في الذكرى الـ12.. ما الذي تغير في العراق بعد أول انسحاب أمريكي؟

قبل 12 عاما، وفي صبيحة 19 آب أغسطس 2010، انسحبت آخر وحدة قتالية أمريكية من…

قبل 12 عاما، وفي صبيحة 19 آب أغسطس 2010، انسحبت آخر وحدة قتالية أمريكية من العراق، ليدخل البلد، وفقا لخبراء بالأمن والسياسة، في منعطف خطير، تمثل بزيادة النفوذ الإيراني من جهة، وهجوم تنظيم داعش من جهة أخرى، في مقابل الإشارة إلى أن الانسحاب لم يؤثر كثيرا على القوة العسكرية للعراق، باستثناء الغطاء الجوي الذي فقدته البلاد.

ويقول الخبير الاستراتيجي حاتم الفلاحي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “انسحاب القوات الأمريكية كان غير مسؤول، وقد عده خبراء عسكريون خطأ استراتيجيا كبيرا أدى إلى تراجع النفوذ الأمريكي في المنطقة بشكل عام وأدى إلى تمدد إيران بشكل كبير في المنطقة”.

ويبين الفلاحي، أن “الانسحاب الأمريكي جاء بهدف خروج أمريكا من الحروب التي سميت بالعبثية نتيجة الخسائر الكبيرة التي تكبدتها، على الرغم من أنه انسحاب صوري، نتيجة بقاء أعداد كبيرة وصلت إلى ما يقارب 50 ألف مقاتل بمختلف صنوفهم”.

ويشير إلى أن “القرار السياسي الآن مصادر بالكامل، علما أنه طوال الفترة السابقة كانت التوافقات الأمريكية-الإيرانية كبيرة جدا وتشكل الحكومات، ويتمثل ذلك في الانقلاب على إياد علاوي حين فاز في انتخابات 2010 وحصل الاتفاق على إعادة تولية نوري المالكي مرة أخرى”.

ويتابع الفلاحي، أن “الحكومة العراقية فاقدة لقرارها الأمني والسياسي والاقتصادي لحساب الجهات التي وظفتها إيران في العراق”، لافتا إلى أن “الانتخابات الأخيرة أفضت إلى إدارة البلد بحكومة تصريف أعمال مع فوضى سياسية وانقسام في الشارع العراقي وإهدار في المال العام”.

وينوه إلى أن “خروقات أمنية كبيرة جدا حصلت بعد الانسحاب، منها سيطرة تنظيم داعش على 4 محافظات سنية”.

وكانت آخر الوحدات القتالية الأمريكية غادرت العراق باتجاه الكويت، مع الساعات الأولى من صباح 19 آب أغسطس 2010، أي قبل نحو أسبوعين من الموعد النهائي الذي تم تحديده آنذاك لانسحابها.

وأظهرت مشاهد بثها التلفزيون الأمريكي في ذلك اليوم، صورا لفرقة سترايكر الرابعة وفرقة المشاة الثانية، يجتازون الحدود باتجاه الكويت.

وكان من المقرر أن تنسحب القوات القتالية الأمريكية من العراق بحلول نهاية آب أغسطس 2010، ليتقلص بذلك الوجود العسكري الأمريكي إلى نحو 50 ألف جندي.

ووصف المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية آنذاك، فيليب كراولي، الانسحاب بأنه لحظة تاريخية، لكنه أشار إلى أن الالتزام الأمريكي في العراق صلب وطويل الأمد.

إلى ذلك، يبين المحلل السياسي المقيم في واشنطن عقيل عباس خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “انسحاب القوات الأمريكية كان سابقا لأوانه، وأثر على العراق سلبا، وكان بمثابة غياب وسيط تتقبله الأوساط العراقية، وخصوصا الكرد”.

ويتابع عباس، أن “خروج القوات الأمريكية سمح بتغول رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي على حساب خصومه السياسيين، حيث كان وجود تلك القوات يمثل عائقا له، ويمنع تجاوز طرف على آخر، وهو ما أدى إلى صعود ديكتاتورية المالكي في حكومته الثانية وإحساسه بأنه لا رقيب عليه”.

