أزمة الطاقة في أوروبا.. لماذا يعجز العراق عن استثمارها لصالحه؟

في ظل تزايد مخاوف أوروبا من قطع روسيا الغاز عنها بشكل تام، وسعيها للبحث عن…

في ظل تزايد مخاوف أوروبا من قطع روسيا الغاز عنها بشكل تام، وسعيها للبحث عن مصادر جديدة للطاقة، تبرز للواجهة كيفية استثمار العراق لهذه الأزمة، إلا أن خبراء في الطاقة قللوا من إمكانية ذلك نظرا لشحة الغاز المستخرج منه، على الرغم من توقيع عقود عديدة في هذا الشأن، عازين تأخير تنفيذها إلى سوء التخطيط والفشل الإداري.

ويقول الخبير في مجال الطاقة مازن السعد خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “العراق لا يستطيع الاستفادة من الناحية الاقتصادية من أزمة الغاز في أوروبا، فهو ليس لديه أي اكتفاء ذاتي وإنما يعتمد على استيراد الغاز من الخارج”.

ويبين السعد، أن “بإمكان العراق الاستفادة من أزمة الغاز في أوروبا من خلال ارتفاع أسعار النفط، فأزمة الغاز سوف تدفع إلى صعود أنواع الوقود الأخرى، وبهذه الحالة فقط، يمكن أن يستفيد العراق من هذه الأزمة”.

ويلفت إلى أن “العراق استكشف مناطق كثيرة تضم خزينا للغاز، ولكن بدافع الفشل الإداري أو التأثيرات الخارجية لم يقم باستخراج هذا الغاز حتى اللحظة من حقول كثيرة في المناطق الشمالية والجنوبية والغربية”.

ويتابع “العراق وقع خلال السنوات الماضية كثيرا من عقود استخراج الغاز من بعض الحقول وخصوصا الجنوبية، لكن سوء التخطيط والفشل الإداري أخر تنفيذ تلك العقود، باستثناء عقود قليلة تم تنفيذها بالشكل غير المطلوب، ولذا فما زال العراق يعاني من أزمة الغاز ويعتمد على الاستيراد ولا يمتلك أي إمكانية لتصديره”.

وتعاني الدول الأوروبية من أزمة بإمدادات الطاقة، بعد الحرب الروسية-الأوكرانية، حيث قللت روسيا إمدادات الغاز الواصلة لأوروبا.

وتعتمد أوروبا على الغاز الروسي بشكل شبه أساسي، ومؤخرا نشرت صحيفة “إندبندنت” البريطانية، تقريرا حول تزايد المخاوف من إقدام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على قطع إمدادات الغاز بشكل تام عن أوروبا في فصل الشتاء، “انتقاما” من العقوبات المفروضة على موسكو بسبب الحرب في أوكرانيا.

ومن الممكن أن يؤدي توقف الغاز الروسي الواصل لأوروبا، إلى ارتفاع في الأسعار وإغلاق مصانع، وتبعات سياسية مثل انتفاضات شعبية وعصيان مدني، وفقا للصحيفة البريطانية.

وكان رئيس الوكالة الدولية للطاقة فاتح بيرول، دعا دول أوروبا صراحة في مقابلة مع صحيفة  “فاينانشال تايمز”، في حزيران يونيو الماضي، إلى “تقليل اعتمادها على الإمدادات الروسية في أسرع وقت، والاستعداد للوصول إلى وسائل أخرى مثل إبقاء محطات الطاقة النووية مفتوحة وتسريع الدفع نحو مصادر الطاقة المتجددة”.

من جهة أخرى، يفيد مصدر مسؤول في شركة تسويق النفط العراقية “سومو”، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “العراق لا يستطيع الاستفادة من أزمة الغاز الحاصلة في أوروبا، من خلال تصديره للغاز لهذه القارة، فهو لا يملك اكتفاء ذاتيا من هذه المادة”.

ويضيف المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن “تصدير الغاز يختلف تماما عن تصدير النفط، فالغاز لا يمكن تصديره عن طريق الناقلات كما يحصل مع النفط، بل يجب أن يتم من خلال الأنابيب، والعراق لا يملك أنابيب توصل الغاز إلى أوروبا، وإنشاء هكذا أنابيب يحتاج إلى أكثر من ست سنوات”.

ويشير إلى أن “العراق يستطيع الاستفادة من هذه الأزمة فقط من خلال ارتفاع أسعار النفط في السوق العالمية، فأزمة الغاز ستكون عاملا مهما في ارتفاع أسعار النفط، بسبب الطلب عليه”.

