في ظل سنوات من العرقلة.. البصرة تحلم بحلول “خليجية” لقطع ألسن الملح

عادت أملاح البحر لتمد لسانها في مياه البصرة كما تفعل كل عام، فبلغت التراكيز الملحية…

عادت أملاح البحر لتمد لسانها في مياه البصرة كما تفعل كل عام، فبلغت التراكيز الملحية مستويات خطيرة وغير مسبوقة، وفيما تقول الحكومة المحلية في المحافظة إنها تعمل بالإمكانيات المتاحة لمواجهة المشكلة، تؤكد تعويلها على إنجاز مشاريع تحلية بحرية على غرار دول الخليج، ولكن حتى ذلك الحين، تبقى معاناة الناس قائمة والواقع الزراعي في تدهور، في ظل سنوات من عرقلة مشاريع التحلية.

ويقول معاون محافظ البصرة حسن النجار خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “التراكيز الملحية ترتفع سنويا في مثل هذه الأيام، خاصة مع قلة الإطلاقات المائية من المصادر الأساسية وارتفاع درجات الحرارة، فكل ذلك يؤثر سلبا على قضية انخفاض المناسيب تارة وارتفاع الأملاح تارة أخرى“.

ويضيف النجار “في المناطق التي تتغذى من مصادر المياه، نجد أن نسبة الملوحة ترتفع، لكن منذ يوم أمس (الجمعة)، لوحظ انخفاض التراكيز الملحية، وهذا يعني أن الأملاح قليلة”، مبينا أن “ارتفاع التراكيز الملحية يعود إلى أن شط العرب الذي يتغذى من نهر دجلة يحتاج في الثانية الواحدة بحدود 75 كلم مكعب من المياه، لكن هذا غير متحقق من الإطلاقات المائية التي تأتي إلينا من المصدر الرئيس، وهي قلعة صالح باتجاه القرنة، بحيث أنه يتراوح في بعض الأحيان ما بين 50- 52 كلم مكعب في الثانية، وهذا غير كاف لدفع اللسان الملحي القادم من البحر”.

ويستدرك بالقول، إن “هذه الظاهرة تعاد سنويا وتمت معالجة بعض المناطق التي بالإمكان معالجتها، ولكن هناك حالات في مناطق أخرى لا نستطيع معالجتها، لأنها بحاجة إلى حلول جذرية، فعلى سبيل المثال في قضاء أبي الخصيب عالجنا بحدود 60 بالمئة من هذه الحالة عبر محطة تحلية محلية، والـ40 بالمئة المتبقية تتغذى من محطة R zero ومن الإروائي وهذا ما استطعنا حله”.

وبشأن الحل الجذري للأزمة، يبدي النجار توجسه “من توقف دجلة والفرات، فالأخير توقف بشكل نهائي، ودجلة تأتي منه إطلاقات غير كافية لدفع اللسان الملحي، ونحن كحكومة محلية نرى الحل في الذهاب إلى تحلية مياه البحر“.

ويوضح أن “هناك مشروعا طرح منذ 12 عاما، وهو مشروع الفاو الكبير، الذي يوفر يوميا مليون لتر مكعب من المياه، وهذا المشروع تارة يتوقف لدى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، وتارة أخرى يعود لوزارة التخطيط، وقد طلبنا من الأمانة والوزارات المعنية، أن نذهب بهذا الاتجاه لأنه هو الحل الوحيد، لكن لحد الآن لم تعر الحكومة الاتحادية أهمية له، وعليه فكل المتطلبات والتظاهرات التي ستحدث خلال الأيام المقبلة سوف تركز على هذا الجانب“.

وكانت مديرية ماء البصرة، أعلنت يوم أمس، تجاوز نسبة الملوحة في الفاو والهارثة المعايير العالمية، حيث وصلت إلى 30 ألف جزء بالمليون في الفاو، وإلى 6800 جزء بالمليون في شمال الهارثة، في حين أنه يجب أن لا تتعدى الملوحة 1000 جزء بالمليون وفق المعايير العالمية.