ويشير إلى أن “لإيران نفوذا معروفا في العراق، والإحساس العام هو أن إيران هي المستفيدة الأكبر من الإطاحة بنظام صدام حسين وليس الولايات المتحدة، التي فشل مشروعها في العراق بقيام نظام ديمقراطي ليبرالي قريب منها ومن الغرب بشكل عام”.

ويؤكد عباس أن “العراق ليس لديه سياسة واضحة، لا إزاء إيران ولا الولايات المتحدة، فالدولة العراقية لم تتمكن من وضع سياسة خارجية واضحة، ولكن بالنتيجة فإن إيران هي صاحبة الحضور الأكبر في العراق”.

وفي عام 2014، وبعد اجتياح تنظيم داعش أجزاء من الأراضي العراقية، قدمت بغداد في حينها طلبا لواشنطن، للمساعدة بدحر داعش، وقد تشكل تحالف دولي لمحاربته، وعادت القوات الأمريكية للعراق مجددا.

وشهد العراق تحركا كبيرا للمطالبة بخروج القوات الأمريكية من البلد، وذلك بعد اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس قرب مطار بغداد الدولي في 3 كانون الثاني يناير 2020.

من جانبه، يفيد المحلل السياسي سرمد البياتي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “انسحاب القوات الأمريكية لم يكن ذا تأثير كبير باستثناء ضعف الرصد الجوي والمراقبة الجوية لتحركات داعش، على الرغم من محاولات العراق جذب المعدات اللازمة، ولكن الولايات المتحدة متطورة بشكل أكبر في هذا الجانب”.

ويضيف البياتي، أن “العمل الاستخباري بين القوات الأمريكية والعراقية ما زال موجودا”، مبينا أن “القوات العراقية لا تحتاج شيئا على الأرض، ولكنها بحاجة إلى مراقبة الأراضي من الجو”.

ويلفت إلى أن “علاقة العراق مع إيران وأمريكا ممتازة، ولعدة مرات قامت الحكومة العراقية بنزع فتيل الأزمة بين أمريكا وإيران، فالعراق يتعامل مع إيران كجارة قريبة ومع أمريكا كدولة غربية صديقة بعد أن كانت محتلة”.

والحديث عن انسحاب القوات الأمريكية، بدأ يتصاعد منذ تموز يوليو 2021، وذلك عقب زيارة رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي العاصمة الأمريكية واشنطن، ولقائه الرئيس الأمريكي جو بايدن، بالتزامن مع مفاوضات الجولة الرابعة والأخيرة من الحوار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن، التي كان ملف انسحاب القوات الأمريكية القتالية من العراق في مقدمتها، وبحسب بيان ختامي صدر في ذلك الوقت، لن يكون هناك أي وجود لقوات قتالية أمريكية في العراق بحلول 31 كانون الأول ديسمبر 2021.

يشار إلى أن الكاظمي، أعلن مطلع العالم الحالي، انتهاء الدور القتالي للقوات الأمريكية وقوات التحالف الدولي في العراق، وتسلم كل المعسكرات من قبل القوات العراقية، وأكد أنه “يتواجد حاليا عدد من  المستشارين يعملون إلى جانب قواتنا الأمنية”.

من جانبه، يرى المحلل السياسي غالب الدعمي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “التعاطي الشعبي والسياسي مع وجود القوات الأمريكية في العراق نسبي، ولا نستطيع القول بأننا نملك إحصائيات حقيقية، لكن ربما في المناطق الغربية وكردستان التعاطي أقل حدة، مما عليه في الوسط والجنوب”.

ويؤكد الدعمي، أن “هذا الأمر ذاته ينطبق على النفوذ الإيراني، فهناك من يرفضه وهناك من يؤيده، لأنها ترتبط معه عقائديا، لكن بالنتيجة فإن قبول وجود القوات الأمريكية مرتبط بالمصالح السياسية للشخصيات المتتفذة”.

