تظاهرات الأهالي ضد الشركات النفطية.. حق أم تهديد لاقتصاد البلاد؟

يتكرر التظاهر أمام الشركات النفطية العراقية أو الأجنبية، ولاسيما في المحافظات الجنوبية، بين مدة وأخرى…

يتكرر التظاهر أمام الشركات النفطية العراقية أو الأجنبية، ولاسيما في المحافظات الجنوبية، بين مدة وأخرى للمطالبة بتوفير الخدمات وفرص العمل، وكانت آخر تظاهرة من هذا النوع قد خرجت في قضاء الكحلاء بمحافظة ميسان، غير أن مسؤولين محليين وخبيرا نفطيا حذروا من أن هكذا تظارهات قد تدفع الشركات على المغادرة، وإيقاف صناعة النفط، المصدر الأساس لدخل البلاد، مؤكدين أن توفير الخدمات وفرص العمل ليس من مهام تلك الشركات.

ويقول نائب محافظ ميسان وائل الشرع خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “التظاهر حق كفله الدستور العراقي لجميع العراقيين، بشرط أن يكون سلميا وليس فيه أي إضرار بالممتلكات، والتظاهرات التي شهدها قضاء الكحلاء أسفرت عن إصابة 18 منتسبا من فرقة مكافحة الشغب”.

وكانت شركة “بتروتشاينا” الصينية النفطية العاملة في محافظة ميسان، هددت يوم أمس، بالانسحاب من المحافظة أو من عموم البلاد، بعد تظاهرات ضدها في قضاء الكحلاء.

يشار إلى أن أهالي القضاء تظاهروا ضد الشركة، وطالبوها بتوفير الكهرباء والماء الصالح للشرب، محاولين اقتحام مقر الشركة، ما دفع القوات الأمنية إلى غلق الطريق بالحواجز الكونكريتية، وإطلاق النار في الهواء لتفريقهم، الأمر الذي عدته الشركة “ليس من اختصاصها”، بحسب مصادر إعلامية.

ويشدد الشرع على أن “التظاهرات يجب أن تكون بعيدة عن الشركات النفطية، فهذه الشركات ليس لها أي علاقة بقضية الخدمات أو التعيينات أو حتى ملف الكهرباء، والتعدي على تلك الشركات يؤثر على عملها، وربما يدفعها إلى إيقاف العمل، وهذا له تأثيرات كبيرة على المستوى الاقتصادي”.

ويبين أن “الاقتراب من الشركات الأجنبية النفطية وجعلها هدفا من قبل بعض المتظاهرين ربما يدفعها إلى إيقاف العمل ومغادرة المحافظة بسبب عدم استقرار الوضع الأمني، ولذا فإن على الجميع الحذر والعمل على تهدئة الأوضاع ومنع أي تصعيد ضد الشركات العاملة في المحافظة”.

وغالبا ما تشهد المحافظات الجنوبية، التي تضم حقولا نفطية، تظاهرات لأهالي القرى والأقضية القريبة من مواقع عمل الشركات والحقول النفطية، للمطالبة بتعيين أبنائها في الشركات، وتوفير الخدمات لمناطقهم.

من جهته، يوضح نائب محافظ ذي قار، رافع الشامي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “التظاهرات الشعبية يجب أن تكون بعيدة عن عمل الشركات النفطية سواء العراقية أو الأجنبية، فهذه التظاهرات دائما ما توقف عمل تلك الشركات، وهذا الأمر تترتب عليه آثار سلبية اقتصادية كبيرة”.

ويضيف الشامي، أن “الشركات النفطية العراقية أو الأجنبية التي تعمل في بعض الحقول ليس لها أية صلاحيات في قضية التعيينات وغيرها، فهذه من صلاحيات الجهات المتخصصة في الحكومة الاتحادية، ولهذا يجب أن تكون التظاهرات بعيدة عن الشركات النفطية، فهي تؤثر على عملها، وربما تعتبرها بعض الشركات الأجنبية تهديدا لها يستدعي المغادرة، وهذا ما يضر بسمعة العراق واقتصاده”.

وتأتي هذه التظاهرات في ظل نقص كبير في الخدمات العامة والأساسية، وسط غموض في مصير ما بات يعرف بأموال “المنافع الاجتماعية” التي تدفعها الشركات النفطية إلى الحكومات المحلية، والمخصصة لتوفير تلك الخدمات.

 

ونصت عقود جولات التراخيص النفطية التي وقعت عام 2009، على تخصيص كل شركة 5 ملايين دولار سنويا تصرف للمشاريع الخدمية في الأقضية والنواحي المحيطة بالحقل النفطي، تحت مسمى “المنافع الاجتماعية”.

وكانت “العالم الجديد” كشفت في عام 2020، عن وجود 42 مليون دولار، بذمة الشركة الصينية لم تدفعها لقضاء الكحلاء، وهي قيمة المنافع الاجتماعية، وهذه الأموال مترتبة عليها منذ عام 2013.

