هل ساهم التضخم باتساع رقعة الفقر في العراق؟

تسعة ملايين عراقي يعيشون تحت خط الفقر في آخر تصريح صادر عن جهة رسمية، وفيما…

تسعة ملايين عراقي يعيشون تحت خط الفقر في آخر تصريح صادر عن جهة رسمية، وفيما أوضح خبراء في الاقتصاد كيفية احتساب خط الفقر، عزوا سبب وجود هذا العدد الكبير من الفقراء إلى سوء توزيع الموارد، وارتفاع التضخم بفعل قرار خفض سعر الدينار أمام الدولار.

ويقول الخبير الاقتصادي نبيل جبار خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “ارتفاع نسب الفقر والبطالة في ظل وجود فائض مالي كبير تحقق من ارتفاع أسعار النفط، يعني أن هناك توزيعا غير عادل وغير منتظم للثروة، وأن هذا التوزيع هو من يملأ جيوب الفاسدين وطبقات أخرى، في ظل وجود شرائح محرومة واسعة”.

ويضيف جبار “لو دققنا في الرقم (9 ملايين) لوجدنا أنهم خارج المنظومة الوظيفية بشكل كامل، وفرص العمل في القطاع الخاص غير منتظمة، وهو ما يزيد من نسب الفقر، إضافة إلى ضغوط التضخم نتيجة سعر الدولار المحلي وارتفاع السعر العالمي، فهذه كلها عوامل لنقل العوائل من مستوى فوق خط الفقر إلى تحته”.

ويوضح جبار، أن “خط الفقر هو الدخل الذي يؤمن حياة الفرد الواحد، وفي الدولة العراقية يحتسب هذا الدخل على أساس 100 ألف دينار شهريا، وربما في الآونة الأخيرة ووفقا للإحصاءات الجديدة، تم رفع الخط إلى 125 ألف دينار شهريا”، لافتا إلى أن “كثيرا من العراقيين لا يحصلون على هذا الدخل الشهري لكل فرد في أسرهم”.

وكانت وزارة العمل أعلنت قبل يومين، عن وجود 9 ملايين عراقي يعيشون تحت خط الفقر.

وأعلنت وزارة التخطيط العام الماضي، أن نسبة الفقر في البلاد بلغت 25 بالمئة من مجموع السكان، بعد أن كانت 31.7 بالمائة عام 2020، فيما سجلت محافظة المثنى أعلى نسبة فقر في العراق حيث بلغت 52 بالمئة تلتها الديوانية بمعدل 48 بالمئة وميسان 45 بالمئة، بحسب بيانات الوزارة.

من جانبها، تفيد الخبيرة الاقتصادية سلام سميسم خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “موضوع الفقر في العراق يتعلق بسوء توزيع الموارد، فهذه الفوائض المالية لم تستخدم في توفير خدمات مجانية صحية أو تعليمية أو حتى غذائية رصينة”، مشيرة إلى أنه “كلما تسوء هذه الخدمات يزداد معدل الفقر، لأن أصحاب الدخول الضئيلة لا يستطيعون تأمين المتطلبات الأساسية لهم ولأسرهم وأولها الغذاء”.

وتبين سميسم، أن “على الدولة إدارة الفوائض المالية بما يضمن توفير الخدمات الأساسية والغذاء، لأ اعتماد الفرد على نفسه في توفير كل الخدمات، حتى الماء والكهرباء، سينهك دخله الشهري ويهبط به إلى ما دون خط الفقر”، مشددة على ضرورة “انتهاج سياسة اقتصادية جديدة والكف عن التعامل بشكل عشوائي ومتخبط، فمثلا وزراة التخطيط أعدت أكثر من استراتيجية لمكافحة الفقر ولكن جميعها فاشلة بدليل أنه منذ 6 سنوات تزداد معدلات الفقر ولا تنقص”.

وتبدي عدم تشجيعها على “مبادرات المنح المالية التي تقدمها الدولة مثل منحة الـ100 ألف دينار، لأن هذه المنح تؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم، والحل الصحيح هو الاهتمام بالبطاقة التموينية ودعم المؤسسات الصحية بالأدوية”.

وتشير إلى أن “صندوق النقد الدولي يحدد خط الفقر بـ3 دولارات للفرد يوميا، بينما يحدده البنك الدولي بدولار واحد و20 سنتا، ولكن الآن انطلقت معايير جديدة في الأمم المتحدة تتحدث عن الفقر متعدد الجوانب وليس المعتمد فقط على الدخل اليومي أو الشهري، ولذلك صرحت وزراة التخطيط قبل مدة بأن الموظف من الدرجة الخامسة مشمول بخط الفقر، لأن هذا الموظف لا يستطيع تأمين الغذاء أو الكهرباء أو الماء على الرغم من امتلاكه راتبا شهريا أعلى من خط الفقر”.