يذكر أن الهجمات الصاروخية على مواقع القوات الأجنبية والدبلوماسية لم تتوقف منذ سنوات، لكن وتيرة الهجمات ارتفعت بعد حادثة المطار، في ظل تشكيل فصائل مقاومة “وهمية” وإعلان الفصائل الأساسية المنتمية للحشد الشعبي براءتها من هذه الفصائل الجديدة، وقد نفذت هذه الفصائل 76 عملية استهداف طيلة العام الماضي، بحسب إحصائية أعدتها “العالم الجديد”.

يشار إلى أن صراع النفوذين الإيراني والأمريكي، هما الأبزر في الساحة السياسية العراقية، وقد أدى الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وسيطرة حركة طالبان على البلد، إلى تخوف بعض الجهات السياسية في العراق وفقا لتقارير سابقة لـ”العالم الجديد”، من تكرار السيناريو ذاته، وأن يكون الانسحاب الأمريكي ممهدا لبسط إيران لنفوذها بالكامل على البلد. 

وتتزامن هذه الذكرى، مع أخطر أزمة سياسية يمر بها البلد، المتمثلة بصراع التيار الصدري والإطار التنسيقي حول شكل الحكومة، والذي أخذ منحى خطيرا اقترب من الصراع المسلح.

وكان السفير الأمريكي السابق لدى سوريا والجزائر، والموظف الرفيع في السفارة الأمريكية ببغداد (2004- 2006)، الباحث لدى معهد الشرق الأوسط في واشنطن، روبرت فورد، نشر مقالا يوم الأربعاء الماضي، أكد فيه أن الأزمة السياسية الحالية في بغداد، تشكل “بداية نهاية النظام السياسي العراقي”، الذي تأسس تحت مظلة الولايات المتحدة في الفترة 2003- 2011.

وأشار فورد في مقاله المثير للجدل، إلى أن “الأمريكيين ارتكبوا خطأين استراتيجيين كبيرين في السنوات الأولى من النظام العراقي الجديد، الأول التعامل بسذاجة بشأن مشكلة الفصائل المسلحة، إذ جرى تركيز الأمريكيين على استئصال تنظيم القاعدة تماما من العراق، وليس القضاء التام على الفصائل العراقية المختلفة، حيث كان تفكيرنا ساذجا، إذ اعتقدنا أن قادة الفصائل سيتخلون عن أسلحتهم وسيعملون فقط داخل البرلمان ومع مجلس الوزراء، لتأمين المشاريع لمجتمعاتهم، لكن الفصائل احتفظت بأسلحتها، ولم تبذل الحكومة العراقية أي جهد مجد لنزعها”.

وتابع فورد، أن “الخطأ الاستراتيجي الثاني الذي ارتكبته الولايات المتحدة في العراق، يكمن بمنح الفصائل وحلفائها من الأحزاب السياسية مزيدا من الموارد، كان لدينا فهم سطحي للفساد في الجمهورية العراقية الجديدة، حتى أن الأمريكيين حاولوا تعزيز المؤسسات لمكافحة الفساد، مثل هيئة النزاهة، وإيجاد مفتشين عموميين في الوزارات المختلفة”.

وقد بات من الواضح أن الحديث عن تغيير النظام الحالي، قد بدأ يجد صداه في دوائر القرار الغربي، فيما ألمحت ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت لذلك خلال إحاطتها بمجلس الأمن الدولي، في أيار مايو الماضي، حيث قالت “ما تزال الجوانب السلبية من الحياة السياسية العراقية تعيد نفسها في حلقة مستمرة على ما يبدو من سياسة المحصلة الصفرية، وما زال العراقيون بانتظار طبقة سياسية تسعى بدلا من الاكتفاء بمعارك السلطة التي عفا عليها الزمن إلى أن تشمر عن سواعدها لإحراز تقدم بتحقيق القائمة الطويلة من الأولويات المحلية المعلقة في العراق، ما الذي يتطلبه الأمر لإدراك أن هذا وضع من المتعذر الدفاع عنه على الإطلاق”.

إقرأ أيضا