قضية الـ600 مليون دولار.. هل تم التخطيط لـ”التعويض” قبل العقد؟

فجرت مسألة حصول شركة على تعويض قدره 600 مليون دولار من مصرف الرافدين “شبهة فساد” جديدة…

فجرت مسألة حصول شركة على تعويض قدره 600 مليون دولار من مصرف الرافدين “شبهة فساد” جديدة شغلت الرأي العام منذ يوم أمس الإثنين، وفيما شرح مختصون بالقانون والاقتصاد آلية توقيع العقود مع الجهات الحكومية والمراحل التي يفترض أن تمر بها، رجحوا أن تكون مسألة التعويض هي الغرض الأساس من هذا التعاقد، ملمحين إلى أسباب أخرى وراء إثارتها للرأي العام، كونها ليست الأولى من نوعها.

ويقول الخبير القانوني ماجد مجباس خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “القراءة الأولية الصادرة بحق مصرف الرافدين بناء على الشرط الجزائي المتأتي من العقد مع شركة بوابة عشتار تولد جملة من الاستفاهامات والإشكاليات القانونية قبل قراءة بنود العقد”.

ويبين مجباس “من خلال القراءة الأولية للحكم الظاهر بشأن العقد، تبرز الإشكالية الأولى بأنه لا يمكن أن تتعاقد أية جهة حكومية مع طرف آخر، إلا بعد أن تمر مسألة التعاقد بإجراءت قانونية، فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتحمل الدولة شروطا تعسفية أو مكامن ضعف في التعاقد”، مشيرا إلى أن “موضوع التعاقد الحكومي محكوم بموجب النظرية العامة للعقود أو العقود المسماة وغيرها من القوانين سواء في القانون المدني أو القوانين الخاصة”.

ويضيف أن “طريقة التعاقد الحكومي لا تعدو أن تكون عبر مناقصة أو مزايدة أو دعوة مباشرة أو غيرها من طرق التعاقد المنصوص عليها في قانون تنفيذ العقود الحكومية، وجميعها تمر بجملة من المراحل والشروط لا تتوفر في التعاقد مع الشركة المذكورة، ومن بينها أن تكون مجموعة الأعمال المماثلة والسمعة الكبيرة للشركة، بينما تأسست شركة بوابة عشتار قبل زمن قصير”.

ويتابع الخبير القانوني، أن “البند التعاقدي قد يكون هو البند المقصود من عملية التعاقد، وأقصد بند الشرط الجزائي، وهو في القانون المدني تعويض اتفاقي يتفق عليه المتعاقدان ابتداءً قبل حدوث الضرر، وكأنه يتنبأ بحالة حصول الضرر ليكون التعويض على الطرف المخل بالعقد، ويضع قيمة معينة، ومسألة الشرط الجزائي محكومة في المادة 170 من القانون المدني العراقي التي نصت فقرتها الأولى على أنه يجوز للمتعاقدين أن يحددا مقدما تعويضا بالنص عليه في العقد أو في اتفاق لاحق، مع مراعاة وجود الشروط والتي تشمل وجود الإنذار والتنبيه”، متسائلا “هل سبقت موضوع الدعوى مجموعة من الإنذارات”.

ويشير مجباس، إلى أن “الفقرة الثانية أيضا من المادة 170 الخاصة بالشرط الجزائي من القانون المدني، تنص على عدم استحقاق التعويض الاتفاقي إذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه أي ضرر ويجوز تخفيفه إذا ما أثبت المدين أن التقدير كان فادحا أو أن الالتزام الأصلي قد تم تنفيذ جزء منه، ويذهب باطلا كل اتفاق مخالف لأحكام هذه الفقرة”.

ويوضح أن “من فاته في مرحلة التفاوض ومرحلة وضع بنود العقد أن يكون منتبها لإجحاف الشرط الجزائي، فله في فترة ما، إقامة الدعوى ضد فداحة ذلك الشرط، كون جميع هذه الطعون بيد الشخص المتضرر”.

ويتساءل مجباس “هل مر العقد بمجموعة الغرابيل القانونية بموجب القانون المدني والقانون الخاص بتعليمات العقود الحكومية، وهل تمت مراعاة كل الاشتراطات المطلوبة بهذا القانون”، مرجحا أن “تكون الغاية من هذا البند الخاص بالشرط الجزائي الوصول إلى مرحلة الفسخ، واستفادة الشركة من قيمة الشرط الجزائي، وعلى أي حال، فمن الممكن الطعن بالقرار استئنافا وتمييزا لأن الحكم ما زال ابتدائيا”.

وكانت وثائق انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي، تفيد بكسب شركة “بوابة عشتار” دعوى قضائية ضد مصرف الرافدين، بقيمة 600 مليون دولار، نظرا لإقدام المصرف على فسخ العقد معها دون وجود شرط جزائي لكلا الطرفين.

وأثارت هذه القضية ردود فعل مستهجنة، خاصة وأن المدونين استذكروا حالات مشابهة، حيث أقدمت العديد من الشركات على رفع دعاوى تعويض ضد مؤسسات الدولة وكسبتها عبر قرارات قضائية، ما أثار تساؤلات حول هذه العقود التي توقع ومن ثم تلغى وتصرف لها تعويضات.

يشار الى أن وزير المالية علي علاوي قرر في آذار مارس 2021، إحالة مدير مصرف الرافدين إلى التحقيق وسحب يده بسبب توقيعه على مشروع “بوابة عشتار” للدفع الإلكتروني، لكونها غير مستوفية للشروط والقوانين الخاصة بالتعاقدات. 

