أهوار ذي قار.. هل بدأ العد التنازلي لاختفاء جنة عدن؟

تعيش الأهوار العراقية أقسى موجة جفاف، وخاصة في ذي قار، حيث تحولت بعض الأهوار إلى…

تعيش الأهوار العراقية أقسى موجة جفاف، ولاسيما في محافظة ذي قار، حيث تحول بعضها إلى “برك مائية” صغيرة وضحلة، بنسب إغمار لا تصل إلى 18 بالمئة، بحسب متخصصين، ما سيؤدي إلى هجرة مربي الجاموس نحو المدينة أو أماكن أخرى بعد تأثر قطعانهم بالجفاف، وينذر بجفافها بالكامل، فيما حمل مسؤول محلي، وزارة الموارد المائية مسؤولية هذه الأزمة لعدم تقسيمها الحصص المائية بشكل متساو، مشيرا إلى أن المياه تذهب لأماكن أخرى ولا تصل لأهوار المحافظة.

ويقول المهندس الاستشاري في منظمة طبيعة العراق جاسم الأسدي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “جفاف الأهوار العراقية وصل إلى مستويات خطيرة، وهو ليس وليد هذا الصيف، وإنما هناك مؤثرات سابقة ابتدأت منذ صيف العام الماضي، حيث أن إطلاقات المياه المخصصة للأهوار كانت في تناقص وما زالت، كما أن توزيعات المياه كانت غير عادلة، فقد كانت المياه تطلق إلى قطاعات أخرى على حساب الأهوار”.

ويوضح الأسدي، أن “مستوى الإغمار في الأهوار وصل اليوم إلى أقل من 18 بالمئة، وهذا يعني أن الخطة التي وضعتها وزارة الموارد المائية عام 2005 لإغمار الأهوار العراقية المقدرة مساحتها بـ5600 كيلومتر مربع، لم تثمر سوى عن إغمار 15 إلى 18 بالمئة فقط من مجمل الأهوار، أي أن الأجزاء المهمة والأساسية من الأهوار أصبحت جافة، فعلى سبيل المثال لم يتبق من عمق المياه في البركة البغدادية سوى 6 إلى 7 سم، بينما بركة أم النعاج، وهي البحيرة المهمة والأساسية في اقتصاديات السكان المحليين في العمارة، جفت بالكامل، وكذلك الحال بالنسبة لهور أبو زرك الذي جف بالكامل هو الآخر، أما الأهوار الوسطى فلم يتبق منها سوى المجاري العميقة”.

ويشير إلى أن “الجفاف ناتج عن ثلاثة أسباب أساسية، أولها سياسة دول الجوار المائية، وأعني الدول ذات العلاقة بالمياه العراقية وهي تركيا وإيران، والسبب الثاني هو التغير المناخي وأثره في التصحر، ومن مظاهر التغير المناخي قلة سقوط الأمطار والثلوج على حوضي دجلة والفرات وكذلك الزابين وروافد الأنهار، أما السبب الثالث فهو سوء إدارة الموارد المائية في جنوب العراق، ولاسيما أن الأهوار تقع في ذنائب دجلة والفرات وتتغذى على هذين النهرين العظيمين، فعلى سبيل المثال، يأخذ هور الحويزة في العمارة مياهه من نهر المشرح الذي يتفرع إلى ثلاثة فروع أساسية هي الحويجة وأم الطوس والزبير”.

ويضيف الأسدي، أن “مربي الجاموس فقدوا 15 إلى 20 بالمئة من قطعانهم، في وقت انخفضت فيه أسعار الجواميس من 3 ملايين و500 ألف إلى مليوني دينار للرأس الواحد، كما انخفضت إنتاجية هذا الحيوان من الحليب من 6 لترات إلى 3 لترات يوميا، بينما ارتفع سعر الأعلاف من 320 ألف دينار للطن الواحد إلى إلى أكثر من 800 ألف دينار، وبذلك دخل مربو الجاموس ضمن شريحة الفقراء، ولحق بهم صيادو الأسماك الذين تدهورت حالتهم بشكل كبير لانخفاض كميات الأسماك في الأهوار بواقع 95 بالمئة”.

