ريعي مرتبط بالدولة.. اقتصاد العراق في مهب التوترات السياسة

توقع متخصصون في الشأن المالي والاقتصادي، أن تلقي التوترات السياسية الراهنة بظلالها على اقتصاد العراق…

توقع متخصصون في الشأن المالي والاقتصادي، أن تلقي التوترات السياسية الراهنة بظلالها على اقتصاد العراق باعتباره ريعيا مرتبطا بالدولة، فيما أشاروا إلى أن أية “هزة” سياسية ستنعكس سلبا عليه، على الرغم من تسجيله نموا خلال الفترة الماضية.

ويقول الخبير الاقتصادي ضياء المحسن خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “أية أزمة سياسية، بغض النظر عن البلد، تؤثر على الوضع الاقتصادي بشكل أو بآخر، لأن الحاكم الأساسي للبلدان هو الاقتصاد، وأي هزة سياسية بالتأكيد سيكون لها تأثير، ومثال على ذلك الحرب بين روسيا وأوكرانيا، فقد ظهرت آثارها على مجمل الاقتصاد العالمي وليس هاتين الدولتين فقط”.

ويوضح المحسن، أن “الوضع الاقتصادي في العراق، الذي هو بالأساس ريعي أحادي الجانب، يتأثر بشدة بما يجري من خلافات وأزمات سياسية، لأن منافذ التصدير محدودة وعادة ما تتأثر بأي أزمة سياسية أو اضطرابات أو تظاهرات”.

ويشدد على “ضرورة إبعاد المناكفات السياسية عن الشارع الذي لا يحتمل مثل هذه الأزمات”، مبينا أنه “إذا تأخر تصدير النفط العراقي لمدة 10 أيام بسبب تفاقم الأزمة السياسية، فسنخسر أكثر من 3 ملايين دولار بأسعار اليوم، وبالتالي فإن هذا الرقم ليس بالسهل بالنسبة للاقتصاد العراقي، ناهيك عن توقف مجالات الاقتصاد الأخرى نتيجة تأثرها بما يجري من أحداث سياسية”.

ويشهد البلد أزمة سياسية حادة منذ إجراء الانتخابات في تشرين الأول أكتوبر 2021، حيث دخلت القوى السياسية في صراع حول تشكيل الحكومة، واستمر لغاية الآن، وسط تفاقم حدة النزاع.

ومنذ السبت الماضي، اقتحم أنصار التيار الصدري مجلس النواب واعتصموا فيه، ما عطل عمله بشكل كامل، ويوم أمس دعا زعيم التيار مقتدى الصدر بشكل علني إلى استمرار الاعتصام وسماه “الثورة”، وطالب بحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة.

وكان مجلس النواب، قد أقر في حزيران يونيو الماضي، قانون الأمن الغذائي بقيمة 25 ترليون دينار، وقد دخل حيز التنفيذ، وتضمن تعيينات في المحافظات بصفة “عقد مؤقت” وحددت بألف درجة فقط لكل محافظة عدا إقليم كردستان، إضافة إلى تضمينه بنودا منها تسديد ديون إيران عن استيراد الغاز.

وبشأن تأخر إقرار الموازنة نتيجة الأزمة السياسية، يبين عضو اللجنة المالية البرلمانية سجاد سالم، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “عدم إقرار الموازنة خطأ كبير، وقد تسير الأمور وفق مبدأ 1/12 حسب قانون الإدراة المالية والدين العام”، لافتا إلى أن “الموزانة هي وثيقة سلوك اقتصادي وسياسي واجتماعي للحكومة العراقية، وعدم إقرارها يؤثر سلبا على السلوك الاقتصادي للدولة العراقية لتصبح بلا منهجية اقتصادية”.

ويضيف سالم “نحن الآن أحوج ما نكون إلى التنمية والبنى التحتية واستخدام الفائضات وفق برنامج ونظام وخطة تنمية شاملة، ولكن نظرا للوضع السياسي الموجود وقرارات المحكمة الاتحادية، أصبح من المستحيل لحكومة تصريف الأعمال أن ترسل قانون الموازنة لمجلس النواب، وبالتالي يستحيل مع حكومة تصريف الأعمال إقرار موازنة مالية لسنة 2022”.

ويعتبر أن “كل التراكمات السلبية في الوضع المالي والاقتصادي كانت نتيجة عدم إقرار الموازنة في سنة 2014 وسنة 2020، فلم تكن هناك موازنات لتنشيط الاقتصاد العراقي وفق خطة تنمية وطنية”، موضحا أن “الموازنة ليست مجرد قانون يقر، وإنما تعززها تقارير وتنبؤات اقتصادية وسياسية مدروسة، ويكون الإنفاق موجها وفق هذه التنبؤات”.

