خبراء لـ”العالم الجديد”: وضع “الموبايل” بيد الأطفال يتسبب بمشاكل جسدية ونفسية

أمام باب عيادة طبيب عيون في بغداد، يقف حسين حاتم ممسكا بيد ابنه أحمد ذي…

أمام باب عيادة طبيب عيون في بغداد، يقف حسين حاتم (40 عاما) ممسكا بيد ابنه أحمد ذي الأربع سنوات، آملا بإيجاد علاج للحول الذي أصاب عين ابنه نتيجة إدمانه على استخدام الهاتف النقال.

ولم تتضرر عين الطفل فقط من كثرة الإمعان في شاشة الهاتف النقال، وإنما بات يعيش عزلة شديدة أيضا بدأت تتسبب بقلق والديه.

ويقول حاتم خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الهاتف النقال صار وسيلة تستخدمها الأمهات لتسلية الأطفال وإلهائهم عن البكاء، وهذا ابني ملتصق بالهاتف من لحظة استيقاظه حتى نومه في الليل”.

ويضيف حاتم، أن “ابني يعيش في عزلة شديدة بسبب الهاتف النقال، إضافة إلى إصابة عينه بالحول، وهذه مشكلة حقيقية أبحث بشكل جاد عن حل نهائي لها”.

ويشير إلى أن “الأطفال في الماضي كانوا يسلون أنفسهم بوسائل تجعلهم يتحركون، ما يسهم بتقوية أبدانهم، لكنهم اليوم متسمرون في أماكنهم والهواتف في أيديهم، ولذلك فإن أجسامهم لا تكتسب القوة والنشاط”.

ويجسد الطفل أحمد مثالا على ظاهرة باتت شائعة بين أطفال الجيل الإلكتروني، حيث يتخذون من الهواتف النقالة وسيلة وحيدة للعب والتسلية، وهو ما يعرضهم لأضرار جسيمة على المستويات الجسدية والاجتماعية والنفسية، كما يفيد متخصصون.

ووفقا لدراسة غربية نشرت العام الماضي، ونقلها موقع “العربية” فإن طفلا واحدا من بين كل أربعة أطفال ومراهقين يعاني من مشاكل في استخدام الهواتف الذكية، وأشارت أيضا إلى أن مثل هذا السلوك يرتبط بضعف الصحة العقلية.

وبحسب الدراسة ذاتها، فإن الأشخاص الذين يعانون من مشاكل في استخدام الهواتف الذكية أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب والقلق والشعور بالإجهاد وقلة النوم، فضلا عن ضعف مستوى التحصيل العلمي، حيث زادت احتمالات الإصابة بثلاثة أضعاف.

إلى ذلك، توضح الباحثة الاجتماعية نضال العبادي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “أي شيء ينجذب له الإنسان يكون هو البيئة الحاوية له، ونلاحظ انتماء الأطفال في هذا الزمن إلى الهواتف النقالة من خلال كثرة الاستخدام، والطفل يتعلق بالهاتف لأنه يجد فيه مصدرا لسعادته”.

وتتابع العبادي أن “هذه التصرفات تولد لدى الأطفال شعورا بنقص العاطفة لعدم انتمائهم إلى البيئة الاجتماعية الطبيعية بسبب كثرة الوقت الذي يقضونه مع الهاتف، وهذا الشعور ينتج الكثير من الأزمات النفسية ويجعل الطفل عدوانيا وكثير التذمر”.

وتبين أن “الطفل عند شعوره بالانتماء لهذه البيئة، سيعمل على محاربة كل من يعمل على إبعاده عنها، وهذا سيشكل عائقا لو أردنا معالجة هذه التصرفات والسلوكيات الخاطئة للطفل الذي يعاني الانعزال والكلام غير السوي والتأخر في العديد من مظاهر النمو قياسا بالأطفال الطبيعيين”.

وكانت “العالم الجديد” سلطت الضوء سابقا على اندثار العادات الاجتماعية والألعاب الشعبية في الأزقة، وخاصة في المناسبات، وقد عزي الأمر من قبل متخصصين إلى دخول التكنولوجيا والهواتف المحمولة، وبحسب آباء تحدثوا للصحيفة في حينها، فإن أبناءهم لا يستجيبون للخروج من المنزل وممارسة الألعاب في الخارج أو المشاركة بالزيارات الاجتماعية، “فكل منهم ممسك بهاتفه” كما قالوا.

ومنذ أكثر من قرن من الزمن، كان التلفاز هو الوسيلة الأولى لنقل الأخبار والبرامج التعليمية والترفيهية، وقد شهد تطورا كبيرا ونقلات نوعية، حولته لشاشة مسطحة بدقة بث عالية جدا، بعد أن كان صندوقا ضخما حتى منتصف القرن الماضي، لكن الآن بات لهذا الجهاز الأول في كل منزل، منافسا شرسا وهي الأجهزة الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي.