ويتابع “نحن نسير إلى ما هو أخطر، لأن كميات المياه الموجودة في السدود، مثل سد دوكان وسد الموصل، تدهورت بشكل كبير، وفقدنا 21 مليار متر مكعب ابتداء من الأول من حزيران يونيو 2021 وحتى الأول من حزيران يونيو 2022، وبالتالي نحن تحت رحمة سياسة دول الجوار والتي هي سياسة قاسية، فالأتراك أكملوا جميع التصاميم اللازمة لسد الجزرة، وهو سد إروائي يبعد 25 كم عن الحدود التركية السورية، وسيقضي على ما تبقى من المياه القادمة إلى الأراضي العراقية، كما ستنخفض الخطة المائية إلى 60 بالمئة، ومن المتوقع أن تحدث هجرة داخلية لمربي الجاموس من منطقة إلى أخرى داخل الأهوار، إضافة إلى هجرة لخارج الأهوار، وكل هذا يضر بالسكان المحليين من جهة، والبيئة العراقية من جهة أخرى”.

ومنذ أيام، شهدت الأهوار التي كانت تعرف في الحضارات القديمة بـ”جنة عدن”، أقسى موجة جفاف في تاريخها، حيث جفت مياهها بشكل شبه كامل ولم يتبق منها سوى برك صغيرة، وأظهرت صور تشقق الأراضي، في مشاهد أثارت استياء الرأي العام.

وشهدت الأهوار سنوات سابقة من الجفاف القوي قبل أن ترويها من جديد مواسم الأمطار الغزيرة، وخاصة بين عامي 2020 و2022، حيث انخفض مستوى المياه والرطوبة في 41 بالمئة من مساحة الأهوار، من بينها الحويزة والجبايش، فيما جفت مسطحات مائية في 46 بالمئة من مساحة الأهوار، بحسب مسح قامت به منظمة “باكس” الهولندية غير الحكومية معتمدة على صور من الأقمار الاصطناعية.

يذكر أن منظمة الأغذية والزراعة في الأمم المتحدة (فاو) دقت ناقوس الخطر، وحذرت في تقرير نشر منتصف تموز يوليو الماضي، من أن الأهوار “واحدة من أفقر المناطق في العراق وإحدى أكثر المناطق تضررا من تغير المناخ ونقص المياه”، مشيرة إلى آثار كارثية على سبل عيش أكثر من ستة آلاف أسرة ريفية، إذ أنها فقدت جواميسها التي تعد مصدر رزقهم الوحيد.

من جهته، يفيد معاون محافظ ذي قار عباس جابر خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “موضوع الجفاف إقليمي وليس خاصا بالعراق فقط، فضلا عن أن بعض الدول تنشئ سدودا أو لا تلتزم بإعطاء الحصة المائية المحددة  للعراق، إضافة إلى أن هناك تقصيرا حقيقيا من قبل الحكومات السابقة بعدم إبرام اتفاقيات حقيقية تلزم دول المنابع بإعطاء الحصة المائية الحقيقية للعراق وعدم المساس بها”.

ويلفت جابر إلى أن “تقليل حصص العراق من دول المنابع تسبب بقلة الإطلاقات المائية الخاصة بالأهوار، فضلا عن أن هناك تقصيرا واضحا من وزارة الموارد المائية في موضوع تقنين صرف المياه وتوزيعها بشكل عادل”.

ويشدد على أن “المياه ثروة من ثروات البلاد، ولابد من توزيعها بشكل عادل بين المحافظات بحصص معلومة وواضحة، ونحن كحكومة محلية أكدنا وطلبنا مرارا من وزارة الموارد المائية تحديد ما هي  الكمية الحقيقية التي نستحقها كمحافظة ذي قار لتغذية المناطق وسد النقص الحاصل في مياه الشرب أو مياه الزراعة، ولكن لم نحصل على أي إجابة”، مؤكدا ضرورة أن “تكون هناك حصة مائية ثابتة للأهوار خارج نطاق الحصة المائية لمحافظة ذي قار”.

