معهد بريطاني يدرس ردود أفعال زعيم “التيار” عبر سكان مدينة الصدر

نشر المعهد الملكي البريطاني للشؤون الدولية “تشاتام هاوس” مسحا بآراء 1000 من أتباع زعيم التيار…

نشر المعهد الملكي البريطاني للشؤون الدولية “تشاتام هاوس” مسحا بآراء 1000 من أتباع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، من سكان مدينة الصدر شرقي بغداد، حاول من خلاله فهم ردود أفعالهم، وذلك في تقرير مفصل.

ويقول تقرير المعهد الذي أعده ريناد منصور، وهو زميل باحث أول في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومدير مشروع مبادرة العراق، وبنديكت روبن دكروز، زميل ما بعد الدكتوراه في جامعة آرهوس، إنه “بعد فوز الصدريين المفاجئ في انتخابات عام 2021، زعموا أنهم على استعداد لدفع العراق نحو نوع جديد من السياسة، لكن بعد تسعة أشهر من الفشل بتشكيل الحكومة، ظهر أن زعيمهم استسلم وانسحب من عملية تشكيل الحكومة، وبعد ذلك، دعا إلى احتجاجات جماهيرية وأرسل أتباعه لغزو البرلمان وطالب بانتخابات أخرى”.

ويضيف التقرير “على الرغم من احتلال البرلمان، فإن هدف الصدر ليس الثورة أو قلب النظام السياسي، بل الحصول على مزيد من السلطة وسحب البساط من تحت خصومه الشيعة، وخصوصا نوري المالكي، فالصدر مستعد لمواصلة النظام العرقي الطائفي والعمل مع النخبة الحاكمة الكردية والسنية إذا تم إقصاء المالكي من المشهد”، لافتا إلى أن “سنوات من الهيمنة على حكومة فاسدة أضرت بدور الصدر كزعيم ديني، وأدت إلى توتر علاقته بقاعدته الاجتماعية، وبالتالي، فإن انسحابه من البرلمان لا يقتصر فقط على تصعيد الضغط على منافسيه السياسيين، ولكن أيضا بشكل حاسم، محاولة لتجديد شرعيته”.

ويتابع أن “فهم القاعدة الصدرية هو المفتاح لفهم الصدر نفسه، ولهذه الغاية، أجرى مشروع مبادرة العراق في تشاتام هاوس مسحا نادرا لأكثر من 1000 صدري من منطقة مدينة الصدر ببغداد، ما أعطى رؤى فريدة لمجموعة يساء فهمها غالبا”، مبينا أن “التيار الصدري، أحد أكبر الحركات الإسلامية في الشرق الأوسط، يتكون من ملايين الأشخاص من شريحة حضرية فقيرة من السكان، وهذه القاعدة هي مصدر رئيس لسلطة الصدر، لكنها محاطة بمفاهيم خاطئة”.

ويشير إلى أن “هناك مجموعات مختلفة، سعت إلى استخدام هذه القاعدة لأغراضها الخاصة، وعلى سبيل المثال، حاول اليساريون والليبراليون حشد هذه القاعدة في حملتهم ضد الفساد في عام 2016. ومؤخرا، اعتقدت الولايات المتحدة أنه يمكن استخدام القاعدة لمواجهة النفوذ الإيراني في العراق، بينما سعت إيران نفسها والجماعات المتحالفة معها أيضا للفوز بقاعدة من الصدر، لكن هذه المحاولات لم تنجح، وتساعد نتائج الاستطلاع في تفسير السبب”.

وبحسب التقرير، أظهرت نتيجة رئيسة من مسح جرى في مدينة الصدر أن الغالبية لا تثق في المؤسسات السياسية العراقية، حيث أن 55 بالمئة من المستطلعين ذكروا أنهم لا يثقون مطلقا بالبرلمان، وقال 45 بالمئة آخرون إنهم لا يثقون مطلقا في مجلس الوزراء، وحينما سئل أتباع الصدر عمن سيكون قادرا على إصلاح المشاكل السياسية الحالية في العراق، أشار معظمهم إلى القيادة الدينية، وهذا يساعد في تفسير سبب ابتعاد الصدر عن السياسة في كثير من الأحيان، إذ أن أتباعه ينظرون إلى رجال الدين كممثلين شرعيين يمكنهم ويجب عليهم معالجة القضايا السياسية الأكبر، في حين أن السياسيين غير جديرين بالثقة وملوثين بالفساد ويتخذون قرارات تضر بالعراقيين.