إلى ذلك، يذكر الخبير الاقتصادي منار العبيدي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “لدى الحكومة العراقية تعليمات بتنفيذ العقود، ومن ضمنها الشروط الجزائية، وبحسب ما ذكر في العقد فيفترض بالشركة تجهيز نحو 10 آلاف صراف آلي، وقيمة الجهاز الواحد من هذه الأجهزة تتراوح بين 40 إلى 60 ألف دولار، وإذا ضرب هذا المبلغ في العدد يكون الناتج 600 مليون دولار”.

ويبين العبيدي، أن “الشرط الجزائي يوضع في حالة عدم اتفاق الطرفين، وتكون قيمته أكبر من قيمة العقد”، مستدركا بأن “تفاصيل العقد غير واضحة، ولم تعلن بصورة مفصلة وهناك كثير من العقود الغامضة كهذا العقد”.

ويؤكد أن “العراق دفع ملايين الدولارات لشركات أجنبية نتيجة شروط جزائية، وهذه ليست أول حالة، لكنها أول حالة سلطت عليها الأضواء، وأرجح أن كشف الموضوع للرأي العام غايته الابتزاز، لأن العراق كان قد دفع بالفعل أموالا طائلة كتعويضات ومرت مرور الكرام ولم يتم الحديث عنها”.

وقد أعلنت هيئة النزاهة يوم أمس، أنه تم ربط القضية الواردة إليها من لجنة النزاهة النيابية، مع إحدى القضايا التي سبق أن حققت فيها، لاشتراكهما في الموضوع الخاص بالمخالفات في العقد المبرم بين المصرف والشركة، وأكدت انها طلبت أخذ إفادة الممثل القانوني لمصرف الرافدين وتوصيات التحقيق الإداري المؤلف في وزارة المالية، ومحضر اللجنة الفنية المنبثقة من توصيات التحقيق الإداري، كما خاطبت مصرف الرافدين لتزويدها بالتحقيق الإداري وحضور ممثله القانوني، ولم ترد الإجابة.

كما أصدر مصرف الرافدين بيانا اكد فيه أن العقد تم من قبل المدير العام الأسبق للمصرف (حسين أبو هاجر)، ودون اطلاع وزارة المالية على بنوده، مبينا أنه بعد عرض العقد على وزارة المالية والاطلاع على الجوانب التجارية له والتي تمنح مقدم العطاء مزايا وأرباح غير مبررة على حساب زبائن المصرف، وحين إبلاغ الوزارة بإبرام العقد، وجه الوزير بإعادة تدقيق العقد لمصلحة الوزارة بتاريخ 9 آذار مارس 2021 أو إلغائه إذا تطلب الأمر، حيث لا ينبغي توقيع العقد إلا بموافقة الدائرة القانونية ودائرة تكنلوجيا المعلومات في الوزارة وحسب التعليمات السابقة.

وأوضح المصرف أن الشركة لجأت إلى القضاء لطلب فسخ العقد والتعويض بعد إجراءات الوزارة الحاسمة، وأصدرت المحكمة المختصة قرارها بفسخ العقد مع إلزام المصرف بمبلغ التعويض، حيث أن المصرف مستمر بمتابعة الإجراءات القانونية وتم الطعن بالقرار المجحف الصادر بحقه استئنافًا.

وعلى خلفية هذا اللغط، استقبل رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، وزير المالية علي علاوي وبحث معه الاشكاليات القانونية الخاصة بالعقد.

من جهته، يفيد الخبير القانوني جميل الضامن خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “العقد هو شريعة المتعاقدين، ويتضمن شروطا محددة غالبا بشروط جزائية، ولكن العقود الحكومية تخضع لرقابة صارمة وتدقيق شديد، ولاسيما عندما يكون الشرط الجزائي بمبلغ كبير جدا يصل إلى 900 مليار دينار، خصوصا وأن الطرف الثاني من العقد شركة لا يتجاوز رأس مالها 1 بالمليون من قيمة العقد”.

ويلفت الضامن، إلى أن “هيئة النزاهة أصدرت بيانا بأن العقد سبق وأن أحيل إلى لجنة وجار التحقيق فيه”، مشيرا إلى أن “القضاء العراقي أصدر قراره استنادا إلى الوقائع المطروحة أمامه، ولكن هذا القرار صادر عن المحكمة المتخصصة بالقضايا التجارية، وهي محكمة ابتدائية، وما زال هناك التمييز وتصحيح القرار التمييزي”.

ويتابع أن “القضاء العراقي منصف وسيعيد الحق لأصحابه، وهذا القرار لن يمضي”، مبينا أن “القضاء نظر في عقد يتضمن شروطا معينة، وهو صحيح من حيث الإبرام، والمحكمة ستحكم في ضوء المواد الموجودة في العقد”.

كما أثار هذا الملف، ردود نيابية عديدة، منها النائب عن حركة الجيل الجديد سروة عبد الواحد، التي توعدت بفتح ملف القضية في لجنة النزاهة البرلمانية، كما وجه النائب مصطفى سند، خطابا لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر من أجل بيان موقفه من خسارة مصرف الرافدين شرطا جزائيا قيمته 600 مليون دولار، فيما تعهد عضو اللجنة القانونية أحمد الأسدي، بفتح الملف في اللجنة القانونية النيابية.

يذكر أن شركة بوابة عشتار أصدرت بيانا أكدت فيه بأنها حصلت على رخصة من البنك المركزي، بالإضافة إلى اعتماد من شركة فيزا الأمريكية وشركة صينية، وأن الشرط الجزائي يتعلق بـ”نكول” –أي عدم التزام- أحد الطرفين بالعقد، وهو ما قام به مصرف الرافدين.

أقرأ أيضا