“العالم الجديد” تكشف خفايا جديدة حول فاجعة “القطارة”.. ومطالبات بمتابعة “المزارات الوهمية”

زائرو “قطارة الإمام علي”، ذلك التجويف الصخري الغريب في عمق الصحراء، من الباحثين عن الاطمئنان…

زائرو “قطارة الإمام علي”، ذلك التجويف الصخري الغريب في عمق الصحراء، من الباحثين عن الاطمئنان الروحي والأجر العقائدي، لم يكونوا يعلمون بأنهم على مشارف كارثة سيتنصل عنها الجميع، لأن أيا من الجهات الرسمية أو الدينية أو حتى الآثارية تعترف به أو تشرف عليه، في ظل السيطرة عليه من قبل منتفعين قاموا بتشييد بناء ضخم انطوى على مخالفات هندسية أدت إلى خلل في التربة وانهيار جزء صخري، بهدف تحقيق الربح المادي، ما عزاه ذوو الضحايا، إلى إهمال الجهات المسؤولة هذا النوع من “المزارات الوهمية” والقائمين عليها بصورة غير شرعية.

ويقول مصدر محلي مطلع في كربلاء، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “المزار المعروف بقطارة الإمام علي غير تابع لأية جهة رسمية، وغير مسجل لا في الأوقاف ولا العتبات، وإنما يديره شخص يدعى (حجي.م) مع أقربائه، وهؤلاء طالبوا الأوقاف والعتبات أكثر من مرة بتقديم دعم مالي للمزار، ولكن لم تتم الاستجابة لطلباتهم”.

وشهد المزار، أمس الأول السبت، انهيارا صخريا أدى إلى تدمير أجزاء منه ودفن العديد من الأشخاص تحت الصخور، وتم إنقاذ بعض الأطفال فيما توفي آخرون، ولغاية الآن ما تزال الأرقام متضاربة بشأن عدد المتوفين تحت الصخور، إلا أن عددهم يتراوح بين 6 و9 أشخاص.

وكانت مديرية الدفاع المدني أعلنت، أمس الأحد، في بيان أن فرق الإنقاذ في كربلاء تواصل عمليات الحفر الدقيق باستخدام معدات الإنقاذ الخفيف لقص قضبان التسليح ورفع الكتل الخرسانية في موقع المزار، باشتراك فريق النخبة من رجال البحث والإنقاذ التابع للدفاع المدني في بغداد وإسناد فرق إنقاذ محافظات بابل والديوانية والمثنى.

وتقع “القطّارة” على بعد (15 كلم) تقريبا إلى الغرب من مركز مدينة كربلاء، يوصلك اليها طريق معبّد بمسافة 3 كيلو مترات تقريباً، يقع إلى يمين الشارع المؤدي لقضاء عين التمر، وما إن تدخل بذلك الطريق حتّى يفاجئك منحدر صخري هائل يتوسطه شق عميق، وفي أسفل النهاية الحرجة لهذا الشق تقع القبّة الصغيرة التي أنشأها على حفرة صغيرة، تعلوها صخرة يقطر منها الماء.

ويضيف المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن “بعض الجهات الدينية الرسمية طلبت من (حجي.م) وأقربائه تسليم المزار لها لتتولى إدارته، لكنهم رفضوا بداعي أنهم اعتنوا به في أحلك الظروف إلى درجة الدفاع عنه من هجوم سابق لتنظيم داعش عندما كان في ذروة قوته وتمدده”.

ويبين المصدر، أن “بعض الأهالي يتحدثون عن متبرع كويتي، دفع الأموال لبناء المزار ومرآب سيارات بجانبه”، مشيرا إلى أن “المزار تحول إلى مشروع استثماري، حيث يدفع الزوار أجورا عن ركن مركباتهم، فضلا عن رميهم نقودا داخل شباك المزار، بالإضافة إلى مبيعات الطعام والشراب المرتفعة، وكل تلك الأموال تذهب إلى القائمين عليه”.

ويتابع أن “(حجي.م) كان قد تلقى تحذيرات من متخصصين بالجيولوجيا بشأن قرب انهيار المرتفعات الصخرية المحيطة بالمزار، لكنه تجاهلها”، لافتا إلى “تشكيل لجنة تحقيقية برئاسة معاون مدير شرطة كربلاء وعضوية ضابط من الدفاع المدني وأحد القانونيين في الإدارة المحلية، وتم إغلاق المزار لغاية انتهاء التحقيق”.

وكان المكان عبارة عن عين من الماء تروي كل من يقطع الصحراء، ولم تكن تعرف باسمها اليوم، إلا في سبعينيات القرن الماضي، حيث كان الرعاة يمرون بقربها لأنهم يدركون بأن هناك ماء في المنطقة، من خلال سقوط قطرات الماء من تحت الصخرة التي تتجمع في حوض تحتها، ولأن أحدا لم يكن يعرف من أين يأتي هذا الماء المتواصل، فإنهم اعتقدوا بكرامة غيبية وراءها الإمام علي الذي تروي السير التاريخية مروره من نفس الطريق.

