أهوار واسط.. جفاف وآثار كارثية خفضت أسعار الجواميس 90%

صفقة غير مرضية له لكنه مرغم عليها، عقدها محمد حميد، أحد سكان أهوار محافظة واسط،…

يقف محمد حميد (39 عاما)، بحسرة وهو يعد مبلغا قليلا من المال، تسلمه مقابل بيعه لإحدى جواميسه المتبقية، بدلا من نفوقها بسبب الجفاف الذي ضرب أهوار محافظة واسط، حيث يقطن.

ويقول حميد خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “سعر الرأس الواحد من الجواميس كان يبلغ أكثر من 3 ملايين دينار، لكن انحسار الماء بدأ يتسبب بنفوقها، وهو ما يدفعنا إلى بيعها بأسعار منخفضة جدا تصل إلى 400 أو 300 ألف دينار فقط”.

ويضيف أن “الجواميس هي المصدر الأول لرزقنا، فقد كنا نعيش من بيع الحليب والقيمر المستخرج منها، ولكن الآن مع انخفاض مناسيب المياه وتلوثها، صار علينا شراء المياه النظيفة بأسعار باهظة لتغطس فيها الجواميس، وهذه تجارة خاسرة”.

ويشير إلى أن “صيد الأسماك من مصادر رزقنا أيضا، وكذلك صيد بعض الطيور المهاجرة أو المستوطنة، لكن كل هذه الكائنات ليست متوفرة في الوقت الحالي، فلم يبق في الهور ماء أو قصب”.

ويوجد في محافظة واسط العديد من الأهوار، أغلبها مشتركة مع محافظات أخرى، وأبرزها هور الشويجة وهور الدلمج، وهو مشترك مع محافظة الديوانية.

ويتعرض العراق لمخاطر التصحر بسبب موجات الجفاف الناتجة عن قلة الحصة المائية لنهري دجلة والفرات بعد بناء عدة سدود عليهما من قبل دول الجوار على الرغم من وجود اتفاقيات ومعاهدات دولية تنظم ذلك مثل معاهدة “رامسار” للأراضي الرطبة التي انطلقت عام 1971 في إيران وأصبحت سارية المفعول عام 1975، وتتخذ من مدينة جنيف مقرا لها، وانضم إليها العراق عام 2007.

وكانت وكالة الأنباء الفرنسية وثقت العام الماضي “جريمة بيئية” في أهوار العراق، بسبب مياه المجاري الثقيلة التي تتدفق لها من أنابيب الصرف الصحي مباشرة، ما أدى إلى نفوق كميات كبيرة من الأسماك.

إلى ذلك، يوضح معاون محافظ واسط حسن الشمري خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الأزمة المائية عامة ولا تقتصر على واسط فقط”، لافتا إلى أن “قلة إطلاق المياه المخصصة للعراق من الجانب التركي تسببت بعدم وصول المياه بصورة كافية من سد الموصل”.

ويبين الشمري أن “واسط تضم سد الكوت ذا الدور الأساسي في رفع مستوى المياه، ولكن هذا السد لم يخدم محافظتنا بسبب اعتماد المناطق الجنوبية عليه أيضا كالبصرة وميسان، لذلك جفت الأهوار بنسبة 70 بالمئة، وفي حال استمرار عدم وصول المياه للأهوار سنشهد هجرة كبيرة منها”.

ويؤكد أن “جفاف الأهوار أثر على الأهالي هناك، ولاسيما أن حرفتهم هناك هي صيد الأسماك وتربية الجاموس”، مشيرا إلى “عدم وجود خطط شتوية وصيفية بسبب الجفاف الحاصل في المحافظة وليس الأهوار فقط”.

وكانت المياه عادت إلى الأهوار بعد عام 2003، بعد إزالة السدود الترابية التي بنيت في فترة رئيس النظام السابق صدام حسين، وعاد إلى المنطقة أكثر من 200 نوع من الطيور وعشرات الأنواع من الحيوانات البرية.