يذكر أن مقاطع فيديو انتشرت مؤخرا تظهر وصول مياه ملوثة بشكل كبير للمنازل في البصرة، ولونها يقترب من الأخضر.

وشهدت البصرة في صيف عام 2018، أزمة حادة تمثلت بتسمم 118 ألف شخص بسبب المياه، وقد حددت دائرة صحة المحافظة في وقتها الأسباب بـ”تلوث المياه“.

وتعاني المحافظة منذ 40 عاما من أزمة في المياه الصالحة للشرب، الأمر الذي دفع ثمنه الفقراء من سكانها نظرا لعدم تمكنهم من شراء المياه المعدنية المعبأة.

وكشفت “العالم الجديد” في 5 أيلول سبتمبر 2020، عن وجود شبهات فساد وابتزاز تعرض لها ائتلاف شركتي (وود- باي ووتر) البريطانيتين، حالت دون تنفيذ مشروع تحلية مياه البحر في البصرة، الممول من القرض البريطاني، الأمر الذي أدى إلى استبعاد شركات استشارية بريطانية كبرى، والتوجه للتعاقد مع شركة استشارية نمساوية مقرها الإمارات، بحسب مصدر مسؤول بوزارة الإعمار والإسكان والبلديات العامة، ما قد يهدد بإلغاء المشروع بالكامل، وحرمان المحافظة من هذا المشروع الاستراتيجي.

من جانبه، يرى مدير الجمعيات الفلاحية في البصرة عبد الكاظم حسن خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أنه “بشكل عام لا تصلح التربة المالحة للزراعة، ونحن في البصرة الأرض مالحة والآن اللسان الملحي، وكلها أثرت سلبا على الزراعة“.

ويردف حسن، أن “اللسان الملحي أدى إلى خروج قضاء أبي الخصيب والفاو من الخدمة، حيث أن الفاو كانت تقدم شتى أنواع الأشجار وأبو الخصيب الذي ينتج التمور بغزارة ومنها البرحي، كلها أصبحت خارج الخدمة”، مبينا “إضافة الى ما ذكر، فأن قضاءي شط العرب والهارثة مهددة بالخروج عن الخدمة بسبب الأملاح“.

ويؤكد “مللنا من الكلام والمطالبات، والحكومة المركزية لا يوجد عليها ضغط من البصرة، إذ أنه من دون الضغط والتظاهرات لن تكون هناك حلول“.

وكان العراق يفتخر بكونه “بلد النخيل”، ويملك أجود أنواع التمور، لكنه يعاني اليوم من تشتت في المؤسسات المعنية، والأهم هو إهمال الشركة الوحيدة في العراق المعنية بالأمر، وهي “الشركة العراقية لتصنيع وتسويق التمور” التي انهارت تماما بعد 2003، بحسب اعتراف وزارة الزراعة.

وكشفت وزارة الزراعة لـ”العالم الجديد”، في تقرير سابق خلال العام 2020، أن “الشركة العراقية للتمور تدهور وضعها ولم تتم إعادة تأهيلها، حيث كانت قبل 2003، تحظى ببرادات ومخازن تتسع لها، لكنها انهارت جميعها بسبب ظروف الحرب، لذا عندما حاولنا تسليمها كميات كبيرة من التمور، لم تتمكن من تسلمها لعدم امتلاكها مواقع للخزن، لذلك فتحنا التصدير المباشر للقطاع الخاص، بغرض إدخال الدولار للبلد“.

إلى ذلك، يؤكد الخبير المائي عادل المختار خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “أحدا لم يكن يأخذ تحذيراتنا السابقة على محمل الجد، فقلت بأننا سوف نصل إلى هذا اللسان الملحي وبدرجات متطورة جدا، إضافة إلى تلوث المياه الذي يمثل خطرا كبيرا، وكل هذا نتيجة انخفاض مناسيب المياه والخزين المائي الذي وصل إلى مستويات متدنية“.