وأبلغت شركات الطاقة في ألمانيا والنمسا وفرنسا وإيطاليا وهولندا وبولندا وجمهورية التشيك وسلوفاكيا وبلغاريا عن تلقي كميات أقل من الغاز الروسي عما كانت تتوقعه هذا العام. وقالت شركة “جي.آر.تي.جاز” الفرنسية إنها لم تتلق أي شيء من “نورد ستريم 1” منذ أيار مايو الماضي، في حين حصلت “إيني” الإيطالية على النصف فقط.

وكانت وكالة “بلومبرغ”، أفادت الشهر الماضي، بأن العراق والسعودية زودا أوروبا بالنفط الخام، ما يساعد مصافي النفط في القارة على التغلب على النقص الذي تعاني منه، وقد بلغت الكمية أكثر من مليون برميل من النفط الخام وصل بشكل يومي في الأسابيع الثلاثة الأولى من شهر تموز يوليو الماضي، عبر خط أنابيب يعبر مصر.

وكانت شركة غاز البصرة، أعلنت في حزيران يونيو الماضي، عن تصدير شحنتها الأولى من الغاز شبه المبرد عبر مرفأ أم قصر، ووصفت الأمر بأنه “لحظة تاريخية وإنجاز عظيم لها وللعراق”، مؤكدة أن هذه الخطوة تمنح فرصة مضاعفة صادرات العراق عالميا إلى ثلاث مرات عبر الناقلات، كما أنها ستضاعف الكمية المصدرة في الشحنة الواحدة.

وكان وزير النفط إحسان عبد الجبار، أعلن الشهر الماضي، أنه بحث مع وزارتي الطاقة والاقتصاد الفرنسيتين قدرات العراق المحتملة في إنتاج الغاز، بعد إنجاز واكتمال خطط تطوير حقول الغاز الحر في محافظتي الأنبار وديالى، إلى جانب استثمار الغاز المصاحب للعمليات النفطية، وإمكانية تعزيز ‏هذه الكميات المنتجة لأمن الطاقة الدولي.

إلى ذلك، يوضح الخبير في الشأن النفطي حمزة الجواهري خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “العراق يعاني أساسا من أزمة في الغاز، وهو لا يستطيع استخراج الغاز وإنما يحرقه من دون تحقيق أي فائدة منه، لذلك لا يستطيع الاستفادة من أزمة أوروبا”.

ويتابع الجواهري، أن “على العراق حل أزمته في الغاز قبل التفكير في الاستفادة من الأزمة في أوروبا، فالعراق حتى الآن لم يجر أي عملية استكشافية لتحديد حقول غاز”، لافتا إلى أن “هناك تقارير ودراسات تؤكد وجود خزين كبير جدا للغاز في المنطقة الغربية، وتحديدا في وادي حوران، وهذه المنطقة حاليا تشغلها عناصر من تنظيم داعش وعوائل من عناصر التنظيم، ولهذا لا يستطيع العراق الاستفادة من هذا الخزين، كما أنه لم يبرم أي عقود مع الشركات الأجنبية المتخصصة لاستكشاف الغاز بسبب سيطرة الدواعش على مناطق الخزين”.

وتنتشر حقول الغاز المصاحب والطبيعي في معظم المحافظات النفطية العراقية، بواقع 70 بالمئة في حقول البصرة (مجنون وحلفاية والرميلة) و10 بالمئة في حقول كركوك و20 بالمئة في المناطق الشمالية والغربية في البلاد، وذلك بحسب إحصائية كاملة حصلت عليها “العالم الجديد” ضمن ملف الغاز، الذي نشرته العام الماضي.

جدير بالذكر، أن خبراء في الطاقة أكدوا سابقا لـ”العالم الجديد”، أن التأخر بحسم ملف استثمار الغاز يعود لأسباب “سياسية” وتدخلات خارجية، وليس فنيا، وهو ما أكده مسؤول في وزارة النفط أيضا.

يذكر أن وزارة النفط، أعلنت في 1 نيسان أبريل 2021، أن شركة “بيكر هيوز” الأمريكية للخدمات النفطية، هي الأقرب للفوز بعقد استثمار الغاز الطبيعي في حقل عكاز بمحافظة الأنبار غربي البلاد، كما أن هناك مفاوضات متقدمة مع الشركة (وهي إحدى أذرع شركة جنرال إلكتريك الأمريكية)، وهناك احتمال كبير أن يتم توقيع العقد مع هذه الشركة وحدها، أو أنها تقود ائتلافا لتطوير الحقل.

ويحتوي حقل عكاز في الأنبار، بحسب التقديرات، على 5.3 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، لذا يعد من أكبر حقول الغاز في العراق.

إقرأ أيضا