أزمة العراق تعلق المحادثات السعودية الإيرانية.. وتحذير من فوضى بعموم المنطقة

تقدم دبلوماسي ملحوظ أحرزته بغداد في الفترة الماضية، حتى أنها استضافت أكثر من جلسة محادثات…

تقدم دبلوماسي ملحوظ أحرزته بغداد في الفترة الماضية، حتى أنها استضافت أكثر من جلسة محادثات بين الرياض وطهران، أبرز خصمين في المنطقة، لكن التوترات السياسية في العاصمة العراقية عطلت المحادثات بين الجانبين، في ظل تحذيرات من استمرار الأزمة مدة أطول، لأنها قد تعيد زمن الإرباك والفوضى إلى عموم المنطقة.

ويقول المحلل السياسي راجي نصير خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “هناك ترابطا كبيرا بين أغلب ملفات المنطقة، وأي إرباك يحدث في أي ملف معين سيؤثر بالتأكيد على بقية الملفات، والعراق تاريخيا هو مركز الثقل والصراع في المنطقة، وساحة الصراع حتى الدولي وليس الإقليمي فقط، وهو كذلك مفتاح الحل، فإذا استقر العراق استقرت المنطقة بالكامل، وإذا اضطرب اضطربت، وعليه فإن استقراره مهم جدا لاستقرار المنطقة”.

ويوضح نصير، أن “كثيرين يعتقدون بوجود ترابط بين ما يجري في العراق وبين المحادثات النووية الأمريكية- الإيرانية، ولكن في الحقيقة لا تقتصر هذه المحادثات على العراق فقط، بل تشمل الكثير من الملفات، ومنها ملف العقوبات على إيران ولبنان وسوريا واليمن، وكذلك الحرب الروسية- الأوكرانية وملف الاقتصاد مع الصين”.

ويشير إلى أن “الولايات المتحدة تسعى إلى تهدئة الأوضاع مع إيران، وربما ستتوصل إلى اتفاق معها ليس فقط لحسم موضوع العراق، وإنما للتفرغ للمواجهة مع روسيا والصين، فالهم الأمريكي الأكبر حاليا هو الصراع مع موسكو وبكين اللتين تهددان العالم عسكريا واقتصاديا، وبالتالي لم تبق بقية الملفات بالأهمية ذاتها بعد الحرب الروسية- الأوكرانية”.

وكان سفير إيران لدى الكويت محمد إيراني، ذكر في تصريحات لصحيفة “الراي” الكويتية أن عقد جولة سادسة من المحادثات بين السعودية وإيران في بغداد سيتم عندما تكون الظروف مواتية في العراق، مشيرا إلى أنه “كان من المقرر عقد جولة جديدة من المحادثات الشهر الماضي لكنها تأجلت بسبب التطورات الأخيرة في العراق، وهناك اتفاق على استئناف المباحثات بجولة سادسة لكن علينا انتظار دعوة عراقية بعد الأحداث الجارية في العراق، وهذه المحادثات تهدف إلى التوصل لاتفاق لعقد اجتماع مباشر بين وزيري خارجية السعودية وإيران”.

وثمة خصومة بين السعودية وإيران منذ عشرات السنين، وفي العام الماضي بدأ الجانبان محادثات مباشرة في محاولة لتحسين العلاقات، حيث استضافت بغداد خمس جولات من المحادثات حتى الآن كان آخرها في نيسان أبريل.

من جهته، يرى المحلل السياسي علي البيدر خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “أطراف الأزمة العراقية لديها أجندات خارجية يحاولون تنفيذها في العراق، وهناك مواقف متباينة وحتى متناقضة لتلك الأطراف، وربما يعاد استخدام الساحة العراقية كحلبة صراع واستهداف وتصفية من قبل أقطاب الشرق الأوسط والمنطقة الإقليمية”.

ويشدد البيدر، بأن “على الفاعلين السياسيين التنبه لذلك، والتعامل وفق مفهوم الدولة، والعمل على حمايتها وتحصينها، ولكن لحد الآن لا توجد بوادر لذلك، ما يجعل تأزم العلاقات بين تركيا وإيران والسعودية أمرا ممكنا، وبالتالي يمكن أن نشاهد ساحة عراقية ساخنة لتصفية الحسابات بأدوات عراقية داخل المشهد السياسي”.

