زواج القاصرات.. سلب طفولة وأزمات جسدية ونفسية وصمت رسمي

كانت زهراء تحلم بفستان الزفاف، كأي فتاة في مرحلة المراهقة، تستهويها الفساتين البيضاء وحكايات الحب،…

كانت زهراء تحلم بفستان الزفاف، كأي فتاة في مرحلة المراهقة، تستهويها الفساتين البيضاء وحكايات الحب، وعندما عرضت عليها فكرة الزواج وهي دون الـ15 عاما، ظنت أن الأمر سيكون بمثابة لعبة “العريس والعروسة”، فوافقت بمحض إرادتها.

وتقول زهراء خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “العائلة تركت لي حرية القرار، ولكنها لم تعتبر أن ما سأقدم عليه خطأ فادح، فعلى الرغم من أن كل شيء كان جميلا في البداية؛ فستان الزفاف ومساحيق التجميل والاهتمام البالغ بي، إلا أنني عندما صحوت من هذه البهرجة الخداعة وجدت نفسي في عالم لا يتلاءم معي، حيث وجدت نفسي فجأة في عالم الكبار”.

وتتابع “لقد خسرت كل شيء، طفولتي ودراستي ومستقبلي وسعادتي، كان خطأ لا يغتفر، وليس لدي خيار سوى المضي قدما، فقد أصبح لدي ثلاثة أطفال، فضلا عن عدم امتلاكي عملا يمكن أن يساعدني بالاعتماد على نفسي، أو مكانا يؤويني إذا قررت الانفصال”.

وتفاقمت حالات تزويج القاصرات وفقا لمسؤولين في وزارة الداخلية، إلى نحو 50 بالمئة عما كانت عليه عام 2011، ما نجم عنه ارتفاع حالات الطلاق والعنف الأسري وزيادة معدلات الانتحار، بحسب مختصين.

وكانت وزيرة المرأة السابقة بشرى الزويني، أكدت في حديث صحفي العام الحالي، أن زواج القاصرات زاد من الكلف الاقتصادية على الدولة وأدى إلى ارتفاع نسب الطلاق بين هذه الأعمار، كما أنه ولد أمراضا صحية واجتماعية للفتيات اللواتي يتزوجن بهذا العمر، لعدم قدرتهن على التكيف مع الزوج وأسرته ومتطلباتها في سن الطفولة، وعدم استطاعتهن تحمل أعباء الحياة الزوجية.

وطالبت الزيني في تصريحها آنذاك، بضرورة تعديل قانون الأحوال الشخصية ومعاقبة ولي الأمر الذي يزوج ابنته بهذا العمر، وكذلك الشخص الذي يعقد عقد الزواج، مستبعدة أن يتم تعديل القانون خلال الفترة القريبة المقبلة بسبب الموروث الثقافي للمجتمع.

أما دعاء، فتروي قصتها لـ”العالم الجديد” بالقول “كنت في عمر 13 عاما، وكانت وفاة والدتي وزواج أبي من امرأة أخرى دافعا للاستعجال بزواجي، كما أنني كنت أيضا أريد الزواج للحصول على حياة مستقلة بعد أن بدأت أشعر بأنني ثقيلة على أبي وزوجته وبدأت أضيق ذرعا بسوء معاملتها لي”.

وتضيف “لقد كنت أعاني من حالة مرضية نادرة تقلل فرصي في الزواج وهي عدم وجود رحم لدي، ولكن والدي أخفى الأمر على أول شخص تقدم لخطبتي وتم الزواج، ولكن بعد مدة وجيزة من اكتشاف حالتي قرر زوجي الانفصال عني”.

وتشير إلى “أننا نعيش في مجتمع ريفي قبلي يرفض النساء المطلقات ويعدهن عارا على العائلة والعشيرة، الأمر الذي فاقم من معاناتي من دون ذنب، حتى أنني كثيرا ما أفكر بالانتحار للخلاص من حياة لم أخترها”.

وبحسب نتائج المسح الوطني للمرأة العراقية، الذي تم تنفيذه بالشراكة مع الجهاز المركزي للإحصاء في وزارة التخطيط الاتحادية وهيئة إحصاء إقليم كردستان، وبدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان مكتب العراق للعام 2021، بلغت نسبة النساء اللواتي تزوجن قبل بلوغهن سن الـ18 عاما 25.5 بالمئة، بينما أظهرت نتائج المسح أن نسبة المؤشر نفسه في كردستان بلغت 22.6 بالمئة.

وفي قصة أخرى، تقول زينب لـ”العالم الجديد”، إن “عمري كان 14 عاما عندما أجبرتني والدتي على الزواج من شخص يكبرني بأكثر من 10 سنوات من أجل مبلغ المهر الذي دفعه لهم، كان الأمر أشبه بعملية بيع وشراء”.