ويعد ملف مبالغ المنافع الاجتماعية من الملفات الشائكة في العراق، خاصة وأن أغلب المدن الجنوبية التي تتواجد فيها الشركات النفطية لم تتسلم المبالغ المخصصة لها بالكامل، نتيجة الخلافات بين الحكومات المحلية والشركات حول آلية صرف هذه المبالغ.

وفي السياق ذاته، يوضح الخبير النفطي حمزة الجواهري خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “أي تهديد ضد الشركات النفطية له تبعات سلبية كبيرة، فهو يدفع تلك الشركات إلى إيقاف أعمالها، وربما مغادرة مواقع العمل، وهذا له تأثير على مجمل العمل النفطي في العراق وليس في محافظات الجنوب فقط”.

ويشير الجواهري، إلى أن “عمل الشركات النفطية الأجنبية في العراق يتطلب توفير الأمن لها، وأي مباشر أو غير مباشر يطولها سيدفعها إلى ترك العمل، وهذا يؤثر على الوضع الاقتصادي العراقي، خصوصا أن تلك الشركات لها مهام مهمة في استخراج النفط وغيرها من المهام الموكلة إليها من قبل وزارة النفط العراقية”.

ويتابع أن “الجهات الحكومية والأمنية المتخصصة، مطالبة بتوفير الأمن لجميع الشركات النفطية سواء المحلية أو الأجنبية، وأي تهديد لها من خلال التظاهرات وغيرها ستكون له تبعات اقتصادية سلبية، وربما يتسبب بإيقاف عمل بعض الشركات، وهذا حصل خلال الفترات الماضية وأثر بالفعل على توفير المشتقات النفطية لبعض المناطق، كما أن التهديدات قد تدفع الشركات الأجنبية إلى رفض كثير من عقود العمل في العراق”.

وكشفت “العالم الجديد” في تقرير سابق عن صراع خفي يدور بين الحكومة المحلية في ذي قار ونواب المحافظة في البرلمان، بشأن صرف مبالغ المنافع الاجتماعية المتراكمة لخمس سنوات، من دون التوصل إلى حلول جذرية.

وتمثل الصراع في ذي قار حول الجهة التي تتسلم المبالغ من شركة بتروناس الماليزية، إذ طالب نواب المحافظة بتسلمها، فيما أصدر المحافظ أمرا بعدم صرف تلك المبالغ لأية جهة غير إدارة المحافظة، ما أثار خلافا كبيرا حولها، وتركت المدن المستحقة من دون أي مشروع يذكر.

يذكر أن العراق يسعى، وفقا لوزارة النفط، لرفع إنتاجه إلى 8 ملايين برميل يوميا، كما يسعى إلى استثمار الغاز المصاحب وتطوير هذه الصناعة، عبر تعاقدات مع شركات عالمية من مختلف الجنسيات.

وكان مدير العقود والتراخيص النفطية في وزارة النفط، علي معارج، قد صرح في كانون الثاني يناير الماضي، بأن جولات التراخيص خلال فترة 10 سنوات أضافت للعراق مبالغ مالية بحدود 740 مليار دولار، فضلا عن طاقة إنتاجية، إضافية بحدود المليون و700 الى 3 ملايين برميل باليوم، فيما تبلغ الأموال التي تم صرفها على الشركات النفطية المطورة للحقول النفطية خلال هذه الفترة بلغت ما يقارب من 90 مليار دولار قد تم صرفها على البنى التحتية من حفر آبار ومد شبكة أنابيب ومنشآت سطحية وصيانة ومنشآت معالجة للغاز والنفط.

وأضاف معارج “ما حصلت عليه الشركات الاجنبية العاملة في هذه الحقول هو لا يتجاوز 1 الى 1.2 من الايرادات المتأتية التي تمثل الأرباح أما المتبقي والذي هو بحدود 98 بالمئة من الإيرادات فقد ذهبت لموازنة الدولة العامة“.

يذكر أن العراق قد وقع مطلع العام الحالي 2010، عقوداً عدة مع شركات عالمية لتطوير بعض حقوله النفطية في جنوب العراق، ضمن جولتي التراخيص الأولى والثانية.

وفي آذار مارس الماضي، أعلنت شركة تسويق النفط العراقية “سومو” SOMO  عن تحقيق أعلى معدل تصدير خلال عامين، وذلك في فبراير/شباط الماضي بمعدل 3.314 ملايين برميل يوميا، بزيادة مقدارها 112 ألف برميل يوميا عن الشهر الذي سبقه، وبأعلى إيراد مالي منذ 2014 بمبلغ قدره 8.54 مليارات دولار في الشهر.

وحول تأثر الشركات الروسية عقب الحرب الأوكرانية بالعقوبات الأمريكية، فإن شركتين روسيتين من بين 3 شركات تعمل في البلاد، إلا أن ذلك لم يؤثر على العمل أو القطاع النفطي بشكل عام.

إقرأ أيضا