ما سر تراجع شراء العراقيين للعقارات في تركيا؟

لم يعد إقبال العراقيين على شراء العقارات السكنية في تركيا مزدهرا، وهو ما عزاه متخصصون…

لم يعد إقبال العراقيين على شراء العقارات السكنية في تركيا مزدهرا، وهو ما عزاه متخصصون في الاقتصاد وأصحاب شركات عقارات إلى الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالدولة الجارة، فضلا عن ضوابطها الجديدة لمنح الإقامات التي باتت تقتصر على الشخص الذي يشتري فقط من دون أفراد أسرته.

وتقول الخبيرة في الشأن الاقتصادي سلام سميسم خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “انخفاض إقبال العراقيين على شراء العقارات التركية خلال الشهر الماضي ليس له أي علاقة بقضية الخلافات السياسية الأخيرة ما بين بغداد وأنقرة، وإنما هي بسبب عدم الاستقرار الاقتصادي في تركيا”.

وتبين سميسم، أن “هناك حالة من التخبط في السياسة التركية تجاه العراق، وهذا يؤدي إلى خوف المواطن العراقي من الاستثمار في تركيا، خصوصا أن هناك مواطنين عراقيين لم تتم منحهم الإقامة على الرغم من أنهم مستثمرون، كما تعرضوا لبعض العراقيل المفتعلة”.

وتتابع “لهذه الأسباب انخفض إقبال العراقيين على شراء العقارات التركية، وهذا بكل تأكيد سيكون له تأثير سلبي على الاقتصاد التركي بصورة عامة بسبب هذا التراجع”.

وكانت هيئة الإحصاء التركية، أعلنت أمس الأول، عن تراجع شراء العراقيين للعقارات في تركيا لأكثر من النصف، حيث تصدر الروس اللائحة خلال تموز يوليو الماضي، بعدد ألف و28 منزلا، فيما جاء الإيرانيون بالمرتبة الثانية حيث اشتروا 431 منزلا، والعراقيون ثالثا بـ380 منزلا، بانخفاض أكثر من النصف عن الشهر السابق الذي كان 807 منازل.

يشار إلى أن العراقيين يتصدرون قائمة شراء المنازل في تركيا منذ العام 2015، إلا أن العراق تراجع للمركز الثاني بعد إيران مع بداية العام الماضي.

وفي بغداد، والعراق عموما، تعاني البنى التحتية من ترد كبير، سواء في قطاعات الكهرباء أو الماء أو المجاري، بالإضافة إلى الطرق، ما يدفع المواطن للاستعانة بمولدات الكهرباء الأهلية وشراء ماء الشرب ودفع اشتراكات لشركات التنظيف الخاصة في بعض المناطق، في ظل تعطل دور البلديات وتراكم النفايات في الأزقة والطرق، وهو ما سلطت “العالم الجديد” عليه الضوء في تقرير سابق، وأبدت العديد من دوائر البلدية شكواها من “الفساد” الذي طالها وأدى إلى تعطل عملها.

إلى ذلك، يوضح أحمد الدليمي، صاحب مكتب للعقارات في إسطنبول، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “أبرز أسباب انخفاض إقبال العراقيين على شراء العقارات التركية هو صعوبة حصولهم على الإقامة، فالإقامة العقارية أصبحت تمنح فقط لصاحب العقار المسجل باسمه من دون إشراك أفراد أسرته، وهذا هو السبب الرئيس لهذا الانخفاض، فهناك الكثير من طلبات الإقامة العقارية رفضت من قبل السلطات التركية”.

ويبين الدليمي أن “السبب الآخر هو عدم استقرار الوضع الاقتصادي في تركيا، خصوصا بعد الهبوط الكبير في الليرة مقابل الدولار، وهذا ما أسفر عن ارتفاع كبير في أسعار المواد الغذائية وغيرها في تركيا، خصوصا أن غالبية العراقيين اختاروا تركيا للعيش سابقا بسبب رخص الأسعار فيها، ولكن اليوم أصبحت أسعار المواد فيها مقاربة للأسعار في السوق العراقية”.

وفي العام الماضي، وبحسب مؤشر “ميرسر” الخاص بأفضل وأسوأ مدن العالم للعيش، والذي جمع 231 مدينة، فإن بغداد جاءت بالمركز الأخير كأسوأ مدينة للعيش، بالتقاسم مع العاصمة السورية دمشق.

وتعيش تركيا أسوأ أزمة اقتصادية، حيث انهارت عملتها المحلية “الليرة” أمام الدولار لمستويات قياسية، مسجلة 1800 ليرة لكل 100 دولار، بعد أن كانت ولغاية قبل 3 أعوام ماضية، تسجل 430 ليرة لكل 100 دولار، ما انعكس على أسعار كافة المواد لديها، حيث ارتفعت بشكل كبير، ما أدى إلى ارتفاع أسعار البضائع التي تصدرها أيضا، نظرا لارتفاع تكلفة إنتاجها.

من جهته، يفيد الخبير الاقتصادي ناصر الكناني خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “انخفاض إقبال العراقيين على شراء العقارات التركية يعود إلى عدم الاستقرار الاقتصادي في تركيا، خصوصا في ما يتعلق بمجال العملة، وهذا الأمر سبب خسائر كبيرة لبعض المستثمرين العراقيين هناك”.

ويشير الكناني إلى أن “أغلب العراقيين المستثمرين في تركيا حائزين على الدولار، وعند شرائهم أي عقار يفرض البعض عليهم شرط الدفع بالليرة التركية، وهذا التحويل يسبب خسائر كبيرة بسبب عدم استقرار الليرة، فهي تشهد صعودا وهبوطا بشكل مستمر خلال الفترة الماضية”.

ويضيف أن “انخفاض إقبال العراقيين على شراء العقارات التركية، بكل تأكيد ستكون له تبعات سلبية على الوضع الاقتصادي لتركيا، خصوصا أن العراقيين كانوا المتصدرين للاستثمارات العقارية، وربما تكون هناك قرارات تركية جديدة قد تدفع العراقيين للعودة مجددا للاستثمارات العقارية”.

وتعد أسعار العقارات في العراق مقارنة بالوضع الخدمي المتردي، أعلى من بعض دول المنطقة، التي تشهد تطورا كبيرا في الخدمات واستقرارا أمنيا ملحوظا، مثل تركيا، حيث يبلغ متوسط سعر الإيجار في العاصمة الاقتصادية إسطنبول، والتي تعد مركز جذب سياحي عالمي نحو 500 دولار، فيما تتراوح أسعار الإيجارات في المدن الاخرى بين 150– 300 دولار، مع توفر كافة الخدمات، في حين تتراوح أسعار الشقق في تركيا بين 40– 80 ألف دولار، سواء في إسطنبول أو المدن الأخرى.

يشار إلى أن العراق، يفتقر لقوانين تنظم العقارات، سواء البيع أو الإيجار، على عكس دول المنطقة التي تنظم هذه العملية بقانون، وتحدد حجم الارتفاع سنويا، كما تضمن حقوق طرفي العقد في الإيجارات، وتحدد القيمة وفق ما تراه الدولة متوازيا مع طبيعة الأجور والوضع الاقتصادي العام.

إقرأ أيضا