في العراق، وكسائر بلدان العالم، أصبح الاعتماد على الهواتف النقالة أكثر من التلفاز، في متابعة أحداث العالم وكافة المواد المرئية الأخرى، وفي ما يخص الأطفال فإن قنوات عديدة فتحت لتقدم محتوى خاصا بهم، وغالبا يكون من دون رقابة.

وفي هذا الصدد، يفيد الطبيب النفسي وسام الذنون خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “الأبحاث الجديدة تشير إلى أن الاستخدام اليومي للهاتف للأطفال من عمر سنة إلى 12 سنة هو صفر ساعة، وكذلك شاشات التلفزيون”.

ويشير الذنون إلى أن “الهواتف النقالة تدخل الطفل في عالم من الوحدة خال من التفاعل الاجتماعي مع الآخرين، فينفصل الطفل عن الناس عندما يتسمر أمام شاشات الهاتف أو التلفزيون لفترات طويلة، وهذا ما يحدث اليوم بكثرة، وخاصة لدى الأهالي الموظفين أو الذين لديهم عدد كبير من الأطفال، حيث يعطون الطفل الهاتف النقال لإسكاته وإلهائه، فيبدأ الطفل بفقدان المهارات الاجتماعية، وفي بعض الأحيان يفقد القدرة على الكلام أيضا”.

ويستطرد الذنون أن “كثرة استخدام الهواتف النقالة والتلفزيون تدخل الطفل في حالة مرضية تسمى اضطراب التواصل الاجتماعي، فضلا عن بعض الأمراض الأخرى مثل فقدان فرط الحركة أو طيف التوحد الخفيف، وقد تسوء الحالة أكثر وتصل إلى مرحلة الضعف الاجتماعي، حيث تتأثر علاقاته مع بقية الأطفال ويصعب عليه الاختلاط والاندماج والخروج من المنزل”.

ويوضح أن “الطفل الملاصق للهاتف النقال سيواجه صعوبة في النطق في أول 3 سنوات، إضافة إلى تأثر مستوى ذكائه لعدم وجود عوامل تحفيز، وضعف لغته الأم، لأنه سيستمع إلى فيديوهات بلغات أخرى ويحفظها ويحاول التكلم بها، وكل هذه الأعراض تكون في السنوات الثلاث الأولى”.

ويضيف الذنون “بعد عمر الثالثة يدخل الطفل في اضطرابات اجتماعية، لأن المهارات الاجتماعية تبدأ بالتبلور لدى الطفل بعد عمر 3 سنوات، بينما هو فاقد للتواصل الاجتماعي أساسا بسبب كثرة الشاشات، فيتأخر تواصله الاجتماعي، إضافة إلى أنه سيواجه مواقع مخيفة تسبب تأخر التعليم لديه، وهذه المشاكل تحدث في العمر بين 3 و6 سنوات”.

ويتابع أنه “في عمر 6 سنوات فما فوق، قد يشاهد الطفل مشاهد لا تلائم عمره أو يتصفح مواقع للكبار، فهناك مثلا أفلام كارتون أو أنيمي لكنها تحمل أفكارا للبالغين وتؤثر على الناحية الأخلاقية للطفل”، لافتا إلى أنه “بالنسبة لليوتيوب والأغاني فالمشكلة أخطر، لأن الأغاني مكررة، والتكرار لا يعلم أي كلام أو لغة، إضافة إلى خطورة الإصابة بمرض التوحد، فهناك قنوات خاصة بالأغاني لا تسبب التوحد فقط، وإنما تسبب أعراضا اجتماعية شديدة، وتضاف إلى كل ذلك أمراض العين كبعد أو قصر النظر أو الجفاف بسبب مواجهة الشاشات ساعات طويلة”.

جدير بالذكر، أن الخبير القانوني الراحل طارق حرب، تحدث في وقت سابق لـ”العالم الجديد”، حول مسألة عدم الرقابة على المحتوى الذي يقدم للأطفال، قائلا إن العراق لا يوجد فيه قانون يحدد أو ينظم هذه المحتوى الإلكتروني، وذلك بعد أن وصف هذا المحتوى بـ”القبيح” وأنه يتسرب للأطفال بشكل يسير.

يشار إلى أن أغلب المواد التي كانت تعرض في القنوات الخاصة بالأطفال في التلفزيون، وخاصة الرسوم المتحركة، تخضع قبل عرضها لرقابة دقيقة ويتم حذف بعض مفرداتها أو مشاهدها، وهذا معمول به في دول العالم العربي وبعض الدول الآسيوية الأخرى، بهدف إظهار المحتوى المناسب للفئة العمرية المستهدفة، وهذا الأمر يجري خاصة مع الأفلام الكرتونية التي تنتجها هوليوود، والتي تتضمن مشاهد أو حوارات “سياسية ودينية وإباحية”، لكن هذا الأمر انعدم في وسائل التواصل الاجتماعي.

إقرأ أيضا