ويبين جابر أن “80 بالمئة من مياه الفرات تصل ملوثة وثقيلة بسبب فتح المبازل عليه في المناطق الأعلى من ذي قار، وهذا وفقا لتقارير صادرة عن وزارة الموارد المائية ولجنة الأمر الديواني المشكلة من رئاسة الوزراء والمعنية بتقليل ملوحة نهر الفرات أو القضاء عليها نهائيا”.

وحاولت “العالم الجديد” التواصل مع وزارة الموارد المائية، لكن لم تتمكن من الحصول على رد منها، حيث لم يرد أي مسؤول فيها على الاتصالات.

وكانت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) قد وافقت في عام 2016 على إدراج الأهوار في قائمة التراث العالمي، محمية طبيعية دولية، بالإضافة إلى مدن أثرية قديمة قريبة منها مثل أور وأريدو والوركاء.

وقد أطلق ناشطون خلال الأيام الماضية، حملة واسعة في وسائل التواصل الاجتماعي تحت عنوان “أنقذوا أهوار العراق”، مسلطين الضوء فيها على الجفاف الذي عصف بها.

ومنذ أشهر عدة، برزت أزمة الجفاف بشكل جلي في العراق، ما أثر بشكل كبير على الخطط الزراعية، وبلغت مرحلة فقدان بعض المحافظات لخططها الزراعية بالكامل.

وفي السياق ذاته، يوضح الخبير المائي عادل المختار خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الأهوار ليست مجرد مسطحات مائية يجب أن نملؤها بالمياه، وإنما هي جزء من تاريخ العالم، وعندما دخلت لائحة التراث العالمي لاحظنا احتفاء المنظمات والإعلام بها، لكن الغريب اليوم أن الأهوار تعاني ولم نر من يهتم أو يناشد الأمم المتحدة ضرورة الحفاظ على هذه المواقع التاريخية”.

ويضيف المختار، أن “مستوى المياه في الأهوار بلغ مراحل متدنية جدا، وهذا ما حذرنا منه سابقا، فالأهوار تعاني حاليا من هلاك الحيوانات، وإذا استمر الحال على ما هو عليه فقد تختفي الأهوار بشكل كامل”، مبينا أن “وزارة الموارد المائية رفضت التفاوض بشأن حصص العراق المائية إلا بعد تشكيل الحكومة الجديدة، ولكن إذا جاء الشتاء المقبل جافا ولم تسقط أمطار غزيرة لغاية نهاية كانون الأول ديسمبر 2022 فسوف تحصل كارثة حقيقية وتجف الأهوار تماما”.

ويتعرض العراق لمخاطر التصحر بسبب موجات الجفاف الناتجة عن قلة الحصة المائية لنهري دجلة والفرات بعد بناء عدة سدود عليهما من قبل دول الجوار على الرغم من وجود اتفاقيات ومعاهدات دولية تنظم ذلك مثل معاهدة “رامسر” للأراضي الرطبة التي انطلقت عام 1971 في إيران، وأصبحت سارية المفعول في العام 1975، وتتخذ من مدينة جنيف مقرا لها، وانضم إليها العراق عام 2007.

وكانت مديرة قسم الأهوار والإدارة المستدامة للنظم البيئية الطبيعية في وزارة البيئة نجلة الوائلي، حذرت في كانون الأول ديسمبر 2021، من سحب موقع هور الحويزة من لائحة التراث العالمي، بعد أن أدرج فيها عام 2016 مع ثلاثة أهوار أخرى بسبب الجفاف، مؤكدة أنه لا يمكن للعراق الانضمام إلى الاتفاقيات الدولية ثم التخلي عنها بعد ذلك، إذ لديه مشاريع ممولة من قبل المنظمات الدولية بعد دخول تلك المناطق في لائحة التراث العالمي.

إقرأ أيضا