ويواجه قطاع الصناعة في العراق بشكل عام، تدهورا كبيرا منذ العام 2003 ولغاية الآن، في ظل توقف أغلب المعامل والتوجه للاستيراد، وقد قدر اتحاد الصناعات العراقية قبل سنوات، نسبة المشاريع المتوقفة بـ40 ألف مشروع، ودائما ما تتضمن البرامج الحكومية المتعاقبة موضوعة تنشيط الاقتصاد والصناعة المحلية، لكن من دون تحقيق أي وعد، بل تستمر عجلة التبادل التجاري مع دول المنطقة مع إهمال الصناعة المحلية.

وفضلا عن القطاع الحكومي، فإن مشاريع القطاع الخاص، شهدت انهيارا كبيرا نتيجة عدم توفر البنى التحتية، من قبيل استمرار انقطاع التيار الكهربائي أو الحماية اللازمة، خاصة في ظل الأحداث الأمنية التي يعيشها البلد بصورة مستمرة، ما انعكس سلبا على الشارع العراقي الذي تحول إلى مستهلك للبضائع المستوردة.

وعلى الصعيد ذاته، يوضح الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الإجراء الحكومي برفع سعر الدولار كان له دور في ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، فتخفيض سعر الدينار العراقي جعل العراقيين كأنهم يدفعون ربع رواتبهم ضريبة للحكومة العراقية، لأنهم يتسلمونها بالدينار، وبالتالي عندما انخفض سعر الدينار خسر المواطنون الموظفون”.

ويضيف المشهداني أن “السلع نشتريها بالدولار لأن معظمها إما مستوردة أو موادها الأولية مستوردة، وصعود الدولار أدى إلى ارتفاع معدل تضخم الأسعار إلى 8 بالمئة، وهذا سبب رئيس لارتفاع معدلات الفقر”، لافتا إلى أن “البنك الدولي أصدر تقريرا في 30 حزيران يونيو 2020 ذكر فيه أن معدل الفقر في العراق بلغ 31 بالمئة بسبب جائحة كورونا، والآن بعد أكثر من عامين رفع إجراء الحكومة بتغيير سعر الصرف معدل الفقر إلى أكثر من 40 بالمئة، ما يعني أن نحو 16 مليون عراقي يعيشون عند خط الفقر أو تحته”.

ويتابع أن “خط الفقر يقاس بمبلغ دولارين للفرد يوميا، ما يعني بسعر الصرف الحالي نحو 90 ألف دينار شهريا، وبذلك إذا كان دخل رب الأسرة الشهري 400 ألف دينار وأسرته مكونة من 5 أفراد فإن هذه الأسرة تعتبر تحت خط الفقر لأن الدخل الشهري لكل فرد فيها يقل عن 90 ألف دينار”، مبينا أن “الشرائح تعيش فوق خط الفقر ولكنها قريبة منه، فأي صعود يطرأ على الأسعار يجعلها تهبط إلى خط الفقر أو دونه، وبالنتيجة فإن الإحصائية التي تتحدث عن وجود 9 ملايين عراقي يعيشون تحت خط الفقر واقعية ولا تنطوي على مبالغة”.

ويلفت الخبير الاقتصادي، إلى أن “وزير المالية المستقيل علي علاوي كان عندما يُسأل عن تغيير سعر الصرف يجيب بأنهم درسوا الجوانب الاقتصادية فقط لهذا القرار ولم يدرسوا الجوانب الاجتماعية”، مشددا على ضرورة “استثمار ارتفاع العوائد المتحققة من صعود أسعار النفط في التمويل العاجل للمواد الخاصة بالغذاء ورواتب الحماية الاجتماعية في قانون الدعم الطارئ، ورفع هذه الرواتب من 125 ألفا إلى 150 ألف دينار شهريا”.

وتشهد أسعار النفط ارتفاعا كبيرا، حيث بلغت أكثر من 100 دولارا للبرميل، وذلك منذ الاجتياح الروسي لأوكرانيا، وهذه الأسعار لم يصلها النفط منذ 7 سنوات.

وبالإضافة لارتفاع أسعار النفط، فإن مجلس الأمن الدولي، قرر في شباط فبراير الماضي، إغلاق ملف التعويضات العراقية للكويت، بعد تسديد العراق كافة مبالغ التعويضات البالغة 52.4 مليار دولار، حيث كان يتم استقطاع 5 بالمئة من إيرادات النفط للتسديد منذ 32 عاما، والتي كانت تقدر يوميا بين 6-7 ملايين دولار، وفقا لأسعار النفط في السنوات السابقة.

إقرأ أيضا