ويلفت إلى أن “ما يجري في العراق غير مرتبط بالمحادثات النووية بين أمريكا وإيران، ففي عام 2015 عقد الاتفاق النووي على الرغم من أن إيران كانت متغلغلة في العراق وسوريا ولبنان واليمن في حينها، ولم تشترط أمريكا في ذلك الوقت تقليص النفوذ الإيراني في المنطقة مقابل إبرام الاتفاق”.

وكانت وزارة الخارجية الإيرانية أعلنت، الأربعاء الماضي، أن إيران تسلمت رد واشنطن على النص “النهائي” الذي قدمه الاتحاد الأوروبي لإنقاذ اتفاق طهران النووي لعام 2015 مع القوى الكبرى، ولم تقدم أي دلالة قاطعة عن مدى اقترابه من تضييق الفجوات المتبقية.

وبعد 16 شهرا من المحادثات الأمريكية الإيرانية المتقطعة وغير المباشرة التي تضمنت قيام مسؤولي الاتحاد الأوروبي بجولات مكوكية بين الجانبين، قال منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل في الثامن من آب أغسطس إن الاتحاد قدم “نصا نهائيا”.

وردت إيران الأسبوع الماضي على نص الاتحاد الأوروبي بتقديم “آراء واعتبارات إضافية” بينما دعت الولايات المتحدة لإبداء المرونة لحل ثلاث قضايا عالقة.

إلى ذلك، يفيد الكاتب والمحلل السياسي فلاح المشعل خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “الأزمة العراقية ليست وليدة اليوم، وهي تتكرر مع كل انتخابات ويبقى الصراع مستمرا من أجل نيل الجزء الأكبر من كعكة السلطة، ولكن الشيء الجديد الآن هو أن الأزمة ربما طال أمدها أكثر مما سبق”.

ويتابع المشعل، أن “من الطبيعي تعليق الحوار السعودي الإيراني في بغداد في ظل الأزمة الراهنة، فالطرفان ينتظران انتهاءها ليعاودا المحادثات، وهذا يعني أنها تم تأجيلها ولم تفشل”، موضحا أن “الأزمة العراقية لم تحل بطريقة مقبولة أو سلمية، وإنما ستكون لها انعكاسات وخيمة على المنطقة لأن العراق يقع بين إيران ومشروعها بالتوسع والسعودية والأردن من جهة أخرى، لذا سيلحق أي صدام مسلح بين طرفي الأزمة العراقية أضرارا بالغة بإيران والسعودية ودول الخليج والمصالح الدولية”.

يذكر أن العراق يمر بأزمة سياسية خانقة بدأت تتفاقم بعد إعلان نتائج انتخابات تشرين الأول أكتوبر 2021، حيث فازت الكتلة الصدرية بأعلى عدد من المقاعد البرلمانية بين بقية الكتل، ما أثار استياء الإطار التنسيقي الذي يضم معظم القوى الشيعية المقربة من إيران والفصائل المسلحة، فطعن بالنتائج زاعما أن الانتخابات مزورة.

وسعى زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر إلى تشكيل حكومة أغلبية بالالتحام مع تحالف السيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني، لكن المحكمة الاتحادية تلقت طلبا بتفسير المادة الدستورية المتعلقة بنصاب جلسة البرلمان لانتخاب رئيس الجمهورية، فجاء التفسير مشترطا حضور ثلثي أعضاء البرلمان لتحقق النصاب، ما مكن الإطار من تشكيل “ثلث معطل” أحبط أكثر من جلسة لانتخاب الرئيس والمضي في تشكيل الحكومة.

وفي إثر ذلك قرر الصدر سحب نوابه من البرلمان، فقدموا استقالاتهم في 12 حزيران يونيو 2022، فسارع الإطار إلى شغل مقاعدهم وتكوين أغلبية برلمانية قادرة على تشكيل الحكومة، لكن الصدر قرر مواجهتهم بقوة الشارع، فقد اقتحم أنصاره مبنى البرلمان في 27 تموز 2022 ثم اعتصموا حوله، ما أدى إلى تعطله.

إقرأ أيضا