ومع ذلك، ومنذ فوزه في انتخابات 2018 أصبح الصدر أكثر ارتباطا بتلك المؤسسات السياسية، ما خلق فجوة بين هويته الدينية وهويته السياسية، وأخبر كبار الصدريين، الصحفيين الذين أجروا الاستطلاع، أن التحرك نحو السياسة المؤسسية قد خلق مسافة بين الصدر وأتباعه، وهذا هو سبب رغبتهم منذ البداية في مقاطعة انتخابات 2021، وعندما قرروا في النهاية الترشح وفازوا بنتيجة مفاجئة، أرادوا أن يظهروا للقاعدة الصدرية أنهم لا يمارسون السياسة كالمعتاد، وكانوا يعتقدون أن حكومتهم “الأغلبية”، يمكن أن تحل محل الأسلوب التوافقي للسياسة التي تحكم العراق منذ عام 2003، لكنهم فشلوا في تشكيل حكومة أغلبية، وفقا للتقرير.

وفي مواجهة خيار السياسة كالمعتاد، قرر الصدر الانسحاب من عملية تشكيل الحكومة الرسمية للتركيز على سياسات أكثر نشاطا متجذرة في القيادة الدينية في محاولة لاستعادة بعض الشرعية، كما كشف الاستطلاع أن القاعدة الصدرية متدينة بشدة، ويعتقد معظم الأتباع أن الحكومة والدولة، بل وحتى القانون الجنائي، يجب أن تحكمها الشريعة الإسلامية، وبالتالي، فإن القيادة الدينية في عهد الصدر ضرورية لفهم طبيعة القاعدة، ودحض اقتراحات المحللين بأن هذه القاعدة يمكن حشدها من قبل زعماء علمانيين أو ليبراليين أو غيرهم، كما ورد في التقرير.

ويظهر المسح أنه في حين تم تفريغ العديد من الجماعات الإسلامية الشيعية في العراق أيديولوجيا، ولم يعد بالإمكان تعبئتها حول الأفكار والهويات الدينية، يبقى الصدريون استثناء.

وعلى الرغم من أن الاحتجاجات في العراق غالبا ما يُنظر إليها على أنها صوت واحد موحد، أو على أنها تنطوي على إمكانيات الوحدة، إلا أن مسح مدينة الصدر وجد وجهات نظر مختلطة حول الحركات الاحتجاجية، بما في ذلك حركات تشرين، واعتبر أكثر من ربع المستجيبين للمسح أن تشرين سلبية إلى حد ما، ورأى 16 بالمئة منهم أنها سلبية للغاية، ويكشف هذا عن المدى المحدود الذي يمكن أن يحشّد فيه الصدريون مع تشرين، والذي سيكون جدول أعمال رئيس لمحاولة الصدر استعادة ساحات الاحتجاج، بحسب التقرير.

وعلى الرغم من انخفاض إقبال الناخبين في جميع أنحاء العراق على الاقتراع، ما يزال الصدريون مستعدين للتصويت، حيث وجد الاستطلاع أن 36 بالمئة من المرجح أن يصوتوا في الانتخابات المقبلة، و9 بالمئة من المرجح، إلى حد أدنى، أن يصوتوا.

وفي حين خسر الصدر أصواته أيضا في عام 2021 مقارنة بعام 2018، إلا أن قاعدته في الحقيقة، هي أكثر ترجيحا للتصويت من المجموعات الأخرى، ما يعني أن انخفاض إقبال الناخبين سيؤثر على منافسيه أكثر، وهذا ما يفسر دعواته لإجراء انتخابات أخرى، وبذلك تستمر القاعدة الصدرية في كونها أداة مهمة وتمكينية للصدر في العملية السياسية العراقية والسبب في استمراره في التنافس في الانتخابات، استنادا للتقرير.

وفي الختام، يشير التقرير إلى أنه “بسبب طبيعتها المغلقة، لم يتم تنفيذ سوى القليل جدا من العمل الاجتماعي على القاعدة الصدرية، ومع ذلك، فإن نتائج الاستطلاع هذه تقدم إجابات للمساعدة في فهم عملية صنع القرار السياسي للصدر”، مضيفا أن “فهم القاعدة يعني فهم جمهور الصدر، ولاسيما في الأوقات التي تبدو فيها قراراته وأفعاله متقطعة وغير متوقعة، كما أنها تساعد في تفسير سبب عدم نجاح الجهود السابقة للتعامل مع القاعدة الصدرية، ويظهر الاستطلاع أن مقتدى الصدر سيظل لاعبا رئيسا في السياسة العراقية، وفهم هذا العنصر من حركته أمر بالغ الأهمية لاستقرار البلاد في السنوات المقبلة”.

إقرأ أيضا