ويضيف المختار، أن “الأمر الأهم للمعالجة، هو تأسيس المجلس الوطني للزراعة والمياه، وهذا عنصر مهم ليكون ملف المياه في يد دولة رئيس الوزراء حتى يذهب ويتفاوض مع دول الجوار ويحسم الموضوع بإطلاقات مائية، كما يجب الاستعانة بمجموعة خبراء يخططون للسياسة المائية والزراعية، لأن هناك تقصيرا في عمل وزارة الزراعة ووزارة الموارد المائية، وبسبب تقصير الوزارتين وصلنا إلى هذه المرحلة من شح المياه وغياب الخطط الزراعية، خاصة وأن هذا العام ستكون الخطة بين مليون إلى مليون و250 ألف دونم“.

ويشدد على “ضرورة إدخال منظومات الري الحديثة، كما يجب إعادة النظر بالسياسة الزراعية، فهي سياسة خاطئة، وعلى سبيل المثال لحد الآن تتم تربية الأسماك في البحيرات لأنه ليس لدينا ماء، والمفروض أن يتم إيقاف هذه التربية فهذا الأمر يستهلك بين مليار ومليار و250 ألف متر مكعب من المياه“.

وكانت “العالم الجديد” قد كشفت في آب أغسطس 2021 عن ضغوط حكومية على الشركة اليابانية المشرفة على تنفيذ مشروع ماء البصرة الكبير في الهارثة، بهدف إشراك شركة عربية عاملة على المشروع، الأمر الذي رفضته الشركة اليابانية، وأدى إلى تأخر العمل به.

ويلفت المختار، إلى أنه “من الأسباب الأخرى للأزمة، هو سقي البساتين، فهي تحتاج إلى 3 مليارات متر مكعب، لكن لو نفذت المشاريع أعلاه، فسيكون هناك فرق بأكثر من ملياري متر مكعب، وبالتالي ستتحول المياه إلى الأهوار والمحافظات الوسطى والجنوبية، ويتم القضاء على اللسان الملحي“.

ويستطرد الخبير المائي، أن “مشكلة تحلية المياه هي أنه ليس هناك من يدفع الأموال لعمل هذه المشاريع، فمستحقات الحنطة لم تدفعها الدولة، فمن سيدفع أموال مشاريع التحلية ومتى سوف تنفذ، إذ أن الأزمة ليست بمياه الشرب فقط، وإنما في استخدامات المياه بالقطاع الزراعي الذي يستهلك 85 بالمئة من الإطلاقات المائية، وبالتالي فالأزمة في سوء إدارة الملف بصورة عامة، حيث لم تكن هناك مياه شرب في البصرة، فهل من الممكن الذهاب لزراعة 10 آلاف دونم من الشلب أو غيرها، كل هذه الأمور لا تجوز في ظل الصعوبة الحالية بتوفير المياه“.

يذكر أن إيران قطعت المياه المتدفقة إلى سد دربندخان بالكامل، مطلع أيار مايو 2021، ما أدى لأزمة كبيرة في حوض نهر ديالى الذي انخفضت مناسيبه بنسبة 75 بالمئة، وذلك بحسب تصريحات مسؤولين في المحافظة.

كما أن تركيا تحاول منذ سنوات، استخدام مياه نهري دجلة والفرات، لتوليد الطاقة الكهربائية، فأعلنت عن تشييد عدد من السدود، بدءا من العام 2006، من خلال سد إليسو الذي دخل حيز التشغيل، عام 2018، ما حد من تدفق المياه إلى العراق، وأدى ذلك إلى تفاقم الخوف من النقص الحاد وعدم القدرة على تلبية الاحتياجات اليومية للزراعة والسكان.

وشهدت البصرة في صيف عام 2018، أزمة حادة تمثلت بتسمم 118 ألف شخص بسبب المياه، وقد حددت دائرة صحة المحافظة في وقتها الاسباب بـ”تلوّث المياه“.

إقرأ أيضا