ويشير إلى أن “الأساس في عدم إقرار الموازنة والأساس في كل هذه التخبطات هي الأزمة السياسية الموجودة في البلد، وهي من تؤثر سلبا على الدولة واقتصادها، والنشاط الاقتصادي الموجود في البلد هو نشاط متخوف من الوضع السياسي، وهذا يؤثر سلبا على كل فرص التنمية”.

وقد حاولت الحكومة الحالية برئاسة مصطفى الكاظمي، وهي حكومة تصريف أعمال، تقديم مشروع قانون الموازنة العامة، لكن المحكمة الاتحادية منعت هذا الأمر، وأكدت أنه ليس من صلاحياتها.

ومنذ مطلع العام الحالي، شهدت أسعار النفط ارتفاعا قياسيا وكبيرا، لم يحدث منذ نحو 7 سنوات، بفعل الحرب الروسية-الأوكرانية، وهو ما عاد بالفائدة على العراق، لكن بقيت هذه الأموال مجمدة ولا تستطيع الحكومة التصرف بها، نظرا لعدم وجود قانون موازنة، وأكد مستشار رئيس الحكومة المالي مظهر محمد صالح، سابقا لـ”العالم الجديد”، أن هذه الأموال ستستخدم لاحقا في موازنات الأعوام المقبلة.

ومن ضمن عوامل الفائض المالي هو قرار منظمة أوبك بالسماح في زيادة كمية تصدير النفط العراقي، بالإضافة إلى قرار مجلس الأمن الدولي، في شباط فبراير الماضي، القاضي بإغلاق ملف التعويضات العراقية للكويت، بعد تسديد العراق كافة مبلغ التعويضات البالغ 52.4 مليار دولار، حيث كان يتم استقطاع 5 بالمئة من إيرادات النفط للتسديد منذ 32 عاما، والتي كانت تقدر يوميا بين 6-7 ملايين دولار، حسب أسعار النفط في السنوات السابقة.

وفي هذا الصدد، يفيد الخبير الاقتصادي نبيل جبار خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “طبيعة الاقتصاد العراقي ما زالت إلى اليوم مرتبطة باقتصاد الدولة بشكل كبير، أي أن الاقتصاد العراقي ليس حرا بدرجة كافية ليكون بمنأى عن تعثرات السياسة”، لافتا إلى أن “اقتصاد العراق يتناسب طرديا مع السياسة، يتعثر عندما تتعثر ويتعافى عندما تستقر”.

ويعزو جبار أسباب ارتباط الاقتصاد بالواقع السياسي في العراق إلى “المركزية التي ما زالت مسيطرة على الاقتصاد العراقي، أو على الأقل مسيطرة على الناتج المحلي الإجمالي المتأثر كثيرا باقتصاد الدولة والحكومة”، مبينا أنه “على الرغم من وصول العراق حاليا إلى نمو اقتصادي عال جدا وفق مؤشرات التنمية أو مؤشرات النمو الإجمالي، إلا أن اقتصاده يعاني من مؤشرات البطالة والفقر”.

وكان العراق قد شهد مرور عامين من دون موازنة، وهما 2014، خلال اجتياح تنظيم داعش لبعض المحافظات العراقية وأزمة تشكيل الحكومة في حينها، وعام 2020، الذي كان بلا حكومة أيضا، حتى شهر أيار مايو منه، الذي كلف فيه الكاظمي برئاسة الحكومة.

ويسير البلد الآن، وفق نظام 1/12 من قانون الإدارة المالية، المقر من قبل سلطة الائتلاف المؤقتة عام 2003، كما تسمح المادة الرابعة في القسم السابع من القانون للحكومة بسداد الالتزامات والمرتبات والتقاعد ونفقات الأمن الاجتماعي وخدمات الديون فقط، في حال لم يصادق البرلمان على الموازنة العامة حتى 31 من شهر كانون الأول ديسمبر.

وتعاني أغلب المحافظات من توقف المشاريع الخدمية والاستثمارية، نتيجة لغياب الموازنة، رغم تضمين بعضها في قانون الأمن الغذائي، الذي شمل بعض المشاريع وفق نسب إنجاز وأقيام محددة.

يذكر أن وزير المالية علي علاوي، أعلن في أيار مايو الماضي، أن خفض قيمة الدينار العراقي أدى إلى الحفاظ على احتياطيات العملة الأجنبية لدى البنك المركزي العراقي بعد المستويات المنخفضة والحرجة التي وصلت إليها في أواخر عام 2020، كما أن التعافي في أسعار النفط والإدارة المالية “الحكيمة”، ساعد على بلوغ الاحتياطي المالي 70 مليار دولار بحلول نيسان أبريل الماضي، ومن المتوقع أن يؤدي التعافي المستمر لأسعار النفط إلى زيادة هذه الاحتياطيات لأكثر من 90 مليار دولار بحلول نهاية العام الحالي.

إقرأ أيضا