وسلطت “العالم الجديد” في حزيران يونيو الماضي، على تناقص أعداد الجاموس في البلد، من ملايين إلى آلاف فقط، بسبب الجفاف وأرتفاع أسعار الأعلاف، حيث كان سابقا في العراق 12 مليون رأس جاموس والآن 30 ألفا فقط.

من جانبه، يفيد الناشط البيئي مهدي ليث خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “أسباب جفاف الأهوار عالمية وواضحة، وهي تتمثل بالتغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة في جميع أنحاء العالم، حيث نشاهد تأثر بلدان أوروبية مثل بريطانيا وإيطاليا بالتغيرات المناخية، لكن العامل الأكثر تأثيرا حاليا بالنسبة للعراق هي دول الجوار إيران وتركيا وسوريا، وهي الدول التي تأتي منها أنهار العراق، فهذه الدول بدأت ببناء السدود على الأنهار، وخاصة إيران التي غيرت مسار الكثير من الأنهار التي تدخل إلى العراق، والتي كانت تغذي جانبا مهما من الأهوار”.

ويتابع ليث “عندما يحدث الجفاف يكون هناك تأثير واضح جدا على سكان الأهوار، فهؤلاء الناس يعيشون في هذه المنطقة منذ خمسة آلاف سنة وفق نظام معين، وهم يعتمدون على الماء والقصب وصيد الأسماك وتربية الجاموس، وهذا التراث كله معرض للاندثار”، مبينا أن “أعدادا كبيرة من الجواميس مهددة بالهلاك بسبب شح المياه والتراكيز الملحية العالية في المياه المتبقية، إضافة إلى الأمراض الموجودة فيها والتي تفتك بالحيوانات والكائنات المائية”.

ويضيف أن “نظاما بيئيا متكاملا على وشك الانهيار في الأهوار، وإذا انهار هذا النظام فإن سكان الأهوار سينزحون إلى المدن، وهذا قد يولد مشكلات اجتماعية لأنهم لم يعتادوا بيئة المدينة وأنظمتها وأعرافها”، مشددا على أن “الموضوع خطير جدا ولكن الإعلام لا يسلط الأضواء عليه بسبب الانشغال بالأزمة السياسية الحالية، كما أن سكان الأهوار غير موجودين على منصات التواصل الاجتماعي ليوصلوا أصواتهم، لذلك يعمل بعض الناشطين والمشاهير على نشر مأساة الأهوار بصور ومقاطع فيديو على أمل أن تلقى اهتماما من الجهات المعنية، ويضاف إلى كل ذلك أن الأهوار مدرجة على لائحة اليونيسكو للتراث العالمي، ولذلك لابد من تدخل المجتمع الدولي للضغط على دول جوار العراق من أجل منحه حصصه العادلة من المياه وإعادة الحياة إلى الأهوار”.

وسبق لمتخصصين أن أكدوا لـ”العالم الجديد”، أن تدني مستويات المياه في الأهوار سينعكس سلبا على رعي الجاموس وحصاد الحشيش والقصب وصناعة الزوارق، إضافة إلى صيد الأسماك.

وكان خبراء في الاقتصاد أكدوا سابقا لـ”العالم الجديد”، أن الثروة الحيوانية في العراق تحظى باهتمام خجول من قبل وزارة الزراعة لا يرقى لسد حاجة السوق المحلية من اللحوم وغيرها وخصوصا في المناطق الوسطى والجنوبية.

يذكر أن محافظة واسط، وبحسب تصريح لمدير زراعة المحافظة أركان الشمري، شهدت تقليص الخطة الزراعية فيها إلى نحو النصف بواقع 40 ألف دونم، بعد أن كانت هناك مطالبات بزراعة 70 ألف دونم، بسبب شح المياه.

إقرأ أيضا