وتتابع “كان علي تحمل مسؤولية أكبر مني، فقد تزوجت في منزل يضم عائلة كبيرة وزوجي يعمل في السلك العسكري، وكان علي رعاية العائلة وأخذ دوري كزوجة، وبعد ذلك تحمل مسؤولية الأمومة التي ألقيت على عاتقي سريعا بعد الزواج”.

وتستطرد “لقد تعرضت للتعنيف من زوجي حتى أنني أسقطت الجنين أكثر من مرة بسبب ضربه لي وبسبب الجهد الذي أبذله في المنزل، لذلك كنت أهرب إلى منزل أهلي، كنت أبحث عن طفولتي وحياتي التي سلبت مني، إلا أن والدتي في كل مرة تجبرني على العودة، لأن الانفصال يؤثر على سمعة العائلة بنظرها”.

يذكر أن متخصصين في مجال حقوق الإنسان، أشاروا مطلع العام الحالي إلى أن العراق سيواجه مشكلة دولية في حال استمرار زواج القاصرات، لأنه مطالب بتقديم تقرير إلى لجنة مكافحة التمييز ضد المرأة ولجنة اتفاق حقوق الطفل كل أربع سنوات، متسائلين عن واقع تزويج الأطفال الذي يمثل أبشع الخروق الدولية.

وفي هذا السياق، توضح ناريمان الجاف، اختصاصية النسائية والتوليد، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “البلوغ عادة يكون بعد تجاوز سن الـ18 للمرأة، ولكن هناك نساء يبلغن في أعمار أقل من ذلك وفقا لجينات العوائل الشرقية، وهذا يعني أن الفتاة تبدأ الحيض بعمر مبكر، وهذا ما يعتبره المجتمع العراقي والشرقي عموما مبررا لتزويج الفتاة في سن مبكرة”.

وتبين الجاف، أن “نزول الدورة الشهرية على الفتاة لا يعني أنها قد بلغت وأصبحت جاهزة للزواج، فالبلوغ في العلم يعني بلوغ رحم المرأة والجهاز التناسلي بشكل عام حتى ينضج ويتمكن من حمل الجنين ويصبح قادرا على تحمل الحمل، وخلاف ذلك يؤثر على صحة المرأة وعلى بدنها بشكل كبير، وكذلك يؤثر على سلامة الطفل لأن الرحم يعد غير جاهز لاستيعابه، فتكون المرأة والطفل هما الضحية في زواج القاصرات”، لافتة إلى أن “العديد من الفتيات القاصرات في ليلة الزواج يتعرضن لنزيف حاد بسبب تدمير المهبل، وهذا قد يؤدي إلى وفاتهن”.

وفي ما يخص الجانب النفسي من الموضوع، تشير بالقول “في عيادتي يراجعنني كثير من الفتيات القاصرات المتزوجات وهن يحملن معهن الدمى الخاصة بهن، حيث أعمارهن لا تتجاوز 13 عاما، وهذا يعتبر سن المراهقة، وهو العمر الأكثر تعقيدا في شخصية الإنسان، وهذا ما يؤثر سلبا على حالة الفتاة النفسية، خصوصا وأن الزواج مسؤولية كبيرة تلقى على عاتق المرأة”.

وبحسب آخر إحصائية رسمية لمجلس القضاء الأعلى العراقي، فقد ارتفعت معدلات الطلاق، في حزيران يونيو 2022، في مختلف المدن العراقية بواقع 6330 حالة طلاق، منها 4660 حالة تصديق لطلاق خارجي و1670 تفريقا بحكم قضائي، ما يعني أن نحو 9 حالات طلاق تحدث كل ساعة، بواقع 216 حالة في اليوم.

من جهتها، ترى الناشطة في حقوق المرأة سارة جاسم، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الزواج المبكر يسبب آثارا سيئة على النساء، حيث يجعلهن أكثر عرضة للمخاطر الصحية والعزلة الاجتماعية، ما يحد من قدرتهن في الحصول على معلومات حول الصحة الإنجابية ومعرفة وسائل منع الحمل وغير ذلك”.

وتلفت إلى أن “زواج المرأة قبل سن 19 عاما يحرمها من فرص الالتحاق بالمرحلة الثانوية من التعليم بنسبة 50 بالمئة، كما تزداد معدلات الإصابة بصورة أكبر بالأمراض والضغوط النفسية لتحملهن مسؤوليات كبيرة في سن مبكرة”.