وأعلنت وزارة الصحة، في الساعة السابعة من مساء أمس الأحد، استخراج 6 مصابين من تحت الركام و4 جثث.

يشار إلى أن محافظ كربلاء نصيف الخطابي، أعلن أنه سيتم إغلاق الموقع بالكامل لأنه يسبب خطورة على حياة الزوار.

إلى ذلك، يخبر أحد ذوي الضحايا “العالم الجديد”، أن “جميع الجهات الحكومية تبرأت من المزار والحادثة الأليمة، ولم يعد بالإمكان تحميل أي جهة مسؤولية ما جرى، وبذلك ضاعت حياة الضحايا سدى”.

ويضيف أن “من غير المعلوم، من هي الجهة الحكومية المسؤولة عن ملاحقة المزارات غير المسجلة، أو ما تسمى المزارات الوهمية والقائمين عليها، لكي نلجأ إليها للمطالبة بحقوق من فقدناهم، فمن غير المعقول وجود مزارات يرتادها آلاف الناس، وهي غير خاضعة لإشراف حكومي ولا مبنية وفق ضوابط هندسية سليمة”.

وكان رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي، قد وجه وزير الداخلية عثمان الغانمي بزيارة موقع الحادث والإشراف على عمليات الإنقاذ، بعد أن اتصل هاتفيا مع محافظ كربلاء.

يذكر أن رئيس الجمهورية برهم صالح، شدد على ضرورة استنفار الجهود لإنقاذ المحاصرين بالحادثة، فيما أشاد بجهود فرق الدفاع المدني.

وفي هذا السياق، يفيد الخبير الجيولوجي حمزة رمضان خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “تذبذب ردود المياه وعدم أخذها بنظر الاعتبار عند توسعة المدن، إضافة إلى الزخم السكاني والحركة المتزايدة، كل تلك العوامل تؤثر على مناسيب المياه الجوفية والطبيعة الجيولوجية للمنطقة”، مبينا أن “التوسع العمراني الحاصل من دون دراسات جيولوجية، يؤدي إلى تآكل أرضية المناطق ذات التربة الرملية، وبالتالي تحدث انهيارات رملية وصخرية مع أي حركة أو تذبذب أو ظهور تقطعات في زوايا الامتلاء”.

ويوضح رمضان، أن “المنطقة الصخرية لا تعني بالضرورة أنها قابلة لإنشاء أبنية فيها، فقد ينتج عن ذلك تخلخل في الأرض وانهيار عند إحدى نقاط الضعف، ولاسيما مع وجود حركة في المياه الجوفية تؤدي إلى ما يعرف بالهبوط التفاضلي في الطبقات الجيولوجية”، منوها إلى أن “مناسيب المياه الجوفية تبدأ بالهبوط في مواسم الجفاف، ما يؤثر على استقرار الطبقات الأرضية”.

ويشدد على ضرورة “دراسة ما تحت الأرض في كل مدينة أو كل موقع يراد إنشاء مبنى فوقه وليس النظر إلى الجانب الظاهر من الأرض فقط، وتكليف مهندسين متخصصين بهذه المهام ليتم إنشاء أبنية تصمد مئات السنين أمام قسوة المناخ وتغيرات التضاريس”.

وحاولت “العالم الجديد” الحصول على تعليق من المسؤولين في محافظة كربلاء، وبمختلف دوائرها الرسمية المعنية بالموضوع، لكن امتنع جميع المسؤولين عن التعليق.

و”قطارة الإمام علي” عبارة عن ينبوع ماء يقع في الصحراء الغربية لمحافظة كربلاء ويبعد عن مركز المحافظة بنحو 28 كم، بالقرب من بحيرة الرزازة، ووفقا للروايات فإن الإمام علي عندما توجه إلى صفين لحق بجيشه العطش، في وسط الصحراء صخرة فرفعها فخرج من أسفلها ماء عذب وما يزال يجري منها حتى الآن.

وكان ديوان الوقف الشيعي، أعلن فور وقوع الحادثة، أن المزار لا يدار من قبله، وأن قطعة الأرض المشيد عليها غير مسجلة باسم الديوان أو موقوفة له.

وذكر زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، على تويتر، أن “شبهات الفساد تسببت مرة أخرى بضحايا مدنيين، في (القطارة) لكن هذه المرة شمل الفساد دور العبادة وبكل وقاحة، من هنا وبعد أن نعزي ذوي الضحايا ونسأل الله أن يمن عليهم بالصبر والسلوان وأن يلحق ضحاياهم مع الشهداء والصالحين، نطالب الحكومة بتحقيق فوري وجاد من أجل كشف الحقيقة لكي لا يطال الفساد المساجد ودور العبادة كما طال مؤسسات الدولة ووزاراتها”.

إقرأ أيضا