حرب التسريبات. هل تنجو المنظومة السياسية من “كشف عوراتها”؟

شهدت الأزمة السياسية الحالية العديد من الأحداث، ولعل أبرزها التسريبات التي تتوالى بشكل مستمر، ما…

شهدت الأزمة السياسية الحالية العديد من الأحداث، ولعل أبرزها التسريبات الفيديوية والصوتية التي تتوالى باستمرار، ما اعتبرها محللون، بلوغ النظام الحالي لمرحلة كشف الأوراق الخطيرة، ودليلا على إخفاق المنظومة السياسية برمتها، لكنهم قللوا في الوقت ذاته من تأثيرها على الإطاحة بالمستهدفين، نظرا لطبيعة النظام السياسي القائم.

ويقول المحلل السياسي صلاح الموسوي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “التسريبات لم تؤثر على الشخصيات المستهدفة، وإذا أخذنا بنظر الاعتبار أن كلا من نوري المالكي وأحمد الجبوري (أبو مازن) ينتميان لكتلة واحدة وأنها محسوبة على المحور الإيراني الذي تستهدفه قوى غربية، فإنها تدخل في باب الصراع بين المحورين، وبالتالي فإن مصدر هذه التسريبات جهة منظمة مخالفة للمحور المحسوب على إيران”.

ويتابع الموسوي، أن “الصراع الحالي بلغ مرحلة أكثر حدة مما كان في السابق، حيث صرنا نشاهد مقاطع مصورة وتسجيلات تتضمن كلاما خطيرا، ولكن في الوقت ذاته فإن تركيبة النظام وطبيعة المتصارعين قد تؤدي إلى حسم الموضوع بنهاية بسيطة وليس بالمستوى المتوقع”.

وقبل يومين، نشر المدون علي فاضل، تسريبات فيديوية جديدة، كشفت عن تأدية بعض المحافظين والوزراء في الحكومة السابقة القسم أمام رئيس كتلتهم، للحفاظ على مصالحه في الوزارة والأخذ بتوجيهاته، وأظهرت المقاطع جلوس الوزراء والمحافظين أمام رئيس الكتلة ووضع يدهم على القرآن الكريم، وترديد القسم بعد شخص كان يتلوه عليهم.

وبحسب التسريبات، فإن رئيس حزب الجماهير أحمد الجبوري (أبو مازن)، هو من أقدم على هذا الفعل، وجعل المسؤولين الذين من حصته يؤدون القسم للحفاظ على مصالحه.

وينتمي أبو مازن إلى تحالف العزم الذي يترأسه مثنى السامرائي، وهو حليف الإطار التنسيقي، الذي يضم أغلب الكتل الشيعية باستثناء التيار الصدري، وأحد أقطاب الأزمة السياسية القائمة.

من جانبه، يرى المحلل السياسي علي الجبوري خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “التسريبات تشير إلى أن هناك جهة خارجية أو حتى داخلية تريد تسقيط أشخاص بحد ذاتهم وتعمل من أجل أن يكونوا أضعف في المرحلة المقبلة عبر تشويه سمعتهم أو عبر بعض الإثباتات، حتى شاهدنا بعض الصور و مقاطع الفيديو المتعلقة بالسلوكيات الشخصية”.

ويضيف الجبوري، أن “كل ما يحدث يدل على أن المنظومة السياسية بشكل عام تواصل إخفاقها وأنها لا تصلح لهكذا دور أو مهام، كما أنها سيئة على المستوى الشخصي، وأن ما ينشر في وسائل التواصل والإعلام هو غيض من فيض كثير، وربما هذه أقل السلوكيات سوءا التي مورست خلال المراحل السابقة وربما هناك ما هو أبشع وأفظع مما شاهدناه”.

