فترة شلل سياسي منذ عام 2005، وهو من دون حكومة مناسبة لما يقرب من 10 أشهر، فيما يتأرجح مصطفى الكاظمي في منصبه كرئيس مؤقت للوزراء”.

إن مثل هذه المآزق ليس بالشيء الجديد، كما تشير المجلة الأمريكية، لكن أحداث الأسبوع الماضي دفعت البلاد في اتجاه ينذر بالسوء. إذ حث الصدر المزيد من العراقيين على الانضمام إلى الاعتصام، في حين بدأ خصومه احتجاجات مضادة في مكان قريب”، مرجحة “تحول الأزمة السياسية في سادس أكبر منتج للنفط في العالم إلى صراع عنيف”.

وخرج التيار الصدري من انتخابات تشرين الأول أكتوبر 2021، بأكبر كتلة برلمانية، حيث فاز بـ74 مقعدا من أصل 329. وأمضى الأشهر القليلة التالية في محاولة لتشكيل حكومة من شأنها استبعاد منافسيهم الشيعة، وعلى رأسهم نوري المالكي، الذي شغل منصب رئيس الوزراء من 2006 إلى 2014 والحالم بالعودة للمنصب، على حد تعبير المجلة.

وبدلاً من ذلك، تضيف المجلة الأسبوعية، سعى الصدر إلى تشكيل ائتلاف مع الحزب الكردي الرئيسي (الديمقراطي الكردستاني)، وتجمع سني بقيادة رئيس البرلمان (محمد الحلبوسي). لكن الصدر فشل في حشد الدعم الكافي.

في حزيران يونيو الماضي، طلب من نوابه الاستقالة، في خطوة لم تكن منطقية في ظاهرها من وجهة نظر الصحيفة، الأمر الذي وصف من قبل مسؤول سابق، بأنه “جنون”، لكن صورته على أنه غريب، مع وجود تهديد ضمني بالعنف: كان سينتظر خصومه لتشكيل حكومة، ثم يطلق العنان لمؤيديه إذا لم تعجبه النتيجة”.

وتلفت “بعد اقتحام البرلمان، تم تصوير السيد المالكي وهو يلوح ببندقية بينما كان يسير في شوارع بغداد، محاطاً برجال مسلحين”، مشيرة إلى أن “الحديث عن الاحتجاجات اظهر شبح إراقة الدماء في البلاد”.

في السنوات الماضية، كان قاسم سليماني يسافر إلى بغداد لمحاولة كبح جماح حلفائه. لكن منذ اغتياله من قبل أمريكا في عام 2020، تقلص حجم السيطرة التي تمارسها إيران، ومع ذلك، إذا تعرض الصدر وخصومه لهجمات، فمن المؤكد أن الإيرانيين سينحازون ضده، إذ يفتقر الصدريون إلى الدعم الخارجي الجاد، كما تشير المجلة الأمريكية.

وزادت سلسلة من التسجيلات المسربة من الاضطرابات، لاسيما بعد وصف الصدر بالخائن وادعاء المالكي بأن هناك مؤامرة بريطانية لتنصيبه في السلطة، فيما يصر المالكي على أن التسجيلات مزورة، في حين يمكن سماع صوت المالكي وهو ينقض على فصائل الحشد الشعبي بوصفهم بالجبناء، ولعل ذلك أنهى فرصه الضئيلة بالفعل في أن يصبح رئيسًا للوزراء.

في 25 تموز (يوليو)، رشح خصوم الصدر، محمد شياع السوداني، وهو وزير سابق ماهر، لمنصب رئيس الوزراء، إلا أن موقفه ضعيف، لأن قائمته البرلمانية فازت بمقعد واحد فقط في تشرين الأول (أكتوبر)، لذا سيكون مجرد زعيم صوري للأحزاب الشيعية القوية التي تقف خلفه.

يحاول بعض مؤيدي الصدر تصوير حصار البرلمان على أنه موقف مبدئي، بقولهم إن الصدر يريد تقليص نفوذ إيران في العراق، في حين أنه ليس معاديا تماما لإيران، إلا أنه يصنف نفسه على أنه وطني لا يدين بالفضل للقوى الأجنبية: فهو يستخدم شعار “لا شرقية ولا غربية” لوصف حكومته المفضلة، كما تشير المجلة الأمريكية.

من ناحية أخرى، لا يمكن إنكار أن منافسيه الشيعة يخضعون لإيران، في ظل حديث المدافعين عن مطالبات الصدر بإصلاح النظام السياسي المعطل عن طريق تغيير الدستور والقانون الانتخابي، وربما تحويل العراق من نظام برلماني إلى نظام رئاسي.

وتنقل المجلة عن أحد كبار المسؤولين الذين لم تسمهم: “الطريقة الوحيدة لفهم انسحابه هي إسقاط النظام السياسي، وقد يكون لهذا الحديث صدى لدى العراقيين المحبطين من الفساد والخدمات البائسة، لكن حرق النظام لحفظه، نادراً ما يؤدي إلى نتائج مرضية”.

وتسترسل “يستمد الصدر دعمه من المجتمعات الشيعية الفقيرة في جنوب العراق والأحياء الفقيرة في بغداد، وتحتاج حركته إلى عشرات الملايين من الدولارات شهريا لتمويل شبكة المحسوبية، ولهذه الغاية، تولى أتباعه مناصب رئيسية في وزارتي الداخلية والدفاع، وشركات النفط والكهرباء الحكومية، والبنك المركزي.

وتنوه المجلة الأمريكية إلى أن “السيطرة الواسعة على الميزانية السنوية للعراق البالغة 89 مليار دولار، تسمح للصدريين بتوجيه الإنفاق على الموالين، لكن البرلمان لم يقر بعد ميزانية البلاد لعام 2022، ما يعني أنه لا يمكنه إنفاق مليارات الدولارات على شكل عائدات نفطية إضافية تتراكم في وقت ارتفاع الأسعار (كما في الرسم البياني)”.

ومع ذلك، فقد أقرّت في حزيران يونيو الماضي، قانون الأمن الغذائي وهو مشروع إنفاق طارئ مدعوم من نواب الصدر، قبل استقالتهم، ولقد تم تأطيره كبرنامج للأمن الغذائي في وقت ارتفعت فيه الأسعار، وقد اشتمل بالفعل على مبالغ من المال لدفع ثمن الغذاء وواردات الوقود، لكنها أضافت أيضاً عشرات الآلاف من الموظفين الجدد في القطاع العام، بينهم كثيرون من ناخبي الصدر، كما تشير المجلة.

وترجح مجلة  ذي إيكونوميست “تراجع الصدريين، بعد إدراكهم عدم الفوز بهذه المعركة، في ظل وساطات ستقوم بها بعض الجهات السياسية لحفظ ماء الوجه، وحتى في حال تمرير الحكومة الجديدة، إلا أنها ستكون قصيرة الأجل”.

إقرأ أيضا