وتؤكد أن “منظمات المجتمع المدني، وخصوصا المنظمات المتخصصة بحقوق الإنسان والمرأة والطفل، تعمل بشكل مستمر على الحد من ظاهرة زواج القاصرات التي تشوه المجتمع عن طريق الضغط على صناع القرار لوضع قوانين وعقوبات رادعة، منها قانون حماية الطفل الذي يضمن حق الطفل بالعديد من الفقرات ومنها التعليم ومنع الزواج المبكر، وكذلك قانون مناهضة العنف الأسري والذي يحد من هذه الظاهرة، وتعديل قانون الأحوال الشخصية ومعاقبة ولي الأمر الذي يزوج ابنته بهذا العمر، وكذلك الشخص الذي يعقد عقد الزواج”.

وتستبعد الناشطة أن “يتم تعديل القانون خلال الفترة القريبة المقبلة، بسبب الموروث الثقافي للمجتمع، على الرغم من الحاجة إلى تشديد قانون العقوبات الذي لم يعاقب والد الزوجة أو رجل الدين الذي يبرم عقد الزواج خارج المحكمة، وهذا قصور في المادة، لأن هؤلاء يعتبرون شركاء في الجريمة وليس فقط الزوج”.

وتعزو أسباب اتساع هذه الظاهرة إلى “قلة الوعي الاجتماعي بحقوق الطفل في أن ينشأ ويكبر بصورة سليمة، والجهل بأهمية التعليم للفتيات، وكذلك ﺍﻟﻌﺎﺩﺍﺕ ﻭﺍﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺩ  تلعب ﺩﻭﺭﺍ أساسيا ﻓﻲ زواج القاصرات”، مضيفة أن “العامل الاقتصادي للعوائل ذات الدخل المحدود يؤثر في قرارها لتزويج القاصرات، فتتصور أن التخلص من فتياتهن بسن مبكرة يقلل من الإنفاق، وأن الفتاة مهما أنفق عليها فهي ليست لهم بل ستكون لزوج وعائلة أخرى، كما أن هناك أسبابا دينية في أن الزواج المبكر يصون ويحافظ على شرف الفتيات، لأن المجتمع غرس عادات وتقاليد بأن شرف العائلة مرتبط بنسائها”.

وكان مجلس القضاء الأعلى، قد أكد أن عدد حالات الطلاق التي يعلنها هي المسجلة لديه فقط، بعيدا عن الحالات التي تجري في المكاتب الشرعية.

إلى ذلك، يشير الخبير القانوني جمال الأسدي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إلى أن “قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959 المعدل، اشترط إكمال الثامنة عشر عاما للزواج في المادة 7 البند أولا”.

ويستدرك الأسدي “إلا أن المادة 8 من القانون ذاته في البندين أولا وثانيا، والتي تنص على (إذا طلب من أكمل الخامسة عشر من العمر الزواج فللقاضي أن يأذن به إذا ثبت له أهليته وقابليته البدنية بعد موافقة وليه الشرعي، فإذا امتنع الولي طلب القاضي منه موافقته خلال مدة يحددها له، فإن لم يعترض أو كان اعتراضه غير جدير بالاعتبار أذن القاضي بالزواج)، و(للقاضي أن يأذن بزواج من بلغ الخامسة عشر من العمر إذا وجد ضرورة قصوى تدعو إلى ذلك، ويشترط لإعطاء الإذن تحقق البلوغ الشرعي والقابلية البدنية)”.

وتنتشر في بغداد وكافة المحافظات، مكاتب الزواج الشرعي، وهي بقيادة رجال يرتدون الزي الديني، وتعد هذه المكاتب هي السند الشرعي الأساسي لعقود الزواج والطلاق من قبل غالبية المواطنين، وتبرم هذه المكاتب عقود الزواج والطلاق مقابل مبالغ مالية مختلفة، لكن بالمتوسط تبلغ بين 60-80 دولارا.

دينيا، يبين الشيخ مجيد العقابي، رئيس مركز الفكر للحوار والإصلاح، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الفتاة يجب أن تبلغ سن الرشد حتى يمكنها الزواج، أما دون سن الرشد فلا يمكن لها فعل ذلك”، مشيرا إلى أن “سن التاسعة هو سن البلوغ الشرعي للفتاة الذي يرتب عليها أحكام الصوم والصلاة وليس سن الزواج، فمسألة الزواج تخضع للشروط الطبية، كأن نقول (إن الوعاء إذا أصبحت تمر به الدماء أصبحت قابلة للزواج)، ولكن هل هذا يكفي شرعا لتزويجها؟ قطعا لا، لأن الشريعة تشترط البلوغ والرشد لزواج الفتاة”.

ويضيف العقابي “لا يمكن لفتاة في سن التاسعة أن تتزوج وهي بحاجة إلى من يربيها، لذلك لا يحدد الفقهاء الشيعة عمر الزواج وإنما يشترطون الرشد، أما مقولة (زوجوها بالثمان وعلي الضمان) هي مقولة لا سند ولا صحة لها”.

إقرأ أيضا