ويشير إلى أنه “خلال يومين أو ثلاثة سوف ينسى الناس هذه التسريبات وينشغلون بأمور  أخرى لأن العملية السياسية مليئة بالإخفاقات وهي كثيرة ولا يمكن أن ننكرها أو نتجاهلها، فمثلا بالأمس كانت قضية وزير الصناعة، وبعده برزت قضية موظفي الوقف السني والسفير العراقي في الأردن، وهذا النوع من السلوكيات المخزية لن يتوقف”.

ويرجح الجبوري “وجود جهة لديها عمق استخباراتي كبير تحاول تسقيط طرف لحساب الآخر، ولكن في النهاية فإن جميع الأطراف السياسية ارتكبت أفعالا أفظع مما نشر، فما تم نشره جزء من الحقيقة السياسية ليس إلا”.

ويبين أن “بعض الأطراف تسعى من خلال التسريبات إلى تشويه صورة الإطار التنسيقي وجعله يبدو الطرف الأضعف في المعادلة، ولكن النتائج ربما تأتي عكسية، فمثلا موقف المالكي أصبح أقوى لدى جمهوره بعد ظهور التسريبات، حيث بدأوا يرونه بصورة المنتصر البطل والشخصية الحازمة وغير ذلك من الصفات”.

وجاء هذا التسريب، بعد التسجيلات الصوتية التي سربت سابقا لزعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، والتي أحدثت ضجة كبيرة نظرا لما تضمنته من تهديدات وإساءة لسياسيين آخرين منهم زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر ورئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني.

يشار إلى أن القضاء العراقي، أعلن الشهر الماضي، عن تلقيه شكوى رفعت ضد المالكي بسبب التسجيلات المسربة، وأنه بدأ تحقيقاته بالقضية، وطلب إفادة المسؤول عن تسريب الفيديوهات، وهو المدون علي فاضل، المقيم خارج العراق، ولغاية الآن لم يكشف القضاء عن مجريات القضية وتطوراتها.

إلى ذلك، يفيد المحلل السياسي غالب الدعمي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “هذا التوقيت طبيعي لظهور مثل هكذا مقاطع مصورة وتسجيلات صوتية، وهو ينسجم مع الرأي العام الذي بدأ يتفاعل مع قضايا مهمة، كما أن المستقبل سوف يشهد أيضا ظهور تسريبات أقوى من التي ظهرت، وهذا كله جزء من تصفية حسابات الطبقة السياسية”.

ويتابع الدعمي “يبدو أن الطبقة السياسية لم تهتم طيلة الفترة الماضية بإخفاء سلوكها وفسادها، والآن بدأت تظهر الفضائح، وهذا سيكشف للشعب حقيقة بعض الجهات السياسية”، معتبرا أن “التسريبات حالة إيجابية وصحية لتنوير المجتمع بالحقائق”.

ويلفت إلى أن “جميع التسريبات ضد الإطار التنسيقي حتى الآن، هذا صحيح، ولكنها إذا كانت حقيقية فهذا لا يعد استهدافا، أما إذا كانت ملفقة فهو استهداف بالطبع، وأي جهة لديها مخالفات لابد من فضحها بغض النظر عن انتمائها وخلفياتها”.

وتأتي جملة التسريبات هذه، في ظل أقسى أزمة سياسية مر بها البلد، خاصة بعد استخدام طرفي الأزمة، التيار الصدري والإطار التنسيقي، الجماهير في الصراع، وتوجيه كل طرف جماهيره بالاعتصام، حتى ضمت المنطقة الخضراء اعتصامين، الأول عند أسوارها تابع للإطار، والثاني أمام بوابة مجلس النواب تابع للتيار.

وما تزال الأزمة السياسية قائمة، في ظل إصرار الإطار التنسيقي على تشكيل حكومة جديدة، بمعزل عن الصدر، الذي سحب نواب كتلته من البرلمان، فيما يصر الصدر على حل البرلمان والذهاب نحو انتخابات مبكرة جديدة.

إقرأ أيضا